رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (91) ه) البروليتاريا الزراعية في بريطانيا


كارل ماركس
2021 / 7 / 28 - 10:47     


القانون العام للتراكم الرأسمالي
5) أمثلة إيضاحية عن القانون العام للتراكم الرأسمالي
هـ) البروليتاريا الزراعية في بريطانيا
إن الطابع التناحري الذي يتسم به الإنتاج والتراكم الرأسماليان، لا يؤكد نفسه بصورة فظة في أي مكان، مثلما يفعل في تقدم الزراعة الإنكليزية (بما في ذلك تربية المواشي) وتقهقر العامل الزراعي الإنكليزي. وقبل الالتفات إلى وضعه الراهن، نلقي نظرة عجلی إلى الوراء. يعود تاريخ الزراعة الحديثة في إنكلترا إلى منتصف القرن الثامن عشر، رغم أن الانقلاب في علاقات ملكية الأرض الذي شكل أساسا انطلق منه التغير في نمط الإنتاج، إنما يرجع إلى تاريخ أقدم بكثير.

ولو اعتمدنا أقوال آرثر يونغ، وهو ملاحظ دقيق، وإن يكن مفكراً سطحياً، وأخذنا المعطيات المتعلقة بالعامل الزراعي في عام 1771، لوجدنا هذا الأخير يلعب دوراً تافهاً بالمقارنة مع سلفه في نهاية القرن الرابع عشر “حين كان بوسع العامل… أن يعيش في بحبوحة وافرة، ويراكم الثروة”(1)، ناهيك عن القرن الخامس عشر ذلك “العصر الذهبي للعامل الإنكليزي، في المدينة والريف”. إلا أنه لا حاجة بنا لأن نتوغل بعيدا إلى هذا التاريخ. ونقرأ في كتاب قيم جداً صدر في عام 1777 ما يلي:

“إن المزارع الكبير قد ارتقى تقريبا، إلى مستوى النبيل الأرستقراطي بينما انحدر العامل الزراعي المسكين إلى الدرك الأسفل تقريبا. ويظهر وضعه المنكود بوضوح تام، ما أن نلقي نظرة مقارنة على ما كان عليه قبل 40 عاما، وما هو عليه اليوم. إن المالك العقاري والمزارع يتضافران معاً لاضطهاد العامل” (2). ثم يبرهن الكتاب بالتفصيل على أن الأجور الزراعية الحقيقية هبطت بين عام 1737 و1777 بمقدار الربع تقريبا، أي 25%.
ويقول الدكتور ريتشارد برايس أيضا: “تميل السياسة المعاصرة، بحق، المصلحة الطبقات العليا من الشعب، ولسوف تثبت العواقب، إن عاجلا أو آجلا، أن المملكة كلها سوف تتألف من سادة وشحاذين، أو أرستقراطيين وعبيد” (3).
مع ذلك، فإن وضع العامل الزراعي الإنكليزي، بين عامي 1770 و1780، من ناحية المأكل والمسكن، واحترام النفس، وضروب المتع، إلخ، صورة مثالية لم تعد ثانية منذ ذلك العهد. لقد كان متوسط أجوره، المعبر عنه بوحدات الباينت من القمح، يبلغ 90 باینتا بین 1770 و1771 و65 باينتاً فقط في عهد إيدن (1797)، و60 باينتا لا أكثر عام 1808 (4).

ولقد جرت الإشارة سابقة إلى حال العامل الزراعي في ختام الحرب المضادة لليعاقبة التي أثرى خلالها الأرستقراطيون العقاريون، والمزارعون، والصناعيون، والتجار، والصيارفة، وسماسرة البورصة، ومتعهدو الجيش، وسواهم، ثراء فاحشاً. وارتفعت الأجور الاسمية بفعل عاملين، أولهما انخفاض قيمة النقود الورقية (البنكنوت)، وثانيهما ارتفاع سعر وسائل العيش الأساسية بصورة مستقلة عن انخفاض قيمة تلك. ولكن يمكن التيقن من الحركة الفعلية للأجور بطريقة بسيطة جدا، من دون الدخول في تفاصيل لا لزوم لها هنا. إن قانون الفقراء وإدارة تنفيذه لم يتغيرا في عامي 1795 و1814. وينبغي تذكر أسلوب تطبيق القانون في مناطق الريف: كانت الأبرشية تدفع الصدقات لتعويض الفرق بين الأجور الاسمية والمقدار الاسمي اللازم لسد رمق العامل لا أكثر. وإن التناسب بين الأجور التي يدفعها المزارع، والعجز في الأجور الذي تغطيه الأبرشية، يعكس أمرين. أولا، هبوط الأجور دون الحد الأدنى، ثانياً، الدرجة التي تحول بها العامل الزراعي إلى مزيج من عامل مأجور ومعوز، أي درجة تحوله إلى فن تابع للأبرشية. ولنأخذ مقاطعة تمثل الوضع الوسطي بالنسبة إلى جميع المقاطعات. لقد كان متوسط الأجور الأسبوعي في نورثهامبتون شایر 7 شلنات و6 بنسات عام 1795، أما إجمالي الإنفاق السنوي لأسرة مؤلفة من 6 أشخاص فكان 36 جنيها و12 شلنا و5 بنسات، أما دخلها الإجمالي فكان يبلغ 29 جنيها و18 شلنا، أي بعجز مقداره 6 جنيهات و14 شلنا و5 بنسات، تعوض عنه الأبرشية. وفي هذه المقاطعة ذاتها، بلغت الأجور الأسبوعية 12 شلنا وبنسين عام 1814؛ وبلغ إجمالي الإنفاق السنوي لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص 54 جنيها و18 شلناً و4 بنسات، بينما بلغ دخلها الإجمالي 36 جنيها وشلنين، بعجز مقداره 18 جنيها و16 شلناً و4 بنسات تعوض عنه الأبرشية (5). لقد كان العجز، عام 1795، أقل من ربع الأجور، أما عام 1814 فقد تجاوز النصف.

وبديهي أن الرفاهية الشحيحة التي كان إيدن قد لاحظها في كوخ العامل الزراعي، تلاشت تماما، في هذه الظروف، بحلول عام 1814(6). فمن بين سائر الدواب التي يقتنيها المزارع، كان العامل، هذه الأداة الناطقة (instrumentum vocale)، الأكثر تعرضا للاضطهاد، وسوء التغذية، وقسوة المعاملة. وبقيت الأمور ذاتها تسير بهدوء على هذا المنوال حتى جاءت

“الفتن العاصفة(*) لعام 1830 لتكشف لنا، (يقصد الطبقات الحاكمة) على لهب النيران المستعرة في أكداس القمح، أن البؤس يستتر والنقمة المتمردة القائمة الدفينة تضطرم تحت سطح إنكلترا الزراعية، على القدر نفسه من العنف الذي تضطرم به تحت سطح إنكلترا الصناعية (7). وقام سادلر يومها، في مجلس العموم، بتعميد العمال الزراعيين باسم الأرقاء البيض” (white slaves) وردد أحد الأساقفة صدى هذا اللقب في مجلس اللوردات. ويقول إي. جي. وایکفیلد، أبرز الاقتصاديين في ذلك العهد:

“إن العامل الزراعي في جنوب إنكلترا… ليس حرة، ولا عبدة، إنه فقير معوز”(8). لقد ألقت الفترة الواقعة عشية إلغاء قوانين الحبوب ضوءاً جديداً على وضع العمال الزراعيين. فمن جهة أولى، كان من مصلحة المحرضين من الطبقة الوسطى إثبات أن رسوم الحماية قلما تحمي المنتجين الفعليين للقمح. ومن جهة ثانية، كانت البورجوازية الصناعية ترغي وتزبد غيظاً إزاء شجب الأرستقراطية العقارية لأوضاع المصانع، وإزاء العطف المصطنع على آلام العمال الصناعيين الذي يبديه متحجرو القلب أولئك، الفاسدون حتى العظم، الأرستقراطيون المتعطلون، وإزاء «حماسهم الدبلوماسي» للتشريع المصنعي. ويقول مثل إنكليزي قديم «حين يتخاصم لصان، يكسب الشرفاء»، والواقع أن النزاع الصاخب، العنيف، بين جناحي الطبقة الحاكمة حول مسألة أي منهما يستغل العمال الاستغلال الأفضح، کان، من ناحية الطرفين، بمثابة القابلة المولدة للحقيقة. وكانت حملة الإحسان الإنساني، الأرستقراطية، المعادية للمصانع، تجري بقيادة الكونت شافتسبري، المكنى اللورد آشلي في حينه. لذا كان هذا الرجل، عامي 1844 و1845، المادة المفضلة للفضائح التي نشرتها صحيفة مورننغ کرونیکل Morning Chronicle عن وضع العمال الزراعيين. وأرسلت هذه الصحيفة، التي كانت أهم منبر ليبرالي في حينه، مندوبيها إلى المناطق الريفية، ولم يكتف هؤلاء بالوصف العام والاحصاءات الصرف، بل نشروا أسماء الأسر العمالية التي حققوا معها، كما نشروا أسماء ملاكي الأراضي. وتعرض القائمة التالية (9) الأجور المدفوعة في ثلاث قرى في جوار بلاندفورد، وويمبورن، وبول.

