الانتخابات المقبلة في العراق والمقاطعة


مؤيد احمد
2021 / 8 / 3 - 05:25     

مؤيد احمد
بالرغم من ان الانتخابات والنظام البرلماني يبدوان في الظاهر كامر سياسي عام لترتيب النظام السياسي للمجتمع ككل، إلا انهما ليسا في الجوهر سوى العمل والألية والنظام السياسي للطبقة البرجوازية وممثليها السياسيين وحسب. ولهذا، فان الانتخابات ومقاطعة الانتخابات في العراق، طالما يدور حديثنا حول الصراع الجاري بين الطبقات المتناحرة في المجتمع، ينتميان الى معسكرين وميدانين سياسيين وطبقيين مختلفين.
ان الانتخابات البرلمانية المقررة عقدها في اكتوبر هذا العام بمشاركة كافة الاحزاب السياسية في العراق واقليم كوردستان، لاتنفصل عن عملية قمع واجهاض انتفاضة اكتوبر 2019. إن تجاهل هذه الحقيقة البسيطة وغض النظر عنها إما هو سذاجة او تقف خلفه اغراض سياسية رجعية. ولهذا فان الحديث عن هذه الانتخابات بدون تناول انتفاضة اكتوبر ونتائج عملية التغيير الثوري في المجتمع بصورة عامة، لا هو صحيح، ولايمكن ان يكون حديثأ هادفا يبنى عليه عملا ثوريا واشتراكيا.
ان كافة تيارات واحزاب البرجوازية الاسلامية والقومية الحاكمة ومسانديهم من الدول الامبريالية والاقليمية، وخاصة امريكا ونظام الجمهورية الاسلامية في ايران، متفقون على اجراء الانتخابات، وذلك ببساطة لان الانتخابات والبرلمان هما اداة لإسناد النظام السياسي الحالي في العراق وإضفاء الشرعية عليه من قبل الجماهير. هذا إضافة الى كونها آلية لإعادة إنتاج "العملية السياسية" مجددا وتقسيم السلطة والثروات المنهوبة للمجتمع بين اجنحة نظام الـ "محاصصة" الطائفية والقومية. ان السؤال الرئيسي هو: ما الذي يميز انتخابات هذه السنة عن سابقاتها؟
ان نتيجة تطبيق النقد والمنهج الماركسي والطبقي للعمال ازاء اية ظاهرة، في التحليل الاخير، هي مشخصة ومقرونة بالعمل. فيما يتعلق بالانتخابات، يتطلب هذا المنهج تحديد ودرك الكيفية والخاصية الفارقة لانتخابات هذه السنة و التي تميزها عن سابقاتها وذلك كي نصوغ سياسة وتكتيك اشتراكي مشخص في هذا المضمار ونمارسها.
ان الخصيصة النوعية لانتخابات هذه المرة وفرقها عن اية انتخابات اخرى هي ان البرجوازية واحزاب وتيارات السلطة، وحتى القسم المعارض منها، تريد ان تجعل من الانتخابات وكأنها تحقيق لمطالب واهداف انتفاضة اكتوبر وذلك لكي تضعها محل الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرئيسية لهذه الانتفاضة. هناك عوامل كثيرة ادت بالانتفاضة الى التراجع ولكن الأزمة والظرف الثوري لم ينتهيان بعد، وان الجماهير الكادحة والمفقرة والشبيبة الثورية بصدد تعلم الدروس من تجربة الانتفاضة، كي تعود للساحة من جديد بعزم وقوة منظمة.
ان البرجوازية العالمية ومن هم على رأس السلطة في العراق، يعلمون جيدا بان اية من المكاسب المهمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي تحققها انتفاضة اكتوبر سوف تتجذر في المجتمع برصانة وترسم سماتهاعلى جسده وتصبح جزءً لايتجزأ من حاضره ومستقبله. وعلى هذا، ستكون مكتسباتها طويلة الامد، ليس لعدة سنوات بل ولعقود، ولا تستطيع البرجوازية استئصالها بسهولة من وجدان الاجيال المتلاحقة من السكان ومن المسارات السياسية والفكرية والاجتماعية للمجتمع. ليس هذا فحسب، بل ان المكسب الذي يتم تحقيقه من خلال الثورة والانتفاضة سوف يترك اثرأ على مجمل عملية التغيير الثوري في المجتمع.
