ما أحزن قاسم أمين


حسن مدن
2021 / 7 / 28 - 15:06     

تروي هدى شعراوي إحدى أهم رائدات الدعوة إلى حقوق المرأة ونهضتها وصون كرامتها، كيف أن الحملة التي شنت ضد قاسم أمين مؤلف كتاب «تحرير المرأة»، بعد إصداره الكتاب قد أثّرت فيه وهزته. وأكثر ما حزَّ في نفسه، يومها، أن الكثير من النساء استنكرن ما جاء في كتابه ودعوته لتحريرهن، رغم أن هذه الدعوة، كما ستظهر التجربة بعد حين، هي التي انتشلتهن من الواقع المزري الذي كنّ فيه، قبل أن يصبح حق المرأة في التعليم والعمل وغيرهما مصاناً بقوة القانون.
تقول شعراوي إن موقف النساء هذا ذكّرها بالجواري اللواتي كن يبكين على حياة العبودية والأسر حين تمنح لهن ورقة العتق من الرق.
لا يبدو من سياق المذكرات أن شعراوي التقت شخصياً بقاسم أمين، ولكنها تذكر أنه كان صديق رشدي بك زوج صديقتها، الذي كانت تجمعه صداقات قوية مع رجالات مصر الكبار آنذاك، ومنهم قاسم أمين والإمام محمد عبده وسعد زغلول ومصطفى كامل والشيخ عبدالعزيز جاويش، وكانت هذه الصديقة محط تقدير أصدقاء زوجها هؤلاء، وكثيراً ما كانت تقص على هدى شعراوي ما يدور بينها وبينهم من أحاديث، وكانت تعجب بآراء قاسم أمين وشجاعته الأدبية.
وأبدت هذه الصديقة مرارتها لعدم تقدير مواطنيها لآراء الرجل، ما عدا القلة منهم، وتشير، بالكثير من العطف عليه، إلى تألمه من هذا، متوقفة خاصة أمام تخلي أصدق أصدقائه ومؤيدي مبادئه عنه أثناء هبوب العاصفة التي أثيرت ضده، عندما صرح بآرائه في تحرير المرأة.
الحق أن هذه الزوابع التي أثيرت ضد قاسم أمين، رغم مرارة تأثيرها عليه شخصياً، لم تفلح في «أن تنال من رسالة الحق التي أداها في جرأة وشجاعة» - كما تعبر هدى شعراوي نفسها، فالبذرة التي زرعها سرعان ما أثمرت أفكاراً وقيماً جديدة، ورغم أن ما تضمنه كتابه كان عند الحدود الدنيا فقط مما على المرأة أن تناله من حقوق، وأن مؤلفات لاحقة بهذا الخصوص تجاوزته إلى آفاق أرحب، لكن الكتاب ما يزال حتى اللحظة نبراساً على هذه الطريق.
ظاهرة أن يظلم الكاتب أو المفكر لا من خصوم دعوته الخيرة والنبيلة فحسب، وإنما أيضاً من الفئات التي يهدف إلى نصرتها وانتشالها من حال البؤس التي هي عليه تكررت مراراً في تاريخنا وما زالت. حدث هذا مع طه حسين أيضاً حين أصدر كتابه عن «الشعر الجاهلي».
ويقال إن القاضي سأل قاتل فرج فودة ما إذا كان قد قرأ كتبه، فأجابه بأنه لا يعرف القراءة، وشيئاً مشابهاً قيل عن الرجل الذي طعن نجيب محفوظ بسكين محاولاً قتله.