ماذا بعد الانتخابات الرئاسية السورية


جاسم ألصفار
2021 / 8 / 21 - 02:25     

د. جاسم الصفار
أجريت يوم 26 أيار انتخابات رئاسية في سوريا. فما الذي أراده النظام السوري من انتخابات يفوز فيها رأس النظام بنسبة 95.1٪ من أصوات الذين شاركوا في الانتخابات والذين بلغت نسبتهم 78٪ممن يحق لهم التصويت في مناطق سيطرة النظام؟ هل هي لكسب شرعية دولية للنظام؟ أم أنها لزرع الثقة بالعملية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية؟ أو أنها كانت اعلان عن نهاية الحرب وتحقيق النصر، كما تبين من خطاب الرئيس يوم الانتخابات؟ وأخيراً، فهل جاءت هذه الانتخابات في وقتها المناسب؟
من بين العديد من التوقعات حول مصير النظام السوري وقيادته بعد عقد من الحرب الدموية الطاحنة، والتدخل الأجنبي، وصعود وسقوط تنظيم ما يعرف بالدولة الاسلامية، والدمار الهائل للمدن والبلدات، وتدفق اللاجئين والنازحين داخلياً وخارجياً، كان من المؤكد أن بشار الأسد البالغ من العمر 55 عامًا سيبقى في السلطة خلال السنوات السبع المقبلة. بهذا المعنى كتبت كولف نيوز، وهي صحيفة تصدر باللغة الإنجليزية في الإمارات العربية المتحدة، بعد يوم واحد من اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا.
على خلاف ما أشار اليه يوري زينين، الخبير البارز في مركز MGIMO الروسي لدراسات الشرق الأوسط، الحاصل على دكتوراه في التاريخ، في تعليق لـ "إيكونوميكست توداي" من أن العملية الانتخابية جرت بسلاسة ولم تواجه أي نشاطات شعبية معارضة، فقد ذكر العديد من المراقبين الاخرين أن الدعوات لمقاطعة الانتخابات انتشرت في المناطق التي استعادت السلطات السورية سيطرتها عليها وجرى التعبير عنها بنشاطات شعبية معارضة مختلفة. وكما كان متوقعا لم تنل نتائج الانتخابات اعترافا دوليا واسعا بها. ورغم مشاركة مرشح من خارج حزب البعث الحاكم إضافة الى مرشح من المعارضة السياسية الداخلية، الا أن التصويت في الواقع، كان استفتاء على الثقة بالرئيس بشار الأسد.
في الوقت نفسه، أعطى الحليف الروسي تقييماً إيجابياً للانتخابات في سوريا، تحت ذريعة أنها جرت "بالتوافق التام مع الدستور الحالي للبلاد والتشريعات الوطنية"، كما قال ديمتري بوليانسكي، النائب الأول لممثل الاتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة، مضيفا "إنها لا تتعارض بأي حال من الأحوال مع أحكام قرار مجلس الأمن رقم 2254 والقرارات الدولية الأخرى، التي تستند إلى احترام سيادة الجمهورية العربية السورية". كما انتقد قرار ألمانيا وتركيا بمنع مشاركة اللاجئين السوريين على أراضيها في الانتخابات الرئاسية.
ولطمأنة الرأي العام العالمي والإقليمي والمعارضة السياسية لنظام الأسد، أوضحت موسكو أن الانتخابات والعملية السياسية غير مترابطتين بأي حال من الأحوال، فإذا تم التوصل إلى حل وسط بشأن الدستور الجديد، فمن الممكن تمامًا إجراء انتخابات جديدة. أما إذا لم يتغير الدستور فبالنسبة لبشار الأسد ستكون هذه آخر فترة رئاسية. هذا، علما بأن روسيا كانت تفضل اجراء الانتخابات في سوريا بعد اعتماد دستور جديد للدولة السورية، رغم إصرار الأسد على الفصل ما بين العمليتين، حسب ما ذكرت كولف نيوز في 28 من شهر مايو.
كانت نتيجة الحرب في سوريا أن سيطر نظام الرئيس بشار الأسد على معظم سوريا، بينما احتفظت الولايات المتحدة بوجود عسكري في الشرق وانتشرت القوات التركية في الشمال، مع حالة من الجمود في إدلب، آخر معقل لمقاتلي المعارضة المسلحة. في هذه المرحلة، يبدو أن المعارك الكبيرة قد انتهت. الا ان تبعاتها أفرزت تحديات كبرى قد يصعب تجاوزها دون وحدة داخلية وانفتاح على العالم الخارجي.
في حرب دموية طويلة انتصر الأسد ونظامه رغم التضحيات الجسيمة التي قدمتها سوريا. قُتل حوالي 600 ألف سوري، وأصبح الملايين لاجئين، وانخفض عدد سكان البلاد ككل بنحو 4 ملايين نسمة. من عام 2011 إلى عام 2018، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 55 مليار دولار إلى 20 مليار دولار، ويعيش اليوم 80٪ من السوريين تحت خط الفقر، وانخفض متوسط العمر المتوقع بمقدار 20 عامًا. المشاكل الاجتماعية هائلة، وهناك نقص في العاملين في مجال الرعاية الصحية والتعليم.