ان البرجوازية الاسلامية والقومية الحاكمة والمعارضة البرجوازية كانت في محاولات دائبة ومنذ البداية، لا فقط من اجل انهاء انتفاضة اكتوبر بالقمع، بل لكي يتمكنوا ايضا من تطعيم الانتفاضة بمسارات سياسية وفكرية برجوازية سائدة وجعلها وسيلة لتقوية نظام الحكم البرجوازي. ولهذا السبب نرى بان مجمل جبهة السلطة والمضادة للثورة وكافة وسائلهم الاعلامية المتنوعة دائمأ ما تطبل مدعية بان الانتخابات المبكرة هي مطلب لانتفاضة اكتوبر والشباب المنتفض وان تحقيق التغيير والاصلاح فقط يتم عن طريقها وان هذا هو البديل الوحيد، في حين ان الوقائع على الارض تثبت غير ذلك.
مقابل هذه المحاولات لمعسكرالبرجوازية والسلطة وقواها واحزابها، فان الطبقة العاملة والفئات المضطهدة في العراق وجماهير الشباب والشابات والصفوف الواسعة للمعطلين عن العمل في عموم العراق، ترى الحقائق، وهي لاتعلق اية امال على الانتخابات كي تحقق التغيير من خلالها. ولهذا تشير كل التوقعات الى ان المشاركة في انتخابات هذه السنة ستكون اقل حتى من نسبة 18% لعام 2018.

الانتخابات والمقاطعة
والسياسة الثورية الشيوعية
ان الشيوعيين لايرفضون الانتخابات بصورة عامة، وهم يقررون المشاركة او المقاطعة في اية انتخابات برلمانية برجوازية معينة، تبعا لمصالح تقدم النضال الطبقي للعمال والكادحين، وان مقاطعة الشيوعيين لهذه الانتخابات مبنية على نفس المبدأ والاساس والخصائص المشخصة لها.
ان ماهو مؤكد وما اثبته التاريخ النضالي للشيوعيين والبروليتاريا الاشتراكية العالمية هو انه حين يشارك الشيوعيون في الانتخابات البرلمانية والبرلمان، فان مشاركتهم هي سياسة تستخدم منبر البرلمان للتشهير بالنظام البرلماني نفسه وكشف محتواه البرجوازي وعدم جدواه للجماهير الكادحة والمعدمة. وهذا يعني استخدام منبر البرلمان للتحريض والتبليغ السياسي الثوري والاشتراكي ضده، والتحريض للنضال الجماهيري من خارج البرلمان ولارساء السلطة المجالسية والجماهيرية، والدعاية و التحريض للإعداد للثورة وتحقيق الاشتراكية. هذه الحقيقة البسيطة وهذا المنهج الثوري ازاء الانتخابات والنظام البرلماني البرجوازي باتت غائبة كليا عن منظور قسم كبير من اليسار والاصلاحيين البرجوازيين والبرجوازيين الصغار، الذين يدعون الماركسية والاشتراكية، وهم يتحدثون عن الانتخابات كانها البديل الوحيد الذي بامكانه تحقيق التغيير السياسي والتاثيرعلى سلطة الدولة لمصلحة الجماهير المضطهدة والكادحة.
