حول أفغانستان و منتهى إضطهاد النساء : ليس بوسع مضطهِد أن يحرّرها من مضطهِد آخر – نحتاج إلى ثورة !


شادي الشماوي
2021 / 8 / 17 - 22:32     

جريدة " الثورة " عدد 713 ، 16 أوت 2021
https://revcom.us/a/713/on-afghanistan-and-the-extreme-oppression-of-women-en.html

ملاحظة الناشر :
التالى مبنيّ على مقال " إنسحاب الولايات المتّحدة من أفغانستان : دروس ثلاثة و نقطتا توجّه " " المنشور على موقع في الأسبوع الفارط . https://www.revcom.us أنترنت

و كما تشير المقالات المصاحبة لهذا المقال ، قد برّرت الولايات المتّحدة جزئيّا هذه الحرب على أنّها حرب ل " تحرير النساء في أفغانستان " . و كما تبيّن كذلك تلك المقالات ، بينما بعض الإصلاحات ذات الدلالة حدثت لقسم من النساء في المدن ، فإنّ الغالبيّة الغالبة ظلّت مضطهَدَة أشدّ الإضطهاد و مرتهنة بعنف لظروف شبيهة بالظروف السابقة . إلاّ أنّ هذا التكتيك تجلّى نجاحه في تعبأة مساندة لهذه الحرب من طرف فئات " تقدّميّة " من مجتمع الولايات المتّحدة بما فيها عديد الليبراليّين و التقدّميّين .
و السؤال : لماذا يتعيّن على أي إنسان يهتمّ لمصير نصف الإنسانيّة من الإناث أن يعوّل على هذه القوّة العظمى التي تقبع على قمّة نظام يتمّ فيه سنويّا المتاجرة بملايين النساء في الدعارة و العبوديّة الجنسيّة ... فيه حقّ الإجهاض و قريبا حقّ التحكّم في الولادات يتعرّض إلى هجوم مستمرّ وهو في الوقت الحاضر معلّق بحبل رفيع ... فيه الإغتصاب و غيره من أشكال الهجوم يتواصل بلا توقّف ضد النساء و كره النساء و إهانتهنّ يتخلّلان المجتمع و يتّخذان أشكالا لا عدّ لها و لا حصر و فيه تتّخذ هذه الفظائع شكلا أكثر تركيزا في ذات القوّأت المسلّحة التي من المفترض أن ترسل ل " تحرير " نساء أفغانستان ... و فيه التمييز ضد المرأة لا يزال مستشريا في كلّ المجالات ... و فيه الأرباح الطائلة التي تجعل " مستوى الحياة " الحالي ممكنا في البلدان اللإمبرياليّة يمتصّ بصفة متفاوتة دم عمل النساء المستغلاّت بمرارة جنوب الكوكب ؟ لماذا، رغم مواجهة هذه الوقائع ، ندعو الناس إلى الإصطفاف وراء مثل هؤلاء المضطهِدِين الكبار للنساء منتظرين أن يضعوا نهاية لإضطهاد أيّة نساء في أيّ مكان كان ؟!؟
و ما الذى جلبته هذه الحرب في الواقع ؟ الموت و الدمار و الفظائع – و الغالبيّة العظمى من ضحاياها من المدنيّين – أبعد بكثير ممّا فعلته هجمات 11 سبتمبر . ومع أوت 2016 ، قد وقع بعدُ قتل 111 ألف شخص و جرح أكثر من 116 ألف آخرين نتيجة حرب الولايات المتّحدة في أفغانستان . و تقريبا 5 ملايين أفغاني و أفغانيّة إضطرّوا إلى مغادرة ديارهم جرّاء الحرب . و في السجون التي أقامها جيش الولايات المتّحدة ، وقع سجن عدد لا حصر له من الأفغانيّين و الأفغانيّات دون محاكمة و وقع تعنيفهم بمن فيهم سجينين عُذّبا حدّ الموت في سجن باغرام الشهير . و الحكومة القمعيّة و الفاسدة تلو الأخرى و جميعها فرضتها و سيّرتها الولايات المتّحدة ، أبدت و زادت سوءا البؤس و الفقر و عزّزت الخلّف الذى على جماهير الشعب الأفغاني مواجهته يوميّا . و تعدّ أفغانستان ضمن العشرة بلدان الأفقر في العالم بحوالي 50 بالمائة يعيشون تحت خطّ الفقر و 36 بالمائة يواجهون " إنعدام أمن غذائيّ حاد ".
