العشوائية والنظام 1-نحو فهم الحياة والوجود والإنسان


سامى لبيب
2021 / 8 / 17 - 21:30     

- نحو فهم الحياة والوجود والإنسان (109) .

هي عودة إلى ما أعشقه من كتابات تعتني بتقديم رؤية عميقة لفهم الحياة والوجود والإنسان لأستهل هذا الملف بتناول مفاهيمنا المغلوطة عن النظام والعشوائية والمصمم والخالق مستدعيا ما كتبته سابقا ورأي النور وماهو قابع فى ملفاتي القديمة طالبا الحضور والنشر .

- مازلنا نجهل الوجود أو بمعنى أدق نفهمه برؤى نفسية ذاتية تتصدر الأنا فيها الفهم والتفسير لتنتج أوهام وخرافات نتصور منها الوجود مخلوقاً , ولنتماهى فى جهلنا بتصعيد غرور يتوهم أن الكون الهائل جاء خصيصاً من أجل عيوننا الجميلة لتبلغ الحماقة أقصاها متصورة أن الصحراء الكبرى جاءت من أجل حبة رمل فيها.

- الإنسان عندما يعجز عن فهم الوجود نتيجة جهله وقلة معارفه فهو لا يترك نفسه فريسة للحيرة والجهل ليبحث عن إجابة سريعة مُتعسفة مُهترئة حتى لو إضطر لحرق مراحل كثيرة بدم بارد لينعم بحالة من الهدوء والنوم اللذيذ.. فالوجود هائل ومخيف ومرعب بالفعل فى إستيعابه ولكن لا يجب أن تكون الإجابة على هكذا سؤال عسير بسذاجة وغباء وغطرسة وإحساس إنسانى بمحورية الوجود .

- هذا الجزء يعتنى بنقد مفاهيمنا المغلوطة عن العشوائية والنظام فى محاولة لرؤية صورة الوجود معدولة وليست مقلوبة , ولنطمح فى فك الإشتباك والإلتباس الذى يعترينا لنصل إلى مفاهيم خاطئة بأن هناك نظام خارج وجودنا يُرتب ويُصيغ الوجود والحياة بينما هى حالة متفردة من التوازن إعترت الوجود المادى العشوائى .

- أأمل فى إبراز ضرورة التعامل مع الوجود كما هو بدون إضافات أو رغبات أو حالات نفسية ومزاجية تفرض ذاتها على تفسير المشهد المادى الذى ينتج صوره بلا نظام أو إرادة بل ينثر مشاهده فى الهواء بدون ترتيب وعلى من يستقبلها أن يُدرك هذا , أما كونه يريد أن يشخصنها ويضع لها حكمة فهو تعنت بلا دليل وثوقى واحد يستطيع تقديمه وليعلم انه يبتعد كثيرا عن فهم الوجود الغير عاقل ولا المُكترث مما سيقوده هذا المسار إلى مفاهيم مغلوطة للحياة والوجود يمكن أن يستنزف عمره فى تداعياتها .

- من الأمور المتوهمة عن الوجود أن ثمة تصميم فيه لذا فهو فى حاجة إلى مُصمم فيستحيل ان يكون هناك نظام رائع ودقيق بلا مُنظم عاقل ومُريد ومن هنا تم فتح الباب الملكى للخرافة أن تمر معتمدة على جهل الإنسان الذى يفتح فاه ويعقد حاجبيه من الدهشة , فما هذه الروعة التى تجعل الأرض تدور حول الشمس فى مدارها فلابد من مُصمم ومُنظم لتجد تلك الإجابة السهلة الساذجة القافزة قبولاُ لعقلية تتوسم السلام وتبديد الحيرة .

- هذا البحث سيتناول العشوائية والنظام على أجزاء لنعتنى أولاً بتفنيد حجة المُصمم مع تقديم مشاهد تعتمد على منطق عقلى فلسفى علمى لماهية الوجود وكيف أنه عشوائى بلا نظام أو تخطيط جاء من أحشاءه نظام ليكون النظام ماهو إلا بحث إنسانى لإيجاد توافق مع بعض مشاهد الوجود من خلال صيغ إبتدعها نتيجة مراقباته ,فلا يكون النظام شئ خارج عن الوعى والصياغة الإنسانية , كما سنعتنى فى النهاية بإيجاد وعى للصور التى نراها منظمة وكيف أنها أداء مادى فى كينونتها لا تحتاج لفعل خارجى لتعطيها صيغة تصميمية نظامية كالأرض التى تدور حول نفسها فلا يوجد من يدفعها لتلف وتدور .

- قبل البدء فى فهم الوجود وماهية العشوائية والنظام بوعى علمى عقلانى فلسفى حرى بنا أن نجهز على تلك الرؤية الواهية الشائعة بأن الوجود يحتاج لمُصمم شخصانى كسببية لتفسير ما نتوهم أنه مُصمم ومُنظم لقوى خارجية ذات إرادة وترتيب , فمازال هناك من يُصر على أن مشاهد النظام التى نراها قد أنتجها نظام عاقل ولا تعرف لماذا هذا الإصرار , وما الذى يؤكده إذا كان كل مشهد وجودى نراه له ظرفه المادى الذى أنتجه فلم نري مشهد وجودى واحد وراءه كيان عاقل وراءه.. فهل يعود تعزية وجود كيان عاقل كمنتج للطبيعة هو جهلنا بالظرف المادى الذى أنتجه أم هو إسقاط الأنا على الأشياء .. الحقيقة هما الإثنان معا , وإذا كانت شخصنة الأشياء والأنا الداخلية ذات التأثير الأعلى لنجد من يُدرك السبب المادى لسقوط المطر ومازال يصلى لإله أن يسقطه .!

- الرؤية التى ترى الكون والحياة تحتاج لمصمم شخصانى قام بتصميمها عن إرادة وغاية تقول إذا رأيت بيت فهناك من صممه ليبدو هكذا , فهو لم يوجد هكذا صدفة لذا فالكون المنظم هناك من أوجده فلم يأتي صدفة ، ولكن ما المقصود بالصدفة ، أرى الدينى يقصد بالصدفة إنعدام الغاية.
من الأهمية بمكان عدم الخلط بين الأسباب والغايات فهناك دوماً أسباب سواء أدركناها أم لم ندركها ، فالحجر يقع من فوق الجبل بسبب الريح ، ولكن هل هناك غاية للريح بإيقاع الحجر؟! .. كذلك هناك سبب لإستدارة للصخور والأحجار على الشاطيء نتيجة ضرب الأمواج المستمر لها، ولكن هل غاية الأمواج جعل الأحجار تبدو كروية؟! ..من هنا يتضح ان كل مشاهد الوجود تنتج ذاتها بدون غاية بل تحت الظروف المادية العشوائية التى أنتجتها لتبقى الغائية فى الإنسان كعادة ذهنية باحثه عن الجدوى مقاوماً فى داخله أيضا صدمته من الوجود المادى الذى لا يقدم معنى ولا غاية.