تم تدمير ما لا يقل عن ثلث البلاد، ونزح ملايين السوريين داخليًا أو لجأوا إلى الخارج. تقدر الأضرار التي لحقت بالاقتصاد بمئات المليارات من الدولارات. سوريا تخضع لعقوبات أمريكية وغربية والمواطنون السوريون يعانون من شظف العيش في ظل انخفاض غير مسبوق لسعر الليرة السورية. باءت محاولات المصالحة بين النظام والمعارضة، على أنواعها، السلمية والمسلحة، بالفشل سواء بوساطة روسية أو غير روسية.
السؤال الوحيد هو كيف ستعيش سوريا هذه السنوات السبع القادمة. فالبلاد ما زالت منقسمة، وآفاق إعادة الأراضي المتبقية دون إراقة أنهار من الدماء تبدو بعيدة، والوضع في المحافظات التي تمت فيها المصالحة مازال قلقا، وهو ما ظهر في مثال درعا ومناطق أخرى في الجنوب من البلاد. خارج سوريا، هناك حوالي 5.5 مليون لاجئ، وأكثر من 6 ملايين نازح داخليًا. تضغط روسيا بنشاط من أجل عودتهم، لكن ليس من الواضح الى أين وكيف ستكون ظروف حياتهم في مناطق عودتهم.
يبقى الاقتصاد أحد المشاكل الرئيسية. يكاد يكون من المستحيل إجراء حساب دقيق للضرر الاقتصادي في بلد كان في حالة حرب لأكثر من عشر سنوات. وبحسب عدد من الدراسات، دمرت الحرب حوالي 40٪ من البنى التحتية السورية. حرم ثلث السكان من ظروف الحياة الطبيعية - على وجه الخصوص، لا توجد إمكانية توفير المياه والصرف الصحي. الدولة السورية، التي كانت ذات يوم خزان هائل للحبوب، تسد حاجة دول الاقليم، أصبحت قدرتها مقتصرة على تغطية احتياجاتها من الحبوب بنسبة 50 ٪ فقط. الأسعار ترتفع والأجور تنخفض. وفقًا لتقديرات مختلفة، قد تتطلب إعادة إعمار سوريا ما بين 250 إلى 530 مليار دولار، ومن غير المعروف كيف يمكن توفيرها.
لن يرفع الغرب العقوبات عن سوريا ويمنح المال لإعادة بناء البلاد حتى يتم إجراء إصلاحات سياسية تشترط إزاحة الأسد عن السلطة. موارد أصدقاء سوريا، بما في ذلك روسيا، لن تكون كافية لإعادة بناء البلاد، ناهيك عن مشكلة الفساد التي لم يتم حلها. في حين أن الأزمة الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى انفجار اجتماعي في البلاد ينتج عنه إراقة دماء جديدة.
من جهة أخرى لا يجب أن نمضي وراء وهم، يرى الحل في تغيير السلطة ونظام الحكم في سوريا وفقا لأهواء الغرب، لأن مستقبل الدولة السورية لن يشيَد الا في سوريا ووفقا للظروف والملابسات المحلية. أما الغرب فقد عودنا أن أي حاكم ينتمي إلى معسكره سيعلن من قبل الدول الغربية على أنه حامل مشعل النور والخير، وأعماله وان ناهضت القيم الديمقراطية، مقبولة وصادقة. لكن أي حاكم من المعسكر المقابل هو بداهة غير شرعي ودكتاتور يسعى لنشر الارهاب، حتى وان وصل الى السلطة عن طريق انتخابات متوافقة مع السياقات الديمقراطية الغربية.
أما بالنسبة للانتخابات فأن مطالبة سوريا التي خرجت، وليس بالكامل، من حرب دموية طويلة، بحل النزاع عن طريق الانتخابات هي حيلة ماكرة ليس الغرض منها إنهاء الصراع، بل ترسيخه إلى الأبد. لا تنتهي الحروب بالانتخابات، لأنها ستؤدي الى قمع دموي لطرف من جانب آخر. والسلطة الجادة في إيجاد حلول سياسية للوضع عليها أن توفر ظروف تسمح بوضع قواعد مقبولة لتنظيم النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، يفسح المجال للمعارضين، على الأقل إلى مستوى غير خطير، ومن ثم تجري الانتخابات، التي في هذه الحالة فقط يمكن عن طريقها أن يتعزز الانتصار وتصبح وسيلة توافق للقوى الاجتماعية في عموم سوريا.
ختاماً، فالشعب السوري الذي تحمل أعباء لا تطاق، وصمد وانتصر، يستحق اليوم أن يرى بارقة أمل لحياة آمنة في ظل نظام سياسي يستمد استقراره من أغلبية شعبية تلتف حوله. إذا أجريت الانتخابات في سوريا بمشاركة كل القوى التي يسيطر عليها الغرب وتركيا ووفقا للقواعد الانتخابية التي تقترحها تلك القوى، فلن يجلب ذلك لسوريا السلام أبدا، وسيقسمها إلى جيوب تتركز فيها المعارضة والسلطة. ولن يعترف أي جيب بشرعية الجيب الاخر. إن وجود السلاح في أيدي قوى خارجة عن القانون، سيجعل التهديد بالحرب قائما بصورة دائمة، ولحظة بدئها ستتحدد في عواصم أخرى غير دمشق.