صفحات مطوية من التاريخ


تميم منصور
2021 / 8 / 21 - 21:48     

كيف استدرج الفرنسيون الجيش المصري الى حرب المكسيك
من يصدق ان مصر أرسلت كتيبة من جيشها للمشاركة في الحرب في بلاد المكسيك ، وتم ذلك عندما حكم مصر الخديوي سعيد ، وما يثير الدهشة ان كتب التاريخ خاصة في مصر كتبت عن هذه الحرب بخجل وعلى صفحات شبه منسية رغم ما تحمله من عبر ودروس ، ورغم أن هذه الحرب استمرت اربع سنوات وسبعة عشر يوما
قدم الخديوي سعيد هذه الخدمة تلبية لطلب صديقه امبراطور فرنسا نابليون الثالث، وهناك من يؤكد انها جردت إرضاء للامبراطورة اوجيني التي كانت تربطها علاقات خاصة بالخديوي سعيد
كانت الحملة تهدف مواجهة الثورة الوطنية في المكسيك ضد الاستعمار الاسباني المدعوم من كل من فرنسا وبريطانيا، اتهمت الحكومة المكسيكية المحلية بانها لم تسدد الديون المستحقة عليها، لذلك قررت اسبانيا بدعم كل من فرنسا وبريطانيا قمع الثورة وإقامة حكومة موالية لسياستها، حاولت فرنسا الاستعانة بأصدقائها لدعمها في هذه الحرب فلجأ زعيمها نابليون الثالث الى صديقه الخديوي سعيد الذي لبى طلبه وقد حدث ذلك سنة 1863
بعد أربعة شهور من القتال، سحبت كل من اسبانيا وبريطانيا قواتهما من القتال تاركة فرنسا وحدها متورطة في القتال، هذا ما جعل فرنسا تبحث لها عن شركاء كان الهدف اذن القتال ضد ثورة تهدف الى التحرر ومساندة دولة استعمارية، انتهت الثورة بالانتصار وتولى زعيمها الوطني جواريز رئاسة اول جمهورية في المكسيك
وقد نشر الأمير عمر طوسون كتاباً في اول الثلاثينات كتاباً روى فيه قصة هذه الحملة منذ مغادرتها الإسكندرية وحتى عودتها يوم الثامن من يتاير عام 1867
بلغ عدد جنودها عندما غادرت 453 ضابطاً وجنديا، غادرت الكتيبة المصرية ميناء الإسكندرية على متن الباخرة الفرنسية لاسين في طريقها الى ميناء طولون الفرنسي، هناك شاهد الجنود المصريون لأول مرة مدينة أوروبية، في طولون انضم اليهم جنود وصلوا من المستعمرات الفرنسية، خاصة من المغرب العربي، استقل الجميع سفينة فرنسية ثانية أبحرت بهم اتجاه المكسيك، وقد وصلوها يوم 23 فبراير، وخلال الطريق توفي سبعة من الجنود المصريين، ومع وصول الجنود المصريين الى العاصمة مكسيكو أقيمت الاحتفالات وقامت الكتيبة المصرية باستعراض عسكري في ميادين العاصمة المكسيكية، ومنح كل جندي علاوة مالية متواضعة

واجهت الحملة منذ مراحلها الأولى مشكلة التواصل مع بقية الجنود، تمكنوا من حلها عن طريق الجنود الجزائريين الذين قاموا بالترجمة، كانت التقارير تصل الى القاهرة تصف ما يعانيه الجنود المصريون وهم يخوضون حربا ليست حربهم في بلاد بعيدة عن بلادهم، كان سوء المناخ اهم أعداء الحملة بما يسببه من امراض،
فقدت الكتيبة المصرية قائدها بعد فترة قصيرة من وصولها ويدعى جبر الله محمد بعد ان أصيب بالحمى الصفراء .
وذكر احد التقارير أن الوحدة المصرية تميزت بالشجاعة والبراعة في الرماية وقوة التحمل ، لذلك أوكل لها دعم المواقع المتقدمة وتولي اصعب المهام وهي صد الغارات التي كان يشنها الثوار على قوافل الامدادات والذخيرة وذكر كتاب " مصر في عهد الخديوي إسماعيل " أكد شجاعة جنود الوحدة المصرية كما اعترف بشجاعتهم القائد الفرنسي في المكسيك واثنى على هذه الشجاعة ايضاً الخديوي اسماعيل فكتب لهم : " وردت على مسامعنا ما قمتم به من ثبات واقدام وما ابديتموه من شجاعة ومهارة ".
وتمضي الأيام وتكمل الحملة المصرية سنتها الرابعة ويتعرف جنودها على أهالي المكسيك ويتعاطفون معهم وقد تعلم المكسيكيون صنع الخبز المصري من الجنود المصريين ، وفي عام 1867 تقرر سحب القوات الفرنسية وتبعها ايضاً قرار سحب القوات المصرية تاركةً وراءها ذكريات مرة وقد عاد جنود الحملة المصرية على ظهر السفينة الفرنسية وعندما وصلوا الى ميناء الإسكندرية استقبلوا استقبال الابطال رغم الخسائر الفادحة التي وقعت داخل صفوفهم، وبعد مضي عدة سنوات تتكرر مأساة المكسيك بمصر ففي زمن الخديوي إسماعيل عجزت عن دفع مستحقاتها المالية فتقرر عزله عن السلطة وكانت فرنسا اول دولة وافقت على ذلك عام 1879 رغم ما قدمه لها من مساعدة في حرب المكسيك . وفي النهاية وقعت مصر فريسة للدول الاستعمارية عندما احتلتها بريطانيا عام 1882 .