إجرام نَوَوي أمريكي وفرنسي، مع الإفلات من المُحاسَبَة والعقاب


الطاهر المعز
2021 / 8 / 9 - 23:30     

ذكرى العدوان النووي الأمريكي على اليابان

ترمز الألعاب الأولمبية إلى السّلام، فهي فٌرْصة ابتكرها اليونانيون القُدامى، لكي يتبارى الشباب في مجال الرياضة، بدل التّحارب، إذ يتم تعليق الأعمال العدائية طوال فترة الألعاب...
رغم نشر عريضة وقّعها أكثر من سبعين ألف مواطنة ومواطن ياباني، رفضًا لاستضافة الألعاب الأولمبية، في ظل انتشار وباء "كوفيد 19"، استضافت اليابان الألعاب الأولمبية الصيفية ( من 23 تموز/يوليو إلى الثامن من آب/أغسطس 2021)، وأحْيَت الذكرى السادسة والسّبعين لتعرُّضِ مدينتي "هيروشيما" و"ناغاساكي" للقصف بأسلحة نووية أمريكية يومي السادس والتاسع من شهر آب/أغسطس 1945، ما شكّل ضغطًا على سُلُطات اليابان التي اضطرّت، بعد ستة أيام، إلى إعلان الإستسلام، يوم الخامس عشر من آب/أغسطس 1945، وبذلك انتهت الحرب العالمية رسميًّا، وقد خلّفت عشرات الملايين من الضّحايا، فضلا عن الملايين من المُصابين، وعن الدّمار والخراب الذي أصاب الدّول الإمبريالية المُشاركة في الحرب، وكذلك البلدان المُسْتَعْمَرَة...
رفضت اللجنة الأولمبية الدّولية الدّعوة إلى الوقوف دقيقة واحدة (دقيقة صَمْت) خلال دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو، يوم الجمعة السادس من آب/أغسطس 2021، في ذكرى القصف الذري لمدينة هيروشيما في السادس من آب/أغسطس 1945...
قبل انتهاء دورة الألعاب، قُرعت أجراس مدينة "هيروشيما" (غرب اليابان) في ذكرى أول قصف أمريكي بقنبلة ذرية في العالم، صباح السادس من آب/أغسطس 1945، وقُدِّرَ عدد ضحايا هذا القصف الأول بنحو 140 ألف قتيل، من إجمالي 350 ألف نسمة آنذاك، إضافةً إلى آلاف الضحايا الآخرين الذين توفّوا لاحقًا، بسبب الإصابات، أو الأمراض المرتبطة بالإشعاعات النّوَوية.
بعد ثلاثة أيام، من قصف "هيروشيما"، قصفت طائرات الجيش الأمريكي مدينة "ناغاساكي" (أو "ناغازاكي") اليابانية، يوم التاسع من آب/أغسطس 1945، وقتلت على الفور، أكثر من 75 ألف مواطنة ومواطن، وأحيت المدينة تلك الذّكرى الأليمة، يوم الإثنين، التاسع من آب/أغسطس 2021...

استخدام أراضي وسُكان المُستعمرات كحَقْل تجارب
التجارب النووية الفرنسية بالجزائر:
في الثالث عشر من شهر شباط/فبراير 1960، فَجّرت السُّلُطات الإستعمارية الفرنسية، أول قنبلة نووية في صحراء الجزائر المُسْتَعْمَرة (منطقة "رقان") بقوة تُعادل أربعة أضعاف القنبلة التي ألقاها الجيش الأمريكي على مدينة "هيروشيما" اليابانية، وتتالت التفجيرات النّوَوِيّة الفرنسية بالصحراء الجزائرية، ولا يزال النبات والكائنات الحية، والسّكّان يُعانون، بعد أكثر من ستة عُقُود، يُعانون من نتائج هذه الكارثة البيئية، وواصلت فرنسا تجاربها لتبلغ سبعًا وخمسين تجربة وتفجيرًا نوويا، على سطح الأرض وفي باطنها، بين 1961 و 1966، بموجب اتفاقية مُلْحقة باتفاقيات استقلال الجزائر، سمحت لها بمواصلة تدمير الإنسان وبيئته ومُحيطه في صحراء الجزائر، وترفض الدّولة الفرنسية لغاية الآن (سنة 2021) تنفيذ بعض بُنود الإتفاقية، من بينها تسديد مبالغ التعويضات عن الأضرار، ومَدَّ السّلطات الجزائرية بخارطة تٌبَيِّنُ مواقع التّفجيرات، ومواقع دَفْن النّفايات النّوَوِيّة، وتفترض بعض الباحثين الجزائريين (وغيرهم) وُجُودَ صِلَةٍ بين التّفجيرات النّووية الفرنسية على أراضي بلادهم، وحالات الإجهاض والتشوهات وبعض أنواع السرطان، وأمراض أخرى نادرة، لدى سُكّان المناطق القريبة من مواقع التجارب النووية الفرنسية، وهي شبيهة بالحالات التي أصابت السكان اليابانيين في منطقتي هيروشيما وناغاساكي، بعد إلقاء القنابل النّوَوِيّة الأمريكية...
