خفايا الإنقلاب على الإشتراكية السوفياتية (1)


فؤاد النمري
2021 / 7 / 28 - 18:51     

خفايا الإنقلاب على الإشتراكية السوفياتية (1)

ثمة حقيقة صادمة للشيوعيين قبل المؤرخين وهي أن الحرب العالمية الأولى وتطوراتها غير المتوقعة هي التي سمحت للبلاشفة الروس أن يستولوا على السلطة في روسيا في أكتوبر 1917 وأن يعلنوا في مارس 1919 القيام يثورة اشتراكية عالمية كان كارل ماركس وفردريك إنجلز قد استشرفاها قبل سبعين عاماً ؛ كما سمحت نفس الحرب أيضاً لأعداء البلشغية بالإنقلاب على الإشتراكية السوفياتية في العام 1953 .
إنتهت الحرب العالمية الأولى بمعاهدة فرساي (Versaille) 1919 التي فرضت شروطا إنتقامية قاسية أملتها بريطانيا وفرنسا على ألمانيا ألمهزومة باعتبارها مسؤولة عن بدء الحرب ومنها التعويض عن خسائر الحرب وقدرت بـ 132 مليار مارك ذهبي . كان هدف المعاهدة الرئيسي هو خنق الصناعة في ألمانيا وكانت حينذاك المنافس القوي للصناعة في انجلترا وفي فرنسا , وهكذا عانى الشعب الألماني فيما يسمى جمهورية فيمار (Weimar) 1919 – 1933 بقيادة الحزب الإشتراكي الديموقراطي موئل الخيانة من الفقر والجوع حتى وصل ثمن رغيف الخبز 25 ألف مارك في العام 1925 .
إذاك برز هتلر في العام 33 يبني صناعة حرب وليس صناعة رأسمالية تنافس بريطانيا وفرنسا الأمر الذي كان مقبولاً على هاتين الدولتين الإمبرياليتين .
بعد أربع سنوات فقط من ولاية هتلر كانت ألمانيا قد أصبحت في العام 1937 أقوى دولة حربية في العالم وهو ما أهلها للتوسع الجغرافي على مختلف جهات ألمانيا . الإمبرياليون في بريطانيا وفرنسا رأوا أن ليس بوسعهم مجابهة ألمانيا حربياً ولذلك يمكن التصالح مع النازية وتوجيه قدراتها العسكرية العدوانية نحو الإتحاد السوفياتي الذي بات يمثل الخطر الداهم على النظام الرأسمالي في العالم . على مثل هذا النحو انعقد مؤتمر ميونخ الشهير في 30 سبتمبر 38 حيث قدم الإمبرياليون الإنجليز والفرنسيون جوائز ترضية لهتلر كاحتلال النمسا وجزء من تشيكوسلوفاكيا ولموسوليني بعض الجوائز الصغيرة والسكوت على سياساته العدوانية في ليبيا والقرن الأفريقي .

أعمال مؤتمر ميونخ كشفت عن مضامين تحالف غير مقدس بين الإمبريالية العالمية والفاشية والنازية في غرب اوروبا . مثل ذلك التحالف غير المقدس شكل قوة خطيرة في مواجهة الإتحاد السوفياتي وهو الدولة الإشتراكية الوحيدة في ذلك العالم وهو ما رتّب على ستالين القائد التاريخي للثورة الإشتراكية العالمية مواجهة ذلك التحالف النازي الإمبريالي وقد شكل خطرا حقيقياً على الثورة الإشتراكية، فكان أن أرسل رئيس مجلس الوزراء فياتشسلاف مولوتوف يقترح على رؤساء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة عقد تحالف رباعي لمجابهة أخطار النازية المتعاظمة في أوروبا . الدول الغربية الكبرى الثلاث رفضت إقتراح ستالين رفضاً قاطعاً مما عزز الظنون في "مؤامرة كبرى" تحيكها الدول الإمبريالية والدول الفاشية ضد الإتحاد السوفياتي وثورته الإشتراكية . إذاك لم يجد ستالين بداً من العمل على درء أخطار المؤامرة ولو إلى حين محدود من خلال عقد اتغاق مع هتلر، فكان أن أرسل مولوتوف يفاوض هتلر في عقد اتفاقية عدم إعتداء، وتم توقيع اتفاقية "مولوتوف – رابنتروب" في 23 أوغست 39 قبل اسبوع واحد فقط من إعلان الحرب العالمية الثانية .
كان هدف ستالين الرئيسي من اتفاقية عدم الإعتداء هو تفكيك التحالف الإمبريالي الفاشي بالإضافة إلى كسب الوقت الكافي للإستعداد للحرب . فاحتلال هتلر لبولندا كان بمثابة إعتداء على بريطانيا وفرنسا الضامنتين لاستقلال بولندا، فكان أن أعلنتا حرباً صوتية (Phoney) بدون نيران على ألمانيا في الأول من سبتمبر أما بانسبة لهتلر فكان احتلال بولندا شرطاً أولياً للحرب على الإتحاد السوفياتي واحتلاله . ستالين كان يعلم ذلك لكنه كان يقدر أن هتلر لن يستطيع الإعتداء على الاتحاد السوفياتي قبل ديسمبر 41 خاصة وأنه كان قد استلم قبل اسبوع من العدوان رسالة من هتلر يقسم فيها بشرفه أن تحركات الجيش الألماني على الحدود البولندية السوفياتية إنما هي للتدريب المعتاد وليس في وارد المس بالحدود السوفياتة .
ما يجدر ذكره في هذا المقام هو أن معلومات كثيرة كانت ترد إلى ستالين عن طريق المخابرات السوفياتية تؤكد مخططات هتلر في هجوم وشيك على الإتحاد السوفياتي لكن ستالين كان يرفض تلك المعلومات ظناً منه أنها من صناعة المخابرات الإنجليزية وهي فعلاً كانت تنشط في هذا المنحى لكن البطل الشيوعي الألماني ريتشارد زورغي خسر حياته كي يؤكد لستالين أن هتلر سيشن حرباً على الإتحاد السوفياتي في 22 يونيو دون أن يأخذه ستالين على محمل الصدق .

