لماذا هجرت الواقع؟


عباس علي العلي
2021 / 8 / 16 - 22:46     

البعض من أحبائي وأصدقائي وممن هم بقربي يسأل عن غيباي وغيبتي وأختفاء ملامح وجهي من نشرات الأخبار اليومية التي تبثها جميع القنوات بوقت واحد عني، عن أنجازاتي، عن سر نبوغي وعبقريتي، عن كل النظريات التي أخترعها صباح مساء، عن كيفية تحكمي بأسعار المعادن والعملات، عن مشاهد أستقبالي من قبل كل رؤساء الجمهوريات والملكيات والأمارات، عن التراتيل والتسبيحات التي ترفع في كل المعابد والمساجد والكنائس في العالم لتمجيد أسمي اسم الفاتح بأذن الله السادس عشر رضي الله عنه، الذي هو أنا، وووو، والحقيقة أنا سأشرح لكم هذا ولتعذروني...منذ مدة وأنا هارب من الواقع أتجول كالسائح الذي يرى عالما جديدا عليه في عالمه هو، عالم ولد وعاش فيه لأكبر حقبة من تاريخه وزمنه وعمره، قد يقول من يقول وما الجديد في الأمر هذا حدث ويحدث والنتيجة كما نتوقعها في كل مرة نعود ونعود كما العادة إلى الحضيرة في أخر المساء أما خوفا من الذئاب التي في الخارج أو استجابة لطبعنا، المهم نعود ونبدأ باجترار أحلامنا لنبدأ بعدها يوم جديد ننسى فيه يومنا السابق لأن ما أمامنا أهم وأكثر ألما مما مضى، أصارحكم..... نعم هذا ليس بجديد ولا بالمستعجب بقدر ما أنا عجيب ومستعجب من حالي..... لقد أشتهيت أن أكون حمارا في عالمكم هذا،،، ولكن أيضا حمار بلا مشاعر... نعم أو ربما وددت أن أذهب لمستشفى الأمراض العقلية أبحث عمن يبرر لي أو حتى يفسر لي كل هذه البشاعة أو ربما العقلانية الخارقة للفهم التي يمتطيها الواقع والذين يعيشون فيه ومنهم أنا.
طبعا لا أدعي أني مثاليا ولا فيلسوفا جاء ليقود العقل الإنساني للمستقبل، بل ربما أنا أكثر حاجة من أي أخر لكلمة أو حديث أو معرفة مضافة، أفهم الحياة كأنها مركبة تعمل على الطرقات... سيارة مثلا أو قطار أو حتى مثل عربة حمار عادية... لكنها في جميع الأحوال تحتاج لوقود، لراحة، لصيانة، لتجديد، والأهم تحتاج لمن يقودها للهدف، الغريب معظم من معنا في الواقع يعرف هذا جيدا ويقر به، وربما أيضا يريد أن يفعل ذلك، ولكن وهذه الـــ لكن أبشع مما أخترعها الشيطان وقدمها للبشر وقال له... كلمة لها ألف باب وبها ألف باب... ولكن هناك من يجعل من الأمر حاجة غير ذات أهمية في الوقت الحاضر على الأقل، حاجة قابلة للتأجيل الدائم والمتكرر، لأنه أما مشغول بأخرى، أو بأخرى تجره لهم جديد، ويقول لا بأس.... سأفكر في ذلك في المرة القادمة .. والمرة القادمة لا تأتي وهو متأكد أنها لا تأتي ... إنه مجرد هذياننا اليومي المجاني والجميل والسهل.. لذا وأنا هنا أقول يا ليتني كنت نبيا .... ليتني كنت أغبى من حمار أبيكم... لأريح ضميري وأقمع عقلي الذي لا يريدني أن أكون عاقلا كما هو الواقع، عاقل ومسالم وجميل كما القرد في عين أمه... لكن لا بأس سأبحث لكم عن رسالة منسية سقطت من حقيبة أحد الرسل، أو آية أكلها داجن من كتاب نبي أو ذاكرته، لأعلن وعلى الملأ جنونكم كلكم.... وأذهب لغار أو جزيرة مجهولة لأتعبد وحدي.
أكتب لكم وأنا أضحك بداخلي سرا عن عقلي، لأنني لا أريده أن يهتز، ولا أريد له أن يشعر بالمرارة التي أضافت نكهة ما فوق المرارة لشعوري أني ما زلت حيا، ما زلت أمارس هواية التنفس الجبري كي لا أشطب من دفتر الموجودين، ففي أخر النهار كما يبدو سنقبض أجرتنا لنعيش يوم أخر (نسخ ولصق) كالمعتاد... ونغني جميعا (كلنا في الهوا سووووووووا.... يا سوا)، الضحك بلا سبب كما يقولون قلة أدب... طبيعيا جدا أن تجد مبرر وقانون للضحك مصحوبا بمراسيم وتشريفات وأخلاقيات وووو حتى تضحك وإلا فأنت عار ومختل عقليا ولا يصح أن تفعل ذلك... ممن الممكن أن تبكي بلا سبب ... من الواجب أن تبكي بلا سبب... هذا يجعل منك خاشعا تقيا فاضلا مكرما مبشرا بالجنة كما لم يبشر بها أحدا من قبلك، أما أن تضحك فهذا قمة الإنحطاط فالإنسان كائن لا يضحك وإن ضحك عليه أن يذهب بعدها ليتوضأ، فالضحك من مبطلات الحياة... المهم حتى لا أزعجكم أقول أضحك سرا لأني غير مقتنع بما أكتبه الآن.. ربما هي نوبة جنون تمضي... أو بداية عصر جليدي قادم... لكن ما متأكد منه تماما منه....أني لن أتكلم بعد، ولم أفتح عيني مطلقا وأنا اسير في دروبكم، ولن أدع أذني تتعامل مع تجارتكم، ولا لساني يشارككم طقوسكم الوثنية... سأختار زاوية قصية لا تصلها عيون الرصد ولا تلحظها كاميرات المراقبة، لتكون منتجعي، ومشفاي، ومقبرتي، وحديقة أزرع فيها زهور أحلامي الميتة التي داستها أقدامكم، وهي تمارس الإعجاب والافتنان بجمالها.