ويملك هذه القرى السيد ج. بانكس، والكونت شافتسبري. ولسوف يلاحظ القارئ أن بابا الكنيسة الدنيا (Low Church)(**) هذا، وهو زعيم أهل التقوى الإنكليز، يضع في جيبه، شأن زميله بانكس تماما، نسمة كبيرة من أجور العمال المزرية، تحت ذريعة إيجار البيت.
إن إلغاء قوانين الحبوب أعطى زخماً هائلا للزراعة الإنكليزية. ولقد تميزت هذه الحقبة، بإجراء أعمال البذل على نطاق واسع جدا (10)، واستخدام طرائق جديدة لعلف المواشي في الزرائب، والزراعة الاصطناعية لأعشاب العلف، واستخدام آلات البذار المسمدة، وابتکار معالجة جديدة للتربة الطينية، وتوسيع نطاق استخدام الأسمدة الكيماوية، واستخدام المحرك البخاري، وشتى أصناف الآلات الجديدة، وإلخ، وتكثيف الزراعة بوجه عام. ويؤكد السيد بيوسي، رئيس «الجمعية الزراعية الملكية»، أن التكاليف (النسبية) للزراعة قد هبطت إلى النصف تقريبا بفضل استخدام آلات جديدة. ومن جهة أخرى، نما مردود الغلة الفعلي للأرض نمواً سريعاً. وكانت زيادة رأس المال الموظف في الإيكر الواحد، وبالتالي التعجيل في تركز المزارع، الشرط الهام لتطبيق الطرائق الجديدة (11). وفي الوقت نفسه ازدادت مساحة الأراضي المزروعة بمقدار464,119 إيكراً بين عامي 1846 و1856، من دون حساب المساحات الشاسعة من المقاطعات الشرقية التي انقلبت، كما لو بسحر ساحر، من جحور للأرانب ومراع هزيلة إلى حقول قمح مزدهرة. ولقد سبق أن رأينا أن إجمالي عدد الأشخاص العاملين في الزراعة قد هبط في الوقت نفسه. وبقدر ما يتعلق الأمر بالعاملين الزراعيين الفعليين، من الجنسين ومن كل الأعمار، فقد انخفض عددهم من 1,241,269 شخصا عام 1851، إلى 1,163,217 شخصا عام 1861(12). لذا يشير المسجل العام الإنكليزي بكل حق إلى «إن ازدياد المزارعين والعمال الزراعيين، منذ عام 1801، لا يتناسب بأية صورة من الصور مع ازدياد المحصول الزراعي» (13). ويسري انعدام التناسب هذا بحدة أكبر في الفترة الأخيرة، التي شهدت اقتران الانخفاض الأكيد للسكان الزراعيين العاملين بازدياد مساحة الأراضي المزروعة، وبنمو الزراعة الكثيفة، وبتراکم لا نظير له في رأس المال الموظف في الأرض وأدوات زراعتها، وبتعاظم مردود الأرض تعاظماً لا مثيل له في تاريخ الزراعة الإنكليزية، والتدفق الأسطوري للريع الذي يتلقاه ملاكو الأرض، وتنامي ثروة المزارعين المستأجرين الرأسماليين. وإذا أخذنا هذا كله، سوية مع التوسع العاصف، المتواصل، لأسواق التصريف في المدن، وسيادة التجارة الحرة، فقد يبدو للمرء أن العامل الزراعي بعد كل هذه المصائب الكثيرة (post tot discrimina rerum)، قد وصل به الحال، في نهاية المطاف، بحيث ينبغي أن يكون حسب قواعد الفن، (secundum artem)، طافحاً بالسعادة.

لكن البروفيسور روجرز يتوصل، على العكس، إلى الاستنتاج بأن حال العامل الزراعي الإنكليزي اليوم، لا بالمقارنة مع سلفه في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وفي القرن الخامس عشر، بل بالمقارنة مع وضع سلفه في الفترة بين 1770 – 1780، قد تغير نحو الأسوأ تغيراً خارقاً، وأن «الفلاح أصبح قنّاً من جديد»، بل إنه قن أسوأ غذاء وثيابا (14). ويقول الدكتور جولیان هنتر، في تقرير له عن أوضاع سكن العمال الزراعيين، وهو تقرير صنع حقبة، ما يلي:

«إن تكاليف معيشة الهيند (hind)، (اسم موروث عن عهد القنانة يطلق على العامل الزراعي) تثبت عند أدنى مستوى ممكن يكفيه للعيش… ولا يحسب ما يقدم إليه من أجر ومأوى بالمقارنة مع الربح المستمد منه. فهو صفر في حسابات المزارع (15)…. ويفترض على الدوام أن وسائل عيشه كمية ثابتة (16). أما إزاء أي تقليص جديد في دخله، فحري به أن يقول: لا املك شيئا، ولا يهمني أي شيء. فليست لديه مخاوف من المستقبل، فكل ما يملك الآن لا يزيد عما هو ضروري لإقامة أوده فقط. لقد بلغ نقطة الصفر التي تبدأ منها حسابات المزارع كلها. فليكن ما يكون، فما من نصيب له فيما سيأتي من السراء والضراء» (17).
وفي عام 1863 أجري تحقيق رسمي في أوضاع تغذية وعمل المجرمين المحكومين بالنفي والأشغال العامة القسرية، وثبتت النتائج في كتابين أزرقين ضخمين.

وقد جاء فيهما، من بين ما جاء: «عند المقارنة الدقيقة بين وجبات طعام المجرمين في سجون إنكلترا، ووجبات المعوزين في مأوى العمل للفقراء، ووجبات العمال الزراعيين الأحرار في بلد واحد بالذات يتضح بشكل قاطع أن غذاء الأوائل أفضل كثيراً من غذاء أي من الطبقتين الأخريين (18)، في حين أن مقدار العمل المطلوب من السجين العادي في الأشغال العامة القسرية يقارب نصف ما يؤديه العامل الزراعي العادي» (19).
لنأخذ بعض إفادات الشهود ذات الدلالة: جون سميث، حاکم سجن إدنبره، يدلي بشهادته:

الشهادة رقم 5056: «إن غذاء السجون الإنكليزية أفضل من غذاء العمال الزراعيين العاديين في إنكلترا». الشهادة رقم 5057: «إنه لواقع أن العامل الزراعي العادي في اسكتلندا قلما يتناول لحمة على الإطلاق تقریبا». رقم 3047: «هل هناك ما يبرر، حسب علمك، ضرورة إطعام السجناء بصورة أفضل كثيراً (much better) من العمال الزراعيين العاديين؟ – لا، بالتأكيد». رقم 48 30: «أتعتقد بوجوب القيام بتجارب جديدة بغية التأكد مما إذا كنا سنكتشف طعاماً للسجناء المستخدمين في الأشغال العامة القسرية يقارب طعام العمال الزراعيين الأحرار؟»(20).

«وحري به [العامل الزراعي] أن يقول: إنني أؤدي عملا شاقاً، ولا أحصل على كفايتي من الطعام، وحين كنت في السجن أديت عملا أخف وتلقيت طعاماً أوفر، وإذن فخير لي أن أعود إلى السجن من أن أبقى طليقا»(21).

ولقد اخترنا الجدول المقارن الوجيز التالي من الجداول الملحقة بالمجلد الأول من التقرير.

المقدار الأسبوعي من الغذاء(22)

(القياس بالأونصات)

كمية المواد الآزوتية


كمية المواد غير الآزوتية


كمية المواد المعدنية


المجموع


مجرم في سجن بورتلاند 28,95 150,06 4,68 183,69
بحار من الأسطول الملكي 29,63


152,91 4,52 187,06
جندي 25,55 114,49 3,94 143,98
صانع عربات (عامل) 24,53 162,06 4,23 190,82
منضّد حروف 21,24


100,83 3,12 125,19
عامل زراعي
17,73

118,06 3,29 139,08
لقد اطلع القارئ من قبل على النتيجة العامة التي توصل إليها تحقيق اللجنة الطبية العام 1863 في طعام الطبقات الأسوأ تغذية. ولا بد من أن يتذكر القارئ أن طعام القسم الأعظم من أسر العمال الزراعيين هو دون الحد الأدنى الضروري «لوقف أمراض الجوع». ويصح ذلك بوجه خاص على جميع الدوائر الزراعية الصرف، في كورنوول، وديفون، وسومرسيت، وویلتس، وستافورد، واوکسفورد، وبیرکس، وهيرتس.

يقول الدكتور سميث: «إن التغذية التي يحصل عليها العامل الزراعي أكبر من الكمية المتوسطة، لأن العامل نفسه يتناول حصة من وسائل العيش أكبر بكثير من حصة باقي أفراد الأسرة لأن ذلك أمر ضروري كل الضرورة نظرا لعمله، فهو يأتي على كل اللحم وشحم الخنزير لوحده تقريبا، حتى في أفقر المناطق. وكمية الطعام التي تنالها الزوجة، وكذلك الأطفال، في فترة النمو السريع هي، في كثير من الأحوال وفي كل المقاطعات تقريبا، ناقصة، وبخاصة من حيث كمية الآزوت» (23). إن الأجراء من كلا الجنسين الذين يعيشون عند المزارعين أنفسهم، يحظون بتغذية كافية. وقد هبط عددهم من 288,277 شخصا في عام 1851، إلى 402,962 في عام 1861.

ويقول الدكتور سميث: «إن عمل الإناث في الحقول مهما كانت مضارّه، هو في الأوضاع الراهنة، أكبر فائدة للأسرة، لأنه يؤمن مبالغ إضافية لشراء الأحذية والثياب ولدفع الإيجار. وبذا يتيح للأسرة طعاماً أفضل» (24). ومن أبرز نتائج هذا التحقيق کشف واقع أن العامل الزراعي في إنكلترا، بالقياس إلى غيره من عمال الزراعة في المملكة المتحدة، هو «الأسوأ غذاء بدرجة ملحوظة» (is considerably the worst fed)، كما يبين الجدول التالي:

كربون آزوت
انكلترا 40,673 1594
ويلز 48,354 2031
اسكتلندا 48,980 2348
ايرلندا 43,366 2434
كميات الكربون والآزوت التي يستهلكها العامل الزراعي الوسطي أسبوعياً (بالحبات)(25)

يقول الدكتور سایمون في تقريره الرسمي عن «الصحة العامة» ما يلي:

«إن كل صفحة من صفحات تقرير الدكتور هنتر، تشهد على القصور الكمي في مساكن عمالنا الزراعيين، ونوعيتها المزرية. وبالتدريج، أخذ وضع العامل، منذ سنوات عديدة، يتدهور من هذه الناحية، وغدا الحصول على غرفة واحدة للسكن أكثر صعوبة بالنسبة إلى العامل الزراعي، وحين يحصل عليها، يجد أنها أبعد ما تكون عن ملاءمة حاجاته مما كان عليه الحال، ولربما، منذ قرون. ولقد نما هذا الشر نمواً سريعاً خلال العشرين أو الثلاثين عاما الأخيرة بوجه خاص، وأصبحت الأوضاع السكنية لساكن الريف، الآن، مثيرة لأقصى درجات الرثاء. وعدا عن الحالات التي يرى فيها أولئك الذين يثرون من عمله، أن من المناسب معاملته بشيء من الرفق والشفقة، فإنه عاجز عن تدبیر أمره إطلاقا. فعثوره على غرفة يتخذها منزلا على الأرض التي يحرث، سواء أكانت الغرفة منزلا يليق بالإنسان أم بالخنازير، مع أو بدون حديقة صغيرة تخفف وطأة الفاقة عنه – ذلك كله ليس رهنا باستعداده أو قدرته على دفع إيجار مناسب لقاء السكن اللائق الذي يبتغي، بل رهن بالطريقة التي يفضل بها الآخرون استثمار «حقهم في التصرف بما يملكون وفق رغبتهم». ومهما كانت المزرعة المستأجرة كبيرة، فليس ثمة قانون ينص على وجود كمية معينة من مساكن العمال (ناهيك عن أن تكون مساكن لائقة) على أرضها، كما لا يوجد أي قانون يمنح للعامل أدنى حق على هذه الأرض التي تحتاج إلى عمله حاجتها إلى الشمس والمطر… وثمة ظرف آخر شديد الوطأة يقلب كفة الميزان ضده… وهو تأثیر قانون الفقراء بما يتضمنه من الأحكام الخاصة بحق السكن والتبعات المالية في مصلحة الفقراء (26). ففي ظل تأثير هذا القانون، ثمة لكل أبرشية مصلحة مالية في أن تقلص عدد سكانها من العمال الزراعيين إلى الحد الأدنى، وبدلا من أن يؤمن العمل الزراعي استقلالاً مضموناً ودائماً للعامل المجد وأسرته، فإنه لا يؤمن في الغالب لسوء الحظ، سوی طريق، أقصر أو أطول، يقود في النهاية إلى الفقر – وهو عوز يظل، على مدى حياة العامل، قريباً جدا بحيث أن أي مرض أو أي بطالة مؤقتة تقوده إلى اللجوء فوراً لمعونة الأبرشية – لذا فإن أي إقامة للعمال الزراعيين في أبرشية ما، تشكل إضافة واضحة لضريبة الفقراء… وما على كبار ملاك الأرض(27) إلا أن يقرروا عدم إقامة مساكن للعمال على أراضيهم، حتى يتحرروا، في الحال من نصف مسؤوليتهم عن الفقراء. أما إلى أي حد كان الدستور والقوانين الإنكليزية تهدف إلى إقرار هذا النوع من ملكية الأرض المطلقة، التي تمنح ملاكي الأراضي الكبار الحق في التصرف بما يملكون وفق رغبتهم، والقدرة على معاملة زارعي الأرض كغرباء، وطردهم من أرضهم، فتلك مسألة لا أعتزم الخوض فيها … وهذه القدرة على الطرد لیست موجودة في النظرية فحسب، بل سائدة في الواقع، على نطاق واسع – وهي واحدة من الظروف التي تمارس التأثير الحاسم على الأوضاع السكنية للعامل الزراعي… ولتبيان مدى استشراء هذا الشر، حسبنا الإشارة إلى معطيات الاحصاءات الرسمية الأخيرة للسكان، حيث ظل تهدیم المنازل، خلال السنوات العشر الأخيرة، يمضي قدما في 821 منطقة مختلفة في إنكلترا، على الرغم من تزايد الطلب المحلي على المساكن . وبصرف النظر عن الأشخاص الذين أرغموا على السكن خارج الأبرشيات التي يعملون فيها، فإن هذه المدن والأبرشيات كانت تضم عام 1861، قياسا إلى عام 1851، سكانا أكثر بنسبة 1/3, 5% في مساكن أقل بنسبة 1/2, 4%… وما إن تكتمل عملية طرد السكان، حتى تظهر، حسب قول الدكتور هنتر، «القرى الاستعراضية» (- villages show) التي اختزلت أكواخها إلى عدد قليل، والتي لا يسمح لأحد بالسكن فيها غير أولئك الذين لا غنى عنهم كالرعاة والبستانيين، وحراس الصيد، وهم خدم نظاميون يحظون بالمعاملة الحسنة المعتادة لطبقتهم من جانب الأسياد الكرام(28). ولكن الأرض تقتضي الزراعة، والعمال المستخدمون في فلاحتها ليسوا مستأجرين لمساكن يقيمون فيها على أرض المالك، فهم يأتون من القرى المفتوحة، التي قد تبعد 3 أميال، حيث لجأوا إلى ملاكي صغار المساكن الكثيرين، بعد أن هدمت أكواخهم القائمة في القرى المغلقة. وحيثما تأخذ الأمور هذا المجری، فإن الأكواخ القائمة تشهد، بوضعها المزري المتهاوي، على أن مصيرها الزوال. ونرى هذه الأكواخ موجودة في هذه المرحلة أو تلك من الخراب الطبيعي. وما دام المأوى متماسكا بعد، يؤذن للعامل باستئجاره، وكثيرا ما يقبل ذلك مسروراً، حتى لو دفع سعراً يليق بمسكن جيد. ولكن الكوخ لن يحظى بأي ترميم أو إصلاح، عدا ما يقدر عليه نزيله المفلس. وحين لا يعود الكوخ صالحاً للسكن بالمرة، فإن ذلك لا يعني سوى أن عدد الأكواخ المتهدمة قد ازداد کوخا آخر، وأن الضريبة لمصلحة الفقراء ستغدو أقل تبعا لذلك. وبينما يتملص كبار المالكين من ضريبة الفقراء بطرد السكان من الأرض التي يبسطون مشيئتهم عليها، فإن المدينة أو القرية المفتوحة الأقرب تستقبل العمال المطرودين؛ إنني أقول الأقرب، ولكن هذه الأقرب، قد تعني مسافة 3 أو 4 أميال بعيداً عن المزرعة التي يكد فيها العامل يوميا. فإلى هذا الكدح اليومي، ينبغي أن يضاف، كما لو لم يكن شيئاً، قطع ستة أو ثمانية أميال مشياً كل يوم ليحصل المرء على خبزه. ومهما كان العمل الزراعي الذي تؤديه زوجته ويؤديه أطفاله، فإنهم يؤدون ذلك في ظل المنغصات نفسها. وليست هذه كل المشقة التي يفرضها عليه بعد المسافة. ففي القرى المفتوحة يشتري المضاربون بالأكواخ قطعة صغيرة من الأرض، ويسعون إلى ملئها بأكبر عدد يستطيعونه من أرخص أنواع الجحور. وفي هذه الجحور البائسة (التي تتميز بمساوئ عيوب أردأ منازل المدن، حتى وإن كانت تجاور الريف الطلق) يتكدس العمال الزراعيون الإنكليز (29)…. كما لا ينبغي، من الناحية الأخرى، الاعتقاد بأن العامل حتى إذا كان يسكن في الأرض التي يعمل عليها، يتمتع بظروف سكنية تتفق عموماً مع ما تستحقه حياته الحافلة بالعمل المنتج. فحتى في أراضي الأمراء … قد يكون كوخه (Cottage)… نموذجا للوضاعة. وهناك ملاكو أرض كبار يعتبرون أي اسطبل سكناً صالحاً للعامل وأسرته، لكنهم مع ذلك لا يتورعون عن فرض أقسى صفقة إيجار ممكنة عليه (30). وقد لا يكون السكن سوی کوخ متداع تماما بغرفة نوم وحيدة خربة، بلا موقد، ولا مرحاض، ولا نافذة يمكن فتحها، ولا مصدر ماء سوى الحفرة، ولا حديقة – ولكن العامل عاجز عن التصدي لهذا الاجحاف. أما قوانین الرقابة الصحية (The Nuisances Removal Acts) فهي مجرد حروف لا حياة فيها. وتطبيقها رهن بمالكي الأكواخ هؤلاء الذين يستأجر (العامل) زريبته منهم … إن المشاهد الأكثر اشراقاً، ولكن الاستثنائية، ينبغي ألا تشد انتباهنا، وينبغي لنا أن نوجه الأنظار ثانية إلى هذه الوقائع التي تشكل القاعدة والتي هي عار على حضارة إنكلترا. إنه لأمر يثير الأسى حقا أن نرى مراقبين أكفاء يتوصلون إلى استنتاج مشترك يقول، على الرغم من وضوح الوقائع بصدد نوعية المساكن الحالية، إن الفظاعة العامة للمساكن ليست بالشر الكبير، وإن ذلك أقل الحاحا بما لا يقاس من الشر الأكبر وهو النقص العددي في المساكن. لقد كان ازدحام أماكن سكن العمال الزراعيين، لسنوات وسنوات، مثار قلق عميق، لا عند الحريصين على الأمور الصحية فحسب، بل عند كل الحريصين على حياة الاستقامة والأخلاق. فالمكلفون بوضع التقارير عن انتشار الأمراض الوبائية في الدوائر الريفية ما انفكوا يكررون التأكيد، المرة تلو الأخرى، وفي عبارات متماثلة إلى حد أنها تبدو مستنسخة عن بعضها بعضا، على الخطورة القصوى لازدحام السكن، بوصفه العلة التي تجعل السعي إلى الحد من تفشي الوباء أمرا لا طائل من ورائه. ولو جرت الإشارة مرارا وتكراراً إلى أنه على الرغم من النواحي الصحية الملائمة التي تتميز بها الحياة في الريف، فإن ازدحام السكن، الذي يساعد على تفشي الأمراض الوبائية، إنما يساعد على نشوء الأمراض غير الوبائية بالمثل. والذين شجبوا أوضاع ازدحام مساكن سكاننا الريفيين، لم يلزموا الصمت حيال شر آخر. فحتى حين كان همهم الوحيد ينصب على المضار الصحية، فقد كانوا مرغمين تقريبا على الإشارة بحكم الظروف، إلى جانب آخر من الموضوع. فبعد أن تعرض تقاريرهم كيف أن البالغين من الجنسين، المتزوجين وغير المتزوجين، يتكدسون (huddled) في غرفة نوم واحدة، ضيقة، في أحوال كثيرة جدا، فإنها تعبر، حتما، عن القناعة بأن الأوضاع الموصوفة، تنتهك مشاعر الحشمة دوماً وبأفظع شکل، وتضر بالأخلاق بصورة حتمية تقريبا (31). ونجد، على سبيل المثال، في ملحق التقرير السنوي الأخير، أن الدكتور أورد يشير في مذكرته عن الحمى التي اجتاحت منطقة وينغ في مقاطعة بكنغهام شایر، إلى شاب مصاب بالحمى جاءه من بلدة وينغريف. ففي أيام مرضه الأولى كان ينام في غرفة واحدة مع تسعة آخرين. وفي ظرف أسبوعين أصيب عدد منهم بالعدوى، وبعد بضعة أسابيع أصابت الحمى خمسة من التسعة، وتوفي واحد منهم! وعلمت من الدكتور هارفي، الذي يعمل في مستشفى سانت – جورج، أنه قام بزيارة وينغ أثناء الوباء، زيارة عمل شخصية، وأورد معلومات تطابق معنى ما ورد في التقرير بشكل دقيق:

«كانت ثمة امرأة شابة مصابة بالحمى، تنام ليلا في غرفة واحدة مع أبيها وأمها، وطفلها غير الشرعي، وشابين آخرين (شقيقيها) وشقيقتيها، ولكل واحدة ابن غير شرعي – المجموع عشرة أشخاص. وقبل بضعة أسابيع كان هناك 13 شخصا ينامون في الغرفة»(32). لقد تحرى الدكتور هنتر 5375 کوخا من أكواخ العمال الزراعيين، ليس في المناطق الزراعية الصرف فقط، بل في جميع مقاطعات إنكلترا. من بين هذه الأكواخ الى 5375، هناك 2195 بحجرة نوم واحدة (وكثيرا ما تستخدم كغرفة جلوس في الوقت نفسه) و2930 بغرفتين، و250 فقط بأكثر من غرفتين. وسأقدم مجموعة موجزة من الوقائع المستلة من دزينة من المقاطعات.

