من ذكريات حرب الاحتلال 2003


كريم الزكي
2021 / 7 / 31 - 19:33     

من ذكريات حرب الاحتلال نيسان 2003

المكان مقتربات الخط السريع بين حي العدل وحي الجامعة غرب بغداد , وسمي في وقتها بمثلث الموت ولقطات أخرى من جانب الصرافة والكرخ في بغداد ومحافظة الموصل..

قبل الخامس من نيسان تم نصب مدفعية مقاومة طائرات في الساحة أو الغابة بين الخط السريع والدور السكنية ومن ضمنها البيت الذي أسكن فيه مع بقية البيوت العشرة في شارعنا . كان هناك كلام في المنطقة من قبل الجيران أن يقاوموا الاحتلال...! ولكن في واقع الحال ترك الناس بيوتهم خوفاَ من القصف وقذائف طائرات الأباتشي ..

يوم السادس كانت الطائرات الأمريكية وتسمى صائدة الدبابات تطير محلقة فوق منطقتنا لوجود بطرية مقاومة الطائرات مقابل بيوتنا , ومدفعيتنا العتيدة كانت ترمي على الطائرات بدون فائدة لأن مدى رمي مدفع المقاوم للطائرات أقل بكثير من أرتفاع الطائرات الأمريكية , كان يسكن خلف بيتي عسكري متقاعد .... قال لي أن مدفعيتنا المقاومة للطائرات لا تشكل أي خطر على الطائرات الأمريكية كونها لاتصل الى المدى المطلوب لإصابة الطائرات فلذلك الطيارين الأمريكان كانوا يقفون محلقين بطائراتهم فوقنا ,, ويمكن يضحكون علينا , لأننا لا نصيبهم ,
يوم 7 نيسان بعد الظهر عصراً سيارة بيكب تيوتا تقف أمام بيتي ومحملة بالأسلحة وكان ركابها من مختلف الرتب العسكرية, خرجت عليهم مسرعاً من الدار واستقبلتهم وكنت أتصور أنهم سينصبون معسكراً لهم في الساحة المقابلة لبيتي , فأحدهم قالي لي بعد السلام والترحاب بهم , الله يخليك أخي أرجوا مساعدتنا على التخلص من هذه الأسلحة والسيارة أن تضعها عندك في كراج البيت , لحين ما تنفرج الأمور , أو بالأحرى , لن نعود ثانية وأنت حر في كل هذه الأسلحة والسيارة , وأن تجلب لنا شفرة (موس) حلاقة كي نتخلص من الشارات الخاصة (مثلث أحمر يرمز للحرس الجمهوري),, لم أناقشهم في قراراتهم بالنسبة لنزع الشارة الخاصة, وبسرعة ساعدتهم في ذلك بعد جلبي لكل واحد شفرة حلاقة , أما الأسلحة والسيارة فقلت لهم أنه سلاحكم والسيارة كذلك وهي نوع مدني تيوتا , وإذا احتجتم سأعطيكم كمية من البنزين كي تصلون فيها الى بيوتكم المهم أن لا تتركوا السلاح أبداً لأنه فيه خلاصكم ويمكن أن تصلون الى بيوتكم بسلام , بعد أن فهمت منهم أن قوات الجيش العراقية في مطار أبو غريب قد تم إبادتها مع الأسف بفضل تفوق القوات الغازية بالسلاح والتكنولوجيا والأسلحة الكيميائية , وقمت بواجب الضيافة والى أن حل الظلام في المنطقة بينت لهم الطريق الذي يسلكوه خوفاً من المفاجاءات في الطريق الرئيسي , , وذهبوا مع سيارتهم وكل أسلحتهم عائدين الى الديار ,, كانت هذه اللحظات من أشدها وقعاً على نفسي وعلى عائلتي , حيث كنت مصراً على أن لا أغادر البيت مهما كلف الحال , في حين جميع الجيران قد تركوا بيوتهم وغادروها حفاظا على سلامتهم ,,

أنا والعائلة اتفقنا على البقاء في بيتنا , مع كل عائلتي بعد التجربة المرة في حرب 1991 التي مرت علينا في ما يسمى حرب تحرير الكويت ..

يوم 8 نيسان . بعد سيطرة الطائرات الأمريكية في سماء منطقتنا وعموم العراق , حيث كانت طائرات المحتلين بدخانها ترسم أسم المجرم بوش في سماء منطقتنا ,, وأقصد حي الجامعة غرب بغداد .

