جائحة كورونا ترفع منسوب الاعتداء على الحقوق النقابية العمالية


جهاد عقل
2021 / 8 / 7 - 01:00     


عندما خَطَّ فون هايك مؤسس النيوليبرالية كتابه "الطريق إلى العبودية" الذي يطرح فيه ضرورة "التخلص" من التخطيط الحكومي، والقضاء على القطاع العام وخصخصة كافة المرافق الاقتصادية تحت شعار "السوق الحر"، لم يخفِ بأن أحد الأهداف المركزية لفكره هو إضعاف النقابات العمالية – أي تقييد الحريات النقابية بما في ذلك اتفاقيات العمل الجماعية وحقوق الضمان الاجتماعي وغيرها.

منذ تلك الفترة والقوى الرأسمالية تقوم بتنمية وتطوير أساليب الاستغلال للطبقة العاملة خاصة وعموم الشعب عامة، تحت هذا الشعار لتواصل جني الأرباح من جهة وضرب حقوق العمال وإضعاف تنظيمهم النقابي من جهة أخرى. هذا ما يظهر لنا من التقرير السنوي الذي يُصدره الاتحاد الدولي لنقابات العمال منذ ثماني سنوات، يستعرض فيه أوضاع الحركة النقابية والحريات النقابية في مختلف دول العالم.





تراجع كبير بل محاولة لتدمير علاقات العمل

وفق تقرير هذا العام الذي جاء تحت عنوان "مؤشر الحقوق العالمية للاتحاد الدولي لنقابات العمال 2021 في ظل جائحة كوفيد -19" الذي يُسلط فيه الضوء على أوضاع حقوق العمال في العالم، يتّضح لنا من المعطيات الواردة في التقرير بأن قوى رأس المال والحكومات لم تتوان عن استغلال بروز جائحة كورونا لتقوم بضرب الحقوق العمالية وتقليص الحريات النقابية، بل تعريض حياة القادة النقابيين للخطر ومنهم من دفع حياته ثمنًا لنشاطه النقابي ودفاعه عن رفاقه العمال في النقابات العمالية، لدرجة أن النقابية شاران بورو، الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال، صرحت في البيان الصادر بمناسبة نشر التقرير قائلة: "لقد دمرت جائحة كوفيد -19 الوظائف والمجتمعات والحياة. يكشف مؤشر الحقوق العالمية عن تصرف مخجل للحكومات والشركات التي اتبعت أجندة مناهضة للنقابات في مواجهة العمال الذين وقفوا في الخطوط الأمامية لتوفير العمل الأساسي للحفاظ على الاقتصادات والمجتمعات أن تعمل".

كما جاء في مقدّمة البيان إياه: "بلغت انتهاكات الحق في الإضراب، والحق في تكوين النقابات والانضمام إليها، والحق في الأنشطة النقابية والحريات المدنية، والحق في حرية التعبير والتظاهر أعلى مستوى لها منذ ثماني سنوات، وفقًا لمؤشر الحقوق العالمية السنوي للاتحاد الدولي للنقابات العمالية، وأصبحت أماكن العمل أقل أمانًا، مع مزيد من القيود على النشاط النقابي". هذا بالإضافة إلى رفع وتيرة مراقبة العمال في أماكن العمل ومنع تنظيمهم النقابي كما حدث في شركة أمازون، التي خاضت حملة تهديد وقمع ضد العمال الذين بادروا للتنظيم النقابي، مما أدى الى إفشال التنظيم نقابيًا. بالإضافة إلى قيام الحكومات بالتعاون مع المُشَغّلين بإصدار قوانين قمعية ضدّ العمال كما حدث "في هندوراس والهند وإندونيسيا وسلوفاكيا وأوروغواي". و "أصبحت أماكن العمل أقل أمانًا، مع مزيد من القيود على النشاط النقابي في بيلاروسيا وكولومبيا وكمبوديا وميانمار".

عن ذلك تقول النقابية شاران بورو: "عندما انتشر وضرب فيروس كوفيد- 19، عرفنا من هم الأبطال. كان العمال في كل مكان يهتمون بالمرضى، ويضعون الطعام على طاولاتنا، ويحافظون على تقدم الاقتصاد. لكن على الرّغم من كل ذلك، يتعرض العمال للهجوم كما لم يحدث من قبل. الحكومات وأرباب العمل استغلوا الوباء لاستغلال الناس الذين يعتمد عليهم العالم من خلال زيادة المراقبة، وخرق الاتفاقات، وتسريح العمال، وعرقلة وترهيب النقابات واللجوء إلى العنف والقتل".