(1) بيدفوردشایر

رسلنغوورث: غرف النوم بطول زهاء 12 قدما، وبعرض 10 أقدام، رغم أن كثيراً منها أصغر مساحة من هذه الأكواخ الصغيرة، المؤلفة من طابق واحد، غالبا ما قسم بألواح خشبية إلى غرفتي نوم، ويوضع سرير في مطبخ ارتفاعه 5 أقدام و6 إنشات. الإيجار 3 جنيهات استرلينية سنوياً. ويتوجب على المستأجرين أن يبنوا بأنفسهم مراحيض أكواخهم، ولا يقدم الملاك سوى حفرة. وما إن يبني أحدهم مرحاضاً، حتى يستخدمه كل الجيران. وهناك منزل العائلة تسمى ريتشاردسون، كان مثالا للجمال، لا يضاهى.

جدرانه المكسوة بالجبس منتفخة مثل فستان سيدة تنحني احتراماً. طرف السطح كان محدباً، والطرف الثاني مقعراً، وعلى هذا الأخير تنتصب، لسوء الحظ، المدخنة، وهي عبارة عن أنبوب معوج، يمنع من الطين والخشب، أشبه بخرطوم فيل. ودعمت المدخنة بعصا طويلة لمنعها من السقوط. وكان باب الدخول والنافذة بهيئة شبه معين. ومن السبعة عشر منزلا جرى تفقدها، هناك 4 فقط بأكثر من غرفة نوم واحدة، وهي مزدحمة ازدحاما مفرطاً، وكان أحد الأكواخ المؤلفة من غرفة نوم واحدة يأوي 3 بالغين و3 أطفال، وكان کوخ آخر يأوي زوجين مع 6 أطفال، إلخ.

دنتون: الإيجارات غالية، وتتراوح بين 4 و5 جنيهات استرلينية سنوياً؛ والأجور الأسبوعية للرجال 10 شلنات. إنهم يأملون تسديد الإيجار بما تصنعه الأسرة من ضفر القش. وكلما ارتفع الإيجار، زاد عدد الذين يتوجب عليهم التكدس سوية لتسديده. ثمة 6 بالغين يعيشون مع 4 أطفال في ردهة نوم واحدة، ويدفعون لقاءها 3 جنيهات و10 شلنات. أرخص منزل في دنتون طوله 15 قدماً وعرضه 10 أقدام من الخارج، مؤجر بثلاثة جنيهات. ومن 14 بيتا جرى تفقدها، ثمة واحد فقط يحتوي على غرفتي نوم.
وعلى مقربة من القرية ثمة منزل لوّنه الساكنون بالقاذورات من الخارج وقد تآكلت 9 إنشات من أسفل الباب بفعل العفونة وحدها، أما باب الدخول، فهو فتحة واحدة تغلق ليلا ببضعة أحجار من الأجر، وتدفع ببراعة وتغطى بمزقة حصيرة. وثمة نصف نافذة، قد سقطت بزجاجها وإطارها. وفي هذا المكان، يتكدس 3 بالغين و5 أطفال بلا أثاث. وليست دنتون أسوأ حالا من بقية أرجاء بيغلزويد يونيون.

(2) بیرکشایر

بينهام: في حزيران/ يونيو 1864، كان ثمة رجل يعيش مع زوجته وأولاده الأربعة في (كوخ صغير مؤلف من طابق واحد). وعادت إحدى بناته من العمل وقد أصيبت بالحمى القرمزية. ثم ماتت. ومرض طفل آخر ثم مات. وكانت الأم وطفل آخر قد أصيبا بالتيفوئيد حين استدعي الدكتور هنتر. وكان الأب ينام مع طفله الثالث خارج المنزل، ولكن صعوبة عزل العدوى تتضح هنا، حيث كانت الأغطية القذرة للعائلة المصابة بالحمى مطروحة في سوق القرية البائسة، المزدحم، بانتظار غسلها. إن إيجار أسرة هاء (H) يبلغ شلناً واحداً في الأسبوع؛ ويحتوي البيت غرفة نوم واحدة للزوج والزوجة، وأطفالهما الستة. وثمة منزل آخر مؤجر بثمانية بنسات أسبوعياً، طوله 14 قدما و6 إنشات وعرضه 7 أقدام، وارتفاع سقف مطبخه 6 أقدام؛ وغرفة النوم بلا نافذة أو موقد أو باب، ولا منفذ لها سوى إلى الممر، ولا حديقة له. وكان يعيش هنا أخيراً رجل مع ابنتيه البالغتين، وابنه البالغ؛ الأب وابنه يرقدان على السرير، والابنتان تضطجعان في الممر. ولكل واحدة من هاتين طفل حين كانت الأسرة لا تزال في هذا المنزل، وقد ذهبت إحداهما إلى مأوى العمل للفقراء كي تلد، ثم عادت إلى البيت.

(3) بكنغهام شایر

هناك 30 کوخاً – على رقعة من الأرض مساحتها 1000 إيكر – تأوي ما بين 130 إلى 140 شخصا. تبلغ مساحة ابرشية برادنهام 1000 إيكر، وفي عام 1851 كان تعدادها 36 منزلا، ونفوسها 84 رجلا و54 امرأة. هذا التفاوت يبن الجنسين خفت بعض الشيء عام 1861، حين بلغ عدد الرجال 98، وعدد النساء 87، أي بزيادة 14 رجلا و33 امرأة خلال عشر سنوات. في غضون ذلك انخفض عدد المنازل واحداً.

وینسلو: أعيد بناء قسم كبير من القرية حديثاً وفق طراز جيد، والطلب على المنازل كبير على ما يبدو، لأن الأكواخ الصغيرة البائسة تؤجر بشلن أو شلن وثلاثة بنسات أسبوعياً.

ووتر – اینون: في ضوء ازدياد السكان، قام الملاك العقاريون هنا، بهدم 20% من المنازل القائمة. وثمة عامل فقير يقطع زهاء 4 أميال مشياً لبلوغ مكان عمله، وقد سئل إن كان لا يستطيع أن يجد كوخ سكن أقرب، فأجاب: «کلا، فهم أذكى من أن يأووا رجلا له أسرة كبيرة كأسرتي»..

تینکرز – ایند، القريبة من وينسلو: ثمة غرفة نوم يقطنها 4 بالغين و4 أطفال، طولها 11 قدما، وعرضها 9 أقدام، وارتفاعها 6 أقدام و5 إنشات في أعلى موضع؛ وثمة غرفة أخرى طولها 11 قدما و3 إنشات وعرضها 9 أقدام، وارتفاعها 5 أقدام و10 إنشات، تأوي 6 أشخاص. تحظى كل واحدة من هاتين الأسرتين بمساحة أقل من تلك التي تعد ضرورية للسجين. وليس ثمة منزل يحتوي على أكثر من غرفة نوم واحدة، ولا يوجد في أي منها باب خلفي؛ أما الماء فهو غير موجود إلا في أكواخ قليلة جدا، ويتراوح إيجار المسكن الأسبوعي بين شلن وأربعة بنسات إلى شلنين. ومن بين 16 منزلا جرى تفقدها، كان هناك رجل واحد يكسب 10 شلنات في الأسبوع. إن كمية الهواء التي يحصل عليها الفرد الواحد في الظروف المذكورة آنفا تعادل ما يحصل عليه فيما لو حبس طوال الليل في صندوق طول ضلعه 4 أقدام لكل من الأبعاد الثلاثة. ولكن الجحور العتيقة تسمح بنفاذ مقدار معين من الهواء دون قصد، فتحسن التهوية.

(4) کمبریدج شایر

غامبلنغاي: يملكها عدة ملاك عقاريين. وهي تضم أبأس الأكواخ الصغيرة (cots) التي يمكن العثور عليها. ويتعاطى الكثير من سكانها ضفر القش. ويسود هذا المكان خمول مميت واستسلام يائس للحياة في القذارة. إن الاهمال الملحوظ في مركز القرية يتحول إلى داء موات في قطبيها الشمالي والجنوبي، حيث تتهاوى المنازل تدريجيا نتيجة لنخره من العفن. وملاكو العقارات المقيمون في أماكن أخرى يستنزفون هؤلاء المستأجرين البائسين على هواهم. فالإيجارات عالية جدا؛ ويحشر 8 أو 9 أشخاص في ردهة نوم واحدة، وفي حالتين من هذه الحالات كانت ردهة نوم صغيرة واحدة تضم 6 بالغات، لكل واحدة منهن طفل أو طفلان.

(5) ایسکس

ثمة عدد من الأبرشيات في هذه المقاطعة يتناقص فيها عدد الأشخاص والأكواخ سوية. إلا أن هناك لا أقل من 22 أبرشية لم يَحُلْ تهديم المنازل فيها دون زيادة السكان، ولم يفض إلى ذلك النوع من طرد السكان الذي يجري عموما تحت اسم «النزوح إلى المدن». وفي أبرشية فينغرينغهو، التي تبلغ مساحتها 3443 إيكراً، كان هناك 145 منزلا عام 1851، لم يبق منها غير 110 منازل عام 1861. بيد أن الناس، ما كانوا راغبين في الهجرة، وقد تدبروا أمر تکاثر نفوسهم رغم تلك الظروف. وفي رامسدین کرایز عام 1851، كان 252 شخصا يسكنون 61 منزلا، أما في عام 1861 فقد كان ثمة 262 شخصا محشورين في 49 منزلا. وفي بازلدون، كان هناك 157 شخصا يعيشون على 1827 إيكراً، في 35 منزلا عام 1851، وفي نهاية العقد، بات عدد الأشخاص 180 والمنازل 27. وكان عدد الأشخاص في أبرشيات فينغرينغهو، ساوث – فارمبريدج، ويدفورد، بازلدون، رامسدین کرایز عام 1851، 1392 شخصا يعيشون على 8449 إيكراً في 316 منزلا. أما عام 1861 فقد بلغ عدد الأشخاص 1473، وعدد المنازل 249، على الرقعة نفسها.

(6) هيرفورد شایر

عانت هذه المقاطعة الصغيرة من «شبح الطرد» أكثر من أي مقاطعة أخرى في إنكلترا. وفي مادلي، ثمة أكواخ مزدحمة ازدحاما شديداً بوجه عام، ولا تحتوي سوى غرفتي نوم، ويملك المزارعون أغلبها. وهم يؤجرونها، بسهولة، لقاء 3 جنيهات أو 4 جنيهات في العام، ويدفعون أجراً أسبوعياً مقداره 9 شلنات.