- الشمس تشرق وتغرب لتبعث الدفىء في بني البشر والمطر يهطل ليسقي الزرع والضرع ، والنبات ينمو ليتحول غذاء ، والرموش لحماية العيون من التراب، إذن من من سخر كل هذا وصممه ؟!
نقول أننا اطلقنا أسئلتنا بعد أن أصبحنا فى داخل الحدث والظرف المادى الذى أنتجه , فمثلا نحن تواجدنا من توافر ظروف للحياة والتطور لم تتوفر لمليارات الأجرام الأخرى كنتاج عشوائى بحت للإحتمالية.
هذا السؤال نتاج فكر يضع البشر في مركز الكون بينما العلم أسقط هذه الفلسفة المركزية للإنسان ,ولعل هذه الصدمة الأخلاقية الناتجة عن انتزاع المركزية هي أول مايصادف الإنسان في رحلته مع العلم .. تلك الصدمة التى انتجت حلول نابعة من الأنا وليس من الواقع .

- أولى الأسئلة الفطرية التى تنتاب الإنسان هى إذا كان الكون يحتاج إلى إله خلقه وصممه على هذا النحو فهذا يعنى أن هذا الإله يحتاج لمن يصممه أيضاً وفقا لمبدأ السببية ولكنهم لا يمتلكون سوى التعسف بأن الله جاء هكذا بلا سبب وبلا تصميم !

- يقولون لا يمكن أن يكون الكون بهذا التعقيد بدون عقل مفكر صنعه, وأقول أن هذا العقل المُفكر الجبار الذى صنع الكون لابد أن يكون معقد أكثر مما خلقه , فلماذا ننسب للأقل تعقيداً ضرورة وجود صانع ونلغي للأكثر تعقيداً وجود صانع له ؟!!
يُفترض فى الإله أنه الأكثر تعقيداً وتركيباً من المخلوفات التى خلقها فليس من المعقول حسب الإيمان والمنطق أن يكون الإله أقل من مخلوقاته ,وطالما البسيط يحتاج للمعقد ليركبه فحرى بنا أن نقول من صمم وركب إلإله وطالما هذه الحجة تزعجهم بإعتبار أن الإله بلا سبب فعليهم قبول وجود الكون بدون مصمم فهو أقل تعقيدا فأنت تسأل عن سببية الكمبيوتر ولا تسأل عن سببية حجر .

- على نفس النهج نجد بطلان الزعم بأن للوجود خالق ذكى خلق الكائنات فهو باطل منطقياً لأنه يقلب معادلة الوجود , فالعلم يؤكد بملايين المشاهد أن الكائنات ذات التكوين المعقد نتاج عناصر بدائية غيرذكية وغير واعية فهذا التفسير العلمى صحيح لأنه يبدأ بالتسلسل من البسيط إلى المعقد , ومن هنا لو نرجع بالتسلسل سنصل لمكونات لن تناقض ذاتها لأنها أساسا بدأت من عناصر بدائية.

- هناك مغالطة منطقية أخرى تأتى إما بتعمد خلط الأوراق أو فى الغالب نتاج غفلة وإسقاط مفاهيم ذاتية تستقى وعيها من الأنا حيث تقول هذه الحجة بما أن الكائن الشخصاني "الإنسان" يخلق نظاما متمثلا فى آلة-بناء -سيارة..الخ..فهذا يعنى أن كل نظام كالكون مثلا لابد أن ينتجه كائن شخصاني مصمم وهو ما يدعى بالإله .
وجه المغالطة في هذا القياس المنطقي الفاسد أن حكم البعض لا يسري على الكل بالضرورة والعكس صحيح فقولك مثلا إن حك عود الثقاب يشعل نارا لا يعنى ولا يسمح لك بالقول بأن كل نار قد صدرت من حك عود ثقاب.. كذلك المغالطة المنطقية الشهيرة التى تقول طالما أن أرسطو فيلسوف يونانى إذن فكل الفلاسفة يونانيين ,فحك عود الثقاب هو أحد مصادر النار وليس كل مصادر النار لذا تعميم كل مصادر النار غير جائزة , وكذلك أرسطو فيلسوف يونانى فليس معنى كل الفلاسفة يونانيين .
لا يجوز تعميم صفات البعض على الكل إلا إذا درسنا صفات هذا الكل دراسة تجريبية حصرية ينتج عنها ما يفيد بأن كل أجزاء هذا الكل لها نفس الصفات وعليه فالزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمُسبب شخصاني لأن هناك نظام إحتاج لمثل هذا المُسبب هو زعم فاسد لأن معاينة مسببات الكل هنا ممتنعة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.

- نأتى إلى نقطة أخيرة فى هدم فكرة التصميم من كائن شخصانى أنه كامل العظمة والدقة بالضرورة فى تصميماته لنجد ان هناك خلل كبير فى الكون لا يقترب من أى شئ اسمه تصميم ذو إرادة وغاية وهيمنة , فالعشوائية والفوضى ضاربة فى أطناب الوجود لتنهار نجوم وتتصادم مجرات وثقوب سوداء تبتلع فى عشوائية تفرض نفسها على المشهد الوجودى .
إشكالية أخرى هي أن مشكلة الجزئية تنطبق أيضا على الأرض فنحن نهلل بنظام الحياة على الأرض، و ننسى ونتناسى الفوضى العارمة الموجودة خارج الأرض , كذلك هناك بلايين البلايين من الكواكب و النجوم التي لا سبب لوجودها ولا غاية و لا نظام لهدف، و انما هي تولد و تنفجر في عمليات عشوائية صماء وأغلبها لا تصلح للحياة عليه.
مجرد وجود كوكب واحد تصلح فيه الحياة ويعتريه أيضا الكوارث الطبيعية من زلازل واعاصير ونيازك فرغما عن ذلك لا يزيد عن مجرد حتمية رياضية احصائية تؤدي الى وجود جزئيات يبدو عليها النظام في داخل مجموعات عشوائية.

- ما معنى قولنا أن الكون ذو نظام وتصميم , فهل أى شئ فى الوجود يحمل فى ذاته وكينونته وحدة إسمها نظام وتصميم أم هو تقييم الوعى البشرى للشئ ليطفى عليه صفات ومعانى إنسانية عن التصميم والروعة والنظام والعبث , أى ان تلك التوصيفات للكون والحياة هى توصيفاتنا وتقييماتنا الخاصة وطالما هى كذلك فهى نسبية تخضع لعوامل وظروف موضوعية شتى فما كان يراه الإنسان القديم رائعا ومدهشا نراه عاديا .
عندما نقول أن الكون مصمم ومنظم فهو تعبير ينم عن خلل كبير وتعسف فى الحكم لا يوجد ما يبرره فالقول بأن الكون منظم ومصمم لا يخرج عن إطار فكر تقييمى نسبى كما ذكرنا ويفضح هذا التوصيف أننا لم نرى أكوان أخرى حتى نحكم على كوننا بتميز التصميم فإدراكنا للتوصيف والتقييم لا يأتى إلا بوجود الضد حتى تتولد المقارنه ويتحقق التوصيف , فأنت لا تستطيع أن تقول عن إنسان كريم إلا بوجود إنسان آخر بخيل حتى تتحدد هوية الكرم لذا لا نستطيع أن نقول كون منظم إلا إذا كانت الأكوان العشوائية حاضرة .ولو تواجدت الأكوان الأخرى العشوائية فيجب ان نقارن كوننا بها لتبيان الفروق فإذا كان وجودنا له مصمم واحد فهنا سيسقط عنه الحكمة ودقة الصنعة فهو صمم كون بنظام والباقى بلا نظام .

