كارل ماركس: مفهومُ الوَعْي الطبَقي (تَجدُ الفلسفة في العُمال أسلحَتها المادية ويَجد العُمال في الفلسفة أسلحتَهُم الرّوحية)


محمد الهلالي
2021 / 8 / 18 - 02:40     

بيّن كارل ماركس (1918 – 1883) في كتابه "الإيديولوجية الألمانية" (ترجم الكتاب إلى العربية فؤاد أيوب، دار دمشق، 1976) أن الوعي الطبقي رهانٌ أساسيٌ من رهانات الطموح الثوري. كما وضّح أن فهم الطبقة العاملة لأوضاعها التاريخية هو عامل حاسم يحددُ مصير الثورة مستقبلا. ولهذا السبب تعمل البرجوازية جاهدة على تقليص الوعي لينحصر في مستوى الفرد فقط، والحيلولة دون أن تكون للوعي الطبقي أثار ونتائج سياسية.
إن الوعي الطبقي هو عملية جماعية وليس شأنا فرديا. لهذا أخطأت المذاهب التي اعتقدت أن الوعي ظاهرة فردية تنتج عن الاحتكاك بالعالم المادي المستقل عن الإنسان.
عارضَ ماركس هذا التصور الخاطئ ورأى أن الوعي الطبقي هوَ مسألة جماعية وتاريخية تتحدد بالأوضاع الاجتماعية أي بالانتماء لطبقة اجتماعية معينة. وتكمن أهمية موقف ماركس من الوعي الطبقي بانطلاقه من الطبقات الاجتماعية ومن علاقاتها الاجتماعية الناتجة عن وجودها وليس من الفرد المعزول عن بقية الأفراد. وقدّم ماركس مثالا عن ذلك بإشارته لحالة الفلاحين الفرنسيين ي القرن التاسع عشر، الذين لم يكونوا يملكون وعيا طبقيا لأنهم كاوا عبارة عن "بطاطس مكدسة في كيس"، ولذلك كانوا يجهلون البعد الجماعي لمصالحهم.
إن أهمية أية طبقة اجتماعية في التاريخ رهينة بامتلاكها الوعي بكونها جماعة متّحدة بناء على اشتراكها في نفس الظروف ونفس القيم، علما بأن الطبقة المسيطرة على المجتمع اقتصاديا تجعلُ أفكارها مسيطرة على المجتمع، فالقوة الاقتصادية للطبقة المسيطرة تترجم في قوة فكرية مسيطرة. لذلك فإن الطبقة النقيض (مثل البروليتاريا) مدعوة لأن تتشكل كوعي طبقي، وهو ما يُعتبرُ تمهيدا للعمل الثوري.
يُمكنُ للوعي الطبقي أن يظل جنينيا مدة طويلة وذلك لأن سيطرة الثقافة البرجوازية تعيق ظهور الوعي الطبقي النقيض، وَعيُ الطبقة البروليتارية مثلا، لذلك تجدُ هذه الطبقة النقيض نفسها مجزأة ومشتتة وعبارة عن ذرات منفصلة عن بعضها البعض بسبب هيمنة الثقافة البرجوازية، فتكون في هذه الحالة عبارة عن مجموعة أفراد يشبهون مجموعة أشياء (أي طبقة في ذاتها على غرار الشيء في ذاته). وفي هذه الحالة لا تملك وعيا بتشابه شروط وجود أفرادها المكونين لها كطبقة، وبما أنها عبارة عن أفراد مستقلين عن بعضهم البعض (بسبب النزعة الفردية) فإنها لن تملك ما يمثلها سياسيا لأنها لا توجد كطبقة بسبب غياب الوعي الطبقي، أي أنها تحتاج إلى أن تنتقل إلى مرتبة أخرى هي مرتبة "الطبقة من أجل ذاتها"، وهو الأمر الذي يعني أن الأفراد المكونين لها امتلكوا الوعي بالمكانة التي يحتلونها في المجتمع، وبالمصالح المشتركة فيما بينهم والتي ينبغي عليهم الدفاع عنها جماعيا.
لن يشكل الأفراد طبقة اجتماعية، حسب ماركس، إلا حينما يخوضون صراعا جماعيا ضد طبقة أخرى، (أما فيما يخص الخلافات بين أفراد الطبقة الواحدة، فإن عليهم أن يواجهوا بعضهم بعضا كأعداء عبر المنافسة فيما بينهم).
تفرض البرجوازية المسيطرة مصالحها الخاصة من خلال تقديم تلك المصالح الخاصة على أنها مصالح الطبقة البروليتارية عبر الكذب والتزييف والدعاية واستغلال جميع السبل لتحقيق هذا الهدف. ومن الناحية المبدئية، فإن تنامي عدد العمال ينبغي أن يزيد من قوتهم ويفرضَ اتحادهم فيما بينهم، الشيء الذي يمهد لمواجهة حاسمة بين طبقتين أساسيتين: طبقة مُسيطِرة وطبقة مُسيطَر عليها.
يُصبحُ الوعي الطبقي العمالي عاملا مُحددا بوضوح إبان مرحلة الثورة، كما أن خاصيته الاستثنائية توضح أن طبقة العمال تحتلّ مكانة هامة وفريدة في التاريخ. ويكشف بزوغ الوعي الطبقي العمالي أن طبقة العمال هي طبقة مختلفة عن جميع الطبقات الأخرى، طبقة مقيدة بقيود الاستغلال من كل الجوانب، تتطور داخل المجتمع المدني دون أن تنتمي له، ولا يمكنها التحرر من الاستغلال والقيود إلا بتفكيك النظام الاجتماعي السائد. لذلك فطبقة العمال تُعتبر الطبقةَ الثوريةَ الوحيدة لكونها لا تملك شيئا، طبقة مستغلة جماعيا وتعاني من صراع مفروض عليها مع البرجوازية التي تستغلها، ولا حل لها إلا بالتحرر من هذه الأوضاع بالعنف عبر الثورة.
وإذا كانت تجربة الاستغلال ضرورية لتشكل الوعي الطبقي، فإن هذه التجربة غير كافية لإنجاز هذه المُهمة. فطبقة العمال تحتاج لمصدر خارجي مساعد لامتلاك الوعي الطبقي، ويتمثل هذا المصدر أساسا حسب ماركس في: الفلسفة.
ولهذا السبب تجد الفلسفة في البروليتاريا أسلحتها المادية وتجد البروليتاريا في الفلسفة أسلحتها الروحية.