لماذا نحن متخلفون .. ثقافة الإختزال والإجترار


سامى لبيب
2021 / 7 / 28 - 13:34     

- لماذا نحن متخلفون (80) .

- هناك حالة من الفكر الإختزالي تتسيد مواقفنا وفكرنا وسلوكنا وهي نتاج ثقافة عتيدة تختزل الإنسان والمجتمعات فى مشهد واحد ليتم تثبيته وتوريثه وتداوله دوما .

- العقل الإختزالي هو عقل متخلف بالضرورة سواء كان هذا العقل شرقياً أم غربياً , وإن كان فى شرقنا منهجية عتيدة للتفكير والسلوك والمواقف بينما يتضاءل هذا فى الغرب بفعل التحضر والمدنية والحداثة , فالفكر الإختزالي هو اختصار الظاهرة أو المرحلة أو الحقيقة أو الشخص أو السلوك في تفصيل واحد أو حدث واحد ودمغه بها بصورة قطعية ونهائية صارمة وجازمة وحبسه في هذا التصور دون أية فرصة في تعديل المواقف منه .

- العقل الاختزالي عقل غير قادر على التوليف أو التركيب أو بناء علاقات فكرية أو إيجاد صلات أو روابط بين الأشياء والحوادث والظواهر والأفراد بشكل موضوعي , فهذا العقل السطحي يأخذ الظاهرة أو الفعل أو الحادثة في وجودها الخاص ويتم الحكم عليها وتعميمها من خلاله .

- يقوم العقل الإختزالي على ذهنية الوصم أو الدمغ أو الاختصار بشكل متعسف للأشياء والأفراد نتاج موقف أو حادثة واحدة تاريخية وذلك بالتركيز علي صورة واحدة وتثبيتها مع إهمال تام للتغيير والتطور الذى ينتاب الحدث مع حذف تام لمبدأ الصيرورة والحراك والتطور والتركيز على ثبات صورة واحدة في الذهن لشيء معين أو ظاهرة معينة أو فرد معين ووضعه في خانة محكمة مغلقة بصورة أبدية وغالبا ما تكون هذه الخانة متخيلة لا تستند على أي منطق متين وناضج بل على موقف إنفعالي عاطفي فى الغالب لتلغي أي إمكانية لتغيير الصورة أو تعديلها .

- العقل الإختزالي يلغي مبدأ السببية والعلة والميول العميقة والدوافع والعوامل المتشابكة ليركز على صورة وسطحها الظاهري وهي صورة مختزلة محذوفة مختصرة لا ترى الشيء أو الشخص أو الظاهرة بل ترى رغبتها الشخصية وصورتها وميولها هي .

- منهجية العقل الإختزالي هو الثبات والحفاظ على الثوابت ومن هنا فهو يلغي الديناميكية والحراك والتطور , ومن هنا نتلمس خطورة فكرة الثوابت التي تتحول لأصنام فكرية عصية على الجدال .

- هذا العقل الاختزالي هو سمة المجتمعات المتخلفة فى الغالب التي تعيش في تركيبتها الاجتماعية على الإعادة والاجترار من الماضي والتكرار والطقسية , أي بتعبير أدق المجتمعات التقليدية الراكدة التي تتسم الحوادث فيها والمواقف بثبات ليتذكر الناس على مدى عشرات السنين حوادث فردية تافهة يجتروها ويرددونها على الدوام بينما هذا لا يحدث في مجتمعات الحداثة والنمو والاكتشافات المتلاحقة ولينطبق هذا أيضاً على السلوك السياسي كما سنري لاحقاً .

- ذهنية الإختزال هي نتاج منطقي لعقلية التخلف ويُعرفها الدكتور مصطفى حجازي في كتابه "سيكولوجيا الانسان المقهور" على ان الاختزال عملية نفسية علائقية يُختصر فيها الشخص إلى أحد أبعاده أو وجه من وجوده أو إحدى خصائصه فقط. وهكذا لا نعود ندركه إلا باعتباره تلك الصفة أو الخاصية , وفي هذا اعتداء على إنسانيته واعتداء على حريته في أن يكون غير ما نريد .. ويتخذ الاختزال طابعا سلبياً معظم الأحيان كأن لا نرى من الشخص أو المجموع إلا إحدى الخصال السيئة ونوحدها معه ,وهنا تدخل التحيزات والأحكام المسبقة والأفكار المنمطة كثيرا وتؤدي إلى مواقف إدانة وتعصب.

- إذن الانتقائية والاختزالية وجهان لعقل متخلف واحد يختصر الآخر في بعد واحد ويلغي كل التنوع والثراء في الشخصية الإنسانية , وهذا اعتقال للآخر وحبس وسجن له في خانة دون منحه الحق في أن يتغير أو يتحرك أو يفكر أو يبدل مواقفه أو يراجع نفسه.

