أفغانستان: فشل السياسة الامريكية ومعزوفة الانتقال الديمقراطي السلمي


محمد علي الماوي
2021 / 8 / 25 - 01:06     

كان الشعب الافغاني يرزح سنة 1979 تحت حكم تابع للاتحاد السوفياتي (الامبريالية الاشتراكية آنذاك) ولم تكن الولايات المتحدة الامريكية مرتاحة لمثل هذا الوضع في اطار الصراع الامبريالي في المنطقة فقدم مستشار كرتار بريزنسكي خطة للتدخل وإزاحة النفوذ "الروسي" تمثلت اساسا في تسليح "المجاهدين" وتدريبهم وقدمت المخابرات دعما ماليا بمليارين من الدولارات وصواريخ ستيجر للتصدي للطيران السوفياتي غير ان غورباتشوف سنة1989
تخلى عن دعم الحكومة وانسحب من افغانستان فحصلت حرب اهلية وافتك طالبان السلطة باعتباره الطرف الاكثر تنظيما سنة 1996
تأسيس القاعدة
اسس بن لادن القاعدة سنة 1988 وقدم خدمات جليلة للمخابرات الامريكية وللحلف الاطلسي عبر المخابرات الباكستانية فخلال الحرب الاهلية في يوغسلافيا (1992-1995) بعث البنتاغون ألاف مجاهدي القاعدة الى البوسنة والى كسوفو ثم الشيشان ومقدونيا وقزين جيان في الصين وكانت المخابرات الامريكية تعول على طالبان لاستغلال النفط والغاز الموجودين حول بحر قزوين وجعله يمر عبر افغانستان بما انها خسرت ايران ولامجال لاستعمال الاراضي الروسية غير ان طالبان الذي حكم افغانستان بين عامي 1996و 2001،
لم ينجح في فرض سيطرته على الاراضي الافغانية وتوفير الاستقرار اللازم لمرور خط الانابيب وانتهت العلاقة عندما غزت امريكا افغانستان سنة2001
وازاحت طالبان من السلطة وهي الحركة التي سلحتها واعدتها للتخلص من محمد نجيب الله عميل الاتحاد السوفياتي وقد انفقت امريكا مايقارب 2000 مليار دولار في هذه الحرب (اطول حرب في تاريخ امريكا) التي خلفت اكثر من 160 الف قتيلا(1) وشردت 5,5 مليون افغاني.
خطة الانتقال الديمقراطي والفشل الامريكي
ان فشل امريكا في فرض حكومات صورية فاسدة دفعها الى ايجاد توافقات من جديد مع طالبان وقد انطلقت المفاوضات منذ
2010 حيث جَرَت عمليّةُ تبادلٍ للأسرى بين الطرفين، لكنّ التسوياتَ النهائيةَ تمَّ رسمَها سنة 2018 وكانَ آخرُها بدايةِ عام 2020 حيثُ اتّفقَ الطرفان على الانسحابِ الأمريكي خلالَ 14 شهرا،. ، مع موافقةِ أمريكا على رفعِ العقوباتِ المفروضةِ على "طالبان" والعملِ مع الأممِ المتّحدةِ على رفعِ عقوباتِها أيضاً ضدّ الحركةِ، وتمت هذه المفاوضات عِبْرَ مكتبِها في "الدوحة"، الذي فُتِحَ باتفاقٍ أمريكيٍ قطريٍ، وقد رَأَسَ هذا المكتبَ "عبدالغني برادر" منذ 2018 وهو الرجلُ الثانيَ في ألحركة والذي وقع اطلاق سراحه اثر الضغط الامريكي على الحكومة الباكستانية.
يتضح للعيان ان جو بايدن سلّم السلطة لطالبان رغم الادعاء بان امريكا ستعمل على بناء دولة حديثة واستئصال جذور الاسلاميين كما تأكد ان جو بايدن يريد الانسحاب وحفظ ماء الوجه تجنبا لفيتنام جديد وحالما تم الاعلان عن الصفقة مع طالبان فرّ أشرف غني في طائرة خاصة الى طاجيكستان وانهار جيشه الذي يعد اكثر من 300 الف جنديا دون مقاومة وسلّم سلاحه لطالبان ( 75 الف مقاتل) وستعمل امريكا مجددا عبر اتفاقات علنية وسرية على استثمار طالبان في سياساتها القادمة في اطار الصراع على المنطقة والتصدي للزحف الروسي والصيني وحتى التدخل الايراني.كما ستستفيد من ثروات البلاد (معدن الليثيوم و مخزونٌ من الأحجارِ ألكريمة والنحاسِ والحديدِ والذهبِ والبريليوم)
وفي المقابل سيستغل طالبان هذه الظروف ليصبح كيانا شرعيا وفق المواثيق الدولية بدعم امريكي خاصة وانه تمكن من عقد عشرات التوافقات مع العشائر وأمراء الحرب فضلا عن قوى اخرى مثل الطاجيكَ والأوزبكَ والآذريين، وقد رصدَ هؤلاء آلافَ المقاتلين لصالحِ طالبان،مقابل بعض الامتيازات .