ويكشف التقرير عن بعض الحالات التي تعرض فيها العمال للقمع والمحاكمة بل والقتل، "في زيمبابوي، حوكم قادة النقابات بعد أن اتخذ العمال القرار بالقيام بإضراب من أجل تأمين مخصصات الأوبئة المستحقة، بينما فصلت شركة Falabella، وهي شركة بيع تجزئة منزلية متعددة الجنسيات، 22 عاملاً في المستودعات التابعة لها". وفي بيرو طلبوا توفير وسائل الحماية الصحية والسلامة من فيروس كورونا لكن الحكومة أهملت هذا الطلب العادل.

ويُشار بحسب التقرير إلى أن "عام 2021 هو العام الذي تعرضت فيه الديمقراطية وحرية التنظيم النقابي لهجوم متجدد حيث ارتفع عدد الدول التي أعاقت تسجيل النقابات من 89 دولة في عام 2020 إلى 109 دول، كما ارتفع عدد الدول التي تم فيها حرمان أو تقييد حرية التعبير والتجمع – التظاهر، من 56 دولة في عام 2020. إلى 64 هذا العام."

كما "شهدت بلجيكا، وكندا، والسلفادور، وهايتي، والمجر، والأردن، وماليزيا، وميانمار، وسلوفاكيا تدهورًا للأسوأ في تصنيفاتها في عام 2021. وارتفعت تصنيفات ميانمار إلى الفئة 5+، ولا يوجد ضمان للحقوق، بسبب انهيار سيادة القانون. وكان قادة نقابات العمال من كمبوديا وهونغ كونغ وميانمار من بين أولئك الذين تعرضوا لاعتقالات بارزة - اعتقالات تقوض حقوق العمال في التمثيل".



منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا الأسوأ

تُعَدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أسوأ منطقة في العالم للعاملين وحقوقهم النقابية والحرّيات المتعلقة بذلك، وهذا الوضع متواصل منذ ثماني سنوات متتالية. والدول: ليبيا وسوريا واليمن، لا تزال تعاني من العدوان على سيادتها الأمر الذي أدى إلى تقليص الحريات والحقوق الأساسية في تلك البلدان. أما فلسطين فظروف الاحتلال ما زالت تؤثر على أوضاع الحريات النقابية ويتماهى مع ذلك تصرفات تقوم بها السلطة أيضًا بهذا الخصوص.

أسوأ عشر دول لظروف للعاملين والنقابات في عام 2021 هي: بنغلاديش وبيلاروسيا والبرازيل وكولومبيا ومصر وهندوراس وميانمار والفلبين وتركيا وزيمبابوي.

وتصنف الطبعة الثامنة من "مؤشر الحقوق العالمية" الصادر عن الاتحاد الدولي للنقابات 149 دولة في درجة احترام حقوق العمال. فيما يلي ما أسلفنا من النتائج الرئيسية لهذا "المؤشر":



· 87%* من البلدان انتهكت الحق في الإضراب.

· 79%* من البلدان انتهكت الحق في المفاوضة الجماعية.

· 74%* من البلدان استثنت العمال من الحق في إنشاء النقابات والانضمام إليها.

· *ارتفع عدد الدول التي أعاقت تسجيل النقابات من 89 عام 2020 إلى 109 عام 2021.

*دخلت دولتان جديدتان في قائمة أسوأ عشر دول للعمال وهي: بيلاروسيا وميانمار.

*ارتفع عدد الدول التي حرمت أو قيدت حرية التعبير من 56 في عام 2020 إلى 64 في عام 2021.

*تعرض العمال للعنف في 45 دولة.

*لم يكن للعمال حق الوصول إلى العدالة أو قيدوا في 65% من الدول.

*تعرض العمال للاعتقال والحجز التعسفيين في 68 دولة.

*قُتل نقابيون في ستة دول هي: البرازيل وكولومبيا وغواتيمالا وميانمار ونيجيريا والفلبين.

هذا ملخص لما جاء في التقرير السنوي للاتحاد الدولي لنقابات العمال لعام 2021، علينا الإشارة أن التقرير لا يشمل جميع الدول، فهناك دول ما زالت تمنع حرية التنظيم النقابي وتنظيم النقابات العمالية ولا يشملها هذا التقرير، مثل السعودية والامارات وغيرها.

واضح من نتائج المؤشر – التقرير توحش القوى الرأسمالية فيما يتعلق بعلاقات العمل وحقوق العمال ولا بدّ من العمل على تقوية عصب التنظيم النقابي والوحدة العمالية أمام هذا التوحش، ومن أجل القضاء على هذه السياسة المعادية للعمال.