و أجل ، وُجدت إصلاحات في وضع النساء ، أساسا في المناطق المدينيّة بيد أنّها لم تكن و لم تكن تسعى لأن تكون شاملة. إنّها لم تنل البتّة من جذور العلاقات الإضطهاديّة البطرياركيّة / الذكوريّة هناك ، و لم تحاول ذلك . و في الواقع ، التغيير الجوهريّ في وضع النساء الذى ثمّة حاجة إليه في هذا الوضع لا يمكن إلاّ أن يأتي بفضل ثورة شيوعيّة شاملة فيها يُستهدف هذا الإضطهاد من البداية و فيها يتمّ إجتثاث جذوره الإقتصاديّة و السياسيّة و الإيديولوجيّة .
و ما هي النتائج الجليّة للعقدين من الرعب الذى تسبّب في قتل الآلاف و الآلاف و تحطيم حياة الملايين ؟ أوّلا ، أنّ القبضة الأصوليّة افسلاميّة الوحشيّة على أفغانستان ستقوى ، على الأقلّ على المدى القصير (1). ثانيا ، أنّ إمبرياليّى الولايات المتّحدة إستطاعوا على الأقلّ مؤقّتا تعبأة قسم من الجماهير له ميول تقدّميّة وراء الفكرة الخاطئة بمرارة و المفسدة و المدمّرة بعمق و القائلة بأنّه يمكن الضغط على هذا الحكم " لينشر الديمقراطيّة " إلى بلدان أخرى و أنّه بالتالى حين يتمكّن هؤلاء الجزّارين من تغليف حروبهم بهذه الأغلفة يجب على الناس مساندتهم .
"لقد بُني هذا النظام الرأسمالي- الإمبريالي على وهو يواصل إقتراف العبوديّة و تفوّق البيض و كافة أنواع الفظائع ضد السود و المضطهَدين الآخرين ،و جماهير الإنسانيّ’ عبر العالم بمن فيها نصف الإنسانيّة من الإناث . و يزعم البعض أنّ الإجابة على هذا هو الإسلام و خاصة الجهاد الأصولي الإسلاميّ . بيد أنّ هذه ليست الإجابة – ليست بديلا راديكاليّألهذا النظام و لجرائمه البشعة - فهو بحدّ ذاته شكل آخر من الإستعباد و الإضطهاد و الفظاعة ضد النساء و الجماهير الشعبيّة ككلّ . الإجابة هي ثورة فعليّة – ثورة راديكاليّة حقّا و تحريريّة – ثورة شيوعيّة ، لوضع نهاية أخيرا لكلّ الإضطهاد عبر العالم . " ( بوب أفاكيان )
-----------------------
1- الديناميكيّة التي تطوّرت في أفغانستان و ضمن فئات هامة من الشرق الأوسط هي بالضبط ما وصفه بوب أفاكيان بأنّه " القوّتان اللتان فات أوانهما " المتصادمتين الآن . ما نجم عن شنّ الولايات المتّحدة و قوى إمبرياليّة أخرى هجمات شرسة و قمعيّة ضد الأفغانيّين هو تنامى مساندة طالبان في معارضة ذلك و مقاومته . و الوضع في الوقت الحاضر هو تحكّم طالبان في أفغانستان بتبعات فظيعة و هذا نتيجة ديناميكيّة أكثر من عشرين سنة .
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
إنسحاب الولايات المتّحدة من أفغانستان : النهاية الرسميّة لحرب وحشيّة و عدوان إمبريالي
جريدة " الثورة " عدد 696 ، 19 أفريل 2021
https://revcom.us/a/696/us-withdrawal-from-afghanistan-en.html

في الأسبوع الفارط ، أعلنت الولايات المتّحدة أنّها في النهاية ستسحب فيالق جيشها من أفغانستان عقب عشرين سنة من الحرب . (1)
و قد نعتها الرئيس الأمريكي ، بيدن ، بأنّها حرب " عادلة " حينما أعلن الانسحاب مع 11 سبتمبر هذه السنة . و إثر سنوات من نعت ما يجرى بأفغانستان على أنّه " حرب جيّدة " ، تعاملت وسائل الإعلام السائدة و أجهزة دعاية هذا النظام و وكالات أنبائه على أنّها نهاية جهد أمريكي بنيّة طيّبة و إن كان شاقا و لم يقع التفكير فيه كما يجب .
لكن ما هي الحقيقة الفعليّة ؟ الحقيقة الفعليّة هي أنّ الحرب الأمريكيّة في أفغانستان 2001-2021 و تدخّلاتها لعقود قبل لك وصولا إلى تلك الحرب كانت وحشيّة و حربا غير عادلة كلّيا من أجل الإمبراطوريّة تسبّبت في تحطيم حياة تماما ملايين الأفغانيّين و دمّرت البلاد و المجتمع .