ان الانتخابات للبرلمان، وكذلك النضال السياسي والجماهيري خارج البرلمان، في العراق واقليم كوردستان، هما ظاهرتان وعمليتان سياسيتان مختلفتان، وتعكسان الصراع بين طبقتين اجتماعيتين مختلفتين في قلب المجتمع. الانتخابات والبرلمانتارية البرجوازية هما شكل سياسي لحكم الطبقة البرجوازية، وهما تحقيق الديمقراطية للفئات المتنوعة لهذه الطبقة وممثليها الحزبيين وتياراتها السياسية، وهي الشكل السياسي لحكم هذه الطبقة، ولا علاقة لها بتاتأ بتحقيق الحرية والارادة السياسية لجماهير العمال والكادحين. وان ذلك يتجلى ويجري باوضح صورة في الدول الغربية الراسمالية التي توجد فيها الديمقراطية البرجوازية. بنفس الطريقة، وفي عموم العراق، فان الانتخابات والبرلمان، في احسن الحالات، هي ديمقراطية لاجنحة وكتل البرجوازية القومية والإسلامية الطائفية كي تتقاسم السلطة وثروات المجتمع المنهوبة فيما بينها عبر المنافسة بصورة "ديموقراطية". لاشك، ان استخدام العنف وقتل وترهيب المعارضين، هو جزء من هذه العملية "الديمقراطية"! في هذا البلد.
على العكس من ذلك، فان النضال خارج البرلمان وانتخاباته، هو شكل نضالي مختلف ويعود الى ميادين وأليات النضال السياسي لجماهير العمال والكادحين. هذا النضال يظهر بقوة وعزم كبيرين اثناء الحراكات السياسية الجماهيرية والانتفاضات، وكانت انتفاضة اكتوبر في قمة صعودها، لحظة في هذه العملية المستمرة والدائمة في قلب المجتمع. وان مقاطعة الانتخابات ينتمي الى ميدان النضال خارج البرلمان هذا وجزء من ديناميكية النضال السياسي واعتراضات الجماهير الكادحة في المجتمع.
ولهذا فان المقاطعة في العراق ليست سياسة مجموعة احزاب ومنظمات واطراف، بل هي في الاساس حركة وتعبير عن تحرر الجماهير من قيود النفوذ البرجوازي والسلطة، وهي رد بالنفي لمجمل نظامهم البرلماني وانتخاباتهم.
النقطة المهمة هي ان المقاطعة والنضال خارج البرلمان في العراق واقليم كوردستان تحمل طابع هذه الحقبة التاريخية التي يمر بها المجتمع، والذي يمكن القول باختصار بانها وضع ثوري، وذلك لان الاغلبية العظمى من الجماهير معترضة ولاتريد بعد القبول بالوضع المفروض عليها، وان البرجوازية الحاكمة في ازمة عميقة وان اجنحة النظام في صراع مستميت فيما بينها ولايمكنها ان تحكم كما كانت من قبل. ليس فقط الشباب والشابات المعترضين والراديكاليين غير متوهمين بالانتخابات، بل كذلك الصفوف الواسعة من المعطلين والمعدمين ايضا، وهذا بالاضافة الى كون الطبقة العاملة واتحاداتها و نقاباتها وغالبية الموظفين والمعلمين وعمال القطاعات الخدمية والادارية المختلفة هم في جبهة مقاطعة الانتخابات.
لحد الان لاتوجد خطة للمشاركة في الانتخابات لدى أية نقابة مستقلة للعمال او اتحاداتها. بالرغم من هذا الواقع، فان البرجوازية والسلطة وقوى البرجوازية المعارضة تحاول على الدوام ان تجعل النقابات الحكومية وكأنها ممثلة عن العمال وأن تدعي بان النقابات العمالية مشاركة في الانتخابات، وهي تقوم بذلك حتى تحت اسم حزب العمال.