سبق أن طالبت نحو 570 منظمة دولية بالكشف عن مواقع التجارب النووية الفرنسية وعن مواقع دفن النفايات الخطيرة على البيئة وعلى صحة الإنسان، حيث قُدِّرَ عدد حالات الوفة من الضّحايا الجزائريين بنحو 42 ألف شخص، وفي بداية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2020، دعا "مرصد التّسلّح" (فرنسا) السّلُطات الفرنسية للكشْفِ عن مواقع دفن النفايات التي خلفتها التجارب النّوَوِية بالصحراء الجزائرية، وروى الجزائريون من الجيل الذي عاصر تلك التجارب، أن الجيش الفرنسي رَبَط 150 سجينًا جزائريا بأوتاد خشبية قبل التفجير، لدراسة تأثير الإشعاعات النووية التي أضَرّت كذلك بجنود الجيش الفرنسي الذين لم يتم إعلامهم أو مدهم بوسائل الوقاية، وأفاد مُدير "مرصد التّسلّح" أن الدّولة الفرنسية، بمختلف توجّهاتها السياسية، اعتبرت كافة الوثائق، ذات الصّلة بهذه التجارب، وحجم النّفايات وأماكن دفنها، وعدد الحوادث النّووية وغيرها من البيانات "أسْرارًا عسكرية" لا يمكن الإطلاع عليها من قِبَل الباحثين أو المواطنين، كما لا يُمكن مد السلطات الجزائرية بهذه "الأسرار العسكرية" التي تخص الجزائر، أرضًا وسُكّانا يحتاجون رعاية خاصّة...
نفّذت فرنسا قرابة مائتَيْ تجربة نووية في مستعمرة "بولينيزيا" (المحيط الهادئ) تضرر منها السّكّان والجنود الذين لا زالوا يُعانون من أعراض عديدة وأمراض نادرة، واضطرت السلطات الإستعمارية الفرنسية، إثر نشر تقرير "الحملة الدّولية لإلغاء الأسلحة النّووية" بتنظيف مواقع التجارب النووية من المواد الإشعاعية ومن النفايات السامة، وتعويض بعض المَدَنِيِّين، خلافًا للعسكريين الذي تحملت الدولة تكاليف علاجهم، ورفضت تسديد تعويضات لهم أو لذوي القَتْلى منهم.

التجارب النووية الأمريكية بأرخبيل "مارشال"
احتل الجيش الأمريكي أرخبيل "مارشال" بالمُحيط الهادئ، خلال الحرب العالمية الثانية، وأصبح من سنة 1947 إلى سنة 1979، منطقة خاضعة للوصاية، أو الإنتداب، واستغلت الولايات المتحدة وضع الأرخبيل لاستكمال ما بدأته من تجارب الأسلحة النّووية في مُدُن "هيروشيما" و"ناغاساكي" اليابانِيّتَيْن، وأيحت هذه الجُزُر تتمتع بالحُكم الذاتي، وليس الإستقلال، إثر استفتاء سنة 1979، الذي فَوّض مهام الدّفاع والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حتى نهاية الحرب الباردة، حيث فقد الأرخبيل بعض قيمته سنة 1991، فضلاً عن تزايد احتجاجات السّكّان ضد الولايات المتحدة وجيشها وقواعدها غير الخاضعة لأي سلطة غير السلطة الأمريكية، ولا تزال ميزانية جُزُر مارشال تعتمد بنسبة 60% على الولايات المتحدة، مقابل تخصيص مناطق لاختبار الأسلحة الفتاكة والصواريخ الأمريكية، وفق معاهدة وقع تحديثها سنة 2003...
