المعذّبون في الأرض


حسن مدن
2021 / 8 / 1 - 14:18     

ولد المفكر والطبيب النفساني الشهير فرانز فانون في جزر المارتنيك في عام 1925 وتوفي في عام 1961 عن ستة وثلاثين عاماً فقط، بسبب إصابته بسرطان الدم، ودفن في مقبرة «مقاتلي الحرية الجزائريين»، كان فانون قد ابتعث للعمل كطبيب في مدينة بليدة بالجزائر بعد أن أنهى دراسته للطب النفسي في مدينة ليون بفرنسا، ولكنه بعد حين استقال من عمله وانخرط في العمل مع ثوار الجزائر.
على الرغم من عمره القصير وضع فانون عدداً من الكتب المهمة، من أهمها «بشرة سوداء وأقنعة بيضاء»، وكتاب «معذبو الأرض»، كما ترجم العنوان إلى العربية من قبل الدكتورين سامي الدروبي وجمال الأتاسي، اللذين فضّلا عبارة «معذبو الأرض» على «ملعونو الأرض» التي قد تكون أقرب إلى ما رآه فانون.
لكن ليس هذا هو الكتاب الوحيد المتاح في اللغة العربية بهذا العنوان، فهناك كتاب آخر يحمل عنواناً قريباً منه جداً، ويحمل نفس المعنى، ذلكم هو كتاب طه حسين: «المعذبون في الأرض».
ولد طه حسين في عام 1889؛ أي قبل ولادة فانون بأكثر من ثلاثين عاماً، وتوفي في عام 1973؛ أي بعد وفاة فانون بقرابة عشر سنوات، كما أنه ألف كتابه «المعذبون في الأرض» في نهاية أربعينات القرن العشرين، واليقين أن فانون لم يطلع على هذا الكتاب، فهو موضوع بالعربية، ولا نحسب أنه ترجم إلى الفرنسية، لغة فانون، ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإننا لم نعثر على ما يشير إلى أن العميد قرأ شيئاً من كتب فانون (وقد نكون في ذلك مخطئين)، والثابت أن تشابه عنواني كتابيهما جرى على سبيل المصادفة، أو ما يقال عنه توارد الخواطر.
إلى حدود بعيدة، يمكن القول إن طه حسين وفانون من مدرستين فكريتين مختلفتين، ومصادر تكوينهما الفكري، هي كذلك مختلفة، وإن كان هناك من مفكر عربي تأثر بفرانز فانون، بشكل عميق، فهو إدوارد سعيد، الذي أشار غير ما مرة إلى تأثره بكتابات الأول، تماماً كما تأثر بأنطونيو جرامشي، ورأى باحثون عرب أن المشروع الفكري لسعيد، هو في أحد جوانبه، استمرار وتطوير واستكمال لمشروع فرانز فانون.
مع ذلك من يقرأ الكتابين اللذين حملا العنوان نفسه، لطه حسين، وفانون، سيعثر على مشتركات في محتواهما، ويدلل على ذلك ما كتبه الباحث المصري الدكتور محمد الشحّات، الذي لم يقف فقط عند تشابه العنوانين اللذين عليهما يصحّ القول: «وقع الحافر على الحافر»، وإنما أشار أيضاً إلى أن مفردات العدل والحرية ورفض الظلم وغيرها من مفردات تحمل الجوهر نفسه، تجمع بين الكتابين.