الفيلسوف كانط: نقد العقل العملي (الأفكار الأساسية للكتاب)


محمد الهلالي
2021 / 8 / 9 - 08:57     

إن الموضوع الذي يتطرقُ له كتاب كانط "نقد العقل العملي" (ترجمه إلى العربية غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى 2008) هو "المبادئ القبلية للأخلاق".
يؤكد كانط في كتابه هذا أن الإرادة الخيّرة (هناك من يترجمها بالإرادة الحسنة أو الإرادة الصالحة) لا يمكن تفسيرها إلا من خلال تكوينها الداخلي الخاص بها (أي استعدادها الداخلي وكيفية انتظامها)، أي أن تكوينها الداخلي وحده هو الذي يُؤخذ بعين الاعتبار، وليست هناك أية أهمية للتطابق المادي ما بين الفعل (السلوكي) والواجب. كما أن خلط الواجب بأي دافع مُخالف له، مهما كان بسيطا، هو أمرٌ كافٍ لتجريد الفعل (السلوكي) من مزيته وأهميته.
يرى كانط أن مصدر الأخلاق هو العقل. ويشرح ذلك بالقول بأن الإرادة الخيّرة هي الإرادة الخاضعة للقوانين الأخلاقية. فكل إلزام أخلاقي يراه الذهن قانونا يعمل العقل على فرضه على الإرادة. لذلك فالحرية تقتضي التصرف وفق قانون العقل. فالأوامر (أو الإلزامات) المتعلقة مثلا بالحذر وبقواعد حفظ الصحة هي احتمالية بما أنها تُعيّنُ بعض الأفعال باعتبارها وسائل وسيطة لتحقيق غايات أخرى في حدود كونها تابعة للظروف. وبالمقابل، يعتبر الأمر الأخلاقي قطعيا، أي أنه مطلق وغير مشروط، وهو ما يجعله كونيا. كما ينبغي عليه، فضلا عن ذلك، أن يكون مبدأ يفهمه جميع الناس.
ولقد عبر كانط عن الأمر الأخلاقي غير المشروط (الواجب الأخلاقي غير المشروط) في صيغة أولى على الشكل التالي:
"تصرف بالكيفية التي تُمكنُ من لأن يَصير المبدأ الذي يَصدر عنه فعلُك مبدأً كونيا بإرادتك".
لن يتمكن الفرد من تفسير أخلاقية فعله إلا حينما يتصور هذا الفعل مُنجزا من طرف الإنسانية جمعاء، ويتصور أثرَه المحتمل عليها. فإذا تحسّن الناسُ فإن فعلَه هذا فعلٌ أخلاقي، والعكس صحيح. وعلى سبيل المثال، يُعتبرُ عدم إرجاع وديعة لصاحبها فعلا لا أخلاقيا، لأن افتراض العكس (أي افتراض أن عدم إرجاع الوديعة هو فعل أخلاقي) سوف يُفقِدُ مفهوم الوديعة معناه.
يرفض كانط تحويل الإنسان إلى وسيلة. فإذا كانت الإرادة الحرة هي ملكة الفعل، انسجاما مع القوانين الأخلاقية، فينبغي على هذه الإرادة أن تتابع تحقيق بعض الغايات الأخرى.
وبما أن هذه الإرادة هي خاصية الكائنات العاقلة، فإن غاياتها لا يمكن أن تكون ذاتية أو نسبية. وهكذا، يكتسبُ الأمر الاخلاقي غير المشروط غاية يفرضها العقل وحده، وهي غاية تسري على كل كائن عاقل. لكن غايةً من هذا القبيل، لا يمكن أن نعثر عليها إلا لدى الكائن العاقل ذاته.
إن الشخص هو الكائن الوحيد الذي يوجد كغاية وليس كمجرد وسيلة. وما عدا الشخص، فإن كل الكائنات الأخرى ما هي إلا مجرد أشياء ووسائل لها قيمة مشروطة بالشخص ولصالحه. وبما أن ما يتحكم في الإنسان هو المَلكة التي تجعل منه إنسانا، فإن احترام العقل والقانون الأخلاقي يتطلب احترام البشرية المتجسدة فيه والمتجسدة في الآخرين. وهذا ما عبر عنه كانط في الصيغة الثانية للأمر الاخلاقي اللامشروط:
"تصرفْ بالكيفية التي تجعلك تُعاملُ الإنسانية، في شخصك وفي شخص أي شخص آخر، دوما وفي نفس الوقت، كغاية وليس كمجرد وسيلة على الإطلاق".
يُبرزُ كتاب "نقل العل العملي" استقلالية الإرادة. فالقانون الأخلاقي لن يكون له أي معنى لو وُجدت مصلحة تحثّ الإرادة على الخضوع له. ولاتّبَاع هذا القانون الأخلاقي ينبغي على "ملكة استقبال المعطيات الحسية" (التي هي مُكون من مكونات الذات) أن تتعلق به حصريا. ينبغي لهذه الملكة أن تُحدّد قبليا من طرف إحساس مطابق لها بصفة حصرية، وهذا الإحساسُ هو الاحترام، والذي يتم الشعور به أمام قداسة القانون الأخلاقي فقط.
لا ينبغي للذات أن تُحفّزَ إلا من طرف احترام القانون. وهذا الإحساس، الذي هو الاحترام، يتم نقله عبر معتقدات عقلانية يسميها كانط بـ"المسلمات" وهي:
- الحرية، ويتعلق الأمر بمسلمة هي شرط التخلق والأخلاقية.
- خلود النفس، ويتعلق الأمر بمسلمة ضرورية للبحث عن الفضيلة.
- وجود الله، ويتعلق الأمر ب مسلمة يُفترضُ أنها تضمن الوحدة النهائية للسعادة والفضيلة.
إن اكتشاف العقل العملي هو أيضا اكتشاف القيمة المطلقة للشخص والاستقلالية الذاتية في الحياة الأخلاقية.
يتمتعُ الإنسان بالكرامة والاستقلالية الذاتية ككائن عاقل بفضل الأخلاق. إن الاستقلالية الذاتية للإرادة هي التي تمكن الكائن العاقل من كرامته، فالاستقلال الذاتي للإرادة الإنسانية هو مبدأ كرامة البشر.