(7) هنتنغدون شایر

عام 1851، كان في هارتفورد 87 منزلا، بعد ذلك بقليل جرى تهديم 19 كوخ في هذه الأبرشية الصغيرة التي تبلغ مساحتها 1720 إيكراً، وكان عدد سكانها 452 في عام 1831، و382 في عام 1851، و341 في عام 1861. لقد جرى تفقد 14 کوخاً، يحتوي كل واحد منها على غرفة نوم واحدة. في أحد الأكواخ، ثمة زوجان مع 3 أبناء بالغين، وابنة بالغة، و4 أطفال – المجموع عشرة؛ وفي كوخ آخر ثمة 3 بالغين و6 أطفال. وكانت إحدى هذه الغرف التي ينام فيها 8 أشخاص، تبلغ 12 قدماً و10 إنشات طولا، و12 قدماً وإنشين عرضا، و6 أقدام و9 إنشات ارتفاعاً؛ ويوفر هذا، دون خصم الأجزاء الناتئة من الشقة، 130 قدماً مكعباً للفرد الواحد. وينام في هذه الغرف الأربع عشرة 34 بالغاً و33 طفلا. ونادرا ما كان لهذه الأكواخ حدائق، ولكن كثيرين من نزلائها يتمكنون من زراعة رقعة صغيرة يستأجرونها بـ 10 شلنات أو 12 شلناً لكل (rood) (ربع إيكر). وهذه القطع المزروعة بعيدة عن البيوت التي تخلو من أي مراحيض. ويجب على الأسرة «إما أن تذهب إلى قطعة الأرض لترمي فضلات الجسد هناك، وإما أنها، حاشاكم، كما يحدث في هذا المكان تطرح فضلاتها في خزانة بداخلها وعاء على شكل جارور مثبت في حوامل، وينتزع ثم ينقل إلى رقعة الأرض ليفرغ هناك، حيث تحتاج التربة إلى محتوياته». إن دورة شروط الحياة في اليابان، تمضي بصورة أنظف من هذا.

(8) لنكولن شایر

الانغتوفت: ثمة رجل يعيش هنا في منزل رایت، بصحبة زوجته وأمها و5 أطفال؛ وللمنزل مطبخ أمامي، وحجرة لحفظ الأواني وغسلها، وغرفة نوم تعلو المطبخ. إن مساحة المطبخ الأمامي وغرفة النوم تبلغ الواحدة منهما 12 قدماً وإنشين طولا و9 أقدام و5 إنشات عرضاً، والمساحة الكاملة للأرضية السفلى 21 قدما و3 إنشات طولا و9 أقدام و5 إنشات عرضاً. وغرفة النوم هي حجرة علوية: فجدرانها تتصل بالسقف مثل قالب السكر المخروطي، وفي مقدمتها نافذة صغيرة. لماذا يسكن هنا؟ بسبب الحديقة؟ کلا، فهي صغيرة جدا. بسبب الإيجار؟ كلا، فهو مرتفع، ويبلغ شلنا و3 بنسات في الأسبوع. بسبب قربه من العمل؟ كلا، فبعده 6 أميال، وصاحبه يقطع يومية 12 ميلا جيئة وذهابا. إنه يسكن هنا، لأن الكوخ الصغير كان قابلا للاستئجار، ولأنه أراد أن يحظى بكوخ مستقل له وحده، مهما كان موقعه أو سعره، وحاله. وفيما يلي جدول إحصائي عن 12 منزلا في لانغتوفت، تحوي 12 غرفة نوم، ويسكنها 38 بالغاً و36 طفلا:

12 منزلاً في لانغتوفت

المنزل عدد حجرات النوم عدد البالغين عدد الأطفال عدد الأشخاص الإجمالي
رقم 1 1 3 5 8
رقم 2 1 4 3 7
رقم 3 1 4 4 8
رقم 4 1 5 4 9
رقم 5 1 2 2 4
رقم 6 1 5 3 8
رقم 7 1 3 3 6
رقم 8 1 3 2 5
رقم 9 1 2 0 2
رقم 10 1 2 3 5
رقم 11 1 3 3 6
رقم 12 1 2 4 6
(9) كينت

کانت کننغتون مكتظة اكتظاظاً خطيراً بالسكان في عام 1859، عندما ظهر مرض الدفتيريا، ونظم طبيب الأبرشية تحريات رسمية عن وضع الطبقات الفقيرة. ووجد في هذه الناحية، حيث يستخدم عدد كبير من العمال، أن بعض الأكواخ قد هُدمت ولم تشید أكواخ جديدة إطلاقا. وفي أحد القطاعات تقوم أربعة بيوت تسمى أقفاص العصافير (birdcages)، يحتوي كل واحد منها على أربع غرف، لها الأبعاد التالية مقاسة بالأقدام والإنشات:

المطبخ 6,6 x 8,11 x 9,5

حجرة غسل وحفظ الأواني 6,6 x 4,6 x 8,6
غرفة النوم 6,3 x 5,10 x 8,5

غرفة النوم 6,3 x 8,4 x 8,3

(10) نورثهامبتون شاير

برینوورث، بیکفورد، فلور(***): يوجد في هذه القرى، في الشتاء، ما بين 20 و30 رجلا يتسكعون في الشوارع لانعدام العمل. إن المزارعين لا يحرثون دوماً الأرض التي يزرعونها قمحا ولفتاً حراثة كافية، ومالك العقار يرى أن من الأفضل له أن يدمج كل القطاعات المؤجرة في مزرعتين أو ثلاث. من هنا منبع نقص فرص العمل. وفي حين أن الحقل يتطلع إلى العمل، على هذا الجانب من الخندق، فإن العمال المحرومين من العمل، على الجانب الآخر، يلقون إليه نظرات الحنين. ولا عجب إطلاقا في أن العمال الذين يرهقون بالعمل صيفا، ويتضررون من الجوع شتاء، يرددون بلهجتهم المحلية المميزة قائلين:.(the parson and gentlefolks seem frit to death at them)(1683)(33) وهناك أمثلة في قرية فلور، حيث توجد غرفة نوم واحدة، من أصغر حجم، تأوي زوجين مع 4 أو 5 أو 6 أطفال، أو تأوي 3 بالغين و5 أطفال، أو زوجين مع جد و6 أطفال طرحتهم الحمى القرمزية، إلخ؛ ويوجد بيتان يحتويان على غرفتي نوم، ويأویان أسرتين، الأولى مع 8 بالغين، والثانية مع 9 بالغين، على التوالي.
(11) ويلت شایر

ستراتون: جرى تفقد 31 منزلا، ثمانية منها بغرفة نوم واحدة. وفي بينهیل، في الأبرشية نفسها: ثمة كوخ مؤجر بشلن واحد و3 بنسات في الأسبوع، يسكنه 4 بالغين و4 أطفال، لا خير فيه، عدا الجدران، من الأرضية المبلطة بأحجار غليظة التقطيع، إلى السقف المغطى بقش أكله البلى. (12) ورسیسترشایر

إن تهديم المنازل هنا ليس واسعاً جداً، مع ذلك فإن عدد قاطني المنزل الواحد ارتفع بين عام 1851 وعام 1861، من 4,2 إلى 4,6 أفراد.

بادزي: يوجد هنا كثير من الأكواخ والحدائق الصغيرة. ويزعم بعض المزارعين أن هذه الأكواخ «مصدر ازعاج كبير هنا، لأنها تأتي بالفقراء». (a great nuisance here , because they bring the poor) ويقول أحد السادة:

«لن يتحسن وضع الفقراء، فإذا شيد 500 كوخ فستؤجر بسرعة كبيرة، والواقع، كلما شيدت أكثر زادت حاجتهم إلى المنازل أكثر». . وحسب رأي هذا السيد، أن المنازل تولد السكان، وأن هؤلاء يضغطون «على وسائل السكن» بحکم قانون الطبيعة. وعلى هذا يرد الدكتور هنتر:

«لا بد من أن يأتي هؤلاء الفقراء من ناحية ما، وبما أنه لا يوجد شيء خاص يجذبهم إلى بادزي، كالإعانات الحكومية، فلا بد أن ثمة شيئا يدفعهم إلى هذه الناحية من ناحية أخرى أقل ملاءمة. ولو كان بوسع كل واحد منهم أن يجد کوخاً وقطعة أرض بجوار عمله، فلن يحبذ القدوم إلى بادزي، حيث عليه أن يدفع لقاء رقعة الأرض الصغيرة ضعف ما يدفعه المزارع». إن النزوح الدائم إلى المدن، والتكوين الدائم «لفيض» سكاني في الريف من جراء تركز المزارع وتحويل الحقول إلى مراع واستخدام الآلات، إلخ، والطرد المستمر لسكان الأرياف بتهديم أكواخهم، إنما تسير جميعا جنبا إلى جنب. وكلما فرغت منطقة من المناطق من السكان، تعاظم فيض السكان النسبي فيها، وتنامي ضغطهم على وسائل تشغيلهم، وتزايد فيض السكان الزراعيين المطلق بالمقارنة مع وسائل سكنهم، وتعاظم بالتالي فيض السكان المحلي في القرى، وتكديس المخلوقات البشرية تكديس وبائية مهلكة. إن حشر زمر من الناس في القرى الصغيرة المبعثرة، أو في البلديات الريفية الصغيرة، يعادل طرد الناس بالعنف من الأراضي. إن جعل العمال الزراعيين «فائضين» باستمرار، على الرغم من تناقص عددهم وتنامي مقدار منتوجاتهم، يشكل مهد الفاقة. وتغدو هذه الفاقة، دافعة لطردهم من الأرض، ومنبعاً رئيسياً لبؤس سکنهم، مما يحطم آخر قدرة لهم على المقاومة، ويجعلهم مجرد عبيد للملاك العقاريين والمزارعين (34).

