ماركس كعالم إيكولوجي


حازم كويي
2021 / 8 / 7 - 18:03     

جون بيلامي فوستر*
ترجمة:حازم كويي

يحتوي نقد كارل ماركس للرأسمالية على تحليل بيئي للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، التدهور البيئي، والذي يحتفظ بأهميته حتى اليوم.
غالباً ما يُنظر إلى علم البيئة، وهو علم التفاعل بين الكائنات الحية مع بيئتها، على أنه اختراع حديث. لكن فكرة أن الرأسمالية تُدمر البيئة إلى الحد الذي يؤثر على الشعوب الفقيرة والمستعمرة بشكل غير متناسب، قد تم التعبير عنه بالفعل في أعمال كارل ماركس وفريدريك إنجلز في القرن التاسع عشر.فقد ذهبت مناقشاتهم حول البيئة إلى ما هو أبعد من الفهم العام لعصرهم.
اليوم، تقرأ القضايا البيئية التي يتم تناولها - حتى وإن كانت في بعض الأحيان بشكل عابر - كسلسلة من أكثر مشاكلنا البيئية إلحاحاً، من التقسيم الحضري والريفي إلى تغير المناخ والمجاعة.
في عام 1867 نشر ماركس المجلد الأول من "رأس المال" ، في عمله الرئيسي الذي يشرح قوانين الرأسمالية. يحتوي الكتاب على قسم عن الإمبريالية البيئية لإنكلترا تجاه أيرلنده، حيث يقول إن إنكلترا تقوم الآن بشكل غير مباشر بتصدير أراضي أيرلنده لمدة قرن ونصف، دون إعطاء المشترين الباقين الفرصة لاستعادة المكونات الأساسية للتربة التي تعرضت للتآكل .
في قسم سابق من نفس المجلد، يشير ماركس إلى عمل الكيميائي الألماني (يوستوس فون ليبيغ) عام 1862، جادل فيها ليبيغ، بأن بريطانيا كانت تسرق خصوبة تربتها من الدول الأخرى، مشيراً إلى الاستغلال البريطاني المنهجي للتربة الأيرلندية كمثال رئيسي.
الزراعة الرأسمالية الصناعية كنظام مفترس.
من وجهة نظر ليبيغ، يمكن أن يُسمى نظام الإنتاج الذي يأخذ من الطبيعة أكثر مما يعطيه "نظاماً مفترساً"، وقد استخدم هذا المصطلح لوصف الزراعة الرأسمالية الصناعية.
وكما فعل محللوا ترشيح التربة في القرن التاسع عشر، جادل ماركس بأن مغذيات التربة المهمة مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاس تم إرسالها إلى المدن على شكل غذاء ونسيج. وهنا، بدلاً من إعادتها إلى الريف لإعادة استخدامها، تلوثت هذه العناصر الغذائية الآن في المراكز الحضرية،والتي لها عواقب وخيمة على صحة الإنسان.