اليوم، مقاطعة البرلمان والانتخابات ظاهرة سياسية واسعة الانتشار في المجتمع العراقي وهي مباشرة جزء عضوي من المساعي الثورية لجماهير العمال والكادحين للخلاص من براثين النظام وكوارث النظام الراسمالي. هذا النضال الثوري جزء من نضال الشيوعيين وان المقاطعة هي من ضمن مساعيهم لتحقيق التغيير الثوري. هذا في حين ان نضال الشيوعيين هو جزء عضوي كذلك من نضال البروليتاريا في عموم العراق من اجل تحقيق اية درجة من الرفاهية للجماهير واية درجة من كسب الحريات السياسية والمدنية والثقافية في المجتمع واية درجة من تحرر النساء من قيود الحركات الاسلامية و القومية الذكورية والنظام البطريركي الشوفيني الذكوري.

المقاطعة وافشال الاجندة البرجوازية
المسالة والقضية السياسية الأهم امام الطبقة العاملة والمعدمين وقوى الانتفاضة والثورة في العراق، هي قضية حسم السلطة والدولة، اي تبديل دكتاتورية البرجوازية بسلطة الطبقة العاملة والكادحين والمعدمين والجماهير المنتفضة. هنا تكمن البدائل السياسية الطبقية وليست في الانتخابات والبرلمان، لانه من الواضح ان الانتخابات والبرلمان هي الاعمال السياسية للبرجوازية ولا تمس الماهية البرجوازية للدولة ومؤسساتها، على العكس، فهي تحافظ على نفس السلطة الطبقية للبرجوازية ونفس سلطة الدولة للاحزاب السياسية الاسلامية والقومية وتقويها.
ممثلوا السلطة ومؤيدوا الانتخابات، ومن ضمنهم أولئك الذين انجروا وراء قوى النظام من داخل الانتفاضة، يريدون تشويه المسائل واعتبار الانتخابات وارسال الممثلين الى برلمان الدولة البرجوازية والنظام الاسلامي والقومي كعملية التغيير البطئ لهذا النظام لمصلحة الجماهير المعدمة والمعترضة والمنهكة. ويدعون بان هذا هو الطريق الوحيد للتغيير، في حين انه وسيلة لتقوية نفس النظام حتى وان نجم عنه ازدياد ملحوظ في اعداد مقاعد البرلمان للاشخاص ذوي البرامج الاصلاحية.
كما هو واضح، حين تتحدث القوى البرجوازية في الداخل والخارج عن الاصلاح في السلطة وتقليل الفساد وماشاكل، هم في الاساس يقصدون الاصلاح في مؤسسات النظام والدولة، وذلك من اجل ترسيخ اركان الراسمالية النيوليبرالية والخصخصة والحاق النظام البرجوازي في العراق بمجمل حركة وتراكم الراسمال العالمي، وفي نفس السياق، من اجل تقليل نفوذ وسلطة اجنحة هذه الدولة والقوى الاقليمية والامبريالية او تلك ، وتحقيق هذه الاستراتيجية البرجوازية او تلك.
وكذلك يريدون ربط تحقيق "العيش الرغيد"! للمواطنين وتقليل البطالة وتوفير الخدمات بالنمو الاقتصادي للراسمالية النيوليبرالية وتراكم الراسمال الخاص. هذا بالرغم من ان كل اصلاحاتهم السياسية تدور في حلقة تعزيز هذه القوة القومية والطائفية او تلك، ام أو تحويل الفساد من هذه الجهة الى تلك، من دون المساس باسس نظام المحاصصة الطائفية والقومية والفساد. وعلى نفس المنوال، ترسيخ التقسيم الطائفي والقومي والمزيد من سلب الهوية الانسانية للمواطنين وحقوق مواطنتهم المتساوية.
ولهذا فان احاديثهم حول الاصلاح وانهاء الفساد، وتحريض الجماهير للمشاركة في الانتخابات والبرلمان هي لتحقيق هذه الاهداف وبغرض ترسيخ النظام وتقويته وليس تغيير النظام وتحقيق التغيير لمصلحة الجماهير. وان وسيلتهم لذلك هو البرلمان والانتخابات وان المقاطعة هو افشال لمخططهم هذا .