بحيث يتوطد الحد الأدنى من الأجور قانون من قوانين الطبيعة بالنسبة إليهم. من جهة أخرى نرى أن الأرياف تعاني، على الرغم من «فيض السكان النسبي» الدائم، نقصا في السكان، في الوقت نفسه، ولا يتجلى ذلك على المستوى المحلي في مواضع تدفق الناس منها إلى المدن والمناجم وأعمال سكك الحديد، إلخ.، بسرعة كبيرة، فحسب، بل يتجلى في كل الأماكن، خلال موسم الحصاد، وكذلك في فصلي الربيع والصيف، خلال تلك الفترات المتعددة، عندما تحتاج الزراعة الإنكليزية، التي بلغت مستوى عالياً من العناية والتكثيف، إلى أيد عاملة إضافية. فهناك على الدوام عمال فائضون عن الحاجات الوسطية للزراعة، مثلما هناك على الدوام نقص في العمال عن حاجاتها الاستثنائية أو المؤقتة (35). لهذا نجد الوثائق الرسمية تزخر بشکاوی متناقضة وردت من أماكن واحدة عن نقص وفيض اليد العاملة في آن واحد. إن النقص المؤقت أو المحلي في اليد العاملة لا يفضي إلى رفع الأجور، بل فقط إلى سوق النساء والأطفال إلى العمل الزراعي، وخفض متوسط سن العمال باستمرار. وما إن يترسخ استغلال الإناث والأطفال على نطاق واسع، حتى يتحول بدوره إلى وسيلة جديدة لتولید فیض سكاني وسط الذكور من العمال الزراعيين البالغين، وتخفيض أجورهم. وفي شرقي إنكلترا تزدهر ثمرة رائعة من ثمار هذه الحلقة المفرغة (cercle vicieux) – نعني ظهور ما يسمى بنظام زمر العمل (Gangsystem) (زمر أو عصبة العمل)، الذي أتطرق إليه هنا بإيجاز (35).

يقتصر نظام زمر العمل على لنكولن شایر، هنتينغدون شایر، کمبریدج شایر، نورفولك شایر، سافولك شایر، نوتنغهام شایر، وفي مواضع متفرقة من مقاطعات نورثهامبتون شایر وبيدفورد شایر، وروتلاند، المجاورة. وتصلح لنكولن شاير لأن تكون مثالا. إن رقعة كبيرة من هذه المقاطعة هي أرض حديثة العهد، فقد كانت من قبل مستنقعات، أو أرض انتزعت أخيراً من البحر، كما في بعض المقاطعات الشرقية المذكورة تواً. لقد صنع المحرك البخاري العجائب فيما يتعلق بأعمال تجفيف الأراضي. وما كان ذات مرة مستنقعاً أو أرضا رملية، غدا اليوم مروج قمح تدر أكبر الريع. وينطبق القول نفسه على الأراضي المغمورة بالطمي التي انتزعتها يد العمل البشري، كما حدث في جزيرة أكسهولم. وأبرشيات أخرى على ضفاف نهر ترنت. ولكن نشوء مزارع جديدة لا يترافق مع بناء أكواخ جديدة، بل يترافق، على العكس، مع تهديم القديم منها؛ أما اليد العاملة فتستدعى من القرى المفتوحة، التي تبعد أميالا، وتقع قرب طرق كبيرة، تلتف على منحدرات التلال. وفي الماضي كان السكان قد وجدوا هناك بالذات مأوى يلوذون به من الفيضانات المستديمة في فصل الشتاء. إن العمال الذين يسكنون دوماً في المزارع التي تتراوح مساحتها بين 400 إلى 1000 إيكر (ويسمون هناك «العمال المثبتين») يستخدمون حصراً في أنواع معينة من العمل الزراعي الدائم، والشاق، الذي ينفذ بمعونة الخيول. ويندر أن نعثر على كوخ واحد في كل مائة إيكر(****) بصورة وسطية. وأدلى أحد المزارعين الذي يستأجر قطعة من أرض المستنقعات (Fenland) فيما مضى بشهادته أمام لجنة التحقيق قائلا:



«إنني أعمل على 320 إيكراً، وهي جميعاً أرض صالحة للزراعة. ليس ثمة كوخ واحد في مزرعتي. وهناك عامل واحد في مزرعتي الآن. وعندي أربعة عمال يعتنون بالخيول ويسكنون في الجوار. أما العمل السهل الذي يحتاج إلى كثرة من الأيدي العاملة، فنسنده إلى زمر العمل»(36).
تحتاج الأرض إلى الكثير من العمل السهل في الحقول، مثل قلع الأعشاب الضارة وعزق التربة، وبعض عمليات التسميد، وإزالة الأحجار، وما إلى ذلك. وزمر العمل هي التي تؤدي ذلك، أو تؤديه أحياناً فرق منظمة من العمال الذين يقطنون القرى المفتوحة.

تتألف زمرة العمل من 10 أشخاص إلى أربعين أو خمسين شخصا، من الإناث بالذات، ومن اليافعين من كلا الجنسين (بين 13 – 18 عاما)، رغم أن الصبيان يخرجون منها، في الغالب، عند سن الثالثة عشرة، وأخيراً، من الأطفال من كلا الجنسين (6 – 13 عاما). ويقف على رأس زمرة العمل عريف (Gangmaster)، وهو دائما عامل زراعي عادي، ممن يسمى مخلوقاً طائشاً، مغامراً، جسوراً، متشرداً، سكيراً، ولكنه يتحلى بنوع من روح المبادرة. والعريف هو الذي يجند الزمرة، وهي تأتمر بأمره، لا بأمر المزارع. وهو يتولى إبرام صفقة العمل، في الغالب بالقطعة مع هذا الأخير، ودخله الذي لا يزيد وسطياً زيادة كبيرة عن دخل العامل الزراعي العادي (37)، مرهون تماما، على وجه التقريب، بتدبيره وبراعته في انتزاع أكبر عمل ممكن في أقصر وقت ممكن من افراد زمرته. وقد اكتشف المزارعون أن النساء لا يعملن جيداً إلا تحت إمرة الرجال، ولكن – من جهة أخرى – ما إن يبدأ الأطفال والنساء بالعمل، حتى يأخذهم الاندفاع لبذل أقصى الجهود – وهذا ما كان يعرفه فورييه. أما العامل البالغ، فهو مراوغ تماما، ويحاول اقتصاد قواه بأقصى ما يستطيع. ويتنقل عريف الزمرة من مزرعة إلى أخرى، وبذلك يشتغل مع جماعته من 6 إلى 8 أشهر في العام. لذلك فإن العمل ارتباطا بهذا العريف مثمر ومضمون بالنسبة إلى الأسر العمالية، أكثر من العمل عند مزارع واحد، لا يستخدم الأطفال إلا بين الحين والآخر. هذا الواقع يرسخ نفوذ عريف الزمرة رسوخاً کاملا في القرى المفتوحة، بحيث لا يعود بوسع أحد أن يؤجر الأطفال إلا عن طريقه.

وإن «إعارة» هؤلاء الأطفال فرادی، وبصورة مستقلة عن الجماعات، هي مهنته الثانوية. إن «الجوانب المعتمة» في هذا النظام هي التشغيل المفرط للأطفال واليافعين، والمسيرات الطويلة جدا التي يضطرون إلى القيام بها يومياً ذهابا وإيابا من وإلى المزارع التي تبعد 5 أو 6 وأحيانا 7 أميال، وأخيرا الانحطاط الخلقي للجماعة. ورغم أن عريف الزمرة، الذي يطلق عليه في بعض المناطق اسم «السائس» (the driver)، يتسلح بعصا طويلة، فإنه لا يستخدمها إلا قليلا جدا، ولا توجد شكاوى من قسوة التعامل إلا بصورة استثنائية. فهو قيصر ديموقراطي، أشبه بعازف المزمار السحري من هاملن، الذي يقود الجرذان وراءه. فعليه، إذن، أن يكون محبوباً من رعاياه، وهو يأسرهم بسحر الحياة الغجرية تحت قيادته. إن الحرية المنفلتة، والمرح الصاخب، والخلاعة الوقحة، تسود في الزمرة. ويدفع العريف عادة، الحساب في الحانة ويعود إلى البيت على رأس زمرته ثملاً، مترنحاً، تسنده من اليمين واليسار، امرأة قوية، مسترجلة، بينما يسير الأطفال والشباب في المؤخرة، مرحين، صاخبين، يترنمون بأغنيات ساخرة، داعرة، فاجرة. ويسود في رحلة العودة ما كان فورييه يسميه «الزواج المفتوح» (*5). وكثيرا ما تحبل فتيات في سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من أتراب لهن. وتتحول القرى المفتوحة التي تنبع منها هذه الجماعات، إلى سادوم وعامورة (38)، حيث تبلغ الولادات غير الشرعية فيها ضعف ما هي عليه في سائر أرجاء المملكة. ولقد عرضنا آنفاً الوضع الأخلاقي لهاته الفتيات اللواتي ينشأن في هذه المدرسة، عندما يصبحن متزوجات. فأطفالهن يولدون مجندين لهذه الزمر، ما لم يجهز عليهم الأفيون بضربة قاضية.

إن الزمرة، في شكلها الكلاسيكي، الذي وصفناه تواً، تُدعى بالزمرة العامة، أو الزمرة المشتركة، أو الجوالة (public, common or tramping gang). وهناك أيضا زمر خاصة (private gangs). وتنشأ هذه على غرار تلك، إلا أن عدد أفرادها أقل، ولا تعمل بإمرة عريف بل بإمرة خادم مزرعة عجوز، لم يعد بمقدور سیده المزارع أن ينتفع به على نحو أفضل. المرح الغجري لا وجود له هنا، ولكن أجور ومعاملة الأطفال أسوأ حسب جميع إفادات الشهود.

إن نظام الزمر، الذي تنامی باطراد خلال السنوات الأخيرة (39)، لم يظهر، كما هو واضح، لأجل سواد عيون عريف الزمرة. لقد وجد لإغناء كبار المزارعين (40) وملاكي الأرض الكبار (41). وبالنسبة إلى المزارع فليس ثمة طريقة أذكى من هذه ليبقى عدد العمال دون المستوى العادي، وليحوز مع ذلك عددا إضافياً من العمال جاهزين دوماً لأداء الأعمال الإضافية، ولينتزع أكبر قدر ممكن من العمل بأقل قدر ممكن من النقود(42)، ويجعل العمال الذكور البالغين «فائضين عن الحاجة». ويتضح من هذا الاستعراض سبب الاعتراف بقلة فرص العمل، على هذا القدر أو ذاك، للعامل الزراعي من جهة، والقول بأن نظام زمر العمل «ضروري»، من جهة أخرى، من جراء نقص العمال الذكور وهجرتهم إلى المدن (43). إن الحقل النظيف من الأعشاب الضارة، والأعشاب البشرية الضارة في لنكولن شایر، وإلخ.، هما القطبان المتضادان للإنتاج الرأسمالي (44)

