لا قيس سعيد و لا راشد الغنوشي


مازن كم الماز
2021 / 7 / 31 - 09:06     

كانت أحد أسوأ مفاجآت الانقلاب "الناعم" لقيس سعيد و أخطرها هو الإطاحة بمظلومية الإسلاميين و بنسختهم المعربة من الديمقراطية الغربية البورجوازية ، بدلًا من المظاهرات المليونية التي توقعها الغنوشي "دفاعًا عن حصته في السلطة" أي "دفاعًا عن الديمقراطية"على غرار ما جرى في تركيا بعد الانقلاب على أردوغان فوجئ الجميع بلا مبالاة طاغية في الشارع تجاه هذا الصراع بين أجنحة السلطة ، بعد سنوات طويلة على محاولة "تعريب" الديمقراطية الغربية - البورجوازية على يد الإسلاميين و أصدقائهم بعد "تنقيتها" من كل ما لا "يتناسب" مع "قيمنا" أي قيم الإسلاميين و شروط إنتاج هيمنتهم ، من حرية التعبير و التفكير إلى امتلاك الناس لعقولهم و أجسادهم و غير ذلك من الحريات الفردية التي لا تتوافق مع "قيمنا" أو مع هيمنة الفكر الأصولي الشمولي يمينيًا كان أم يساريًا ، بعد عقود على محاولة دمج نسخة إسلامية معدلة بشدة أو مسخ مشوه من الديمقراطية الغربية البورجوازية بايديولوجية الإسلاميين الأصلية الأصولية لإنتاج ايديولوجيا سائدة بديلة عن إيديولوجيات الأنظمة القائمة المتداعية ، تبين أن هذه النسخة المعربة و الإسلامية من الديمقراطية البورجوازية الغربية لا تكفي لإقناع الشارع بالاستكانة و الاستسلام للسادة الجدد … بينما يصر الإسلاميون و أصدقاؤهم على الشعوب بأن تكون في غاية السعادة بانتخاب من يحكمها و يسرقها كل عدة سنوات و يصمون "بالشعبوية" كل من ينتقد فسادهم و عجزهم عن حل أية مشكلة تخص "الجماهير" و تطنيشهم لهموم من ينتخبوهم بينما يعملون بجد و اجتهاد على استبدال "الجماهير" التي غازلوها لسنوات طويلة ب"جماهيرهم" , بقاعدة اجتماعية جديدة تشبه تمامًا تلك القاعدة الاجتماعية التي كانت تستند إليها الأنظمة القديمة ، قاعدة تشارك رأس الهرم الجديد نهبه و فساده و هراءه الايديولوجي … كان عليك يا سيدي أن تعرف أنك عندما تنتقد الأنظمة القائمة لعقود ليس فقط لعجزها و فشلها في حل مشاكل الناس الذين في الأسفل و لا مبالاتها تجاه أوجاعهم و مصائبهم بل مسؤوليتها و تسببها بهذه الأوجاع و الأزمات مؤكدًا للفقراء أن مشاكلهم و أزماتهم قابلة للحل و أنها ستختفي بمجرد سقوط تلك الأنظمة ، كان يفترض بك بعد كل ذلك أن تجد حلولًا لمشاكل هؤلاء الناس عندما تصبح في السلطة لا أن تستحلفهم بالله و بديمقراطيتك المفصلة على مقاسك ، بصناديق الانتخاب و بهوية الأمة ، أن يصبروا على ما ابتلاهم به ربك و ابتليتهم به أنت و سلطتك و أعوانك ، أنك عندما تنتقد الإمبريالية و الاستعمار و النيوليبرالية و ما بعد الحداثة لأنها لا تكترث لحياة و صحة و رخاء الشعوب الفقيرة بل تفاقمها باستغلالها و إفقارها أيضًا ، يفترض هذا أن هذه الشعوب ستعيش على نحو أفضل عندما تتسلم حضرتك الحكم و تقضي على الكولونيالية و ما بعدها و الاستشراق و الحداثة و ما بعدهما ، أي على كل أسباب مصائب شعوبنا ، عندها و مع وصولك إلى الحكم يجب أن تختفي كل تلك المصائب … يفترض أن يعيش الأفغان بعد رحيل الأميركان حياة أفضل بما لا يقاس مما عاشوه في ظل الكولونيالية و ما بعدها و ما بعد الحداثة ، يفترض أن يصح هذا أيضًا على الشعب الكوري الشمالي العظيم و على شعبك غدًا بعد أن تحكمه حضرتك …… و حسب نظرية الصفر الاستعماري التي أؤيدها جدًا بالمناسبة ، فإن إسقاط الناتو لديكتاتورية القذافي قد عاد بالمجتمع الليبي لنقطة الصفر التي على الليبيين التعامل معها الآن ، لا يمكن للإمبريالية أن تفعل أكثر من اسقاط ديكتاتورية القذافي و شراء النفط الليبي و الصمت عن تعذيب و استعباد الأفارقة و عن جرائم الميليشيات و من استجلبتهم من مرتزقة تجاه بعضها البعض و تجاه الليبيين ، نقطة الصفر التي سيعيشها الأفغان تحت سلطة طالبان التي لا تؤمن لا بما بعد الحداثة و لا بالحداثة قدر ما تؤمن بما تسمونه هوية الأمة و التي يعيشها الايرانيون تحت حكم الملالي و الرفاق و الأشقاء الكوريين الشماليون بعيدًا عن مخالب و أنياب النيوليبرالية و النيو كولونيالية …… إن قيس سعيد يمارس نفس خدعة الإسلاميين القديمة ضدهم ، إنه يعد التوانسة بما لا يستطيع و بما لا يريد ، تمامًا بما وعدهم به الغنوشي من قبل ، قبل أن يتراجع و يسحب كل وعوده السابقة التي تتعلق بحياة التوانسة العاديين …… لا قيس سعيد و لا الغنوشي ، كلاهما لا يريدان و لا يكترثان بالناس ، بالتوانسة العاديين أكثر من أن يحكموهم على اختلاف مبرراتهم لذلك دون أن يعني ذلك أكثر من ذلك ، أما حياة التوانسة و موتهم و طعامهم أو جوعهم فهو مسؤولية كل تونسي ، كل تونسي كما "يشتهي و يستطيع" أما أجسادهم و عقولهم ، ما يؤمنون به , كيف يحبون و يكرهون ، كيف يعيشون و كيف ينامون ، ما يقولونه و ما يفكرون به، ما يفعلونه في غرف نومهم و كيف يسيرون في الشوارع و كيف يغازلون و ماذا يعملون و كيف يعملون و مقابل كم و ماذا ، كيف يحكمون ، كيف يحاكمون و كيف يسجنون ، هذا كله ، هو مسؤولية السلطان ، أكان اسمه قيس سعيد أو راشد الغنوشي