العيش مع المواقف العنصرية (3)


عذري مازغ
2021 / 8 / 12 - 20:44     

وصلت الآن بر الأمان كما كانوا يبشرونا، كانت الإضطرابات العنصرية بإلخيد قد هدأت والحياة بدأت تاخذ مجراها الطبيعي، نزلت من الشاحنة وكان "أخشاب" ينتظرني هناك، اقترح علي ان نهاتف أهلي بالمغرب اولا لأنهم لا يعرفون شيئا عني، أحدث لي عبور البحر صدمة صامتة، لا أشعر بشيء، لكن نسيت كل ارقام الهواتف في المغرب، كنت في المغرب أحفظ كل ارقام الهواتف، وحتى رقم حسابي البنكي الطويل كنت أحفظه أيضا كما كانت ذاكرتي تختزن ارقاما اخرى كانت خاصة بالضمان الأجتماعي وارقام التامين والعمل وما إلى ذلك، كان كل هذه الأرقام قد مسحت تماما من ذاكرتي والرقم الهاتفي الوحيد الذي تذكرته وانا بمنطقة بميخاس كان لأحد اقاربنا بالمغرب وهو رقم متتابع بشكل لا يمكن نسيانه حيث كان ينتهي ب 11 12 13 مع رقم المدينة طبعا، حين هاتفت قريبي هذا، أخبرته باني اكلمه من إسبانيا وان عليه أن يخبر أهلي بأني وصلت بخير، لكن اللعين لم يخبر أحدا، كان يعتقد اني امزح ولذلك كان علي الإنتظار حتى ألتقي بلحسن "أخشاب" الذي عنده أرقام هواتفنا باعتباره كان جارنا في المغرب، بعد الإتصال وتناول غذاء خفيف بأحد المطاعم المغربية، ذهبنا إلى حيث هو يعيش، أخبرني بانه سيستضيفني إلى أن نجد مكانا اسكن فيه، كما اوصاني انهم حيث يسكنون هو منزل خاص بعمال المزرعة ولا يمكن استضافة شخص آخر وعلي ان اتوخى الحذر حتى لا يراني مشغله خصوصا في أوقات العمل التي يحضر فيها ليقف على سير الأعمال وبرمجة السقي والاعمال التقنية الأخرى ، كان سكنهم كسكني عند صاحب "الكوادرا"، سرير في مخزن المؤسسة معزول طبعا عن اسطبل الخيول ، كنا نسكن في إسطبل عربات الخيول وهم يسكنون في منزل مجاور لمخزن المشاتل البلاستيكية ومشترك معه بشكل بعضهم (أقصد العمال ) لهم أسرة النوم في المخزن.. في الصباح تسمع زعيق صاحب المشتل وهو يأمر هذا بالإسراع وهذا بوضع الأسمدة في الماء وآخر يأمره بفتح نوافذ المشتل وآخرين بالإتجاه مباشرة إلى جني الطماطم أو أي منتوج آخر، كان في زعيقه يشبه زعيق الاجداد والجدات حين يأمرون أبناءهم بالنهوض من النوم لرعي المواشي أو القيام بأعمال أخرى في البادية عندنا بالأطلس المتوسط:
ــ انشر أذاش انشر ربي أنعير، الأب البدوي لابنه وهو يصف نومه بنوم الجمل: إنهض! اللهم إنهض سنامه ، او ربما في الترجمة تعني نفس المعنى العربي: إنهض! اللهم إشعل نعرته)
ثم يرد الإبن عليه: اللهم رد دعوته له، يقصد والده .
كانت اللعن في البادية بالأطلس المتوسط هي تحية الصباح وحتى لا اعمم كان بعضها يفطر بها ، لكن في الميريا تفاجأت أنهم هم أيضا يشبهوننا في الصباح، كان لحسن أخشاب هذا مسرورا بمجيئي، لقد شعر للتو بحميمية كوننا جيرانا في المغرب، حتى في المحطة حيث استقبلني، لامست انه استقبلني كأخ حميمي وليس كضيف . وحتى في المغرب كانت علاقتنا حميمية في محاربة البطالة: كنت انا أسكن بالمدينة وكان هو يسكن بالبادية، إلى جانب كونه حطابا، كان حين يقتل خنزيرا بريا في حقل الذرة (الخنازير البرية تفسد حقول الذرة في منطقتنا) كان حين يقتل خنزيرا ياتي بلحمه إلي لأبيعه انا لآكلي لحم الخنزير: كانوا في الغالب أصدقاء موظفون، ملحدين، نواسيين (من أصحاب ثقافة التمرد كما كانت في شعر أبو نواس ) وحتى بعض رجال الشرطة والعسكر ممن كانت لي معهم علاقات زمالة، وأذكر ذات يوم اني تلقيت شحنة من صديقي "أخشاب" من لحم الخنزير وكان قد اوصاني احدهم وهو بدرجة عميد في العسكر يسكن بالرباط، أخفيت الشحنة في كيس وسافرت بها إلى الرباط، في مدخل مدينة الخميسات، أوقف حاجز امني الشاحنة لتفتيشها، ولما وجدوا الكيس أنزلوني، سالوني عما في الكيس قلت لهم بانه لحم حلوف
ــ لحم حلوف؟؟، لم يصدقوني
ــ نعم لحم حلوف !
