إشكاليات في ماضي وحاضر ومستقبل الأحزاب الشيوعية


سامى لبيب
2021 / 8 / 8 - 18:28     

- عرف العالم الشيوعية وأحزابها من خلال الثورات الشعبية التي كان الشيوعيين فى طليعتها وريادتها , كما كان هناك حضور للشيوعيين من خلال نخب عسكرية وريادية ليكون إستئثار الحزب الشيوعي بالسلطة سواء من العمل الثوري أو النخب هو أول أخطاءها .

- فى حالة وصول الشيوعيون من خلال الثورات الشعبية فلا يعني على الإطلاق إحتكارها وتفردها بالسلطة , فالثورة لم تتم بواسطة طبقة العمال فقط ولا يمكن تهمييش باقي الطبقات الإجتماعية فى الحراك الثوري والتغيير ,وإذا كان يمكن قبول ريادة الحزب الشيوعي بحكم أنه الأكثر حراكاً وثورية وتأثيراً فى التغيير لكن لا يمكن إهمال باق القوي والطبقات الإجتماعية ليتم تداول السلطة بينها فى إطار ديمقراطي .. لذا أري أن من الأسباب الرئيسية لإنهيار الإتحاد السوفيتي هو عدم وجود أحزاب أخري تنافس وتدفع الحزب الشيوعي لتطوير نفسه دائما ليحق له الريادة دوماً .

- صعود الشيوعية أو قل للدقة اليسار بواسطة الإنقلابات والنخب العسكرية من الأسباب الرئيسية لإنهيارها وزوالها سريعاً , فالبناء الفوقي مهما قدم من رؤي وسياسات إصلاحية فمصيره للسقوط أضف لذلك أننا أمام نخب ماركسية مثقفة ليس لها قواعد وطبقات إجتماعية تساندها فيكفي أن نذكر بعدم وجود طبقات عمالية وفلاحية تدعم النهج الشيوعي للعسكر فكان السقوط حتمي , ولنا فى النموذج اليمني الجنوبي مثال .

- لم يعد هناك آمال لثورات شعبية يتقدمها الحزب الشيوعي وذلك لأسباب عديدة يتقدمها فشل المشاريع اليسارية الإشتراكية وإنهيارها فلم يعد هناك نموذج ناجح للإقتداء والحلم ليتربع الحل الفردي على عرش الحلول أضف لذلك تراجع الكوادر الشيوعية بفعل كلاسيكية أداءها لتقبع فى ظل الحلول والرؤي القديمة أضف لذلك محاصرتها من قبل الإسلام السياسي والسلطات اليمينية .

- لم يظهر حضور الأحزاب الشيوعية من خلال الإنخراط فى الحلول الديمقراطية إلا فى الأحزاب الشيوعية الأوربية خاصة الحزب الشيوعي الإيطالي والفرنسي ولم يكتب لهما النجاح لأسباب عديدة منها قوة الأحزاب اليمينية فى أوربا وتقديمها الرخاء والرفاهية للعمال علاوة على إنصراف الإتحاد السوفيتي عن دعم تلك الأحزاب .

- سمحت بعض الأنظمة اليمينية فى البلدان العربية بوجود الأحزاب الشيوعية ضمن الحياة السياسية فلا تزيد الأمور عن الرغبة فى رسم ديكور جميل يعلن عن ديمقراطيتها وتمدنها مع إدراكها التام أن إنخراط الأحزاب الشيوعية فى العمل السياسي العام هو نزع لقوتها ومخالبها وذلك للأسباب الآتية :
- جري تهمييش وتفتيت وتشويه تام للطبقة العمالية على مدار الخمسين عام الفائتة والتي يتكأ عليها الشيوعيين مع تقليص حضورها الإقتصادي والإجتماعي وذلك بعد تصفيتها وتوزيعها فى عمالة حرفية وخدمية ذات تطلعات برجوازية .

