إلى دعاة الخصخصة والاقتصاد الحر في العراق (التجربة الروسية) (2)


فلاح أمين الرهيمي
2021 / 8 / 12 - 12:17     

تعتبر روسيا الوريث لما كان يعرف (جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاشتراكية) التي كانت تسير قبل تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الأنظمة الاشتراكية به وفق الاقتصاد المبرمج والموجه والمخطط الذي يخول الحكومة المركزية السياسة الاقتصادية التي تسيطر من خلالها على كل الأنشطة الاقتصادية وبسبب تعرض السياسة العامة والنظرية الماركسية للاتحاد السوفيتي إلى نكسة كبيرة بعد وفاة القائد العظيم والعبقري الفذ (فلاديمير ايلتش لينين) عام/ 1924 وتولي ستالين سلطة الحكم وأكثرية مكاتب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وتسربت إلى الحكم السوفيتي عبادة الشخصية والتسلط الفردي وبدأت البيروقراطية تنخر في جسم وكيان الاتحاد السوفيتي ومن سلبيات ستالين استغفال وتجاوز الخصوصية الوطنية لجميع الأحزاب الشيوعية في العالم وجعلها خاضعة ومطيعة للحزب الشيوعي السوفيتي من خلال (الكومنترن) الذي هو مؤسسة تجمع فيها جميع الأحزاب الشيوعية في العالم بزعامة الحزب الشيوعي السوفيتي وأصبحت الأحزاب الشيوعية في العالم تابعة لأحد دوائر وزارة الخارجية السوفيتية مؤيدة ومطيعة لسياسته العالمية وكان المحرج والمخجل للأحزاب الشيوعية العربية موقف الاتحاد السوفيتي في عام/ 1948 من قضية فلسطين وتأييده بقيام دولة لإسرائيل في فلسطين والاعتراف بها وفي حينها استعمل ضغط غير اعتيادي على الأحزاب الشيوعية العربية بتأييد موقفه المساند لإسرائيل ودولتها المزعومة. وبالرغم من وفاة ستالين عام/ 1953 ومجيء نخبة من العناصر التي كانت تحيط به وتأثرت بطبائعه وسلوكه وبيروقراطيته وعنفه التي استمرت عليها تسعة وعشرون عاماً تحت حكم الطاغية ستالين الذي أعدم كل معارض لأفكاره الاستبدادية حيث بلغ عدد الشخصيات من العلماء والمفكرون والعسكريون ثمانمائة وتسعة وستين شخصية (انظر إلى كتاب ظاهرة ستالين بين النظرية والتطبيق) لكاتب السطور المنشور على موقعه في الحوار المتمدن. وبعد رحيل استالين تولت السلطة على الحكم نخبة نشأت وعاشت حسب أفكاره وبيروقراطيته وعنفه فاتبعت نفس سلوكه وتصرفاته في الحكم. يقول علماء النفس (إن أي إنسان يعيش فترة من الزمن في بيئة معينة تنغرس في عقله الباطني عادات وتقاليد وتصرفات تلك البيئة) بالرغم من انتقاد (خروشجيف) في عام 1956 في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي أعمال وتصرفات ستالين المنحرفة عن نهج الفكر الماركسي إلا أن في الواقع بقيت أعمال وتصرف ستالين هو النهج الذي سارت عليه تلك النخبة في احتلال هنغاريا وجيكوسلوفاكيا وأفغانستان وإسقاط أنظمة الحكم فيها التي رفضت نهج ستالين وانحرافه عن النهج الماركسي مما أدى بأولئك إلى تدمير الاقتصاد السوفيتي حينما حولوا جميع مخصصات الميزانية السوفيتية إلى التسلح بترسانة ضخمة من الصواريخ والقنابل الذرية والهيدروجينية نتيجة خداع من المخابرات الأمريكية عن قيام الولايات المتحدة (بحرب النجوم) مما أدى بالشعب السوفيتي أن يقف طابور من ألف إنسان على رغيف الخبز مما أدى إلى تسرب التذمر والرفض من قبل الشعب السوفيتي لنظام الحكم الاشتراكي مما دفع العميل الامريكي (غورباتشوف) الذي كان سفيراً لموسكو في واشنطن إلى إسقاط النظام الاشتراكي وحتى الجيش الأحمر لم ينقذ سلطة الكرملين. من الاعترافات الشخصية لغورباتشوف بأنه كان فاقداً القناعة بالاشتراكية وقد بدأ المخطط التآمري المدمر في تنفيذ مشروعه في أوائل التسعينات من القرن الماضي وبدأ الاتحاد السوفيتي يعاني من العديد من المشاكل البنيوية وأصبحت هناك وصفة لخطة الإصلاح الشامل بما يسمى (البيروسترويكا) من أجل إعادة