ــ هذا حرام؟ وغير قانوني
ــ حرام لا ادري لكنه قتلناه لأنه يفسد حقول الذرة عندنا والمخزن لم يقترح حل واحيانا يأتي ضباطكم لاصطياده عندنا فلماذا هو حرام ؟
فتش هنيهة ليعرف أنه لحم بالفعل وليس أكذب عليه، ثم حتى لا يثير فضول المسافرين مددته برقم هاتف : اتصل بهذا الرقم لأن هذا اللحم له! ولما تكلم مع صاحب الرقم قفز من مكانه يؤدي لي التحية العسكرية:
ــ كان عليك ان تخبرني حتى لا أفتشك، أمرني أن أصعد الحافة ثم بعد ذلك اقترح علي رقم هاتفه، كان هو الآخر من آكلي لحم الحلوف.
كان "اخشاب" يعرف علاقاتي بالمجتمع المديني الملوث بأكل الحرام، لذلك كان يعتبر قتل الخنزير فائدة اكثر من ان تترك لحمه للكلاب والذئاب.
في الزوال عندما ذهب صاحب المشتل للغذاء في منزله، كان ذلك بمثابة إطلاق صراحي من الإختباء في مخزن المشتل، اقترح علي "أخشاب" ان نخرج للبحث عن سكن يأويني، في طريقنا إلى "كارفانا مودولو رقم 6، اخبرني "أخشاب" أن المودولو6 بناه الصليب الأحمر أثناء اضطرابات إلخيدو العنصرية وان ساكنيه هم أبناء مدينتي مريرت، اخبرني أنهم هاجروا إلى ساراقوسا في موسم الحوامض عندما نالو اوراق التسوية ويعتقد انهم لن يعودا لما عانوه في الإضطرابات العنصرية، عند وصولنا للمودولو 6 وجدت صديقا أو بالأحرى شخصا من قبلتي يقطن مؤقتا هناك ورحب بالسكن معه برغم أنه هو نفسه غير مسجل عند الصليب الأحمر كساكن للمحل.
كان اقتراح بناء هذه الصناديق السكنية الحديدية المكيفة بشكل ما، التي نسميها مودولو، جاءت كعمل استعجالي لحل ازمة المهاجرين في السكن بعد تفجر الوضع في إلخيدوا. قبل هذا كان المهاجرون السريون يسكنون في "نوالات" بلاستيكية (تانوالت بالأمازيغية هي مساكن من الخش أو القصب، او الحطب أو في شكلها المديني الآني عبارة عن بناء بلاستيكي، المصطلح لا يرتقي إلى وضع مدن الصفيحوغن كان هناك تشابه كبير ) او بنايات مهجورة تبدو من خلال شكلها الهندسي انها كانت تنتمي إلى سكان غجريين أو إلى بدو اندلسيين (رحالة أندلسيين). كانت المنطقة متدفقة بالمهاجرين بشكل كان اغلبهم لا يملك سكنا يأويه بشكل أيضا تسبب في احتجاج حتى هؤلاء الذين هم سبب هذا الوفود العارم، يعني ان السكان المحتاجون إلى العمالة والمتسببون فيها ضاقوا منها، فاضت عليهم، وحتى المهاجرون الذين، بمجرد حصولهم على اوراق التسوية، بغريزة ما، شعروا بدورهم أنهم فائضون على السكان. بمجرد حصولهم على أوراق التسوية هربوا إلى الشمال الإسباني، ولن ادخل هنا في ميكانيزمات أخرى من قبيل أن الأجور في ألميريا والأندلس التي هي فيها بشكل عام متدنية والقول بانها مرتفعة في مناطق أخرى كالأقاليم الشمالية. هذا التحليل سيطدم بميكانيزمات اخرى، في الفلاحة مثلا، في ألميريا توجد بها مزارع صناعية مكثفة الإنتاج وطول السنة، ساراقوسا التي ذكرتها سابقا، في اعمال الفلاحة، منتوجاتها موسمية أما الصناعات الأخرى، فالكثير من اليد العاملة المغربية لا تمتلك تقنياتها : أغلب المهاجرين المغاربة ليس لديهم تكوين ، هم فلاحون بدويون هاجروا من المغرب من مناطق التهميش.
لقد تفجر الوضع في إلخيدو لأسباب ديموغرافية رغم ان هذا المسطلح لا يستقيم جيدا، كان سوق طلب اليد العاملة أضعف من حجم اليد العاملة المتواجدة، كان عدد العمال أكبر بكثير من حاجة السكان المزارعين بشكل انتشرت الكثير من الاعمال الغير مألوفة عند السكان وطبعا تعرفون هذه الاعمال في مثل هذه الاوضاع.
ملاحظة: لا ادري كيف تورطت في هذه الرواية، كان غرضي في البداية هو التعرض لمواقف عنصرية تعرضت لها أو عشت معها، الآن بدا اني أكتب سيرة ذاتية، سأنهيها ولا يهم في الأمر ما إن كنت أتحكم في موضوعي أو ان الكتابة أو منطق واقعها هو من يتحكم فيي.