خفايا الإنقلاب على الإشتراكية السوفياتية (2)


فؤاد النمري
2021 / 8 / 4 - 18:56     

خفايا الإنقلاب على الإشتراكية السوفيلتية (2)
إرهاصات المؤامرة الكبرى على الإتحاد السوفياتي تبدّت جلية في مؤتمر التراضي (Appeasement) في ميونخ في سبتمبر 38 وضم الدولتين الإمبرياليتين بريطانيا وفرنسا والدولتين الفاشيتين ألمانيا وإيطاليا، وزادها جلاءً رفض الدول الغربية الثلاث إقتراح ستالين بتحالف رباعي ضد النازية .
ذلك ما رتب على مؤتمر الحزب الثامن عشر في مارس 1939 إنتهاج سياسة جديدة محتلفة ليست اشتراكية بل معاكسة للإشتراكية تمثلت بالتخلي عن الصراع الطبقي وهو ما يعني تعطيل كل فعالية للحزب الشيوعي الذي تقتصر وظيفته على قيادة الصراع الطبقي للطبقة العاملة ؛ كما تمثلت بزيادة التنمية العسكرية وهذا لا يتحقق إلا على حساب التنمية الإشتراكية ,

ما يغيب عن فكر كل المراجعين للإشتراكية السوفياتية هو أن الإتحاد السوفياتي كان قد تحول مع بداية الحرب من دولة إشتراكية إلى دولة حرب والفرق نوعي بين الدولتين، فالإنتاج في الدولة الإشتراكية يستهدف تقدم حياة الإنسان بعكس الإنتاج في دولة الحرب الذي يستهدف قتل الإنسان وتدمير حضارته . وفي الدولة الإشتراكية هناك الحزب الشيوعي ألذي يقود الدولة ويقرر سائر أعمالها أما في دولة الحرب فالجيش وحده بقيادته العليا هو من يقود الدولة ويقرر سائر أعمالها . ومن نافلة القول هنا أن الحزب الشيوعي يمثل بطبيعته طبقة البروليتاريا بينما الجيش فهو بحكم التجنيد الإجباري لا يمثل طبقة بعينها وبحكم امتهانه للحرب فهو فصيل رئيسي من فصائل البورجوازية الوضيعة آخر أعدا ء الشيوعية وأصعبهم مراساً .

الإتحاد السوفياتي خاض الحرب في مواجهة العدوان النازي كحرب وطنية وهو ما يتنافى مع أس الإشتراكية وهو الصراع الطبقي . إنتهت الحرب في العام 45 وسرعان ما انتقل الإتخاد السوفياتي إلى برنامج إعادة الإعمار وقد خلّفت الحرب دماراً واسعاً يتجاوز أبعد الحسابات . على نسق الحرب الوطنية كان النسق الوطني لحملة إعادة الإعمار التي انتهت في العام 1951 ,