مع تزايد فقر التربة، أستوردت بريطانيا العظام من ساحات القتال النابليونية وسراديب الموتى الرومانية، وكذلك ذرق الطائر من بيرو، كل ذلك في محاولة يائسة لتجديد الحقول.
في وقت لاحق، نجح إكتشاف الأسمدة الاصطناعية في القضاء على نقص المغذيات. لكن هذا خلق مشاكل بيئية إضافية، مثل التلوث البيئي من النيتروجين الزائد من الأسمدة.
التناقض البيئي بين الطبيعة والمجتمع الرأسمالي.
في تحليله لهذه القضايا البيئية، وصف ماركس التناقض الإيكولوجي بين الطبيعة والمجتمع الرأسمالي على أنه قطع "لا يمكن إصلاحه" في عمليات الأيض الاجتماعي المترابطة.
أعلن ماركس أن "الإنتاج الرأسمالي" لا يطور إلا التكنولوجيا، بينما يقوض في نفس الوقت منابع الثروة،الأرض والعامل.وكما جادل، بإستعادة التمثيل الغذائي بشكل منهجي كقانون منظم للتنظيم الاجتماعي.
ووفقاً لماركس،فإن هذا يتطلب تنظيماً عقلانياً في عملية العمل من قبل المنتجين المرتبطين،وحسب إحتياجات الاجيال القادمة، بإعتبار عملية العمل نفسها،هي عملية التمثيل الغذائي بين البشر والطبيعة. وبرؤيته أن المفهوم المادي للتاريخ مرتبط بالمفهوم المادي للطبيعة.حيث يرتبط علم التاريخ بعلم الطبيعة.
حضر ماركس لمحاضرات، ألقاها الفيزيائي الأيرلندي المولِد (جون تيندال) في المعهد الملكي لبريطانيا العظمى في لندن. حيث كان مفتوناً بتجارب تيندال عن الحرارة المشعة، بما في ذلك تشتت الضوء. وكان ضمن الجمهورعندما قدم تيندال نتائج تجاربه لأول مرة في أوائل ستينيات القرن التاسع عشر، حيث أظهر أن بخار الماء وثاني أكسيد الكربون معاً ينتجان تأثير الاحتباس الحراري الذي يتسبب في إحتباس الحرارة في الغلاف الجوي الارضي.
في ذلك الوقت، لم يشُك أحد في أن تأثير الاحتباس الحراري، جنباً إلى جنب مع ثاني أكسيد الكربون الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري، سيؤدي إلى تغير مناخي من صنع الإنسان. وتم طرح هذه الفرضية لأول مرة من قبل العالم السويدي (سفانتي أرهينيوس) عام 1896.
اليوم، أصبح الفهم الديالكتيكي للعلاقات المتبادلة بين الطبيعة والمجتمع، كما وصفه ماركس وإنجلز، مهماً لنا جميعاً، بسبب الأزمة البيئية العالمية المُتسارعة وقبل كل شيء بسبب الاحتباس الحراري. طبقت الأبحاث الحديثة في علم الاجتماع البيئي نظرية ماركس عن انقطاع التمثيل الغذائي على المشكلات البيئية المعاصرة مثل الإخصاب المفرط وموت المحيطات وتغير المناخ.
بدون تغيير جوهري في العلاقات الاجتماعية، لا يوجد حل للمشاكل البيئية.
يجادل بريت كلارك وريتشارد يورك في مقالاتهما حول أسباب المشكلات المرتبطة باستخدام الوقود الأحفوري، بأنه لا يمكن أن يكون هناك حل لهذه المشكلات دون تغيير العلاقات الاجتماعية بشكل جذري، ولا يمكن إتقانها بالتكنولوجيا وحدها، لأنه في ظل الرأسمالية تؤدي مكاسب الكفاءة حتماً إلى توسع الإنتاج، وهو ما يصاحب من زيادة في إستخدام الموارد الطبيعية والطاقة. هذا يؤدي إلى إرتفاع الأحمال على المحيط الحيوي. يُعرف هذا باسم (مفارقة جيفونز)، نسبة إلى الاقتصادي ويليام ستانلي جيفونز، الذي أوجزها في كتابه الصادر عام 1865 بعنوان "سؤال الفحم" حول الاستنزاف التدريجي لرواسب الفحم البريطانية.
وخلص كلارك ويورك، إلى أن التطور التكنولوجي لا يمكن أن يقدم مساهمة إلا إذا تم تحريره من إملاءات العلاقات الرأسمالية.
يتطلب الحل الحقيقي الوحيد، أي "المستدام" للصراع العالمي بين الإنسان والبيئة، على حد تعبير ماركس، مجتمعاً من "المنتجين المرتبطين" الذين ينظمون عملية التمثيل الغذائي بشكل عقلاني مع الطبيعة، ويضعونه تحت سيطرتهم الجماعية بدلاً من أن تحكمها قوى عمياء. تنفذ بأقل قدر من الجهد وفي ظل الظروف الأكثر جدارة وملاءمة لطبيعتهم البشرية وبالتالي، فإن التحرر من الاضطهاد والاستدامة البيئية هما هدفان مترابطان بشكل لا ينفصم. إنها تتطلب بناء اشتراكية القرن الحادي والعشرين.




*جون بيلامي فوستر أستاذ علم الاجتماع بجامعة أوريغون (الولايات المتحدة الأمريكية) وأحد محرري المجلة الاشتراكية "Monthly Review". كتب العديد من الكتب والمقالات حول الاقتصاد السياسي والبيئة ، على سبيل المثال "ماركس البيئة".