تونس: قيس سعيد يقود انقلاب أحد شقوق منظومة الانتقال الديمقراطي الفاسدة


بشير الحامدي
2021 / 8 / 2 - 20:48     

قد يخدعنا الواقع كثيرا خصوصا حينما يتحرك المشهد العام قليلا ولكن أن يبلغ العطب فينا حدّ اعتبار هذه الحركة مشهد عالم آخر يولد فذلك هو العطب ذاته.
لنتكلم بالوضوح التام. ماذا نعني بـ " قد يخدعنا الواقع كثير خصوصا حينما يتحرك المشهد العام قليلا "؟
المشهد العام في تونس متحرك منذ 1919 أي منذ وصل قيس سعيد لكرسي قرطاج والكل يعرف أن حركة النهضة تراكم للخروج من المشهد العام كأحد أبرز محركيه عبر فشلها التام في إدارة الأزمة التي انتهى إليها الانتقال الديمقراطي.
لا نعني بأزمة الانتقال الديمقراطي أزمة قواه السياسية فذلك مجرد مظهر خارجي وإنما نعني أزمة الطبقة البرجوازية التونسية التي استمرت شقوقها متصارعة منذ 2011.
الطبقة البرجوازية التونسية التي تمكنت من الانقلاب على مسار 17 ديسمبر ووضعت كل رهاناتها على حركة النهضة في البداية وعادت سنة 2014 لتحجّم هذا الدور وتوجد لها شريكا ثان في الحكم ولكن أزمتها كانت أبعد من أن تتجاوزها عبر توافق شقيها لأنها لا تملك مفاتيح حلّها حيث أن هذه البرجوازية كانت هي المشكل الذي يقف في وجه كل إمكانية حل ومؤشرات هذا العجز كانت ظاهرة لكل العيان بما في ذلك الشركاء الدوليين والمحليين.
أجريت انتخابات 2019 في ظل هذا الواقع: فشل كامل مهدد بانهيار مشروع الانتقال الديمقراطي وعجز كامل لأنصار مشروع التغيير الجذري أو لنقل لأنصار 17 ديسمبر على مختلف مشاربهم ومنظومة بأكملها في غرفة الإنعاش وواقع متعفن على كل المستويات ولا جديد تحت الشمس وأقصى ما وقع هو مقاطعة واسعة لهذه الانتخابات مقاطعة سلبية بلا رؤية ولا مشروع مكتفية بسلبيتها وانسحابها من المشهد السياسي عاجزة عن التوحد على مهمة واحدة على الأقل تنقلها من واقع السلبية إلى واقع التأثير الفعلي في الأحداث.
في هذا الوضع أنتخب قيس سعيد لكرسي قرطاج بالصلاحيات المحدودة التي نعرف والتي نصّ عليها دستور 2014 وبأصوات 72.7 بالمئة من أصل 55 بالمئة من الذين أدلو بأصواتهم.
جاء قيس سعيد لقصر قرطاج بأدوات الانقلاب على 17 ديسمبر وبفكرة تغيير النظام من داخله وهي فكرة لاقت رواجا كبيرا من قبل أنصاره وكثير من الشباب الذين أجهضت أحلامهم المنظومة التي ورثت نظام بن علي وعلى رأس حربتها حزب حركة النهضة وبرلمان 2019 الذي وفد إليه جنبا إلى جنب مع قيس سعيد وافدون جدد آخرون أيضا ممثلين في حركة ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس وحزب عبير موسى ورهط آخر من الفاسدين الذي تسللوا له عبر البوابات الحزبية وبعض القائمات المستقلة.