كما هو واضح، فالبرجوازية ومؤيديها هم من يطرحون الانتخابات فقط وليس لهم بديل اخر يذكر، في حين يدعون بان معسكر المقاطعة ليس لديهم بديل وبان المقاطعة هي عبثية وعدم اكتراث بعالم السياسة والتغيير السياسي. وهذا مثله مثل كل المفاهيم البرجوازية الاخرى السائدة التي تدعي بان الراسمال والراسمالية نظام ازلي ولايوجد اي بديل اشتراكي لهذا النظام ويجعلونه الفكرة السائدة في المجتمع.
ان المقاطعة في الظرف الثوري الحالي في العراق هي سياسة واقعية وملموسة وليست عبثية او عدم الاكتراث بالسياسة. على العكس، فان المشاركة في الانتخابات والبرلمان هي نثر الوهم بالبرجوازية ونشر سياسة العبث وعدم الجدوى للبروليتاريا في اوساطها، وهي التخلي عن المهام العاجلة لهذه المرحلة من النضال السياسي البروليتاري الاشتراكي والجماهير المنتفضة.


المقاطعة والمهام
إن مقاطعة الانتخابات مفهوم وواقع اجتماعي وسياسي ويختلف عن منع إجراء الانتخابات. ولا يمكن الرد على الانتخابات والبرلمان بشكل ميكانيكي وبمهاجمة صناديق الاقتراع ومنع الناس من المشاركة في الانتخابات. قد تحدث هذه الأنواع من الأعمال في حالة اشتداد الصراع السياسي والطبقي في المجتمع وأثناء تطور الثورة والحركة الثورية، ولكن هذا لا يمكن أن يكون الاستراتيجية والنقطة المحورية لصياغة السياسة والتكتيك المشخص الثوري إزاء الانتخابات الحالية. هذا عدا كونه انحرافا عن المبدأ الذي يجب تطبيقه وهو أنه لا ينبغي أن يمنع أي شخص من ممارسة حقه في المشاركة في الانتخابات والتصويت أو المقاطعة.
ما يجب على الشيوعيين والثوار القيام به عمليا هو نشر الوعي السياسي وتوحيد صفوف النضال خارج البرلمان والانتخابات حول أفق وأجندة سياسية تجسد مصالح النضال الطبقي للعمال والفقراء والمعطلين عن العمل والنساء العاملات والمضطهدات، وتعزز هذه القوة الطبقية وتضمن استقلالها السياسي.
يبدو أن المسألة تشمل جوانب مختلفة، ولكن ما هو مهم أخذه بنظر الاعتبار، هو التعامل مع المقاطعة بوصفها شكل آخر من أشكال النهوض السياسي الجماهيري والانتفاضة. إن لوائح حملات الكتل والأحزاب وبرامجها الانتخابية تعطي الكثير من المواد للشيوعيين والثوريين كي يفضحوا المحتوى الطبقي البرجوازي لهذه البرامج ومناهضتها للجماهير، وتعطيهم الفرصة كي يضعوا رجعية الإسلام السياسي والحركة القومية والطائفية وعدائهم المطلق لجماهير المحرومين والكادحين، موضعا لانتقادات اشتراكية وبروليتارية حادة بغرض إقناع قطاعات أوسع من الناس بطريقة العمل الثوري والاشتراكي والمقاطعة.
تنظيم ندوات ولقاءات عامة ومناقشة مسائل ومشاكل الثورة والانتفاضة وأهدافها ومطالبها وطريقة إنهاء الوضع الكارثي الحالي وتوحيد صفوف البروليتاريا هي من القضايا الأصلية والرئيسية أمام أي ثوري وشيوعي الآن. لذلك، يمكن القيام بحملات المقاطعة، سواء في الأحياء أو الساحات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات الاتصال الحديثة وعلى نطاق واسع، حول هذه المشاكل والقضايا.