- إن العقل الاختزالي هو أيضا عقل إسقاطي , فحكم الإنسان المتخلف على الظواهر والأشخاص يشوبها الكثير من التحيز والقطيعة, وذلك من طغيان الانفعالات بإلغائها لوظيفة النقد العقلي لتفتح الباب واسعا أمام بروز الميول العاطفية الإنفعالية , فيتحول الآخر إلى مجرد رمز للسوء أو الشر أو التعطيل أو الخطر أو العنف أو الحب أو العون.الخ. منذ تلك اللحظة يتحدد التعامل معه والموقف منه انطلاقا من دلالة الرمز الذي أُعطي له .

- الفكر الإختزالي هو مأزق عقلاني ومأزق نفسي حسب علم النفس فكيف يمكن الحكم على شخص واحد بسبب موقف أو الاستنتاج أن صندوقاً كاملا من التفاح فاسد بسبب تفاحة واحدة , فالإنسان مجموعة هائلة من الخواص والصفات الجسدية والوراثية والثقافية والاجتماعية وهي في تبدل دائم ولا يمكن الحكم عليه بناء على صفة أو خاصية , كما أن القول أن فلانا سيء أو جيد يتطلب تحديد في أية ساعة أو موقف أو لحظة كان سيئاً أو جيداً لأنه سيكون خلاف ذلك في لحظة تالية, كما أن معايير الحكم نسبية على أى موقف فيختلف ويتباين من شعب إلى آخر , ومن زمن لآخر .

- إن العقل الاختزالي هو عقل تنقصه المحاكمة المنطقية القائمة على رؤية الأشياء والحوادث والظواهر والأفراد والوقائع بناء على عقل جدلي يبدو فيه كل شيء في تحول وولادة وموت وإنبعاث وتكون وصيرورة , أما العناد والثبات والرسوخ فهي سمات تميز العقل الاختزالي المتخلف ليتم تصويرها على إنها ثبات مبدئي بينما هي إلغاء لجدلية العقل , ومن هنا نستشف أن العقل الإختزالي هو نتاج لثقافة دينية دوغمائية يالضرورة عندما تتحول الأفكار إلى يقين وثوابت ومواقف حادة غير قابلة للجدل .

- العقل الإختزالي لا يكتفي بتعسفه في الأحكام والمواقف بل بتعسفه وإختزاله للمعاني , فالشرف يقتصر على عفة مهبل المرأة وليتم إهمال كافة أشكال الشرف , كذا التدين في حجاب وخمار ولحية ليتم التعامل مع الأمور بشكل سطحي غير موضوعي مرسخاً الزيف .

- العقل الإختزالي كونه يفتقد للموضوعية فى التقييم فهو ينتج بالضرورة إنحيازات عاطقية أو قل أن الإنحياز العاطفي أنتج مواقف إختزالية فلا يتم تقييم التاريخ تقييماً موضوعياً نقدياً بل إنحيازياً عاطفياً , فيتم تمجيد كافة الإنتهاكات المصاحبة للغزو الإسلامي مثلا فى البلاد التى غزتها , ليفقد الإنسان البوصلة الصحيحة فى التقييم والمعايير كون هناك إختزال للتاريخ فى مشهد وموقف واحد مبعثه عاطفي .

- من الأمثلة الشهيرة لفكر مجتمعاتنا الإختزالي الموقف من اليهود , فهناك ثقافة موروثة تُشكل موقفاً من اليهود كونهم الأخبث والأكثر عداوة للذين آمنوا وأنهم خائني العهد ولا ثقة فيهم ليتم تعميم هذا الحكم على اليهود على مر الزمان والمكان ومن هنا تنشأ مواقف حادة مُستقطبة تبدد أى فكرة للتعايش السلمي بين البشر من مجرد رؤية تعميمية تاريخية إختزالية .. إختزلت المجموع فى مشهد خاص ., لذا فخطأ هذا الفكر الإختزالي أنه ينحرف بالبوصلة ويضلل التفكير فيكون العداء عنصريا مصيره إلى الإضمحلال والزوال مع الزمن بينما العداء الحقيقي لكون إسرائيل تنهج فكر عنصريا صهيونيا متصادم مع آمال وطموحات شعوبنا .

- ثقافة الإختزال التي هى نتاج ثقافة دينية تفرض نفسها على مفردات أى ثقافة أخري حتى ولو كانت مدنية علمانية , فالإرث والجذور عميقة لنجد فكر ومواقف وسلوك إختزالي لدي اليساريين والماركسيين العرب , فالماركسية بكل حيويتها يتم إختزالها فى فكر لينيين وستالين وماو ومن هنا لا مكان للتجديد والتطوير والتعديل بل إجترار لأقوالهم وفكرهم لتحدث تحولات وزلزال هائلة ومازال الماركسيين يتمحورون فى لينين وستالين .

دمتم بخير .
لا تحرر ولا تقدم قبل أن نتحرر من ثقافتنا القميئة .