هل سياسات الغرب في أفغانستان أعادت طالبان إلى الحكم ؟


كاظم حبيب
2021 / 8 / 19 - 14:57     

حين هاجم تنظيم القاعدة التكفيري الولايات المتحدة بطائرات مدنية وأسقط ما يقرب من 2500 قتيل وكثرة من الجرحى والمعوقين في 11 أيلول/سبتمبر 2001 ، أقسم جورج دبليو بوش ، بغضب جامح وهستيريا ، اليمين بأخذ "الثأر!" من الدولة الثيوقراطية المتشددة في أفغانستان التي احتضنت تنظيم القاعدة ووفرت له إمكانيات التحرك عالمياً. فكانت الحرب في أكتوبر، تشرين الأول 2001 ، التي أدت إلى إسقاط حكم طالبان واحتلال أفغانستان بتحالف دولي شاركت فيه 43 دولة إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية . ودام وجود هذه القوات طوال عشرين عاماً تحت شعار "محاربة الإرهاب وبناء أفغانستان!". والسؤال هل حقق الغرب هذا الشعار الكبير؟ لم أكن ، وكثيرون غيري ، مع هذه الحرب لأنها لم تكن حرباً عادلة ولا مقبولة ، إذ كان المفروض قيام المجتمع الدولي بمطاردة القاعدة في كل مكان ، ومحاصرة وعزل طالبان ودولته الثيوقراطية الأفغانية وتنشيط المعارضة في أفغانستان للوصول إلى نتائج إيجابية لصالح الشعب الأفغاني ومحارية الإرهاب دولياً ، تفوق العواقب الوخيمة التي انتهت إليها هذه الحرب بعد عشرين عاماً ووقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة تحملها الشعب الأفغاني والدول التي شاركت في تلك الحرب بوجودها العسكري في أفغانستان .
إن تجربتنا في العراق مع الحرب التي أقدمت عليها الولايات المتحدة بتحالف دولي وعربي واسع إسقاط دكتاتورية البعث والدكتاتور صدام حسين في عام 2003 تشير إلى أن همَّ الغرب لا يتوجه صوب تحقيق إرادة الشعب ومصالحه وضمان الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بأي حال ، بل يتوجه صوب مصالحه في العراق والمنطقة مباشرة ، مع إشاعة "الفوضى الخلاقة!" وتشديد الصراعات ونشر واسع للفساد بين النخب والقوى الحاكمة والمجتمع والمشاركة فيه ، مما يجعل شعارات الغرب في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كلها يافطات كاذبة ومزرية وذات عواقب وخيمة .
وهكذا كان الأمر في أفغانستان. لقد عمل الغرب طوال عشرين عاماً ونسى أن عليه أن يبني دولة عقلانية تحقق مصالح الشعب الأفغاني ، بل عمل بإصرار شديد على إقامة سلطة غير عقلانية ، سلطة شبه دينية شبه مدنية فوقية مشوهة ومتصارعة وفاسدة حتى النخاع ، ومهتمة أولاً وقبل كل شيء بتوفير أقصى ما يمكن لكل من هؤلاء الحكام من أموال ونفوذ على حساب مصالح الشعب واستنزاف ما وردت لأفغانستان عبر طرق شتى من إعانات ومساعدات مالية وعينية . كما صرفت نسبة عالية من تلك الأموال لاقتناء الأسلحة والمعدات العسكرية التي وقع كلها أخيراً في أيدي طالبان. لم تسهم الولايات المتحدة وعموم الغرب ، ولا المسؤولون الأفغان ، في إقامة إدارة حكومية رشيدة ونظيفة ومسؤولة وذات انتماء للشعب كله ، ولا في بناء جيشٍ وطنيٍ مدربٍ جيداً وعقيدته الدفاع عن الإنسان والمجتمع وسيادة الوطن. والدور الأبرز والمحدود كان لمجموعات من منظمات المجتمع المدني الغربية التي اهتمت بتنوير مجموعات من النساء في المدن الكبيرة ودفع الصبية والشبيبة ، إناثاً وذكوراً ، للدراسة في المدارس الحديثة التي اقترنت أيضاً بقضايا دينية ، بسبب طبيعة المساومة مع شيوخ الدين الذين لم يلتحقوا بقوات طالبان وحربها ضد الحكم الجديد .
الولايات المتحدة الأمريكية لم تبدِ أي اهتمام بتغيير البنية الاقتصادية للاقتصاد الأفغاني ، وبالتالي لم تسهم في تغيير البنية الاجتماعية للمجتمع وحافظت على الأوضاع كما كانت عليه قبل ذاك ، وبالتالي استمرت البطالة واسعة جداً ، وجرت محاولة استيعابها في القوات المسلحة أو في الخدمات وفي جيش جرار من البطالة المقنعة في الإدارة الحكومية واستنزاف نسبة عالية من أموال الخزينة . كما استمرت حالة الفقر المدقع في الريف والمدن البعيدة عن كابل ، واعتماد المزارعين على زراعة الخشخاش والحشيشة لإنتاج الأفيون والمخدرات الأخرى ، ثم السقوط التدرجي في أحضان قوات طالبان وتنظيماته السياسية التي استولت تدريجاً على مساحات واسعة من أرياف وجبال ومناطق في أفغانستان. إن غياب التنمية الاقتصادية والتعليم المهني والتقدم الاقتصادي أعاق فعلياً تحقيق التغيير المطلوب في وعي الفرد والمجتمع وتنشيط التنوير في صفوف غالبية الشعب.
إن الدرس الكبير والأساسي الذي مرّت به البشرية على امتداد القرون المنصرمة يؤكد بأن الحرب لم ولن تحل أي مشكلة في العالم ، بل تلد حروباً أخرى وتخلق مشكلات أخرى وتزيدها تعقيداً. وهو ما قدمته تجربة أفغانستان ، وما تشير إليه حتى الآن تجربة الحرب ضد الدكتاتورية الغاشمة في العراق والتي لم تكن قوى المجتمع على استعداد فكري وسياسي في قيادة البلاد صوب مجتمع حر وديمقراطي ومستقل ، بل أقام المحتلون نظاماً سياسياً طائفياً محاصصياً ومشوهاً وفاسداً ومتصارعاً في أفغانستان والعراق. وما حصل في أفغانستان يجد تعبيره بصيغة أخرى في هيمنة الدولة الثيوقراطية المتشددة والمستبدة الإيرانية على الوضع السياسي والاقتصادي والطائفي في العراق. لقد شاركت الولايات المتحدة وإيران وتركيا مجتمعة بمنع عملية التنمية الاقتصادية في العراق بمساعدة ودعم مباشرين من جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بين 2003 -2021 ، ومنع تغيير بنيته الريعية النفطية وطبيعة علاقات الإنتاج وإبقاء المستوى المتخلف للقوى المنتجة وبنية المجتمع الطبقية المتخلفة. إنها عملية مقصودة وهادفة ومناهضة لإرادة ومصالح الشعب واستقلال وسيادة الوطن. إن تشخيص ذلك يتطلب معه العمل على تغييره بتغيير النظام السياسي الطائفي الفاسد قبل أن يحصل في العراق ما حصل بشكل تام وكامل في العراق من خلال الهيمنة التامة لولاية الفقه الإيراني والدولة العميقة على العراق ، كل العراق.