- هناك قول شائع لأصحاب المفاهيم الميتافزيقية بأن الكون فى منتهى الروعة والتناسق والنظام , فلنا أن نسأل هؤلاء السادة هل مدوا أياديهم لتحسس هذا الكون الهائل وتجولوا فى أرجاءه ليتلمسوا روعته ونظامه ثم لنا أن نفضح مقولة الكون الرائع من أنه يلزم رؤية ومعاينة أكوان أخرى للمقارنة بكوننا حتى يتغنون بروعته وتناسقه وإنتظامه عن الأكوان الأخرى , فكيف نحكم على شئ انه الأجمل ونحن لا نرى إلا هذا الشئ.

* التصميم الذكى .
- التصميم الذكى رؤية تم إستحداثها فى الغرب المسيحي ويطلقون عليها نظرية وهى بعيدة كل البعد عن النظريات العلمية لأنها ببساطة لا تقدم شئ أو تسجل علاقة ليجدها النصابون طريقة جديدة للنصب والإيحاء بوجود إله بدلا من حجة البعرة والبعير البائسة .
لإثبات تهافت التصميم الذكى سنجدهم يتصورون تصميم للكون مقابل لاشئ , بمعنى أننا لانمتلك أي معرفة بطرق تشكل الأكوان , لذا إذا أردنا أن نقيس التصميم الذكي للكون على سبيل المثال فعلينا أن نقيسه مع أكوان اخرى مختلفة كذلك أن نمتلك خبرة كافية بطرق تشكل الأكوان ولكننا لا نمتلك نموذج لكون أخر فلا يمكن أن نضع أدوات قياسية صحيحة.

- التصميم الذكى لا يقدم أى شئ يقودنا لشئ كنتيجة علمية حتمية تتعاطى معها النظريات العلمية , ففكرة التصميم الذكى ببساطة تسعى أن يفتح المتلقى فاه ليندهش من احصاءات ومعلومات غزيرة ..فأصحابها يلحون على دهشتك وإستغرابك دون ان يقدموا شئ ليزيحوا الستار عن هذه الدهشة فهم يغرقوك بأرقام ومئات علامات التعجب فقط ويتركونك هكذا لتنفذ بجلدك وتستسلم لوجود فكرة الإله المعتادة التى تم إستهلاكها منذ بداية التاريخ فى سد فراغات الجهل والإندهاش ليأتى المحدثون من أنصار التصميم الذكى ليعتنوا بإلقاء الضوء على فراغات الجهل المعرفى بدون أن يقدموا شئ ولكن بطريقة شيك بإغراقك بأرقام ومعلومات تطلب التعجب والإندهاش من إنسان عصرى لم يعد يندهش من شروق الشمس وغروبها بل يفتح فاه أمام تعقد الخلية الحية .
يحدثونك عن احتمالية تكوين جزئ من البروتين ليدهشوك بالأرقام بعد أن يحتالوا بمنهج تفكير يتصورون فيها العشوائية تتخذ إتجاه نظامى ليحجبوا فكرة أنها عشوائية أى لا تصطف وراء عدد هائل من الإحتمالات كأن هناك خطة وبرنامج محدد بزمن بينما هى عشوائية لا تعتنى بزمن ولا إحتمالات صارمة .وسنتناول فكرة الإحصاء هذه فى مبحث آخر .

- سنتجاوز هذا النصب الذى يرمى إلى أن الأمور صعبه للغاية وسنعتبر ما قدمه أنصار التصميم الذكى معلومات مدهشة غريبة ولكن ماذا بعد ؟! ..فبماذا تفسرون هذا التعقيد وكيف تم ؟!.. ولماذا تم حشر فكرة الله فى هذا التعقيد أم هى الهرولة نحو مربع الجهل والغموض طالبين أن نريح أنفسنا بفكرة إله صانع لذا لم تقترب النظرية التى يملأون بها الدنيا صخباً من التعرض لفكرة الإله وإثبات أنه فى طرف المعادلة لأنه ببساطة غير موجود ليدخل فى معادلة .

-هنا تتوقف نظرية التصميم الذكى عن الكلام المباح فهى تتحرك فى إطار إثارة الدهشة وعلامات التعجب ومربعات الجهل والظن ليتلقفها النصابون المتفذلكون ليغرقوك بمعلومات عن الخلية وتكوين البروتين فهى الموضة بدلا من التعاطى مع تراث عتيق مهلهل تنضح كل جزئية فيه بالتناقض والسذاجة ليوهموك بأن هناك تصميم يعنى إثبات وجود إله , وليرتدوا نفس حلة أجدادهم ويسألونك نفس السؤال الساذج المتبجح أترى الصدفة من جاءت بالحياة فى الخلية .. فبدلا من أن يقدموا إجابة علمية يسألونك من إفلاسهم بعد أن تجولوا كثيرا فى منعطفات التصميم الذكى .

- الخلاصة أننا أمام مغالطات فجة لإنسان أسقط ذاته على الأشياء ليؤنسنها في صورة إله شخصاني خارق القوى يسميه"الله ,يهوه ,المسيح ,كريشنا....الخ فالأمور لا تزيد عن حل سهل للعقل البشري تمليه عليه العادة بتحقيق التجانس لمسببات الأشياء المعلومة والمجهولة له على السواء ,فهذا التجانس تبدو صورته أكثر قبولا للذهن البشري ليرقع فجوات عجزه التي هي مصدر قلقه وحيرته بحلول سهلة تعكس أيضاً نرجسية هذا الإنسان وإحساسه بالعظمة حيال ذاته فتملي عليه تلك العظمة الذاتية أن يستنسخ ذات متضخمة بإسقاطها على الأشياء من حوله ليحصل على عدة صور لها في مرآة الوجود تزيده إحساساً بالزهو والأمان أمام وجود مادى غير معتنى .

* كيف نفهم العشوائية والنظام .
- التصميم والنظام زاوية رؤية إنتقائية تسقط إنطباع إنسانى ,فنحن يدهشنا الحياة على الأرض بينما الكون يحتوى على مليارات المجرات والكواكب الخربة تعمها الفوضى والعشوائية ولا تصلح للحياة ليكون مصيرها إنهيارات وثقوب سوداء .
نحن نعيش فى نقطة ذات حظ إستقرت فى الوجود المادى وسط ملايين الحالات الفوضوية لم تنتج حياة لنطلق عليها نظام ومن داخلها نتصور الوجود منظماً .!