في الساعات الأولى من صباح 22 يونيو 1941 صعق ستالين بالسفير الألماني يطلب مقابلتة ليعلن حرب ألمانيا على الإتحاد السوفياتي , كان الأمر صاعقاً لدرجة أن ستالين رفض مقابلة السفير . إذاك أدرك ستالين وهو الماركسي اللينيني القائد الرائد لعمال العالم في ثورتهم الإشتراكية أنه سمح لنفسه أن يكون محل خديعة من قبل رجل فاشي من زبالة التاريخ وهو هتلر . وسرعان ما قرّ قراره في أن ستالين لا يحق له أن يكون قائداً للثورة الاشتراكية العالمية وعليه أن يخلي المركز لقائد آخر !! في التوّ رفض هو نفسه أن يعلن الحرب على ألمانيا وطلب من مولوتوف وزير الخارجية آنذاك أن يعلن الحرب . رفض مولوتوف طلب ستالين فإعلان الحرب يتم أصلاً من قبل رئيس الدولة وليس وزير الخارجية، لكن ستالين أصر على موقفه مما اضطر وزير الخارجية مولوتوف أن يعلن الحرب على ألمانيا في وقت متأخر وهو سابقة في التاريخ لا مثيل لها .

ما إن أعلن مولوتوف الحرب في صباح 22 يونيو حتى اختفى ستالين . الإتحاد السوفياتي واجه العدوان الهتلري الواسع بدون قيادة عليا، بدون ستالين، خلال الأيام الثلاثة الأولى (22 – 25) من الحرب، وهذا أمر تجاهله التاريخ الرسمي السوفياتي بغير حصافة . لم تكتشف المخابرات السوفياتية مكان وجود ستالين مختبئاً عند شقيقة زوجته في الجنوب إلا في 25 يونيو ؛ إذاك توجه ثلاثة من أعضاء المكتب السياسي بقيادة مولوتوف إلى حيث هو كي يستعيدوا ستالين إلى حيث يجب أن يكون، إلى رأس الحزب ورأس الدولة والقائد العام للقوى العسكرية السوفياتية . إلا أن ستالين رفض بعزم قاطع العودة إلى مراكزه القيادية وما كان ذلك بالطبع إلا إعترافاً منه بفشله في مواجهة هتلر كما توجب، وأنه لذلك لا يستحق ان يكون الخليفة للينين قائد الثورة الإشتراكية العالمية . وقال مولوتوف بعد أن أعيتهم الحيلة أن ستالين لم يقبل العودة إلى مركزه إلا بعد أن أكدنا له بأن الاتحاد السوفياتي سينهزم ويتلاشى في مواجهة هتلر بدون ستالين، وسيكون ستالين حينذاك هو المسؤول عن كل ذلك في النهاية .
التاريخ السوفياتي الرسمي غفل تلك الواقعة بغير حصافة رغم أنها الدلالة القاطعة على طينة الماركسيين اللينينيين الحقيقيين، الطينة التي يندر وجودها حتى اليوم في الجنس البشري ؛ كما تكشف زيف الدعاوى التي تزعم أن ستالين بطش برفاقه حفاظاً على مركزه القيادي .