خلفيّة سريعة : حرب الولايات المتّحدة بالوكالة ضد الإتذحتاد السوفياتي ، 1979 - 1989
في ديسمبر 1979 قام الإتّحاد السوفياتي بغزو أفغانستان (2) . و كان ذلك لمزيد تقديم العون إلى نظام كان صديقا للاتحاد السوفياتي . و جاء ردّ الولايات المتّحدة ، خاصة في ظلّ الرئيس ريغن في العقد الموالى بتمويل و تسليح و تنظيم المجاهدين الأصوليّين الإسلاميّين الرجعيّين ( بمن فيهم أسامة بن لادن و القادة المستقبليّين لطالبان ببرنامجهم القروسطيّ و البطرياركي / النظام الذكوري (3) في حرب " بالوكالة " (4) خبيثة دامت عقدا من الزمن ل " إسالة دم " السوفيات و قتل جنود القوى السوفياتيّة .
و النتيجة : بين 800 ألف و 15 مليون أفغاني ( إلى جانب 15 ألف جنديّ سوفياتي ) قتلوا في حمّام دم رجعيّ و إضطرّ خمسة ملايين أفغاني إلى مغادرة البلاد . و من الهام لفت النظر إلى كون هذا كان من العوامل الكبرى في إطلاق العنان و إنتشار آفة الأصوليّة الإسلاميّة الرجعيّة و الجهاد عبر المنطقة و عبر العالم ،و قد ساعد في تعبيد الطريق لهجوم 11 سبتمبر (5).
و قد تسبّب هجوم 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك و البنتاغون بطائرات في إختطاف حياة ما يناهز ثلاثة آلاف شخص . و كان الناس في الولايات المتّحدة مصدومين و غلب عليهم شعور بالأسى فإستغلّ جورج بوش الإبن ، الرئيس آنذاك ، الوضع لشنّ سلسلة من الحروب و العمليّات العدوانيّة الأخرى بهدف الهيمنة على الشرق الأوسط و آسيا الوسطى و هما منطقتان تمثّلان جزءا إستراتيجيّا هاما من العالم .
و كانت أفغانستان هي الضحيّة الأولى .
غزو الولايات المتّحدة لأفغانستان في أكتوبر 2001
طوال العقدين الأخيرين ، خرجت علينا فئات مختلفة من الإمبرياليّين المريكيّين بنصف دزّينة أو أكثر من التبريرات لهذا الغزو و الاحتلال : الثأر من 11 سبتمبر و الحيلولة دون حدوث 11 آخر و وضع نهاية للإرهاب و تحرير النساء و جلب الديمقراطيّة و غير ذلك. و في الواقع ، مثلما شرح بوب أفاكيان زمنها ، كانت تلك حربا وحشيّة من أجل الإمبراطوريّة الإمبرياليّة لوضع المنطقة تحت هيمنة الولايات المتّحدة ، و تستهدف بعث رسالة متنمّر إلى العالم بأنّ أي هجوم على الولايات المتّحدة سيقع الثأر منه بثمن مضاعف مئات المرّات ، و مواجهة حاجة معيّنة ، واقعيّة و مرئيّة ، ألا وهي " بالوعة المستنقع " في الشرق الأوسط و جنوب آسيا للأصوليين الإسلاميّين الذين يكرهون و يهاجمون الولايات المتّحدة " موسومة مجدّدا " بأنّها " حرب على الإرهاب " بشكل شامل.
و بُعيد هذا الغزو بالذات ، شرح بوب أفاكيان في " الوضع الجديد و التحدّيات الكبرى " :
" تطمح الولايات المتّحدة أساسا في إعادة تشكيل و إعادة تنظيم الوضع برمّته – لكن حتّى أبعد من ذلك ، على النطاق العالمي . هذا هو " النظام العالمي الجديد المنقّح " أو النظام العالمي الجديد عدد 2 الذى يسعون إلى تكريسه على صعيد أعمق و أشمل ممّا قد رسموا للقيام به لحربهم ضد العراق قبل عقد من الآن . و قد رسموا لأنفسهم أجندا بعيدة المدى بتبعات هائلة ".
و " كأيّة عصابة مافيا – و هم كذلك على نطاق وحشيّ و عالمي – لا يسمحون حتّى بظهور أي شخص يقف و ينظر إليهم وجها لوجه و لا ينال عقابا مع ذلك . إن كنتم تمثّلون طبقة عالميّة من العصابات و عصابات عالميّة مثلهم ، إن كنتم مستغِلّين عالميّين و تملكون جهاز قتل و تحطيم جماعيّين لفرض ذلك و توسيع مداه ، ببساطة لن تسمحوا حتّى بأن يظهر شخص يمكن أن لا ينال عقابا بعد أن يوجّه إليكم لكمة ".