- عقليا ومنطقيا لا يخرج الوجود عن أربعة إحتمالات لا خامس لهم إما وجود نظامى , أو عشوائى , أو نظامى يحتوى على فوضى , أو عشوائى يحتوى على نظام فأى وجود هو الصحيح .؟!
لو قلنا نظامى فى المطلق فالعشوائية تثقب عيوننا , ولو قلنا عشوائياً فنحن نرى حالات نراها نظام إذن لم يبقى إلا نظام يحتوى على عشوائية وهذا مرفوض أيضا , فالنظام وجود لن يستثنى فلا ينتج إلا نظام بينما العشوائية يمكن أن تتحمل نظام لأن من إحتمالاتها النظام فلو ألقينا 5 مكعبات فيمكن أن تحصل بعد عدة رميات منهم على نفس رقم سته للمكعبات الخمسة بغض النظر عما بذلته من محاولات .. إذن نحن فى وجود عشوائى انتج صيغ أطلقنا عليها نظام .

- مانشاهدة من نظام هو فقط في مستوي قياسنا وفقا لزماننا ومكاننا ، فهذا النظام وليد حالة عشوائية تامة، فتفاعل المادة مع بعضها هو من تكون نظام فى لحظة زمكانية .. النظام يعني رصدنا لتكرار التوازن فى الزمن ..لذا لا يوجد شئ إسمه توازن فى المطلق فيستحيل ان تستمر معادلة التوازن ثابتة بل الحالة التوازنية يستحيل لها أن تتطابق إذن لا يوجد نظام فى المطلق .

* التطابق من المغاهيم المغلوطة فلا يوجد فى الوجود شئ إسمه تطابق .
- هناك مفهوم شائع لدى المؤمنين بنظرية الإله المصمم الخالق برؤيتهم بأن رافضى فكرة الإله يؤمنون بالصدفة لينهالوا بطريقة ساذجة تنم عن هشاشة تفكير والرغبة فى خلط الأوراق بتقريع الصدفة , والحقيقة أن مفاهيمهم مغلوطة ومشوهة هذا إذا كانت لديهم مفاهيم أصلاُ , فلا يوجد شئ اسمه صدفة , فالصدفة تعنى إحتمالية تكرار لمشهد بشكل عشوائى لا يمكن رصده ولكن الماء لا يجرى فى النهر مرتين , فيستحيل أن تتطابق نفس الجزيئات التى مرت بالأمس مع الجزيئات التى تمر اليوم وهذا يدل على أن الطبيعة عشوائية غير مُنظمة تنتج مشاهدها دون تطابق , فيستحيل ان تتوفر نفس المواد بنفس العدد من الذرات والجزيئات والظروف وإذا توفر جدلا فعامل الزمن كفيل بإستحالة التطابق , فلا صدفة لأى مشهد وجودى بمعنى يستحيل ان يتكرر تطابق المشهد الوجودى بكل جزيئاته مع مشهد وجودى آخر حتى لو إبتعدت الأزمنة والأمكنة فما نراه هو تشابه أو تقارب , لذا لم ولن تتواجد وحدة وجودية تتطابق مع وحدة وجودية أخرى .

- لا تستطيع أن تضع رجلك فى نفس ماء النهر مرتين مقولة فى منتهى العمق والوعى بالوجود فياليتنا نفهمها ونعيها جيدا لندرك أن المشاهد الوجودية والأفكار نتاج لحظة وجودية محددة لا نستطيع أن نتوسم فيها التطابق أوالدوام أوالثبات وعدم التغيير فهذا يعنى اننا نقف ضد نهج الوجود , فالمشاهد الوجودية تتغير دوماً ولا تتطابق فقد تتشابه لذلك يجب أن تكون أفكارنا ديناميكية قابلة للتطوير .. نحن نعيش لحظات الجمود والشرنقة من عدم إدراكنا أن الماء لا يجرى فى النهر مرتين .

- يستحيل ان نقلد لوحة فنية لتكون متطابقة مع الأصل بل الفنان الذى رسم الأصل يستحيل ان يرسم لوحة متطابقة لعمله الأول , فالظرف المادى بكل ملابساته كفيل بفعل التغيير والتباين وهكذا هى الحياة والوجود .

- كل موسيقى الدنيا من سبع نغمات وكل لوحات العالم من 6 ألوان .. يكون التنوع والغزارة فى الإنتاج من عملية مصفوفات وتشكيلات وتوافيق لهذه الأنغام والألوان , فهل فهمنا ما هى الحياة , هى تشكيلات وتنوعات عشوائية أنتجت أشياء متباينة أوجدنا لها معنى بينما مفرداتها ليست بذات معنى ولتؤكد انه يستحيل ان تتطابق نغمة مع نغمة فى الكون !!!
نعم الوجود عشوائى وإذا كنا نتحايل عليه فلن تتطابق نغمتين أو لونين أبدا لأن كل نغمة ولون تواجد فى وسط مادى يستحيل معه التطابق .

- عندما نتأمل بصمات أصابعنا سنجد عدم وجود تطابق لبصمة مع أخرى ولا تطابق لبصمات أى إنسان مع إنسان آخر ,فماذا يعنى هذا ؟ يعنى عدم تطابق البصمات إثبات لعشوائية الوجود واللانظام , فالطبيعة غير مُدركة ولا واعية ولا مُنظمة حتى تنتج متطابقات وأنظمة صارمة بل تسير وفق عشوائيتها وعدم التطابق.

- لاحظ كيف يتوائم الإنسان مع العشوائية فهو يبرر عدم التطابق فى بصمات اليد إلى حكمة إلهية تعتني بتميز وتفرد كل إنسان ببصماته مما يجعلنا نكتشف المجرمين ليمكنك أن تسأل أسئلة عديدة عن مغزي هذا الإختلاف قبل إكتشاف التميز والتفرد , وليفسر العقل الناضج أننا توائمنا وتكيفنا وإستفدنا من العشوائية .

