تونس: ما المطلوب اليوم المقاومة المستقلة من أجل مشروع للتغيير الجذري أم كسر أجنحة النهضة لصالح شق من شقوق البرجوازية.


بشير الحامدي
2021 / 8 / 17 - 17:22     

المعروف أن قطاع الطاقة والمناجم قطاع تسيطر عليه شركات عالمية كبرى، والمعروف أيضا أنه قطاع شبيه جدا بقطاع الصناعات الحربية من حيث أن كل شركة تحيط معاملاتها بسرية كبيرة وتحرس نشاطاتها بأحدث التقنيات وتؤمن كل مراحل عملية الاستثمار الخاصة بها من التخطيط إلى البورصة تأمينا لا يترك شيئا للصدفة ومن المعروف كذلك أن هذه الشركات تضع يديها تقريبا على كل هذه الثروة في بلادنا وتحيط كل ذلك بسرية بالغة و أن الدولة التونسية وفي العهود الديكتاتورية الثلاثة من بورقيبة لبن علي لحكومات الانتقال الديمقراطي قد وسّعت لها في ذلك مكتفية بالحصول على نسبة ضئيلة من مردود هذه الثروات تستخلصها من الوكلاء المحليين لهذه الشركات على شكل ضرائب ومن نسبة ضئيلة أخرى تعود للدولة بموجد عقود الاستثمار التي تمتد على عشرات السنين في الوقت الذي يعيش فيه التونسيون في أوضاع تفقير ظلت تتعمق منذ عقود بطالة وتدهور في القدرة الشرائية انهيار في كل قطاعات الخدمات العمومية إضافة إلى انهيار الدينار وتسارع وتيرة التضخم وارتفاع نسب التداين التي ابتلعت تقريبا كل الناتج الداخلي الخام .
...
الوضع الذي عليه قطاع الطاقة والمناجم هو نفس الوضع تقريبا في أغلب القطاعات الحيوية الأخرى وخصوصا القطاعات الكبيرة كالفلاحة والصناعات المرتبطة بها وقطاع النقل والصحة والتعليم التي فوت فيها الدولة للخواص وهو مخطط نشط في بلادنا منذ أربع عشريات وكانت نتائجه كارثية على أمن التونسيين على كل الأصعدة ومنه صعدت إلى السطح شريحة من الوكلاء المحليين وعبره انتشر الفساد والتهريب والتهرب الضريبي والسوق الموازية والاحتكار.
...
مثلت مسالة السيادة على الموارد والثروات المحلية بعد 17 ديسمبر 2010 أحد أهم المطالب الملحة للتونسيين ولئن لم يتمكن هذا المطلب من تجميع الأغلبية التي لا تملك لتنتظم من أجل تحقيقه ويتحول لأحد محاور مقاومة سياسات الانتقال الديمقراطي التي حولت محاسبة الفاسدين والمجرمين إلى مصالحة معهم إلا أنه يبقى العمود الفقري لكل سياسة تروم مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين ولا يمكن لإجراءات فوقية كالتي نشهدها اليوم ويقوم بها قيس سعيد أن تذهب فيه بعيدا فالرجل يتحرك من داخل المنظومة وبأجهزتها وليست له سياسة واضحة حول هذه المسألة يمكن القول أنها سنفذ ولو جزئيا لمعالجة هذا الورم الذي أصاب الاقتصاد التونسي وما نشهده من تحجير السفر عن البعض وتنفيذ أحكام سابقة عن البعض الآخر وإحالة بعض الملفات من هنا وهناك للقضاء دليل على أن الملفات الكبرى المتعلقة بمسألة الفساد واحتكار الثروة في أيدي بعض العائلات ستبقى على حالها في الرفوف لا تطالها أيادي قيس سعيد ولن يجرؤ على إثارتها.
...
مسألة مكافحة الفساد والفاسدين ليست مسألة متعلقة فقط بقاض أو قضاة دلسوا عقود شراء أراض أو محلات وليست فقط مسألة تهريب عملة من قبل أحدهم إنها معركة مع جزء من الطبقة التي بيدها النفوذ الاقتصادي جزء من طبقة جمعت ثروتها بالنهب والتدليس والتهريب والوكالة ومستمرة في ذلك عبر نفوذها المالي وعبر عملائها في كل أجهزة الدولة من القضاء إلى البوليس إلى الديوانة إلى الإدارة ولا أعتقد أن قيس سعيد ومن داخل السيستام وبأجهزته قادر على خوض هذه المعركة ضدها أو حتى إثارتها فأقصى ما يمكن أن يقوم به هو كسر أجنحة حركة النهضة وتهيئة الأوضاع السياسية للبقاء في رئاسة الدولة عبر تغيير النظام السياسي لنظام رئاسي وهي مهمة تسانده فيها اليوم كل أحزاب الطبقة الوسطى وجزء من الجماهير المجرورة وراء حلم تحسين أوضاعها المعيشية والخروج من أوضاع التفقير والبؤس الذي صارت فيه أثناء حكم الخوانجية في العشر سنوات الماضية.
...
مازال البعض يعتبرون أن مهام اليوم هي مهام ليست متعلقة بالمنظومة كاملة بل فقط بكسر أجنحة حركة النهضة ولكن فاتهم أن أجنحة النهضة يمكن أن تنكسر ولكن المنظومة وسياساتها سيبقيان وأن المطلوب هو المقاومة المستقلة من أجل مشروع للتغيير الجذري وليس الارتماء وراء شق من شقوق قوى الانتقال الديمقراطي لتغليب شق من برجوازية النفوذ والمال والأعمال على شق آخر منها.