عندما التقيت محمد الفاتح


مازن كم الماز
2021 / 8 / 24 - 01:19     

كنت أسير في شوارع إستانبول ، هنا بقايا السور البيزنطي القديم الذي صمد طويلًا قبل أن ينهار أخيرًا تحت ضربات الغزاة ، هناك كنيسة أصبحت مسجدًا فمتحفا فمسجدا و قد تصبح في الغد أي شيء يريده سادة المدينة و ربما غزاتها الجدد … هناك شاهدت محمد الفاتح وسط انكشارييه و فرسانه و مدافعه الثقيلة تحيط به حاشيته بقلنسواتهم و نظراتهم الغبية ، نظرت إلى الفتى و قلت له ، تعال يا محمد نبني مدينة أجمل من القسطنطينية ، تعال نبني بيوتًا أطول و أقوى ، تعال نزرع ورودًا أجمل ، تعال نكتب أشعارًا أحلى ، تعال نبني مدينة لا غنيًا فيها و لا فقير ، لا سيدًا و لا عبد … لكن الفتى لم يكن يسمعني ، كانت عيناه معلقتان بالأسوار ، لم يكن يسمع إلا هدير القنابل و لا يرى إلا كنوز القسطنطينية و كل الذهب الذي في الأرض … كان الجنود يقصفون الأسوار بحماس و عيونهم تشخص إلى البعيد ، وراء تلك الأسوار الكثير من الذهب و الفضة ، نساء جميلات و قصور بأسقف مرتفعة كان سكانها على وشك مغادرتها إلى الأبد … كان رب العسكر يوزع خمره على الجنود و كان السلطان ثملًا و السماء تردد صدى الموت القادم … خاطبت الفتى من جديد ، دع عنك هذه المدافع يا محمد و تعال نشرب بعض الخمر و نستمع لمولانا جلال الدين و نرقص حتى الصباح ، دع عنك هذه السيوف و تعال نعربد حول النار ، نبحث في الشاطئ عن أصداف غريبة و نحاكي النوارس و نستحم بزبد البحر … كانت البيوت على وشك أن تودع سكانها و أن تستقبل سكانًا جددًا يملكون مدافعًا أكبر و كان ذهب القسطنطينية و قصورها على وشك أن تودع أصحابها هي أيضًا لتستقبل أصحابا جدد ، كان رب الجنود يعيد توزيع الغنائم من جديد ، سيعربد الجنود بعد يومين ، ستسيل الدماء بلا حساب و ستصدح صرخات النصر و الرعب و سيصلي الجميع قتلة و مقتولين ، لرب العسكر … نام الفتى تلك الليلة و استيقظ سلطانًا في الصباح أما أنا فكنت أمشي في شوارع مدينة تختبئ خلف أسوار تنتظر غزاة يملكون مدافع أكبر