- لن تقف الأمور عند بصمة الأصبع بل الصوت الصادر من حناجرنا لا يتطابق مع الذبذبات الصوتية لإنسان آخر فبالقياس الدقيق للموجات الصوتية وجدنا إستحالة أن يتطابق صوت مع صوت .. صحيح ستجد تشابه وتماثل ما مثل رؤيتنا للبصمات والصور ولكن من المستحيل ان نجد تطابق لصوت أو بصمة أو صورة.. وقس على هذا أى محتوى لدينا فلن يتطابق مع محتوى أى إنسان آخر .!
الصوت ينشأ من ذبذبات الغشاء المخاطي للأحبال الصوتية وحروف الكلام تعتمد على حركة اللسان والشفاه والاسنان وتجويف الانف والبلعوم فكل انسان له حبلان صوتيان ولكي نتكلم تندفع كمية من الهواء في الرئتين بتأثير انقباض عضلات الصدر والبطن بين الاحبال الصوتية المنقبضة إلى البلعوم مما ينتج عنه تذبذب الاحبال الصوتية تحت تأثير الضغط المنخفض بينهما اثناء خروج الهواء فيحدث الصوت.
صوت كل فرد هو ذبذبات خاصة به يتميز عن سائر أصوات الناس، لذلك يمكن ان يقال ان في العالم اصواتا مختلفة بعدد سكانه الثمانية مليارات نظراً لإستحالة تطابق كمية جزيئات الهواء المندفع كذلك الجينات الوراثية مع التركيبة الجزيئية للأحبال الصوتية.. لذا يستحيل ان يتطابق صوت مع صوت آخر .

- لا يوجد جناح فراشة يتطابق مع جناح فراشة أخرى وسط مئات التريليونات من الفراشات , كذلك لن تتطابق ظهر سمكة مع ظهر سمكة أخرى منذ بداية الوجود الحى!
يستحيل أن يتكرر أى مشهد فى الطبيعة ليكون متطابقا ً مع مشهد آخر بل يمكن أن نختزل الأمور فقط ونعلن عن التشابه كما نرى ماء النهر أو تشابه الأزهار والفراشات والبصمات وهذا يرجع لأن أى منتج طبيعى هو نتاج لظرفه المادى الموضوعى مع دخول عامل الزمن فى المعادلة لنجد أن أطراف المعادلة يستحيل لها أن تنتج كيانات متطابقة .

- تدافع أمواج البحر نراه مشهد نظامى , بينما لا يوجد أى نظام فى مفرداته فيستحيل أن نجد موجة تتطابق مع موجة ولكننا لا ندرك ذلك بل نرى المشهد العام كمتشابهات , فها هى أمواج تتلاطم إذن هى تسير فى نظام .
نحن لا نتحمل الحياة فى تكوينات عشوائية غير مترابطة فنخلق حالة نظامية نتعايش معها , فما نتصوره نظام هو حالة تقارب لسلوك المادة تحت ظرفها الموضوعى الذى سينتج مليارات المشاهد المتشابهة ولكن يستحيل أن يمنحها التطابق .

- عدم إدراكنا لفكرة إستحالة التطابق هذه وإختزالنا الوجود فى منظومات ومصفوفات قادتنا إلى التعسف مع الوجود وإختزال الأشياء بشدة , ليتم حصر دوائر الإختزال بشدة لتصل لفكرة تفرد الإنسان بالوجود ويمتد به الخيال بأنه مركز الكون وأن كل الأشياء صُنعت من أجله .
هذا الطرح يدعم بقوة الرؤية المادية للوجود وينال بشدة من فكرة الإله المنظم الذى يعجز بنظامه أن يظبط الأمور لتتطابق فيها بصمة مع اخرى

- تكون الطبيعة غير منظمة فهى تنتج منتجاتها بلا عقل منظم ولا إرادة أو غاية وتتغير أطراف المعادلة وقيم حدودها بالضرورة لذا يستحيل تطابق منتجاتها .ولكن لو أسقطنا هذه المعطيات على فكرة وجود كيان منظم له غاية وإرادة ومشيئة فلن نجد تعليل لأن ينقش كل كيان بتشكيل خاص لا يتكرر وسط مليارات التريليونات من التشكيلات ولتسأل ما الغاية ؟!! هل لتمييز كل نبات وطير وحشرة وحيوان فى يوم الحشر .
خطأ الفلسفات المثالية أنها تغفل التغيير الذى يحتم عدم التطابق فهى ترى أن المشاهد متطابقة مع إهمال عامل الزمان والمكان الذى غير من ملامح المشهد لتصر على بقاء المشهد كما هو .. هذه الأيدلوجية الفكرية تخاصم وتعاند التطور والحركة والتغيير فتجلب مفاهيم مغلوطة بالضرورة عن الحياة والوجود .

* العشوائية والمعني والغاية .
- نحن فى وجود عشوائى لا غاية فيه ولا معنى لنخلق نحن نظامه ومعناه .فلتنظر لشئ شائع فى وجودنا يمثل حجر الزاوية لوعينا وتطورنا وحضارتنا وهى اللغة فستجد أى لغة عبارة عن كلمات ,والكلمات ذات حروف متلاصقة عشوائية بذبذبات عشوائية قمنا بلصقها مع بعضها بشكل عشوائى لننتج كلمة نمنحها معنى ودلالة فالحروف المتشابكة ليس لها أى بناء أو تنظيم بل النظام والبناء جاء من الإنسان الذى اتفق على تشابك حروف بشكل عشوائى ليعطى له معنى ودلاله معينة .. فيمكن لأى انسان ان يشبك مجموعة مختلفة من الحروف .. وهذا ما يحدث بالفعل من اختيار أسماء للمعدات والأجهزة والأدوية ولكن هذا التشبيك العشوائى نترجمه لدلالة ومعنى معين حتى تكون شفرة بيننا بإدراك ماهيتها
يهمنا التركيز أن أى كلمة لغوية يمكن ان تكون بأى حروف أخرى , أى أننا اخذنا من الوجود العشوائية وانتجنا نظام .

- نعم الطبيعة تنثر احرفها فى الهواء بعشوائية يكون الإنسان هو الجامع لهذه الحروف ليخلق منها صيغة يعتبرها نظام , أى يتفق على مجموعة معينة من الحروف والمشاهد ويعطى لها معنى من ذاته ليخلق نظام من فوضى .
فماذا نفهم عندما نقول كلمة "أسد " سنقول على الفور إنه الحيوان المفترس ملك الغابة الخ ولكن سؤالى هى كلمة أسد كمفردات صوتية تتكون من أ ,س , د فهل كان يمكن أن تكون التفوه بأى كلمة صوتية أخرى لهذا الحيوان ؟ بالطبع يمكن فهناك كلمات أخرى فى كل لغات العالم وهذا يعنى أننا من اخترعنا الكلمات بأن شبكنا بعض الحروف بشكل عشوائى لنتفق على معنى محدد أى انتجنا النظام من العشوائية .

- عندما نرمى زهر الطاولة ونحصل على نتائج مختلفة ومتباينة دوما فإننا نعزى هذا الأمر إلى كلمة الصدفة الشائعة بينما هى عشوائية فلن تتكرر رمية نرد مهما تصورنا ذلك !! فيستحيل ان تكون وضعية أرقام (4, 6) على الطاولة هى نفسها مهم تكررت فسيكون التشابه فقط فى الارقام وليس التطابق أى لن نجد نفس وضعية الزهر على الطاولة فى كل مرة.
هذا ما نريد تأكيده على العشوائية وليس الصدفة ولنتعامل مع مشهد (4و6) فى زهر الطاولة فى مسلك التشابه فلدينا قانون الإحتمالات ولكنه قانون يتعامل مع ترتيب رياضى ولا يخضع لمعادلة قوى مثل قصة تكوين جزئ بروتين .. فلماذا نقول مفردة العشوائية هنا ؟نقولها لأننا لا نعرف ولا نتوقع نتيجة الرمية فى كل مرة ..وبالعودة إلى قانون السببية فلابد أن نعزى نتيجة كل رمية إلى وجود علاقة وسبب جاء منه نتيجة هذه الرمية وإن كنا نجهله.