النهضة تضررت كثيرا في العامين الفارطين. تضررت لا من قبل قيس سعيد ولا من غيره من المكونات الحزبية التي تقول عن نفسها تعارضها بل تضررت من سياسة حزب عبير موسى التي كان مجهودها كله منصب على تخويف الشق الداعم للخوانجية من البرجوازية التونسية ودعوته لوقف هذا الدعم وبالتالي الانضمام إليها فالبرجوازية التونسية اليوم في أشد الحاجة لأن تكون موحدة الصفوف وعلى موقف واحد وضد حركة النهضة.
كان كل هذا يؤشر لبداية تصدع كبير سيشهده الجسم السياسي لحركة النهضة ... وتنوعت المواقف بصدد هذه المسألة وهناك حتى من كان يدعو لتسلم الجيش مقاليد السلطة والحسم في الوضع الذي انتهت إليه سياسات حركة النهضة وتحول مطلب حل البرلمان ومحاسبة حركة النهضة لمطلب شعبي لا حامل سياسي له وهنا بالتحديد سيظهر قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 ومن داخل منظومة الحكم ليقوم بكل هذا بتفعيل الفصل 80 من الدستور.
ودون الإغراق في الجدل المتعلق بطبيعة ما قام به قيس سعيد هل هو انقلاب أو تصحيح لمسار أو هو مجرد تفعيل فصل من فصول الدستور باسم كرسي قرطاج وتجاوزا لمثل هذا النقاش القانوني التقني الذي لا يفيد كثيرا تعال ننظر للإجراءات التي قام بها وكيف جاءت وإلى ماذا يمكن أن تؤدي على المدى المباشر وعلى المدى المتوسط.
نخطئ كثيرا عندما نماثل بين إجراءات قيس سعيد وانقلاب 1987 الذي قام به الديكتاتور بن علي ولكننا لا نجاوب الصواب حينما نقول أن قيس سعيد قام بانقلاب في الانقلاب أي انقلب على المنقلبين من داخل منظومتهم وبالدستور الذي وضعوه ووجد في الأوضاع التي انتهت إليها منظومة الحكم المناسبة لتنفيذ مشروع "تغيير"ها من داخلها وباستعمال أجهزتها المسلحة الجيش ووزارة الداخلية والقضاء الذي نصب نفسه في رئاسته. لذلك قلنا ومن يوم 25 جويلية أن ما يجري ليس إلا ذلك التحريك للأوضاع في المشهد العام الذي يمكن أن يخدعنا في ظل غياب كامل لمشروع للمقاومة جذري مؤسس على مهمة ترحيل المنظومة كاملة لا على تفعيل آليه من آليات دستورها وبأجهزتها التي تحرسها مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي وتنظيمي يعبئ الأغلبية من معطلين وخدامة وشباب ومزارعين وفلاحين فقراء وربات البيوت على مهام السيادة على القرار وعلى ثروات البلاد مشروع تنخرط فيه الأغلبية في ممارسة السياسة لصالحها هي كأغلبية وتخوض صراعها لصالحها ضد المنظومة التي ورثت نظام بن علي وواصلت فيه دون بن علي.
القول بان قيس سعيد أنجز ما لم تقدر الحركة على إنجازه طيلة العشر سنوات الأخيرة قول خاطئ تماما فالحركة طوال العشر سنوات الأخيرة أشرت كل تحركاتها ومطالبها من الاعتصامات لجمنة لتطاوين لأولاد جاب الله للاحتجاجات جانفي فيفري 2021 إلى ضرورة زوال المنظومة ككل الانتقال الديمقراطي وكل قواه السياسية ككل وليس لتفعيل الفصل 80 من الدستور واستفراد رئيس الجمهورية بكل السلط.

