محنة الطبقة الوسطى في العالم العربي


حسن مدن
2021 / 8 / 13 - 01:03     

كثرت الدراسات التي تحدثت عن انحسار دور ومكانة الطبقة الوسطى في العالم العربي خلال العقود الماضية، وعزا الباحثون، وهم على حق، أوجه التردي في مجتمعاتنا إلى هذا الانحسار، إذا ما أدركنا أن الشرائح الوسطى بالذات شكلت رافعة لقيم وسلوكيات الحداثة وحاملاً للإبداع الثقافي والفني، فضلاً عن دورها في جهاز الدولة والبنى الإدارية عامة.
هذا الانحسار لم يمنع أن تكون هذه الشرائح بالذات إحدى أهم القوى المحركة للهبات التي شهدها العالم العربي بداية هذا العقد، على نحو ما رأيناه في تونس ومصر وغيرهما. ولاحقاً في لبنان والعراق والجزائر وغيرها، ضد الفساد، رغم أن هذا البلد بالذات يعد حالة نموذجية للتدمير الممنهج الذي لحق بالطبقة الوسطى على مدار عقود، شهدت فيها حروباً عبثية وحصاراً جائراً استمر سنوات ثم احتلالاً أمريكياً مباشراً، وأخيراً حكماً ثيوقراطياً تورطت رموزه في مستنقع الفساد.
إن بدا أن هناك تناقضاً بين الأمرين: انحسار مكانة الطبقة الوسطى من جهة، ومحورية دورها في الحركات المطلبية والاحتجاجية من جهة أخرى، فهو تناقض ظاهري فقط، ففي الجوهر يبدو الأمران متلازمين، فما اضطلعت به الشرائح المنتسبة لهذه الطبقة من أدوار في الهبات والانتفاضات حمل ويحمل في بعض أوجهه الاحتجاج على ما لحق بهذه الشرائح من خراب وإفقار جراء الاستقطاب الحاد بين الفقر المدقع والثراء الفاحش الذي ضيَّق القاعدة الاجتماعية للسلطات الحاكمة في البلدان العربية، وقاد الى الانفجارات الحادة التي شهدناها.
في حال البلدان العربية عامة، فإن نمو واتساع قاعدة الطبقة الوسطى ارتبطا بالدولة ذاتها التي وفرت لهذه الشرائح فرص التعليم والوظائف والرواتب، لأنها محرومة أصلاً من الملكية الكبيرة، ما أفقدها دورها المستقل، وحين تصدعت أو انهارت الدولة إما بفعل الاحتلال الأجنبي أو المتغيرات الداخلية، تعرضت هذه الفئات، التي لا تملك سوى كفاءاتها المهنية إلى محنة.
بدل أن تفضي التحولات العربية إلى استعادة الطبقة الوسطى دورها الذي كانت تطمح إليه وهي تنخرط في التحركات الاحتجاجية، نجدها تواجه المزيد من الإقصاء والتدهور بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية في بلدانها وانزلاق بعضها نحو الاقتتال الأهلي، وإحلال عناصر النخب الحزبية غير المؤهلة في الوظائف الحكومية.
ستبقى الحال سيئة ما لم تستعد الفئات الوسطى مكانتها بوصفها الحافظة للتوازنات الاجتماعية، فكلما اتسعت قاعدتها وازدادت رسوخاً وثباتاً أمكن تأمين الحاضنة الضرورية للتغيير.