تصاعد الإرهاب والاستهانة بالمشاعر الدينية


محمد حسن خليل
2021 / 8 / 20 - 13:37     

اجتاحت موجة جديدة من الإرهاب البشع كل من فرنسا والنمسا، واشتملتا على حادثتى قطع رأس بالسلاح الأبيض لمدرس فرنسى وسيدة عند كنيسة. أثارت تلك الحوادث استنكارا فى الكثير من وسائل الإعلام وعند قطاعات من الجماهير، ولكنها أيضا استثارت مظاهرات مؤيدة فى باكستان وغيرها قائلة أنها دفاعا عن الإسلام وعن رسول الله الكريم.
فى الوقت الذى أدان فيه الرئيس الفرنسى ماكرون بشدة الحوادث الإرهابية، فقد دافع بشدة عن "حرية التعبير" فى رأيه الذى يتيح لجريدة شارل إبدو نشر تلك الرسوم المسيئة للرسول الكريم، ويتيح للمدرس الفرنسى عرضها عن الطلاب من أجل تعليمهم قواعد حرية التعبير واحترام الرأى الآخر.
وكانت هناك العديد من ردود الأفعال المتوازنة مثل تلك التى ظهرت فى العديد من الأماكن من روسيا شرقا إلى كندا غربا، إذ إنها لم تكتفِ بإدانة الإرهاب ولكنها أدانت أيضا "إهانة مشاعر المتدينين". ورغم أنه لا يمكن تبرير قطع رؤوس الناس بخطأ وسائل إعلام، إلا أن إدانة الإرهاب وحدها ليست إلا نصف حقيقة، ويؤدى تجاهل النصف الآخر، إيذاء مشاعر المتدينين، المسلمين فى هذه العالم، وهم قرب المليارين، لا يمكن أن يعد موقفا مقبولا لا عقلانيا ولا أخلاقيا.
فى إنجلترا مثلا قوانين تبيح نقد الأديان، ولكن هناك قوانين تمنع السخرية من الأديان. ولكن منذ عقود حينما حدث تجاوز مشابه لفرنسا فى انجلترا وتوجه مسلمين إلى المحكمة بالشكوى وفقا لقانون منع السخرية من الأديان رد عليهم القاضى بأن هذا القانون موضوع لينطبق على المسيحية فقط؟!
ولكن ليس هذا هو المثال الوحيد للكيل بمكيالين فى العدالة الغربية. فى فرنسا التى تعتز بنفسها فى الدفاع عن حرية التعبير حيث إنه أول شعارات الثورة الفرنسية الثلاث: حرية مساواه إخاء، وتبيح بمقتضاه حق جريدة شارل إبدو نشر مثل تلك الرسومات المستفزة بعقائد الآخرين، فى فرنسا تلك يمكنك تنتقد كل المذاهب السياسية من اشتراكية ورأسمالية وشيوعية ونازية وغيرها. ولكنك إذا جرؤت على نقد الصهيونية، رغم أنها عقيدة سياسية وليست حتى دينا، أو اختلفت فى تفصيلة تاريخية مثل هل ضحايا الهولوكوست اليهودى هم ستة ملايين أو مليونين أو غير ذلك، فإنك تذهب فورا إلى السجن بتهمة معاداة الساميّة بمقتضى القانون! بل إنك لا يمكنك أيضا أن تنتقد ما هو أصغر من ذلك مثل انتقاد السلوك الإسرائيلى فى مصادرة الأراضى وبناء المستوطنات وتعذيب الأسرى بدون الوقوع تحت طائلة قانون معاداة الساميّة!
إننا ندافع باستقامة عن حرية التعبير كجزء أساسى فى الحريات البشرية، وندافع عن حرية العقيدة، وبالطبع فكل إنسان يمارس حقه فى الاعتقاد بعقيدة معينة له انتقاداته على العقائد الأخرى التى تدفعه لاعتناق تلك العقيدة دون غيرها، كما أن هناك ما يسمى بعلم الأديان المقارن، بجانب مختلف مذاهب الفلسفة، والتى تٌدَرَّس كلها فى كل جامعات العالم. ولكن كل هذا لا يمكن أن يعد دليلا يسمح بالاستهتار بالبشر والسخرية بمشاعرها ومعتقداتها وبالذات معتقداتها ألدينية. كما أن مثل تلك السلوكيات ذات ضرر بليغ كما رأينا فعلا إذ إنها تتيح الأرضية للجماعات الإسلامية من إخوان والقاعدة وداعش وغيرها أن تُرَوِّج لمشاعر الكراهية ولرؤيتها الدينية غير الموضوعية عن العالم وصراعاته.