- هناك عشرات الأطراف فى المعادلة التى تعطينا فى النهاية نتيجة رمية زهر محددة مثل قوة الرمية , شدة الريح , مسافة الرمية , سطح الإحتكاك الخ .هذه الأطراف التى تشكل معادلة معقدة بحدودها والتى يمكن أن تصل طولها إلى متر مثلا هى معادلة فى النهاية نجهل حدودها وعلاقاتها الداخلية ,ومن خلال جهلنا بها أو عدم المقدرة على التحكم بجميع شروط المحاولة ..فالعشوائية ظاهرة تكون فيها العوامل المؤثرة من الكثرة بحيث يصبح من الصعب علينا ان نضع قانوناً يحكم نتائجها لذا نعتبرها عشوائية وهذا تفسير لما ذكرناه عن مفهوم العشوائية

- العشوائية فقط هى التى انتجت الوجود فلا مشهد نظامى معتنى ولا يعنى هذا غياب السببية بل قل أننا لا نستطيع ان نتلمس سببيتها فكل مشهد وجودى عشوائى له سبب أنتجه ولكننا نجهل آلياته ولا نجد له إنتظام فى إنتاج مشاهده , فالعشوائية تعنى جهلنا بالأسباب وإعترافنا بالقصور عن التعرف على أسبابها .

- العشوائية مشهد مادى فى النهاية يخضع لظروف المادة فى لحظة معينة .. نقول عشوائية وفوضى لعدم تكرار المشهد وغموض أسبابه وتوقع حدوثه .. النظام جاء كحالة إستثنائية من العشوائية بتقييم وإنطباع إنسانى لنتشبث به كوننا لا نستطيع العيش وسط حالة من الفوضى واللاتوقع , فنحن لا نتحمل العيش بمنهج الإحتمالات المفتوحة الغير متوقعة فهو الجنون بعينه أن نعيش اللانظام , فنحن نحتال على الأشياء لنخرج منها بصيغة نظام .

- الوجود المادى غير معنى أن يصدر لنا مشاهد مرتبطة ببعض بل نحن من نحاول إيجاد علاقات فيما بينها وقد نصيب أو نخطأ وهذا يتوقف على قراءتنا للمشهد وزواية رؤيتنا وكلما إقتربنا اكثر من العلاقات المادية بدون أن نقحم تصورات ليست من المادة أمكن ان نجد سببية اكثر ديمومة .

- من الخطأ القول أن الطبيعة منظمة أو عشوائية فقولنا هذا هو إعطاء وجود وسلوك شخصى للطبيعة لنقع فى نفس خطأ فكرة الله .. الطبيعة منظمة أو عشوائية هو تقييمنا نحن لها فقط , فالإنسان مصدر كل الأفكار والإنطباعات والأحاسيس ومنها خلقنا الافكار والفلسفات والآلهة .

- النظام ليس معناه وجود فعل وفاعل نظامى , فالنظام تقييمنا نحن للأشياء , فالأشياء ليست منظمة أو غير منظمة فى ذاتها بل نحن من رصدنا علاقات لنقول عن هذه العلاقات منظمة . أى هى تقديرنا ورؤيتنا وإنطباعاتنا نحن لتكون مشكلتنا فى فهم الوجود أننا تغافلنا أننا من قيمنا الأشياء ونسبناها لمُنظم .

- نحن ندرك أن هناك عشوائية نواريها بكلمة غموض وسر الوجود فنرى أن الكثير من أشكال الحياة طائشة بلامعنى أو رابط للإنسان .. الكثير من أشكال الحياة لاتؤدي لنتيجة محددة هادفة للإنسان وبالتالي في الكون الكثير من اللاإرتباط بالإنسان وهذا يعنى أن الكون عشوائي حتمي وغير مُوجه بخطة .

* نحن من نخلق النظام .
- نحن من نخلق النظام أى نبتدع وسائل عقلية لإيجاد علاقات بين الأشياء ليست فى كينونتها نظامية ذات ديمومة بل حالة من عشرات الحالات لنلقى الضوء على مشهد منها لنسقط علاقات تبحث عن إيجاد صيغة للأشياء لقبولها نسميها نظام وما نعجز عن إيجاد علاقة للشئ نعتبره فوضى كحال الملاح الذى أوجد علاقات بين النجوم لهداية طريقه .. الفوضى والعشوائية ناموس الوجود لنختلق علاقة من وسط العشوائية نطلق عليها نظام

- الأعداد ا ,2 ,3 , 4 نعتبرها نظامية كذلك يمكن أن نجد مجموعات نظامية أخرى مثل 2-5-8-11 ومجموعة 2 4- 16 فالأولى متوالية عددية والأخرى متوالية هندسية وهكذا ولكن لو وجدنا مجموعة 3- 9 -81 فسنقول انها مجموعة عشوائية لجهلنا العلاقة بين حدودها ولكن لو قلت أن هذه المجموعة تعتمد على تربيع كل حد ليعطى الحد التالى فهنا ستصبح مجموعة نظامية ولو قلت مجموعة 7-5- 3- 7-11 فستعتبرها عشوائية عندما تعجز عن إيجاد علاقة بيين حدودها ولكنها ستكون نظامية حال أمكنك خلق علاقة فيمكن ان تقول هى مجموعة تقل -2 لتصل لرقم 3 فتنقلب لزيادة +4 , وكذلك مجموعة 8-6-4-8- 16 يمكن ان تُوجد لها علاقة نظامية فهى متوالية عددية تقل -2 حتى تصل لرقم أربعة لتتحول لمتوالية هندسية بالضرب فى 2 .
ما أريد قوله هو اننا نبدع إيجاد علاقات بين الأشياء لنقول ان هناك نظام بينما العشوائية هى عجزنا عن إيجاد علاقات لجهلنا أو صعوبة وتعقيد العلاقات ولكن يمكن ان نجرب ونجتهد .
الوجود ليس معتنى ان يقدم لنا علاقات وقوانين وأنساق منظمة بل يلقى بأوراقه مبعثرة لنحتال ونبدع بإيجاد علاقات ,فنحن لا نعرف العيش فى العشوائية ..ومن هنا نحن نخلق النظام .