_____________
(1) جيمس اي. ث. روجرز (استاذ الاقتصاد السياسي في جامعة أوكسفورد)، تاريخ الزراعة والأسعار في إنكلترا.
إن هذا المؤلف هو ثمرة لبحث صبور، مثابر، ولا يغطي بمجلديه اللذين ظهرا حتى الآن سوى الفترة الممتدة من عام 1259 إلى عام 1400. ويحتوي المجلد الثاني على احصائيات صرف. وهو أول “تاریخ أسعار” ((History of Prices موثوق يتوافر لنا ويستند إلى المراجع الأولية عن ذلك العهد.
(2) أسباب ارتفاع معدلات الفقراء، أو نظرة مقارنة إلى سعر العمل والمؤن، ص 5-11.
(Reasons for the late Increase of the Poor-Rates: or, a comparative view of the price of labour and provisions, London, 1777, p. 5-11).
(3) د. ريتشارد برایس، ملاحظات حول المدفوعات للأملاك المستعادة.
(158 ويشير برايس على الصفحة 159 قائلا: “إن السعر الاسمي ليوم العمل لا يزيد في الوقت الحاضر عن أربعة أمثال، أو في أقصى الأحوال، عن خمسة أمثال سعره في عام 1514. ولكن سعر القمح الآن هو سبعة أمثال، أما أسعار اللحم والثياب فهي أعلى بخمس عشرة مرة. إذن فسعر العمل هو أبعد ما يكون عن الارتفاع بما يتناسب والزيادة في تكاليف العيش، بحيث أنه لا يبدو الآن قادراً على تغطية نصف نسبة النفقات التي كان يغطيها من قبل”.
(4) بارتون Barton، المرجع المذكور، ص 26. وبخصوص نهاية القرن الثامن عشر راجع کتاب إيدن: [وضع الفقراء].
(5) [ت. هـ.] باري، مسألة ضرورة قوانين الحبوب الحالية، لندن، 1816، ص 80.
(6) المرجع نفسه، ص 213.
(*) حرفياً: فتن سوينغ (Swing riots)، وهي حركة لعمال الزراعة في إنكلترا بين 1830 – 1833 ضد استخدام آلات الدرس ومن أجل رفع مستوى الأجور. حاول العمال بلوغ أهدافهم برسائل تهدید يوجهونها إلى المزارعين والملاكين مذيلة بتوقيع الكابتن سوينغ، الوهمي وكذلك بحرق أكداس القمح وإتلاف آلات الدرس. [ن. برلین].
(7) ص. لينج S. Laing، المرجع المذكور، ص 62.
(8) أنظر: إنكلترا وأميركا، لندن، 1833.
(9) صحيفة إيكونوميست اللندنية، 29 آذار/ مارس 1845، ص 290.
(**) الكنيسة الدنيا: تيار في الكنيسة الإنجيلية تمثله بورجوازية المدن وصغار القساوسة، يركز على الوعظ الأخلاقي والأعمال الخيرية، وكان للورد شانتسبري نفوذ واسع في هذه الكنيسة من التسمية الساخرة له بأنه “البابا”. [ن. برلین].
(10) ولتحقيق هذه الغاية استحدثت الأرستقراطية العقارية لنفسها، عبر البرلمان طبعاً، رصيداً من خزينة الدولة تقترض منه، بفائدة مئوية منخفضة جدا، بينما كان على المزارعين أن يدفعوا لها ضعف هذه الفائدة.
(11) إن انخفاض عدد المزارعين المتوسطين ينضح بشكل خاص من الاحصاءات السكانية الرسمية الفئات ابن المزارع، حفيده، شقيقه، ابن اخيه، ابنته، حفيدته، شقيقته، ابنة أختها، وباختصار أفراد أسرة المزارع الذين يستخدمهم. وكان عدد هذه الفئات يبلغ 216,851 شخصا عام 1851، أما في عام 1861، فكان عددهم 176,151 فقط. – إن عدد المزارع التي تبلغ مساحتها أقل من 20 إيكراً، قد هبط بما يزيد عن 900، بين عامي 1851 و1871، أما المزارع التي تتراوح مساحتها من 50 إلى 75 إيكراً فهبط عددها من 8253 إلى 6370 مزرعة، وحصل الشيء نفسه لجميع المزارع الأخرى التي تقل مساحتها عن 100 إيكر. من جهة أخرى ازداد عدد المزارع الكبيرة خلال فترة العشرين عاماً هذه، فقد نما عدد المزارع التي تتراوح مساحتها بين 300 إلى 500 إيكر، من 7771 إلى 8410 مزارع، وتلك التي تزيد مساحتها عن 500 إيكر من 2755 إلى 3194 مزرعة، أما التي تزيد مساحتها عن 1000 إيكر نقد ازدادت من 492 إلى 582 مزرعة.
(12) ازداد عدد رعاة الأغنام من 12,517 إلى 25,559.
(13) الاحصائيات السكانية، إلخ، المجلد الثالث، ص 36.
(14) روجرز، Rogers، المرجع المذكور، ص 693. إن روجرز ينتمي إلى المدرسة الليبرالية، وهو صديق شخصي لكوبدن وبرايت، فهو بالتالي ليس أبداً: مدّاحاً للماضي
(Laudator temporis acti).
(15) تقرير الصحة العامة السابع، 1865، ص 242. لا غرابة إذن في أن يرفع مؤجر البيت إيجار سكن العامل ما إن يتناهى إليه أن مداخيل هذا قد زادت قليلا، كما أنه لا غرابة في أن يخفض المزارع الرأسمالي أجور العامل لأن زوجته قد وجدت عملا، (المرجع نفسه).
(16) المرجع نفسه، ص 135.
(17) المرجع نفسه، ص 134.
(18) تقرير المفوضين … حول النقل والأشغال الشاقة، لندن، 1863، ص42، رقم 50.
(Report of the Commissioners… relating to Transportation and Penal Servitude, London, 1863, p. 42, No. 50).
(19) المرجع نفسه، ص 77، مذكرة اللورد رئيس الفضاء.
(20) المرجع نفسه، المجلد الثاني. الإفادات، [ص 418-239].
(21) المرجع نفسه، المجلد الأول، الملحق، ص 280.
(22) المرجع نفسه، ص 274-275.
(23) تقرير الصحة العامة السادس، 1863، ص 238، 249، 261، 262.
(24) المرجع نفسه، ص 262.
(25) المرجع نفسه، ص 17. لا يحصل العامل الزراعي الإنكليزي إلا على ربع الحليب ونصف الخبز الذي يحصل عليه نظيره الإيرلندي. وقد سبق أن لاحظ يونغ في مؤلفه: جولة في أرجاء إيرلندا Tour through Ireland في مطلع هذا القرن، أن تغذية العامل الإيرلندي أحسن. والسبب بكل بساطة، هو أن المزارع الإيرلندي الفقير أكثر إنسانية بما لا يقاس من المزارع الإنكليزي الثري. أما بخصوص ويلز فإن المعطيات الواردة في النص لا تنطبق على نواحيها الجنوبية الغربية. يجمع كل الأطباء هناك على أن الارتفاع الشديد للوفيات بالسل وداء الخنازير، إلخ، مرتبط بتدهور الحالة البدنية للسكان، ويعزون كل هذا التدهور إلى الفاقة. ويقدر طعام عامل المزرعة هناك بمبلغ 5 بنسات في اليوم، إلا أن المزارع، (الذي هو أيضا فقیر جداً) يدفع في الكثير من المناطق أقل من ذلك. إن قطعة من اللحم المملح والجاف مثل خشب الماهوغوني الذي لا يستحق عناء الهضم، أو قطعة من شحم الخنزير … تستخدم لإضافة النكهة إلى كمية ضخمة من الحساء، المحضر من الطحين والبصل أو من الشوفان، ويوما بعد يوم، يتكرر غداء العامل هذا … وكانت نتيجة التقدم الصناعي، بالنسبة إليه، في هذا المناخ القاسي، الرطب، هي نبذ الصوف المتين، المحاك من الغزول البينية، لصالح الأقمشة القطنية الرخيصة، والتخلي عن المشروبات القوية لمصلحة تناول شيء اسمه شاي … وبعد أن يتعرض العامل الزراعي إلى الرياح والأمطار ساعات كثيرة من العمل، يلوذ بكوخه ليجلس قرب نار يضرمها من الخث أو خليط من كرات الفحم القليل المعجون بالطين، تبعث عند احتراقها دفقة من الحوامض الكربونية والكبريتية. إن جدران كوخه معمولة من الطين والحجارة، وأرضيته هي تراب الأرض العارية، مثلما كانت عليه قبل بناء الكوخ، وسقفه كتلة من القش، الرخو، غير المثبت بشيء. وتجد كل الشقوق مسدودة حفاظا على الدفء، وفي هذا الجو من العفونة الكريهة، على الأرضية المغطاة بالوحل، وبثوبه الوحيد الذي يجف على ظهره في كثير الأحيان، يتناول عشاءه وينام مع زوجته وأطفاله. وقد وصف لنا أطباء توليد أمضوا ردحا من الليل في هذه الثقوب كيف غاصت أرجلهم في وحل أرض الغرفة، وكيف اضطروا (مهمة يسيرة) إلى فتح ثقب في الجدار للحصول على شيء من الهواء لتنفسهم. وأفاد شهود عيان كثيرون، من مختلف الدرجات، أن هذه وغيرها من المؤثرات الضارة بالصحة، تطبق في الليل على الفلاح الجائع من سوء التغذية (underfed)، أما النتيجة، فهي أناس واهنون مصابون بداء الخنازير… وتبين أنوال موظفي الأبرشيات في کارمارننشایر وکارديغانشایر، بطريقة مقنعة، وجود حالة مماثلة. ويوجد علاوة على ذلك شر أفظع، وهو ضخامة عدد البلهاء. ونأتي الآن على ذكر أوضاع المناخ. إن رياح جنوبية – غربية قوية تهب على البلاد كلها طوال 8 أو 9 أشهر من العام، جالبة معها سيولا من الأمطار، التي تتساقط بالدرجة الأولى على المنحدرات الغربية من التلال. إن الأشجار نادرة، باستثناء الأماكن المحمية، وحيثما لا تكون محمية، فإن الرياح تمزقها تمزيقاً. وتربض الأكواخ عموما، عند سفح جبل، أو في مقلع حجارة أو واد ضيق، وليس هناك سوى خراف قميئة وماشية محلية تستطيع العيش في هذه المروج… ويهاجر الشباب إلى مناطق المناجم الشرقية في غلامورجان ومرنموث. أما كارمارتنشایر فهي مشتل أنسال عمال المناجم ومأوى للمرضى. ولا يستطيع السكان، لذلك، الحفاظ على عددهم إلا بصعوبة. هكذا نجد في كارديغانشایر:

عام 1851 عام 1861
عدد الذكور 45,155 44,446
عدد الإناث 52,459 52,955
المجموع 97,614 97,401
تقرير الدكتور هنتر في تقارير الصحة العامة، التقرير السابع لعام 1864، لندن، 1865، ص 498-502 ومواضع أخرى.