أما بطرية مقاومة الطائرات التي أمامنا فكان جنودها يختبئون تحت ظلال أشجار الغابة أمام بيتنا , حين تقوم الطائرات الأمريكية بضربهم بصواريخها ,, وأخيرا أستدرك جنود المدفعية بأنه لا جدوى من مقاومتهم الفاشلة للطائرات فالكثير منهم ترك المكان راجعاً الى بيته ؟ مصيبة وكارثة حلت على الجيش والبلد !!!!

بعد هذه المصائب المتتالية والتي حلت فوق رؤوسنا من قذائف الأباتشي ورصاصها على بيوتنا , حيث تعرضت جميع المنازل في شارعنا بما فيها بيتي حيث نقشت واجهة البيت بالرصاص و القذائف وقسم من الدور تهدم وأحترق , ولم يبقى أحد من القوات العسكرية بقى فقط المقاومين من الفدائيين العرب وهم الجهة الوحيدة التي صمدت في المقاومة , مستغلة بيوتنا والسكان المدنيين كدرع واقي لهم , أما الجانب الأمريكي فلم يبالي كون البيوت سكنية ويسكنها مدنيين !

بعد انسحاب القوات العسكرية العراقية من المنطقة بقى فقط بعض الجنود في الشارع الرئيسي , كانوا في بيت مجاور قريب جداً من بيتي تطل واجهته على الشارع الرئيسي ومطل على الغابة ومحطة التحويل الكهربائية الرئيسية مقابل بيتنا , في ذلك اليوم حاولت الاستفهام منهم . حل الليل وقمت بمساعدتهم ببعض الطعام وكنت أعرف أنهم لم يتلقوا أي طعام في ذلك اليوم , فكانوا جداً فرحين ورحبوا بي كثيراً وهم مجموعة من الشباب بعمر الورود وقالوا لي عمنا, سنقوم بالذهاب معك كي نعرف بيتك وإذا لزم الأمر نقوم بمساعدتك لأنه نعرف أن المنطقة غادر سكانها جميعاً , فقلت لا أن جاري موجود ونحن أيضاً مسلحين , ونستطيع تأمين بيوتنا فشكراً لكم , المهم قالوا لي عمو الأمور تقريباً انتهت وعليك أن تعلم حتى القيادة لم تتصل بنا واحتمال سنترك المكان ونغادر الى بيوتنا , كانت الأمور تجري بشكل تراجيدي مذهل وكأنه ليس هناك سوى الانهيارات , وعلى كافة الصعد العسكرية والمدنية حتى الناس وعموم الشعب العراقي لم يفكروا سوى بالهروب الى المناطق الأكثر أمنا .. ,, حتى صباح اليوم التالي كان الأكثر سوداوياً في تاريخ العراق , انسحبت كل القوات العسكرية وتركت سلاحها في الشارع , أما المقاومين العرب فجرى قتلهم جميعاً بواسطة طائرات الأباتشي أو دبابات الأبرامز الأمريكية التي وصلت بسرعة واحتلت كل بغداد أبتداءاً من مطارها وكل شوارع بغداد الرئيسية...
تركنا البيت مجبرين لأنه تعرضنا للقصف وتهدم قسم من البيت فوق رؤوسنا , المهم لم يتعرض أحد من أفراد العائلة بأذى شديد فقط أحدى البنات تعرضت لجروح خفيفة حينما حاولت أن أحملها وأجعلها تتسلق الجدار الفاصل بين الجيران لأن الجيران استطاعوا فتح ممر على جيرانهم من خلف الدار وكان الممر آمناً ....