لقد تعبت من نفسي منكم من هذا الواقع... تعبت لأني لم أعد أجد ما أبرر به لنفسي، أنني ممكن أن أبقى أكثر وأقاوم... ليس الأمر هزيمة بل أقسى منها لو كنتم تعلمون ....... والحقيقة أقول لقد هزمتموني... أسقطموني بالقاضية... طلقتموني بالثلاثة... سحقتم أناملي... وكسرتكم أقلامي... ودستم على دفاتري، لقد أجهضتم كل أحلامي حتى التي لم تولد بعد... وأنا لست نادما ولا منزعجا حتى من كل ما جرى، كل ما جرى هو من المعتاد ... من المفتخر به في كل الأوقات وكل الأمكنة، ليس غريبا أبدا، ولكن كنت أتوقع وهذا من غبائي طبعا، أنني سأجد من يصدق أن الشمس يمكنها أن تخاصم السماء وتذهب يوما للبحث عن كرامتها في زوايا الكون البعيدة حيث لا يراها الإنسان وهي تبكي مللها المر، ورؤيتها للواقع هذا وكأنها ترى نهايتها في أخر الأفق على يد من هو بحاجتها لأن يكون، وإلا الفناء هو الفناء.
لا أعلق خيبتي على جدرانكم أبدا ولن أعلق، لا أسمح لنفسي أن تجد عذرا لها كي تستريح من عذاب ضميرها بتأنيب ضميركم أبدا... حاشاكم... وأنتم الأكرم عندي والأجب... لكنني أصارحكم بما يوجعني وأعرف أنكم تتوجعون من هذا، ولكن...... ما هو الحل؟ ما هو الطريق الذي يجعلنا أقل ألما؟ لا شيء لا يبدو حتى هناك طريق أصلا... فقلت لأشتم نفسي وأكسر عصاي التي أهش بها على ناقتي.. جميلة هذه الكلمة ...ناقتي ... ناقتي تعشق جملكم وحينما تواعدا معه ذات مساء أتضح أنها جمل، ولكنه لا يدرك ذلك لأن الجميع أعتقد كما أعتقد هو أنه ناقة... فسلم أمره وسكت، لا يهم ناقة أو جمل، فكلاهما يؤكل حلالا زلالا دون شبهة أو شك أو ريبة، إلا أبناء الله وأحبائه فأنهم لا يأكلون لحم الجمل لأنه محرم عليهم، إنهم يأكلون من لحم الذهب وشحم الفضة ... طبعا أليسوا أبناء الله، لذلك حينما يتكلمون أو يفكرون ينصت العالم كله، وسرعان ما يفهم الجميع ما يقولون ويعتنقونه كدين حتى فوق وجه الله... أليس القائل أبن الله والمدلل عنده، لا يهم أن يشخ الولد على أبيه أو يعبث بلحيته... هذا دلال الولد وتدليل الوالد... أشتهي أن أبكي الآن.... لأنني لم أولد من صلب الله، ومن رحم زوجته التي أشك فيها أنها كانت عاهرة.
أطلت قليلا تحملوا جنوني وسخافاتي لعلي أهدأ قليلا.... أشكركم أنكم أنصتوا، وقد فهمتم ما يوجعني وما يوجعكم... أه لو يحصل الآن ما أفكر به... عربة يجرها حمار ذكي جدا أصعد فوق ظهرها مستلقيا على ظهري أنا متأكدا أن الحمار سيفهم كيف يقود عربته نحو قمة الجبل دون أن يزعجني في الطريق بمطب أو عثرة، ومن هناك سأقفز عاليا... أما أمسك بتلاليب السماء وأرتقي حيث أفكر أن أجد السيد المدير الذي يتحكم بالواقع ويدير الكون... أعاتبه ....أشكي له.... اسأله.... ربما لا أفكر بالشتيمة لأني لا أعرف ما سيواجهني به، ولكن لا أسكت عنده، أما لو لم يحصل ذلك فسأسقط إلى قاع الوادي ومن هناك ربما طريق أخر أنفذ منه إلى السيد المدير ذاته.... ولكن صدقوني ...لا أنفعكم ولا تنتفعون مني لأني عندها سأغلف بغلاف جميل وأودع في خزانة الودائع التافهة بأنتظار الشحن للجحيم.