- حضور الإسلام السياسي ونجاحه فى محاصرة اليسار بل تغلغله فى الطبقات التي كان يعتمد عليها اليسار كالعمال والفلاحين لتنحرف تلك الطبقات عن الحل اليساري فى النضال ولتتبني الحلول الإسلامية الرجعية ليسبقها حضور ثقافي كالإيمان بالأرزاق المقسمة وحق الملكية ألخ .

- رغم حصار الأنظمة اليمينية للإسلام السياسي فى الآونة الأخيرة من منطلق خطورته كونه بدأ يلعب فى ملعبه الخاص بعيداً لكن بقي تأثير هذا الإسلام السياسي من خلال ترسيخ الثقافة الإسلامية التى تعتني بالملكية والمصالح الرأسمالية وعداءها المستحكم تجاه الحلول اليسارية والعلمانية .

- كان لسقوط وإنهيار الإتحاد السوفياتي ودول المنظومة الإشتراكية فى شرق أوربا بمثابة الكارثة التي حلت على الشيوعية فلم يعد هناك حلم الخلاص والنجاة والنموذج الذى يقدم البديل للجماهير الشعبية ليحل مكانه النموذج والحلم الغربي بإعتباره ناجحاً مقدماً للرخاء والرفاهية والحريات .

- للأسف فشل الشيوعيين تماماً فى معالجة وتخطي كارثة إنهيار المجتمعات الإشتراكية فلم يبحثوا ولم يقدموا أى برامج نقدية وإصلاحية بينما الأمور كانت تحتاج لمراجعات كبيرة فى الأيدلوجية والتكتيك .

- إن قبول الأحزاب الشيوعية للعمل العام والإبتعاد عن العمل السري خصم وقيد من حراكها ليجعلها تلعب فى الملعب المُراد لها أن تلعب فيه فصارت تعتمد دستور البلاد الذي يؤسس للرأسمالية والملكية الخاصة لتكون المعارضة فى إطار ما ترسمه السلطات اليمينية دون الخروج عن محددات النظام السياسي ليتحول الحزب الشيوعي إلى المعارضة السياسية فاقداً ثوريته .

ما الحل ؟
- أولي خطوات الحل أن يتم مراجعة وتصحيح فشل وإخفاق التجارب الإشتراكية وأسباب إنهيارها كما لا يجب أن تخلو المراجعة من القسوة والحدة فى فضح أسباب الإنهيار ومنها تفرد الحزب الشيوعي وديكتاتوريته وراء شعار ديكتاتورية البروليتاريا .

- يجب أن تكون هناك حلول ورؤي ماركسية من نبع ومفردات كل مجتمع معتمداً على الظروف الموضوعية الخاصة بالمجتمع فلا مكان لإقتباس تجارب ورؤي وآراء الآخرين فلكل مجتمع خصوصيته , ولا مكان لإجترار أقوال لينين وستالين فلتكن تجارب تاريخية فقط , ومن هنا فليجتهد المنظرين بالبحث والدراسة لخريطة مجتمعاتهم الطبقية بدلاً من إستعارة وإسقاط تجارب وأقوال لينين وستالين وخروشوف .

- لا سبيل سوي الإنخراط فى التجربة الديمقراطية رغم أنها جاءت لتحجيم الماركسية ليكون الهدف هو تأسيس مجتمع يساري أولا فيكون الهدف الأول الدفاع بقوة عن حقوق الشغيلة من عمال وفلاحين وموظفين ومهنيين وحرفيين وعاطلين عن العمل ومهمشين ومعاقين , أى تبني الشيوعيين لألف باء يسار بتوسيع القاعدة الطبقية التى تتعاطي معها .

- على القوي الشيوعية قبول مبدأ التعدد وتداول السلطة داخل النظام الديمقراطي مع مواجهة شرسة لكافة القوي اليمينية والرجعية وعلى رأسها الإسلام السياسي وذلك بتأصيل مفاهيم ومفردات الثقافة الماركسية العلمية والإنحياز التام لكافة الطبقات الشعبية الكادحة

دمتم بخير .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .. شعار إنساني جميل ولكنه فى نهاية مشوار الألف ميل .