يوم 9 نيسان منظر مخيب للآمال ونهاية سوداوية مفجعة حلت بالوطن .. الشوارع مليئة بالسلاح المتروك المهان وحتى الصواريخ الروسية سام المضاد للطائرات , والرجال عادوا إلى بيوتهم بسبب حرب لم يكونا طرفاً فيها
,, حاكم جزار دكتاتوري وسلطة فاشية من جهة ومن الجهة الأخرى قوات احتلال غاشمة تحتل البلد . وأصبح الشعب لا حوله ولا قوة , ولم تكن هناك أي قوة سياسية وطنية على أرض الواقع , الكل كانوا مهاجرين أو في كردستان العراق ومرتبطين ومنفذين لمقررات اجتماع لندن وصلاح الدين المشبوهين والتي ضمت كل أطراف العملية السياسية التي شاركت في المؤتمرين المذكورين (لندن وصلاح الدين) عقدا قبل الاحتلال في العام 2002 وجاءوا جميعاً على ظهر الدبابة الأمريكية .. أما تنظيمات السلطة والبعث الفاشي فتبخرت وكأن العراق خالي من أي منظمة أو حزب سياسي يستطيع قيادة مقاومة لجيش المحتلين . وجرت ألأمور من سئ إلى أسوء ,,
منذ اليوم الأول نفذوا عمليات سرقة وسطوا على جميع مصارف وبنوك الدولة العراقية العامة والخاصة ولم يسلم منها أي بنك في بغداد والموصل بالذات وبعض الأحزاب تأخر الى يوم 12 نيسان في وصوله الى بغداد بحكم ذهابه الى محافظة الموصل حيث تم نهب كل البنوك والمحلات التجارية الكبيرة أما المحافظات الوسط والجنوب فلم يسلم منها أي بنك أو مصرف من السرقة وبشكل خاص من الأطراف التي جاءت من إيران ومن أطراف العملية السياسية المسلحين . أما الأسواق المركزية والتي كانت مليئة بكل الاحتياجات والمواد المنزلية والملابس والسجاد والكاربت واطارات السيارات وقطع غيار المعدات والسيارات والأدوات المنزلية , فتم نهبها من عامة الشعب بعد غياب سلطة الدولة وكل هذا جرى تحت بصر وتشجيع الجيش الأمريكي , في بغداد كشاهد عيان تم سرقة ونهب وسرقة جميع كراجات الدولة المليئة بالسيارات وبالآلاف وجميعها كانت جديدة وغير مستعملة وخاصة اليابانية من تيوتا ونيسان والمرسيدس . أما المركبات العسكرية فحدث ولا حرج حيث كان صبيان اللصوص يقودون هذه المركبات من الزيل الروسي والواز وغيرها من مركبات الحمل حيث تم سرقة العراق بالكامل من قبل الأحزاب التي جائت على ظهر الدبابة الأمريكية ومن الجموع الشعبية الفاقدة لوطنيتها وانضباطها ...
أما الأحزاب فقد سيطرت على مباني تابعة للدولة واتخذتها مقرات لها وبكل ما كان فيها من ممتلكات وأموال وأثاث وسيارات كل شئ أصبح ملكاً مشاعاً للجميع الأحزاب بدون استثناء .
فليس غريبا أن لا تجد كيان سياسي نزيه في العراق فالجميع شارك وبتشجيع من جيش الاحتلال على نهب العراق
مشهد صغير جداً لنهب مخازن المنشآت الصحية (الحبيبية) المجاورة لمدينة الثورة والتي تحوي مواد البناء والمستلزمات الصحية للبيوت والتي تقدر موادها بمليارات الدولارات , كان الجيش ألأمريكي قاطع الطريق الرئيسي والذي يمر فوق جسر الحبيبية قناة الجيش وكنت متوقفاً في سيارتي بسبب قطع الطريق هذا من قبل الأمريكان وتم ايقاف العجلات كي يمهدوا الطريق أمام اللصوص لسرقة المخازن بكل يسر وسهولة ومن إشارة من قائد المجموعة الأمريكية العسكرية التي قطعت الطريق في إشارة من يده وهو فوق الجسر الى الجموع البشرية التي كانت بقرب أبواب المخازن تلك تم الهجوم من قبل مجموعات كبيرة لا تعد من منطقة الثورة والحبيبية على تلك المخازن بحيث نهبوا كل ما فيها و حتى الجدران وسقوف المخازن , في نفس اليوم بعد ساعات قليلة لم يبقى شيئاً يذكر من تلك المخازن ,والعراق أصبح بيد هؤلاء المجرمين والذين سرقوا مدخرات شعبهم هم وأحزاب الدبابة الأمريكية .. وبعد النهب الذي طال العراق جرى حرق كل بنايات الوزارات والبنوك المسروقة ودوائر الدولة التي كانت تقدم خدماتها للشعب العراقي .. وأحرقت حتى دوائر التسجيل العقاري والنفوس في الكرادة الشرقية وكل بغداد والمحافظات .. الوزارة الوحيد التي لم تحرق كانت وزارة النفط الواقعة بالقرب من شارع فلسطين بسبب سيطرة الجيش الأمريكي عليها !!!!!


كريم
من ذكريات الاحتلال

9/4/2003

ملاحظة / المقال تكملة لمقال نشر سنة 2019