ين تقع المعركة الحقيقية بالنسبة للأغلبية وضد من يقع خوضها وعلى أية مهام تحديدا؟

أين تقع المعركة الحقيقة للأغلبية؟
ماهي أدواتها؟
ما هو مشروعها؟
هذه هي الأسئلة التي يجب أن نطرحها ونتقدم في الإجابة عليها لتتوضّح أمام الأغلبية الرؤية فقيس سعيد يتحرك اليوم من داخل المنظومة وواقع تحت تأثير شق منها ولا يمكن له أن يخرج عن أهدافه التي يمكن أن نكثفها في: برجوازية محلية تشاركها قوى أجنبية لها مصالح في تونس تبحث بكل الطرق عن وقف الصراع بين ممثليها الأبرز في الساحة وفرض ذلك ولو بسطوة السلاح للاستمرار هذه المصالح ولقطع الطريق ووقف عملية تراكم تجذر شعبي قد يهدد بقلب الأمور جميعا لو يترك له المجال لاستكمال تجذره واستقلاله عن قوى الانتقال الديمقراطي.
مطالب الحركة الاجتماعية اليوم لم تعد كما كانت سنة 2011 لقد حدث تطور في الأشكال وفي المحتويات والمطالب وهذا ما يراهن على اجتثاثه شقا البرجوازية المحلية وشركائها العالميين وإجراءات قيس سعيد وحرف الصراع من صراع ضد المنظومة ككل إلى صراع ضد شق منها يتنزل في هذا الباب لأن قيس سعيد قد يقلم أضافر النهضة وقد يرفع شعار مكافحة الفساد ولكنه لن يقدر لا على قبر النهضة ولا على تخليص المجتمع من منظومة الفساد أولا لأنه واقع تحت كلاكل جزء من هذه المنظومة ويتحرك داخلها وبأجهزتها وثانيا لأنه متشبث بمواصلة ديمقراطية الانتقال الديمقراطي ولكن بنظام سياسي رئاسوي وبتغيير لقوانين الانتخابات لن يقدرا في مطلق الأحوال على محو حركة النهضة بل سيجعلا منها ذلك الحزب "المعتدل الذي يرى الأشياء بعيون الرئيس لا أكثر.
نقول هذا لأننا ننطلق من رؤية أخرى للسياسة وللتغيير الجذري ومن تقييم مختلف عن تقييم قيس سعيد وأنصاره لما يجب فعله في مواجهة منظومة الفساد التي عمرت عشر سنوات. تقييم قائم على نظرة من خارج السيستام ومناهضة له فقيس سعيد لن يتقدم ولو قيد أنملة في معالجة المسائل التي نعتبرها مصيرية في فلسفة حقوق الأغلبية من منظورنا فيما يخص المسألة الاجتماعية الاقتصادية.
قيس سعيد لن يقترب لا من بعيد ولا من قريب مسألة المديونية ومن مسالة السيادة على ثروات البلاد ومن مسالة تشغيل العاطلين عن العمل ومن مسألة السيادة على القرار إن حدوده ستبقى مجرد ترقيعات من داخل المنظومة ولن تتجاوز تقليم أضافر النهضة و إثارة الغبار حول مسألة الفساد والفاسدين وتغيير النظام السياسي والانتخابي و"صلي وأرفع صباطك" كما قلت سابقا بالعامية التونسية.
نعم نحن نؤمن بالثورة ولا نقف عند الإصلاحات.
نعم نحن نؤمن بأن 17 ديسمبر جديد سيظهر ويعود مهما حاولت المنظومة تفتيته وصرف نظر أصحابه عنه سواء بالوفاق بين شقوقها أو بانقلاب شق من هذه الشقوق على الشق الآخر مثلما يحدث الآن.
خطوة كهذه من المؤكد أن عجز الانقلاب على الانقلاب في مواجهة المسالة الاقتصادية الاجتماعية سيسرعها فالحركة الاجتماعية الجذرية لن تستمر طويلا على حالتها الجنينية أنظروا لمآلات ما حدث في أروبا الشرقية وما انتهت إليه الـ glasnost وما انتهت إليه كل تجارب ترميم الأنظمة.
صحيح أن الحركة المقاومة مترددة ودون مشروع واضح للتغيير الجذري يلف حوله الأغلبية ولكن ترددها وغياب مشروعها هذا سينتهي بها وعبر فاعليها على تنوع منطلقاتهم ومواقعهم الطبقية ومناطقهم إلى وعي ضعفها واستخلاص النتائج من تجاربها الملموسة ومما يحدث في علاقة بالصراع بين شقوق المنظومة والانخراط في السياسة لمصلحتها هي المتناقضة مع سياسات السيستام وبقدرتها هي عبر انتظاماتها هي المستقلة وتوحدها على تحقيق مطالبها...
المقاومة اليوم في حاجة لمشروع للمقاومة موحد في وجه كل المنقلبين على 17 ديسمبر في حاجة اليوم ليعلن الفاعلون فيها هذا المشروع وينجزه كل الذين يلتقون على مهمة إسقاط منظومة الانتقال الديمقراطي: مجموعات شخصيات أحزاب جمعيات يتوج بإعلان المقاومة الشعبية في كل القطاعات وفي كل المجالات مقاومة ينخرط القائمون بها في جهاتهم وحيث هم لتنظيم التحركات والدفاع الذاتي وفرض السيادة على القرار والسيادة على الثروة والموارد وليس تغيير النظام السياسي و القوانين الانتخابية. ليس المطلوب أن ينتظم الآلاف في البداية فمجموعات صغيرة في كل قطاع وفي كل بلدة وفي كل مدينة وفي كل جهة في البداية تكون كافية للتأسيس لهكذا مشروع.
خطوة كهذه وفي هذه الظروف أفضل من ألف برنامج ومن ألف مبادرة ووحدها كفيلة بالعودة بالأغلبية إلى مربع المقاومة وفرض الحقوق وكشف حدود المنقلبين علي مصالحها بقطبيهما.

02 جويلية 2021