الصراع الامبريالي وقضية التحرر الوطني
تسعى الامبريالية دوما الى التحكم في مصير شعوب العالم واستخدمت الامبريالية الامريكية مثلا في العقود الماضية قوتها العسكرية-العدوانية للدفاع عن اسواقها ومواقعها وحماية مصالحها في جميع انحاء العالم.
وقد اثبتت الانتفاضات الشعبية من "ثورة ألبرتقال الى الانتفاضات العربية ان الامبريالية تهرول لمنع تحوّل هذه الاحتجاجات الى ثورات ضدها وتسارع لإنقاذ العملاء او تغييرهم حسب الاوضاع المحلية وإن تطلب الامر دعم أكثر الاطراف رجعية على غرار التيارات الاسلامية كما وقع ذلك في العراق وسوريا وليبيا وتونس ...ويتم ذلك تحت غطاء دعم الديمقراطية وحقوق الانسان أو الانتقال الديمقراطي السلمي من خلال تنظيم انتخابات تتحكم فيها الكتل الحاكمة.كما اصبحت الرجعيات الحاكمة تتبنى لفظيا شعارات الحركة الثورية والشعبية فتزايد بالسيادة الوطنية والديمقراطية وتدعي انها مع الثورة الخ من المخاتلات.
وقد تمكنت الامبريالية الى حد الان بفضل هامش المناورة وقوة السلاح والمال الفاسد من اخضاع العملاء وترويض الاحزاب الانتهازية والمجتمع "المدني"وبالتالي اخماد شرارة الانتفاضات الى حين وإضعاف القوى الثورية من خلال قمعها او اختراقها من قبل المخابرات المحلية والخارجية.
دمرت الامبريالية العديد من البلدان وقتلت مئات الآلاف من الارواح وشردت الملايين واستغلت شعوبا بأكملها.
غير ان مناورات الامبرياليين والعملاء لم تعد تنطلي على الشعوب المضطهدة
إذ تواصلت وتيرة الاحتجاجات بفضل تنامي الوعي في اشباه المستعمرات وفي عقر دار الامبرياليات فالشعب الامريكي مثلا -حسب سبر الآراء يرفض التدخل العسكري وإشعال الحروب ( 9 بالمائة فقط من الامريكيين ايدوا التدخل العسكري في سوريا كما لم يقع دعم التدخل العسكري لإزاحة مادورو في فنزويلا)
ورغم الضجيج الامريكي بشأن عمل عسكري في ايران وكوريا الشمالية ...فظل مجرد هراء.كما لم تفعل شيئا سوى التنديد بشأن الصراع مع روسيا في جورجيا حول اوسيتيا الجنوبية سنة 2008 وحول انضمام شبه جزيرة القرم سنة 2014
ولم تحقق اهدافها في العراق بل افتضحت بربريتها في الفلوجة وسجن "ابو غريب".و لم تقدر على فرض سياستها في سوريا وليبيا بفعل دعم الامبريالية الروسية لنظام اسد وتواجد ايران على الارض.وخسرت الكثير في شرق آسيا بما ان الامبريالية الصينية تظل اقوى قوة عسكرية هناك.
ان صراع الامبرياليات الهادف الى نهب ثروات الشعوب لن يهدأ بل سيحتد مع تطور حركات التحرر الوطني وستظل الشعوب ضحية هذا الصراع المحموم وضحية مناورات الرجعية العميلة والانتهازية التي دأبت على تبييض وجه العملاء والخونة.
فسينهض الشعب الافغاني الذي عانى الكثير من الاحتلال طوال عقود وسيدرك طبيعة اعدائه : الامبريالية والحكومات المنصبة والتيارات الاسلامية البربرية وستفرز نضالا ته قيادة ثورية تنير له طريق الخلاص.

(1) 47 الف من المدنيين-66 الف في صفوف الجيش الافغاني-51 الف طالبان-5100 جنود الامم المتحدة
Source originale: De Wereld Morgen
Traduit du néerlandais par Marc Vandepitte pour Investig’Action
تونس – 22 اوت 2021
محمد علي الماوي