ثمة مسألة أخرى وهي أن البرجوازية تمكنت من جعل الانتخابات والبرلمان شكلا وآلية لإعادة إنتاج النظام السياسي في المجتمع وجعلها قضية عامة لجميع السكان. في هذه الحالة، من الواضح أن الانتخابات تشمل مباشرة الصف العريض للبرجوازية الصغيرة في المدينة والريف. إن موقف هذه الطبقة والشرائح المحيطة بها، في مواجهة التحولات الثورية والسياسية، نصفي ومتزعزع حيث تصبوا الى الإصلاح البرجوازي من خلال البرلمان والانتخابات. لكن الشرائح الدنيا من هذه الطبقة التي تنحدر باستمرار نحو البروليتاريا، من حيث حياتها وموقعها الاجتماعي، تحت ضغط رأس المال والنظام السياسي، راديكالية وتشارك حتى في الانتفاضة والحراكات السياسية لجماهير المعدمين.

ان نموذج العمل السياسي للفئة العليا من البرجوازية الصغيرة في تجربة اقليم كوردستان واضح للعيان. ان الاتجاه والبرنامج الاصلاحي للبرجوازية القومية في كوردستان الذي تجسد في حركة "گۆڕان" (التغيير)، اصبح مركزا لتجمع البرجوازية الصغيرة وحتى البرجوازية الوسطى في مدن كوردستان وجر ورائه فئات واسعة من المثقفين القوميين، فازدادت مقاعدهم في برلمان كوردستان. اليوم، فشلت هذه التجربة وذهبت امالها واهدافها في مهب الريح ولكن هذه الشريحة من البرجوازية الصغيرة لم تتجه نحو الطبقة العاملة والمعدمين.
على كل حال، فالبرجوازية الصغيرة في عموم العراق لها تاثير على المسار السياسي باشكال مختلفة سواء في هذه الانتخابات ام في جبهة الانتفاضة. ان تردد ومشكوكية هذه الشرائح حول المقاطعة يمكنها ان تحسم لصالح البروليتاريا حين تتمكن البروليتاريا والجبهة الثورية للمقاطعة من ان تعمم تاثيراتها على صعيد المجتمع.
ولهذا فان التركيز الاصلي في المقاطعة يجب ان يكون على تنظيم القوة السياسية للطبقة العاملة والكادحين والفئات المحيطة بها والصفوف المليونية للمعطلين عن العمل من كلا الجنسين، والشبيبة الثورية والمعدمين. وان ذلك لا يتم الا بتنظيم هذه الفئات على اساس مصالحها الطبقية.
ان تحقيق التغيير الثوري في العراق اليوم وانتصار انتفاضة الجماهير الكادحة مرتبط اكثر من اي وقت مضى بتغيير توازن القوى الطبقية لمصلحة البروليتاريا والفئات المعدمة. المشكلة الرئيسية هي ان البروليتاريا لازالت لا تمتلك حزبا شيوعيا اجتماعيا واسعا وهي تعيش لحظات بناء هذا الحزب، وفي نفس الوقت فهي أمام وظائف ومهام متعددة الجوانب أتى بها تقدم النضال والصراع الطبقي ضد البرجوازية.
اليوم، و بمعزل عن كل هذه الضوضاء للبرجوازية والبرجوازية الصغيرة ومثقفيها ضد التحزب الاشتراكي البروليتاري، فان الطبقة العاملة والمعدمون والكادحون بحاجة الى حزبهم الاشتراكي لكي يتمكنوا من قيادة التغيير الثوري في المجتمع. ان العمود الفقري لجبهة المقاطعة هي هذه القوة البروليتارية التي ليست لها اية مصلحة في بقاء هذه الاوضاع، وان فاعلية المقاطعة والحملة السياسية للمقاطعة تكمن في تنظيم المزيد من الصفوف الواسعة لهذه الطبقة حول السياسة والبرنامج الثوري الاشتراكي وارساء اعمدة هذا الحزب الاجتماعي التحرري كي تتمكن من المضي نحو انتصار الثورة الاجتماعية للعمال وتحقيق الاشتراكية.
5.7.2021