صمود و زوال .. الرأسمالية 7


موسى راكان موسى
2021 / 8 / 16 - 19:44     

من غير الممكن اليوم دراسة أي مجتمع محلي بمعزل عن ارتباطاته العالمية ، و الحكم بنمط إنتاجي معين بناءا على معطيات محلية هو حكم مغالط لأن المعطيات المحلية لوحدها هي معطيات ناقصة .

علاقة (( الربط )) بين المحلي و العالمي ليست واضحة تماما ، الكثير من اليساريين و الماركسيين يسميها (( تبعية )) .. إلا أن هذه التبعية ليست واحدة ، فالتبعية الاقتصادية تختلف عن السياسية ؛ التبعية الاقتصادية تكون من جهة الارتباط الاقتصادي [و إن كان هناك اختلاف حول استعمال لفظة "تبعية"] .. بينما التبعية السياسية فهي على نوع إيجابي [من جهة موالاة و محاباة الطرف للمركز] و على نوع سلبي [من جهة معارضة و عدائية الطرف للمركز] ــ و يتم الإشارة إلى دول العالم الثالث أو الدول النامية بحكم كونها (( الأطراف )) حسب العادة "اليسارية" ؛ رغم عدم التجانس بين هذه الدول لا على المستوى الاقتصادي و لا الاجتماعي و لا السياسي .. و لا حتى على المستوى الثقافي ، فهل كلها تعد من باب التسليم أطراف بعد تعريفها بأنها دول عالم ثالث أو نامية ؟! .

بشكل عام نظرية المركز و الأطراف تسلم بأن المركز دائما رأسمالي .. و علاقتها مع الأطراف دائما علاقة تبعية اقتصادية ، بعد ذلك يبدأ الاختلاف بين أنصار النظرية ــ ماذا عن دول العالم الثاني .. كروسيا و الصين مثلا ؟ ، أمست هذه الدول (( مراكز رأسمالية جديدة صاعدة )) .. بل و أمست (( إمبرياليات جديدة )) ؛ لم يتبق إلا أن نسمع عن "إمبريالية" سعودية و أخرى قطرية و ثالثة إيرانية ، الإمبريالية مفهوم محدد مرتبط بشكل معين من الرأسمالية لتأدية مهام معينة .. و ما دون ذلك يمسي استعمال المفهوم أقرب للاستعمال الأدبي لا العلمي .

هل من الممكن الوصول لدراسة على مستوى عالمي أو شبه عالمي لإدراك نمط الإنتاج الكائن اليوم ؟ أليست التعقيدات و التشعبات مانعة لمثل هذا الوصول خاصة و أنها على مستوى صعب الاحتواء ؟ .
نحن نعرف على الأقل أن لا أحد تقريبا يقول أن نمط إنتاج اليوم [هذا العصر] هو مشاعي بدائي أو عبودي أو إقطاعي ، و إن وجد إتجاهين مختلفين حول نمط إنتاج اليوم من جهة هل هو نمط رأسمالي أم لا .. فكلاهما على الأقل متفق حول كونه ليس هو النمط ذاته لما قبل الحرب العالمية الثانية ؛ أعتقد أن الاختلاف بينهما حول السمات الأساسية المعتبرة المعبرة عن الرأسمالية .. لذا من الممكن تجاوز مثل هذا الاختلاف بتسمية السمات الأساسية و تقديم التحليل اللازم الدال على ذلك [من السهل أن تقول أن فلان وقع في الخطئ أو الغلط .. لأن ذلك يكون في اللفظ ، لكن من الصعب على من لا يفهم الخطئ و الغلط تقديم ما يدل على وقوع الخطئ و الغلط ، كثر هم من قالوا أن ماركس وقع في أخطاء و مغالطات لكن ليس كل من قال ذلك قدم ما يدل على أنه يفهم ما قاله عن ماركس] .

حسب "رأس المال" لماركس من غير الممكن أن يكون النمط الرأسمالي هو نمط إنتاج اليوم [هذا العصر] ، بالنسبة للمدافعين من الماركسيين عن "رأسمالية" نمط إنتاج اليوم فيستندون على :
ــ ماركس لم يدرك التطورات اللاحقة للرأسمالية ، بالتالي فما أدركه كان سماتها البدائية أو ظواهر ليست تماما أساسية فيها .
ــ ماركس لم يكمل كتابه "رأس المال" ، فحسب مسودة الكتاب لا يزال ما يفترض به أن يكتبه بخصوص أدوار "الدولة" لم يكتمل تماما .

إذا اختلاف الماركسيين بخصوص نمط إنتاج اليوم هو اختلاف المنطلق المستندين عليه ليس إلا .. فهم جميعا متفقون أن نمط إنتاج اليوم ليس هو ذاته النمط لما قبل الحرب العالمية الثانية .