- من المعروف رياضيا أن أي مجموعة من الأرقام تشكل دالة ما , أي أننا نستطيع استنباط نظام من أي مجموعة أرقام نختارها بعشوائية, وهذا يجعلنا نتساءل حول معنى كلمة نظام هل هي نظام فعلاً أم هي مفهومنا عن الأشياء .. أعتقد أن وجهة النظر الثانية هى الصحيحة وهو ما تؤيده العلوم والواقع المادى والإستدلالات الرياضية

- لننظر إلى هذه السلسلة من الارقام التسلسل التالي: 17839759123450784326490038746574605
فسنرى إن السلسلة ذات تسلسل عشوائي لا نظام فيه ولكن لو دققنا النظر فسنرى تسلسلا جزئيا منطقيا (12345) أي أن هناك مجموعة جزئية يبدو عليها نظام، في داخل المجموعة الكلية العشوائية ليخيل إلينا أن هناك تصميماً معيناً، و لكن لو كانت لنا نظرة أوسع، لما ظننا هذا... هكذا الأرض حالة من النظام وسط كون غير منتظم وهناك نظرية الأكوان العلمية القائلة أن الكون الذي نعيش فيه مجرد جزء من مجموعة كلية عشوائية، و التصميم الذي نراه فيه هو زاوية نظر انتقائية بحكم وجودنا في داخل هذه الجزئية لأن وجودنا كجزئيات منظمة مستحيل في داخل أحد الأكوان الأخرى، فلا نرى إلا ما أمام أنوفنا.

- الذين يقولون أن الكون منظم فلهم الإنفجار العظيم حتى يستفيقوا , فالإنفجار الكبير ماهو سوى عشوائية غير محددة الإتجاهات ومازال الكون يتمدد فما نقوله عن النظام هو حالة متوهمة وسط العشوائية فهم يشبه هذا الرقم 890156782027365 12345 6035678004139 لنلاحظ وجود وحدة نراها منظمة هى 12345 فى وسط هذه المجموعة العشوائية فيكون وجودنا الأرضى هكذا ولكن لا تنسى ان 12345 أنت من تعتبرها مجموعة منظمة فأنت من أسقط عليها النظام اى اخترعت علاقة نظامية.

- القوانين الكونية هي اكتشافاً وليس اختراعاً كما استقر بعقولنا حتمية ان يتلازم النظام مع منظم او ارادة واعية هي من تفرض ذلك النظام وتضمن إستمراره .. فهل النظام هو كل نسق او منهج قابل للإخضاع الى القياس والتنبؤ أم هو تلك العلاقة التي لا تتغير بين الاشياء وأفعالها وتضمن الاستمرارية وعدم الانحراف او التغير
كيف يمكن لنا كوعي بشري أن نحكم على شيء ما بأنه يحمل صفة النظام أوالفوضى, فالفوضى يمكن صياغتها لنظام متى تحايلنا على إيجاد علاقة وتظل فوضى أمام عجزنا عن ايجاد صيغة يشبه هذا من يستدل على طريقه بعلاقات لنجوم .

- يمكن فهم علاقتنا بالوجود والحياة وماهية القوانين والعلاقات التى نتعاطى بها بملاحظة علاقة الملاح بالنجوم فهو يكون علاقات إستدلالية مع النجوم ومنها يهتدى لطريقه , فالنجوم لم يتم رصها فى الفضاء لكى تدل الملاح على طريقه ولكن الملاح أنشأ علاقات افتراضية رياضية تجاه ظواهر مادية لينتج قانون وفقا لما هو متاح ذو ثبات نوعى .

- كذلك عندما نحدد طريقنا من الغابة إلى المنزل فنحن ننثر أحجار على الطريق كعلامات إرشادية للوصول من النقطة أ إلى النقطة ب فهنا نحن من أوجدنا العلاقة لنتطور بعد ذلك فى اختيار افضل الطرق لوضع الأحجار فلا يكون الأقصر فحسب بل الأقل وعورة والأكثر أمنا مثلا .
ما أريد قوله أن المادة فى الوجود لا تخبأ سراً ونحن نكتشفه بل نحن من نخلق علاقات تكون سبيلنا لفهمها والتعاطى معها .

- مشكلتنا فى فهم الوجود ان الأحجار التى ألقيناها بعشوائية فى الطريق من النقطة ألف إلى النقطة باء وإستدلالات الملاح بالنجوم إعتبرناها علاقات خارجة عنا تمنحنا النظام .
ما نراه نظاما ما هو إلا منتج من رحم الفوضى نحن من أسبغنا عليه نسق النظام بحكم إيجاد علاقة يكون فيها اللحظي قياس لسرمدية الزمكان .

- النظام مفهوم ومنطق إنسانى بإيجاد علاقة لمشهد حياتى ذو وضعية زمنية مكانية يمكن تمثيل هذا بخط مستقيم متعرج شديد الطول فعند أى جزئية من هذا الخط سنجد اننا نسير فى خط مستقيم منتظم , فالإستقامة تحققت من كون الإعتناء برصد جزء محدد من الخط المستقيم ولكنه فى الحقيقة منحنى .

- لنا أن نضيف لإيضاح تلك الفكرة هو إستخدامنا القراءة التفسيرية يعني مثلا نرى أن المادة تتصرف بنحو كذا و كذا، فنقول هذا نظامها، و لو أنها تصرفت على أي نحو آخر، فسنميه نظاما أيضاً لنفسر الأشياء بشكل شخصى فلو رمينا حجري زهر الطاولة وحصلنا على الرقمين (2,6). فلا يوجد أى مغزى لهذه النتيجة ولكن لو قلت إرمى حجري زهر الطاولة ، فإن حصلتم على الأرقام (2.6) سأمنح جائزة لصاحبه - فإذا رمينا الزهر و حصولنا على (2,6)، فهذه الأرقام العشوائية أصبح لها مغزى معين!

- مشكلتنا في الوعى أننا حددنا مغزى من داخلنا وصدقناه مثلما حددنا الأرقام التي لها مغزى قبل رمي أحجار النرد , فلو كان الكون موجودا بشكل آخر، سننظر إليه ونقول، "هذا النظام لا يمكن أن يوجد بدون إله و مهما يكون شكل الكون سنقول نفس الكلام.!! مثلما نقول انظر التصميم الذى يجعل للإنسان عينان أليس رائعاً , لكن لو كان لدينا ثلاث عيون فحينها سنقول : أنظر أليست ثلاث عيون رائعة أفضل من عينين .!