ما فات على سائر المراجعين لتاريخ الإتحاد السوفياتي هو أن الإتحاد السوفياتي في العام 1951 لم يكن فعلاً دولة اشتراكية كما كان في العام 1938، يل كان دولة حرب تناقض الإشتراكية كيلا أقول تعاديها . كان الإنتاج الرئيسي يتركز في التسلح والقائد الفعلي للدولة هو الجيش وعلى رأسه "الجنراليسمو" ستالين – ظل ستالين طيلة عمره، حسب مولوتوف، نادما على قبوله لقب الجنراليسمو – وليس الحزب الذي تجند في خدمة الجيش . هذه هي الحقيقة الكبرى التي أسست لانهيار الإتحاد السوفياتي .
لم يعِ مثل هذه المأزق الخطير سوى ستالين الحارس اليقظ الأمين للثورة اٌلإشتراكية وقد رأى أن تجاوز مثل هذا المأزق الخطير لن يتم إلا من خلال ثورة اشتراكية حقيقية تهون معها إنتفاضة البلاشفة في أكتوبر 1917 . إذاك طلب ستالين عقد ندوة عامة في العام 1951 تبحث في "مسائل الإقتصاد الإشتراكي في الاتحاد السوفياتي" ويدعى إليها كبار علماء الإقتصاد بالإضافة إلى قادة الحزب الشيوعي وهو أمر لم يسبق حدوثه في تاريخ الشيوعية السوفياتية . كان ستالين يخطط لرسم معالم الثورة الإشتراكية التي يعتزم القيام بها والقوى التي يمكن توظيفها للقيام بالثورة .
أعمال تلك الندوة كما استعرضها ستالين في كتابه الأخير لم تسعف ستالين فيما يبحث فيه وهو السبيل القويم لثورة اشتراكية تقلب دولة الحرب السوفياتية في العام 1951 إلى دولة اشتراكية كما كان الإتحاد السوفياتي في العام 1938، بل كان أن جهد ستالين في إقناع كافة المنتدين وأبرزهم مولوتوف في أن إحياء الصراع الطبقي من جديد، كما أصروا على ذلك، ليس في صالح الثورة بل يشكل خطراً جدياً على الثورة .
قرأت كتاب ستالين "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" في العام 54 وكأنني لم أقرأ ستالين خليفة لينين في قيادة الثورة الإشتراكية العالمية التي ديدنها الصراع الطبقي، إلا أن ستالين في كتابه المنشور في العام 1952 وقف بقوة ضد إحياء مبدأ الصراع الطبقي لأنه سيشكل خطراً جدياً على الثورة الإشتراكية ؛ وبالمقابل راح يبشر بالإخاء الطبقي في الإتحاد السوفياتي .
ستالين الذي قاد أشرس المعارك الدموية في التاريخ وكلفته في مواجهة العدوان النازي مليون قتيل بالإضاقة للدمار الواسع الشاسع غير المسيوق في التاريخ دفاعاً عن الإشتراكية ينتهي به المطاف بعد الحرب ليبشر بالإخاء الطبقي !!؟ لا يمكن أن تكون مثل هذه القراءة هي القراءة الحقيقية لستالين لمن يعرف ستالين حق المعرفة .
الإتحاد السوفياتي في العام 1951 كان دولة حرب ؛ الجيش حل محل الحزب الشيوعي في قيادة الدولة، وطبقة البروليتاريا تراجعت إلى الكواليس وعلت خشبة المسرح بدلاً عنها أشتات البورجوازية الوضيعة وأهمها الجيش، ومجمل الإنتاج يتركز في التسلح وهو ليس إنتاجاً اشتراكياً بل مناقضاً للإشتراكية .
من المؤكد أن ستالين كان يدرك تمام الإدراك وهو الماركسي اللينيني الرفيع أن الإتحاد السوفياتي في العام 1951 لم يعد دولة اشتراكية، وأن الحزب الشيوعي البولشفي صاحب السطوة والقول الفصل قبل الحرب بات هيكلاً خائر القوى بعد الحرب وعليه فإن إحياء الصراع الطبقي سيأتي بالهزيمة والخسران للطبقة العاملة السوفياتية .


ما كان فوق العادة هو أن يطلب ستالين عقد ندوة عامة ليست حزبية تبحث في "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" وهو ما يؤكد على أن ستالين كان يدرك أن الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي في مأزق خطير لدرجة الإفتراض أن شخص ستالين بكل فصاحته الماركسية وقواه الأدبية ربما لن يكون قادرا على تفكيك المأزق وتجاوزه . فكان أن طلب عقد الندوة في العام 51 عله يرى بقعة ضوء في نهاية النفق المظلم . لم يجد ستالين تلك البقعة بل تحقق من أنه حتى قيادة الحزب ليست بجانبه .
بعد أن خاب أمل ستالين في تلك الندوة اليتيمة وتحقق من أنه لم يعد هناك من قوى اشتراكية غير ستالين نفسه وحتى بدون الحزب الشيوعي الذي بات جثاً هامدة بدون روح ثورية إذاك قرر ستالين وحيداً معتمداً على ثقله الفكري والسياسي وهو عظيم جداً كما هو معلوم القيام بثورة اشتراكية أبعد عمقاً من انتفاضة أكتوبر 1917 .
طبعاً ثورة شخص ستالين الإشتراكية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الحزب الشيوعي السوفياتي الذي لم يعد شيوعياً ليس لأنه لم يمارس وظيفته الشيوعية وهي الصراع الطبقي لأربعة عشر عاماً (1939 – 1952) فقط يل لأن البروليتاريا أيضاً باتت مجندة في خدمة الجيش تنتج الأسلحة وليس في خدمة ذاتها وهي تنتج مختلف احتياجات المجتمع .
وهكذا شرع ستالين بتحقيق ثورته الإشتراكية بعقد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي في أكتوير 1952 .