يَضُمُّ أرخبيل "مارشال" (تسمية أمريكية تُشير إلى الإحتلال الأمريكي) بالمحيط الهادئ، بين أستراليا ومُستعمرة "هاواي" الأمريكية، نحو 1200 جزيرة احتلتها الولايات المتحدة، وطردت سُكّان بعض الجُزُر، بنهاية الحرب العالمية الثانية، لتحويل المنطقة إلى حقلٍ لاختبار الأسلحة النّوَوِيّة والعديد من الأسلحة الفتاكة، منذ سنة 1946، واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، (05 أيار/مايو 2019)، أن الولايات المتحدة حَوّلت هذه الجُزُر المرجانية من مواقع خلاّبة وخَزّان لبعض الأسماك والنباتات البحرية، إلى مَكَبّ للنفايات المُشِعّة إثر تجارب إطلاق قنابل من نوع أ و ه منذ (خاصة جُزُر بيكيني ورونيت وإنيويتاك المَرْجانية)، ولم تقم الولايات المتحدة بتغطية مكان دَفْن الإشعاعات سوى سنة 1979، أي بعد حوالي 33 سنة من بداية التجارب، سنة 1946، ما أدّى إلى تسميم سُكّان الأرخبيل ومُحيطهم، في منطقة تُعاني من آثار الاحتباس الحراري، ومُهَدّدة بارتفاع مستوى سطح البحر الذي قد يَغْمُر بعض الجُزر المُنخفضة، وهي الجزر المرجانية التي لا يزيد ارتفاعها عن عشرة أمتار فوق مستوى سطح البحر.
قام الجيش الأمريكي، بداية من سنة 1946، بنقل قَسْرِي لنحو ألف من سُكّان بعض جُزر أرخبيل "مارشال" إلى جزر مرجانية صغيرة غير مأهولة، وتكررت عملية إفراغ بعض الجزر من سكانها ( منها جزر رونجيلاب ورونجيريك وأوتيريك...) ونقلهم قَسْرًا إلى جُزر أخرى، طيلة أكثر من ثلاثة عُقُود، وهي غير مُهيّأة لحياة البشر الذين أصبحوا في حالة تَبَعِيّة مُطلقة للقواعد العسكرية الأمريكية، مقابل العمل الإجباري (السّخرة)، ويُطالب الجيل الجديد من هؤلاء السّكّان، منذ عُقود بعودتهم إلى مناطقهم الأصلية، وأعاد الجيش الأمريكي، سنة 1977، نحو ثمانمائة شخص، يعيشون تحت المراقبة الطبية المُستمرة، في إطار دراسة عن تأثير إشعاعات النفايات، لكن تربة معظم الجُزُر ومياهها وأجواءها أصبحت مُلَوّثة بالبلوتونيوم، بالسيزيوم، بحسب دراسة أجرتها لجنة الطاقة الذرية، سنة 1955، ورفعت عنها السرية، وأن 20 من 22 جزيرة مرجانية مأهولة تلوثت بالتجارب النووية الأمريكية، ويُقدّر الباحثون أنها لن تكون صالحة للسكن، طيلة 240 ألف عام، وبعد الإحتجاجات المُتكرّرة للسّكّان، واعترفت السّلطات الأمريكية، سنة 1986، بالأضرار التي لحقت بالسّكّان وممتلكاتهم، وأقَرّت نظام تعويض، غير مُنْصِف، إذ أظهر تقرير نشرته "الجمعية الأمريكية للسّرطان"، أن معدل الإصابة بالسرطان أعلى بمعدر خمس مرات في جزر مارشال منه في الولايات المتحدة، ويُشير نفس التقرير أن معدل الإصابة بسرطان الرئة أعلى بنسبة كبيرة، قد تصل إلى أربعين مرة لدى النّساء، واختار الجيش الأمريكي ثمانمائة شخص من سُكّان الولايات المتحدة جزيرة "إنيويتاك" المرجانية، ليخضعوا للمراقبة الإشعاعية منذ سنة 2001 بواسطة مختبر شارك في التجارب النووية، و تم تركيز هذا المختبر كجزء من اتفاقية التعويض عن الأضرار التي لحقت بالسّكّان.