- النظام نسبي تكيفى إنسانى يخرج من رحم الفوضى الكونية كإسقاط إستدلالات إنسانية , فالنظام ماهو إلا جزء من قدرتنا فى إيجاد علاقة مرتبة من الفوضى الكبرى ..إذاً النظام لحظة أسقطنا عليها الترتيب فى فوضى

- عند الذهاب إلي الشاطئ لننظر فنجد أحجاراً متناثرة ليست بعبثيّة الترتيب بل تتدرج من الأكبر إلي الاصغر كلما بعدنا عن الشاطئ ، فسيقول قائل أن هذا الترتيب المنظم لايمكن أن يكون حدث بدون تدخل أحدهم ، فلا يمكن أن يحدث الأمر صدفة !
الذي يتسائل عن ترتيب الاحجار يظل معتقداً أن هناك من رتّب تلك الاحجار ويرفض كل محاولة للشرح أو المكوث لبضع ساعات ليري أن الأمواج العشوائية هي التي نظمت كل هذا ! فالأحجار الكبيرة نسبياً تسقط قريبةَ من الشاطئ بينما تذهب الاصغر إلي مكان أبعد وهذا كافٍ لمن يسأل عن ترتيب الاحجار ، ولكن المشكلة لا تكمن في الحقيقة إطلاقاً أو الوصول إليها بل فيمن يريد معرفتها ـ فتراه بعد مشاهدة الامواج العشوائية ترتب الاحجار وإدراكة تمام الإدراك أنه لايوجد من يرتبها يتحول إلي سؤال من الذي أتي بالامواج ! من كوّن المياه ؟ ومن أوجد الاحجار في ذلك المكان ؟وكأن أحدهم قام بهذا كله من أجل ترتيب بعض الاحجار علي شاطئ مهجور !

* الكون وما يحتويه لم يُخلق ولم يُصنع ولم يتدخل أحدهم لا من قريب ولا من بعيد!
- نحن نتصور ونتوهم بأن هناك نظام ما يحكم الوجود ليرتبه ويقدره ويغمره بحكمته وتدبيره فلا يوجد شئ خارج السيطرة والهيمنة بينما الحقيقة أنه لا نظام ولا ترتيب ولا حكمة بل الأمور تنحو نحو العشوائية واللانظام واللامعنى .فنحن من نتخيل فقط بأن هناك نظام ما وحكمة ما تُصمم هذا المشهد الوجودى بينما الأمور لا تعدو سوى لحظة نظامية وسط فوضى عارمة .. لحظة هدوء من العشوائية والفوضى مجهولة العلاقات لنتلمس منها علاقة مثل علاقات النجوم للملاح والاحجار للباحث عن طريق لمنزله

- مشهد المدقات على الطريق أو الأحجار التى ننثرها لتهدينا للطريق يمكن منها فهم علاقتنا مع الوجود العشوائى فلدينا نقطتان ألف وباء نريد التحرك من أ إلى النقطة ب ولا يوجد لدينا وسائل إيضاحية بحكم جهلنا فنلقى بمجموعة من الحجارة اثناء سيرنا من أ إلى ب , لقد اصبحت لتلك الحجارة معنى بينما هى حجارة ليست ذات مدلول كما اننا خلقنا نظام من فعل عشوائى ليصبح الطريق من أ على ب نظاماً!
بالطبع يمكن ان نثبت الحجارة أو نزرع اشجار أو نرصف الطريق من أ الى ب او نقلل من المسافات المهدرة لنختصر الطريق ثم نقوم بعد ذلك برسم خريطة لوضع الاحجار التى القيناها بعشوائية ونضع قانون لزاوية انحراف كل حجر عن الآخر لنتوهم بعد ذلك ان الوجود منظم!

* عشوائية أم غاية ومعنى وحكمة .
- فى نهاية هذا الجزء الأول من العشوائية والنظام يكون طيباً ان نختمه بمشهد طريف بالتأمل وبالتعمق فيه لنتفهم أفكار كثيرة دسمة عن العشوائية والنظام والتصميم والمعنى والمادة التى تسبق الوعى وتشكله .
فمن منا لم يرى مشاهد من الطبيعة تعطى مدلولات وإيحاءات لصور معلومة لديه تقترب من صور مختزنة فى ذاكرته تكون قريبة الملامح بشكل كبير.
http://www.youtube.com/watch?v=nO-GsDwYwtI
أرجوأن لا يتصور أحد أننى بصدد إرسال مشاهد من الطبيعة ذات إيحاءات جنسية من باب الطرافة وعدم اللياقة .. وأعتقد أن قراء موقع الحوار المتمدن على درجة عالية من الثقافة والنضج الفكرى والنفسى ليدركوا أن مغزى الصور تتجاوز الطرافة أو السخرية فنحن معنيين ببناء تأمل وفكرة وموقف .
هذه المشاهد التى رأيناها لاعضاء جنسية للرجل والمرأة هى منتجات من الطبيعة تقترب من صورنا لتنتابنا الدهشة والطرافة ولكن لن تمر دون أن تلقى السؤال وتسقط لتخترق أفكارنا الصلدة ومسلماتنا المنبطحة وتعرى إختزالنا المجحف للأمور .
سنسأل بداية من كَون وشكل هذه المنتجات لتجد حضور فى ذهننا بهذه الإيحاءات .. هل هى الطبيعة المصمتة الغير واعية أم إله قدير حكيم ؟!
الإعتقاد بأن هذه المشاهد الطبيعية إنتاج إلهى بإعتبار عدم وجود مُنتج فى الوجود خارج عن خلقه وإبداعه وترتيبه ومشيئته ستضع هذه الإجابة فكرة الإله فى مأزق وحرج شديد .. فهل الله الداعى للحشمة والعفه وغض النظر والبعد عن المثيرات والشهوات يُرسل لنا إيحاءات ومدلولات جنسية فاضحة تُثير الإنتباه وتستدعى مشاهد وخيالات مختزنة وتدفع إنسان شبق كالرجل الشرقى للإثارة ؟!.. هل من اللائق أن تكون هذه التكوينات الفاضحة منتجات إلهية له فيها تصميم وغاية وحكمة ؟!.
لا يستطيع أصحاب الفكر الدينى أن يتخذوا موقف من هذه الصور وسينتابهم الحرج فإما أن يضعوها من إنتاج الطبيعة أو من إرادة وتقدير وترتيب إلهى فلا موقف آخر .. فلو حاول المؤمنون أن يخلصوا الله من هذا الصنعة ونسبوها للطبيعة فهنا هم يخرجون من المنظومة الإيمانية بإنتقاصهم لخلق وعلم وإرادة ومشيئة الله الخالق المصمم فهناك أمور تتم فى الوجود بدون إرادته وعلمه ورغما ً عنه!!
بالتغول فى هذه الفرضية ستضع فكرة الله فى مأزق ولكن يُمكن التخلص من هذا الحرج ببساطة شديدة عندما نقر بحقيقة الوجود وبأننا أمام منتجات أنتجتها الطبيعة الغير واعية ولا المُدركة ولا المُنظمة بشكل عشوائى غير مَعنية ولا مُعتنية ولا ذات قصد أوغاية أو نية ..نعم العشوائية تُنتج من وسط مليارات المشاهد فى الطبيعة مشاهد كتلك الصور ,فمن المنطقى أن نحظى وسط هذا الإنتاج الهائل من الطبيعة على تكوينات تقترب من صور نعهدها تستدعى صور مختزنة فى ذاكرتنا ومعارفنا السابقة .

دمتم بخير وإلى الأجزاء الأخري من العشوائية والنظام .
قد تكون الأوهام مريحة ولكن متعة الحياة فى فهمها حتي ولو كانت مؤلمة .