ما الذى جلبته الولايات المتّحدة لأفغانستان ؟
قدرا مترنّحا و متصاعدا من العنف و الموت و الدمار و العذاب و الإضطهاد ! بين 2004 و 2018 ، ألقت ما يزيد عن 38 ألف قنبلة ، و مع مارس 2020 ، كانت قد نفّذت أكثر من 12 ألف ضربة بطائرات دون طيّار .
و مع أوت 2016 ، قتل حوالي 11 ألف و جرح أكثر 116 ألف في هذه الحرب . و مع 2013 ، قدّرت دراسة أنّ الحرب تسبّبت بصفة مباشرة أو غير مباشرة في 2020 ألف وفاة . و في قمّة هذه المجزرة ، إضطرّ زهاء الخمسة ملايين أفغانيّ إلى مغادرة ديارهم جرّاء الحرب .
و اليوم أكثر من نصف ال35 مليون أفغاني يظلّون في فقر و ما يناهز النصف لا يملكون ما يكفى من الغذاء . و سوء التغذية المزمن ، أفضى إلى إنتشار أمراض ذهنيّة لدي 41 بالمائة من الأطفال الأفغانيّين الذين لم يتجاوز عمرهم الخمس سنوات . و يعيش نصف السكّان على أقلّ من دولار واحد في اليوم .(6) و غذّت حرب الولايات المتّحدة صعود طالبان و القوى الأصوليّة الإسلاميّة الرجعيّة الأخرى ، و الآن عقب كلّ هذا الموت و الدمار ، سيواجه الشعب الأفغاني أكبر الفظائع التي سينزلها به و لا شكّ هؤلاء الوحوش الرجعيّين .
نقطتان ختاميّتان لا بدّ من تسجيلهما
(+ ) بعيدا عن أن تكون " قوّة جبّارة تماما " كما يتشدّقون ، الولايات المتّحدة ، مع كلّ تبجّحها و عنجهيّتها ، عسكريّا تمزّقت أوصالها و هُزمت في أفغانستان . و قد شرح بوب أفاكيان هذا التناقض بعدُ منذ سنة 2006 في " التقدّم بطريقة أخرى " :
" هؤلاء الإمبرياليين جيّدين في غزو البلدان و تركيز أنظمة قمعيّة إلاّ أنّهم بعد ذلك حين يجدون أنفسهم في موقع قوّة إحتلال للبلد و ينتفض ضدّهم السكّان ، تحدث ديناميكيّة مغايرة و يغدو الأمر غير يسير جدّا بالنسبة إليهم . ليس من اليسير جدّا عليهم الحفاظ على " النظام " و فرض التغييرات التي يرجون فرضها من فوق خدمة لمصالحهم . ليس من اليسير جدّا عليهم أن يفرضوا ذلك " من الأعلى إلى الأسفل " وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن للمحتلّين الإمبرياليّين أن يفرضوا بها تغييراتهم " . ( أنظروا ، " التقدّم بطريقة أخرى " لبوب أفاكيان من أجل المزيد من تحليل هذه التناقضات و الصعوبات التي يواجهها الإمبرياليّون في " الحرب على الإرهاب " عبر العالم و المركّزة في العراق و أفغانستان ).
(+) حرب أفغانستان هي - مع ذلك مرّة أخرى – تجسيد لما يقال عن جيش الولايات المتّحدة في " بيان و نداء للتنظّم الآن من أجل ثورة فعليّة " الذى أصدره الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة [ و قد ترجمه و نشره شادي الشماوي على الأنترنت على صفحات الحوار المتمدّن ] :
" الجيش في هذه البلاد ليس بصدد تقديم " خدمات مشرّفة " و ليس قوّة ما " خلفيّة " على الناس إحترامها . إنّه يقوم بالدور نفسه حول العالم ، على نطاق أوسع ، الذى تقوم به الشرطة هنا : جهاز قتل و إرهاب جبانين و ذلك خدمة لأكبر المضطهِدين في العالم ، حكّام هذه البلاد . وهو من أهمّ المتسبّبين في تحيطم البيئة . " (7)
لنوقف حروب الإمبراطوريّة و جيوش الاحتلال و الجرائم ضد الإنسانيّة !
الثورة لا شيء أقلّ من ذلك !
--------------------------------------------------------------------------------------------------------