البناء الاقتصادي التي نفذتها قيادة فاشلة يترأسها رئيس الدولة (غورباتشوف) الذي أصبح بعد استقالته من السلطة مروجاً لإعلانات الهبمركر الأمريكي ليقود روسيا (بوريس يلتسن) الذي أعلن كرهه الشديد لكل ما يمثل الشيوعية وقام بتكليف (ايغورغيدار) خريج جامعة (هارفرد الأمريكية) لرئاسة الحكومة الروسية التي تولت مهمة تبني (المدرسة النيوليبرالية) في التحول من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق بما يسمى (علاج الصدمة) التي تحولت إلى أكبر عملية سرقة في القرن العشرين. ولابد من وقفة فيها نداء حي للماضي والحاضر والمستقبل للمقارنة بين الوضع الراهن حيث تهيمن على الشعب رأسمالية منفلتة وبين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة قبل ذلك من أجل أن يستنتج حتى الإنسان البسيط العادي الفروقات بين النظامين الاشتراكي والرأسمالية حيث بدأ المخطط التآمري الكارثي بتنفيذ المشروع الجهنمي عندما صرح أحد أقزامها ومنفذيها (أناتولي تشوبايس) الذي يعتبر أحد منظري الخصخصة في روسيا بأنه سيسعى في مشروعه (الخصخصة) الذي سوف يؤدي إلى خلق ملايين الملاكين غير أن الذي حصل في الواقع عكس ذلك فبدلاً من ظهور ملايين الملاكين كما قال هذا الخبير المأجور ظهرت عشرات الملايين من الجياع الروس وانخفض الناتج الوطني الإجمالي من عام/ 1991 إلى سنة / 1998 بنسبة 50% وبلغ الانخفاض بالصناعة 50% وفي الزراعة 60% مما أدت عملية الخصخصة المزعومة إلى ابتلاع هائل للثروة الوطنية وأدت تلك العملية إلى ولادة طبقة رأسمالية طفيلية ونهّابة وأفرزت الملايين من الجياع والمشردين التي كانت ترعاهم الجمعيات الإنسانية في السابق مما أدى ذلك إلى إفراز التوترات والاضطرابات الاجتماعية وارتفاع أعداد الفئات الهامشية والرثة حتى شكلت نسبة الفئات التي تعيش تحت مستوى الفقر المدقع إلى أكثر من ثلث السكان في روسيا.
وقد هربت العملات الروسية التي حولت أكثرها إلى دولارات بشكل مشروع ورسمي عن طريق التحويل تحت إشراف العميل غورباتشوف المنفذ بدقة وصرامة المؤامرة الجهنمية وقد بلغت الرساميل الروسية النازحة والمهربة ما بين عام/ 1992 وعام/ 1994 حوالي مائة مليار دولار وبدأ عملاء المخابرات الأمريكية والأوربية من الاقتصاديين بالتسلل إلى روسيا وبلغت الأموال التي استثمروها في السوق الروسية 4,19 مليار دولار وأثناء حكم العميل يلتسن هربت (450 مليار دولار) بصورة شرعية مقابل ذلك ازداد عبء الديون الخارجية إلى 70% عام/ 2003.
أما الآثار الاجتماعية فكانت كارثية حيث ازداد نمو الجريمة المنظمة والدعارة والرشوة والمافيا المنظمة. ولعبت المافيات المنظمة التي تديرها المخابرات الأمريكية والأوربية دوراً مركزياً في الرأسمالية الروسية وبحسب تقديرات الشرطة الروسية تواجدت حوالي 9000 عصابة منظمة للمافيا تشرف على نشاط 000,4000 مؤسسة من بينها (4500 مصرفاً) وتمثل هذه النسبة الجزء الأكبر من القطاع المالي المصرفي. كما أدت هذه العملية إلى إشاعة وانتشار ظاهرة المحاصصة الطائفية والنعرة القومية الشوفينية مما أدى إلى بروز ظاهرة التكتلات وتفكك الوحدة بين القوميات والمذهبيات والأجندة.
وقد نشرت جريدة المدى العراقية خبر يقول : (زار وفد صحفي أمريكي بعد انهيار النظام الاشتراكي روسيا وسأل أحد المواطنين الروس عن وضعهم وحياتهم مقارنة بين الآن والوضع الاشتراكي السابق فأجابه قائلاً : (كنا نتوقع أن الولايات المتحدة الأمريكية تفتح لنا الحرية والحياة من أوسع أبوابها إلا أنها رمتنا في سوق الليبرالية وأصبحنا مثل السلع تباع وتشترى حسب قانون العرض والطلب). وقد حدثت احتجاجات ومظاهرات ضد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كانت غريبة عن تقاليدهم الاجتماعية مثل المافيات والعصابات المنظمة والدعارة وغيرها.