الشيوعيون


عبدالرزاق دحنون
2021 / 8 / 16 - 21:47     

" بادرة طيبة أن يكون للشيوعيين مطاعم شعبية مجانية منتشرة في أرجاء البلاد يدخلها من شاء، ليأكل ما شاء، كما يشاء، دون حسيب أو رقيب. وإطعام الجياع مهمة جليلة تستحق من الشيوعيين العمل عليها في كفاحهم اليومي "
1
الشيوعية واحدة من أنضج أفكار ماركس الحكيم والتي اقتربت من حلم البشر في العدل الاجتماعي والسلطة البسيطة الخالية من أجهزة القمع والتي يُدير فيها الناس شؤونهم بأنفسهم. أليس مُدهشاً للفكر البشري أن يطرح ماركس وأنجلز اضمحلال الدولة في العهد الشيوعي. برأي ماركس، الدولة هي هيئة للسيادة الطبقية، هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى. هي تكوين نظام يمسح هذا الظلم بمسحة القانون الذي يُفرض بالعصا. لذلك يؤكد أنجلز بأن الدولة في المرحلة الشيوعيةأو المشاعية -وهي أصدق في الترجمة في هذا الباب- ستذهب إلى حيث يجب أن تكون في متحف العاديات إلى جانب المغزل اليدوي والفأس البرونزية.
2
عدت إلى العلَّامة البغدادي هادي العلوي -طيَّب الله ثراه في مقبرة الست زينب في دمشق-حيث يؤكد بأن كلمة الشيوعية اشتُقتْ في العربية على المصدر الصناعي من الشيوع، وهو الفعل الازم للفعل المتعدي إشاعة، وأدى هذا الاشتقاق المستحدث إلى أوهام كثيرة ضارة، حيث اعتقد الكثير من الناس أن هذه بدعة من بدع العصر الحديث جاءتنا من الغرب، والاسم قد يكون حديثاً والمسمى قديماً، ولا ملازمة بين الاسم والمسمى لأن الاسم متغير والجذر ثابت.
3
الشيوعية والمشاعية والتسبيل أسماء مترادفة لمسمى واحد. والشيوعية بالتعريف الاقتصادي تضاد الملكية فالمشاع لا يملك ويتشكل تاريخ الشرق من الصراع بين المشاعية والتملك. والتسبيل عند أهل الشرق يعني وضع المال، أو ما يَنُوب عنه، في السبيل، الذي هو الطريق، أو جعله في سبيل الله، أي توزيعه على عباد الله. وماء السبيل مرفق عام يُقدم ماء الشرب مجاناً للناس وهو من أشكال المشاعية في الشرق. وقد ذكر الباحث والمؤرخ فايز قوصرة في كتابه "من إبلا إلى إدلب" أحد عشر سبيلاً في مدينة إدلب في الشمال السوري تتوزع في حاراتها حين كان الماء عزيزاً في منتصف القرن الثامن عشر.
4
وقرأتُ في كتاب "نزهة الأنام في محاسن الشام" للعلَّامة عبد الله بن محمد البدري الذي عاش في القرن الرابع عشر أن أصحاب البساتين في غوطة دمشق كانوا يضعون الفواكه في أجران حجرية ضخمة على أبواب البساتين ومن يحتاج من أبناء السبيل يأخذ منها حاجته. وفي البساتين من يزرع أشجاراً للفقراء يعرفونها بالتكرار وغالباً ما تُزرع على تخوم الدروب ليتناولها الدَّرابة. وكان جدي عثمان دحنون- رحمه الله- فلاحاً مرابعاً، يستأجر الأرض ويأخذ ربع إنتاجها، ومع ذلك يحمل من حصته من ثمر التين والعنب وخضار الصيف إلى بيوت الفقراء والمساكين.
5
على الشيوعيين أن يستلهموا من هذه الأفكار ما يتناسب مع عصرنا الحالي ليستطيعوا الاندماج في واقعهم الاجتماعي المعيش. بمعنى أن يكون حضورهم في حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية حتى لا تقتصر فعالياتهم على العمل السياسي الأيديولوجي الذي تهرب الخلق منه هروب السليم من الجربان. وأظنها بادرة طيبة أن يكون للشيوعيين مطاعم شعبية مجانية منتشرة في أرجاء البلاد يدخلها من شاء، ليأكل ما شاء، كما يشاء، دون حسيب أو رقيب. وإطعام الجياع مهمة جليلة تستحق من الشيوعيين العمل عليها في كفاحهم اليومي.
6
ولكن ها هي اليوم بعض الأحزاب الشيوعية تُحارب الشيوعية. هل يُعقل هذا؟ لا أُريد الخوض في التفاصيل والاسماء. لأنني أعتقد بأن الشيوعي عنده وجدان وضمير وشجاعة وقيم وأخلاق وإيمان. وهو في الأصل "مناضل اجتماعي" لا تحكمه السياسة بل يحكمه الضمير والوجدان. ولينظر كل شيوعي إلى ما آلت إليه أحوال الخلق في هذه السنوات العجاف والذي من المفترض -من كل شيوعي- أن يكون مع الخلق ضد من يسعى لإذلالهم في معيشتهم.
7
أذكر حادثة تعود بالزمن إلى عام 1934 عندما كان الجيش الأحمر للعمال والفلاحين الصينين يقوم بتحرك استراتيجي كبير، من مقاطعة جيانغشي في الجنوب إلى الشمال، في مسيرته الشهيرة التي قطع فيها 12500 كم. مرَّ الجيش الأحمر بمقاطعة هونان وأقام بعض أفراده في بيوت الفلاحين. عندما غادروا هذه البيوت قَطَعَ كل فرد من الجيش الأحمر لحافه إلى جزئين، أخذ جزءاً، وقدم الجزء الآخر للفلاحين الفقراء. بعد خمسين عاماً من ذلك، زار أحد الصحفيين هذه المقاطعة، حيث حكى الفلاحون هناك له هذه القصة، وقالوا: الشيوعيون هم أولئك الذين قطعوا ألحفتهم لتقديم نصفها للفقراء.