استخلاصات:
لا تزال الولايات المتحدة الدّولةَ الوحيدةَ التي نفّذت عدوانًا باستخدام القنابل النّووية، وهي (مع الكيان الصهيوني) من رافضي القُيُود والمُعاهدات الدّولية التي ترمي تقييد استخدام بعض الأسلحة، أو محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، كما استخدمت الولايات المتحدة قنابل النابالم، وأسلحة كيماوية خطيرة في فيتنام وجنوب شرقي آسيا، واليورانيوم المُنضّب والفوسفور الأبيض، خلال العدوان على العراق منذ سنة 1991، قبل احتلاله، سنة 2003، واستخدم الكيان الصهيوني، بدعم أمريكي وأوروبي، أساسا، أسلحة الدّمار الشامل في عدوانه المستمر على الشعوب العربية، وغير العربية...
تمكّنت الولايات المتحدة، أثناء الحرب العالمية الثانية، ومنذ 1944، من اختطاف وتهريب العُلماء والباحثين من ألمانيا النازية، قبل انهيارها الكامل، إلى الولايات المتحدة، أثناء تقدّم الجيش السوفييتي نحو غرب أوروبا، بعد حصار ودمار هائل، واختطفتهم الإستخبارات العسكرية الأمريكية، قبل وصول السُّوفييت، واستعانت بهم لصنع المركبات الفضائية ومنصّات إرسالها، وتصنيع "أسلحة الدّمار الشامل"، ومنها الأسلحة النّوَوِيّة، المتكونة من مواد خطيرة، مثل اليورانيوم والبلوتونيوم المُخَصَّبَيْن، وشَكَّلَ إلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما، ثم على ناكاساكي أول اختبار للأسلحة النّوَوِية في مكان آهل بالسّكّان، وتسبّبَ "اليورانيوم 235"، و"البلوتونيوم 239" بإشعاعات قوية، وموجات حرارة شديدة، ما تسبَّبَ ظهور أضواء كثيفة، ثم ظلال سوداء، وحُفَر عميقة وتحطيم الطرقات والجُسُور والمباني، وتلوث المياه والهواء، وقُدِّرَ العدد النّهائي لقصف هيروشيما، بين السادس من أغسطس و31 كانون الأول/ديسمبر 1945، بنحو 310 ألف مواطنة ومواطن، في المدينة والمناطق المُحيطة بها، فيما بلغ الضحايا في مدينة "ناغاساكي" والمناطق القريبة منها نحو 180 ألف شخص، خلال نفس الفترة، فضْلاً عن "الآثار الجانبية"، ومضاعفات القصف النووي، التي لا تزال ظاهرة لحد الآن، بعد 76 سنة، ومع ذلك، لم تُوَقِّع دولة اليابان المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة النووية، وهي حليف ثابت لواشنطن وتعتمد على القوة العسكرية الأميركية وعلى القواعد العسكرية الأمريكية للدّفاع عن سيادتها المنقوصة، بما في ذلك بالمجال الإقتصادي، حيث بلغت اليابان، بنهاية عقد الثمانينيات وبداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، مرتبة ثاني اقتصاد عالمي، بعد الولايات المتحدة، ولما بدأت شركات الصناعات اليابانية (السيارات والتكنولوجيا ) والمجموعات المالية، منافسة الشركات والمصارف الأمريكية، في السوق الأمريكية والأوروبية، فضلاً عن السوق الآسيوية، شنّت الولايات المتحدة (متبوعة بأوروبا) حملة شرسة ضد الشركات اليابانية، وقَلّمتْ أظافرها، إثر حرب اقتصادية وتجارية، غير مُتكافئة، ليتقهْقَر اقتصاد اليابان، إلى مرتبة متوسّطة، بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا وبريطانيا...
نظرًا للقوة العسكرية والمالية المُفْرِطة، ونَظَرًا للسّوابق الإجرامية، تُشكّل الولايات المتحدة اليوم، سنة 2021، أول وأكبَر خَطَرٍ على البَشَرية، ما يستوجب التّحالف ضدّها، ومحاولة إضعافها، في كل المجالات الإقتصادية والعسكرية والسياسية، بأي شكل، خدمة للإنسانية...