(26) لقد تحسن هذا القانون عام 1865 إلى حد معين. ولكن التجربة ستبين لنا، عما قريب، أن لا فائدة ترجى من مثل هذه الترقيعات الخرقاء.
(27) بغية فهم ما سيأتي من النص، ينبغي أن نعرف أن القرى المغلقة، (close villages) هي القرى التي يملكها واحد او اثنان من كبار ملاك الأرض. أما «القرى المفتوحة» (open villages) فتعود ملكية أرضها إلى العديد من صغار ملاك الأرض. وفي هذه الأخيرة يستطيع المضاربون في الأبنية أن يشيدوا الأكواخ وبيوت المعدمين.
(28) إن منظر قرية استعراضية من هذا النوع يبدو جميلا، والواقع أن لا وجود لها شأن القرى التي رأتها كاترينا الثانية في رحلتها إلى القرم. وفي الآونة الأخيرة، صار رعاة الأغنام يطردون أيضا في أحيان كثيرة من هذه القرى الاستعراضية؛ فمثلا توجد بالقرب من مارکت – هاربورو، مزرعة لتربية الأغنام تبلغ مساحتها حوالي 500 إيكر، لا تستخدم سوى عامل واحد. ولاختزال مشقة السير لمسافات طويلة في هذه المروج الشاسعة، أي المراعي الجميلة في لابستر ونورثهامبتون، اعتاد الرعاة السكن في كوخ داخل المزرعة. أما الآن فيدفع للراعي شلن آخر – الثالث عشر – أسبوعياً للسكن بعيداً في قرية مفتوحة.
(29) «عادة تشاد بیوت العمال (في القرى المفتوحة، المزدحمة، بالطبع، ازدحاماً مفرطاً على الدوام) على شكل صفوف، وظهرها ملتصق بقطعة الأرض التي يسميها مضارب البناء أرضه، وبهذا لا يأتيها النور والهواء، إلا من المقدمة، تقرير الدكتور هنتر في تقارير الصحة العامة – التقرير السابع، 1864، ص 135. وغالبا ما يكون بائع البيرة أو البقال في القرية هو الذي يؤجر المنازل، في الوقت نفسه. في هذه الحالة يجد العامل الزراعي فيه سيداً ثانياً، إلى جانب سيده المزارع. فينبغي على العامل أن يكون زبونه أيضا. إنه بشلناته العشرة اسبوعياً، مطروحة منها 4 جنيهات للإيجار في العام، مضطر لأن يشتري بالسعر الذي يفرضه البائع، حفنته (modicum) من الشاي، والسكر، والدقيق، والصابون والشموع، والبيرة، (المرجع نفسه، ص 132). إن هذه القرى المفتوحة هي في الواقع، مستعمرة عقاب، للبروليتاريا الزراعية في إنكلترا. والكثير من هذه الأكواخ مجرد نُزل للمبيت، يمر به كل الرعاع المتشردين في الجوار. وإن العامل الريفي الذي احتفظ في أحيان كثيرة، وبصورة مدهشة حقا، تحت اسوأ الظروف، بكمال الخلق والطهارة، يهلك مع اسرته في هذه المنازل حتما. وبالطبع، فإن الشائع عند إضراب شایلوك الأرستقراطيين أن يهزوا مناكبهم، متظاهرين رياء بالتقوى إزاء مضاربي البناء، وصغار ملاك الأرض والقرى المفتوحة. فهم يعرفون خير معرفة أن قراهم المغلقة، والقرى الاستعراضية، هي منبت القرى المفتوحة، ولا تستطيع قراهم أن تبقى في الوجود بدون هذه الأخيرة. إن العمال الزراعيين … لولا صغار المالكين، لكانوا في أغلبهم تقريبا، ينامون تحت أشجار المزارع التي يعملون فيها» (المرجع نفسه، ص 135). ويسود نظام القرى المفتوحة، والقرى المغلقة، في مناطق وسط إنكلترا Midland، وفي ارجاء انحائها الشرقية كافة.
(30) «إن مؤجر البيت، (سواء كان مزارعاً أم مالكاً كبيراً للأرض) ليحقق، لنفسه بصورة مباشرة، أو غير مباشرة ربحا من استخدام رجل بعشرة شلنات في الأسبوع، وينتزع من هذا المسكين 4 أو 5 جنيهات سنوية بتأجيره بينا لا يساوي 20 جنيها في سوق حرة حقا، ولكنه يحافظ على سعره المصطنع هذا بسلطته كمالك يستطيع أن يقول للعامل: إما أن تستأجر منزلي أو تذهب وتفتش عن عمل في مكان آخر، دون أن تحصل على شهادة حسن سلوك مني… وإذا ما عن لرجل أن يحسن وضعه، بأن يذهب للعمل كراصف قضبان في سكك الحديد، أو كعامل في مقلع حجارة ، فإنه يجد السلطة نفسها تلاحقه بقولها إما أن تعمل لأجلي بهذا الأجر المنخفض، وإما تصرف بعد أسبوع، خذ خنزیرك معك، ثم نرى ما تستطيع الحصول عليه لقاء البطاطا التي تنمو في حديقتك. وحين يجد المالك (أو المزارع) أن ذلك يخدم مصلحته خدمة أفضل، فإنه يحبذ رفع إيجاره في بعض الأحيان، كعقاب على ترك العمال لخدمته» (الدكتور هنتر، المرجع نفسه، ص 132).
(31) «إن العرسان الجدد ليسوا بمثابة درس تهذيب لإخوتهم وأخواتهم البالغين الذين يشاركونهم حجرة النوم نفسها. ورغم تعذر ذكر أمثلة، فثمة معطيات تكفي لتبرير الملاحظة التالية وهي أن حزنا عظيماً، أو الموت أحيانا، يكون نصيب الأنثى التي ترتكب إثم سفاح القربى، الدكتور هنتر» (المرجع نفسه، ص 137). ويقول أحد أفراد البوليس الريفي، وقد سبق أن خدم بضع سنوات كمفتش في اسوا احياء لندن، عن فتيات قريته: «ما رأیت لفسقهن منذ السن المبكرة ولصلافتهن وخلاعتهن مثيلا في سنوات خدمتي كبوليسي ومفتش في أسوأ أحياء لندن، فهم يعيشون كالخنازير. فالشباب البالغون والفتيات البالغات، والأمهات، والآباء ينامون جميعا في غرفة واحدة». (لجنة عمل الأطفال، التقرير السادس، لندن، 1867، الملحق، ص77، رقم 155).
(32) تقرير الصحة العامة السابع، 1864، ص 149، ومواضع اخرى.
(***) ورد هذان الاسمان: Pitsford , Brixworth ، في متن النص الألماني، أما الصحيح فهو Pickford , Brinworth حسب المراجع الإنكليزية. [ن. ع].
(33) ایبدو أن الكاهن والنبلاء متفقون على تذويبنا حتى الموت).
(34) «إن المهنة السامية التي كان يمارسها العامل الزراعي تضفي الكرامة حتى على منزلته. إنه ليس عبدا مسترقا، بل هو جندي في زمن السلام، ويستحق أن يقدم المالك العقاري له مكانا يليق بالرجال المتزوجين، طالما أن هذا المالك يدعي لنفسه سلطة إرغامه على العمل، بمثل ما تقتضيه البلاد من الجندي. لكنه لا يتلقی، شأنه شان الجندي، سعر عمله بسعر السوق. وعلى غرار الجندي، يؤخذ فتياً، غراً، لا يعرف من الدنيا سوى مهنته ومنطقته. إن الزواج المبكر ومفعول شتی قوانین السكن تؤثر على هذا، مثلما يؤثر نظام التجنيد وقانون العقوبات العسكرية على ذاك» الدكتور هنتر في تقرير الصحة العامة السابع، 1864، لندن، 1865، ص132. ونرى أحيانا أن مالكاً عقارياً، رقيق الحاشية على نحو استثنائي، يأسى للفقر الذي خلقه هو نفسه. «إنه لشيء مؤسف أن يقف المرء وحيداً في أرضه، يقول اللورد لايستر، حين تلقى التهنئة على انتهاء بناء قصره هوکهام. – إنني أجيل النظر من حولي فلا أرى بيتا غير بيتي. إنني عملاق من برج العمالقة، وقد التهمت كل جيراني».
(35) ونرى حركة مماثلة وقعت خلال السنوات العشر الأخيرة في فرنسا، وذلك كلما كان نطاق هيمنة الإنتاج الرأسمالي على الزراعة يتسع، ويطرد فیض، السكان الزراعيين إلى المدن. كما نجد هنا تدهور ظروف السكن وغيرها بجوار منبع السكان الفائضين، بالذات. للاطلاع على هذه البروليتاريا الريفية، (proletariat foncier) الخاصة التي أدى نظام تجزئة الأرض لقطع صغيرة إلى ظهورها، أنظر المؤلف الذي سبق الاستشهاد به: کولنز، [الاقتصاد السياسي]. وكذلك مؤلفي: الثامن عشر من برومیر لویس بونابرت، الطبعة الثانية، هامبورغ، 1869، ص 88 وما يليها. لقد كان سكان المدن في فرنسا عام 1846 يمثلون 24,42% وسكان الريف 75,58%، أما عام 1861، فباتت النسبتان 28,86% في المدن و71,14% في الريف. وشهدت السنوات الخمس الأخيرة تناقصاً أكبر في نسبة سكان الريف من مجموع السكان. وقد أنشد بيير دوبون، عام 1846، في «انشودة العمال» قائلا:
نلبس ثيابا رثة، ونسكن الجحور
تحت الأسيجة وفي الخرائب،
نحيا مع البوم واللصوص
أصدقاء الأشباح والظلام.
(35) يقتصر التقرير السادس والأخير للجنة استقصاء شروط استخدام الأطفال، المنشور في نهاية آذار/ مارس 1867، على معالجة نظام زمر العمل (Gangsystem) الجوالة في الريف.
(****) في النص شرح بين قوسين لما يعادل الإيكر في المقاييس الألمانية حذفناه. [ن. ع].
(36) لجنة استخدام الأطفال، التقرير السادس، شهادات، ص37، رقم 173.
(37) إلا أن بعض عرفاء زمر العمل قد تحولوا إلى مزارعين يستأجرون حتى 500 إيكر، أو مالكي عدد لا بأس به من المنازل.
(*5) [استخدم فورييه هذا التعبير في مؤلفه: العالم الصناعي والاجتماعي الجديد، الجزء الخامس، في إضافة للفصل 36؛ والجزء السادس، استنتاجات معممة، ص 276]. [ن. برلین]. (38) «لقد أفسدت هذه الزمر نصف فتيات لودفورد» (المرجع نفسه، الملحق، ص 6، رقم 32).
(39) «لقد ازداد هذا النظام زیادة عظمى في السنوات الأخيرة. ولكنه لم يدخل في بعض الأماكن إلا في وقت متأخر، أما في الأمكنة الأخرى، حيث يوجد منذ وقت أبعد، فإن الزمر تستخدم أطفالا أصغر سنا، بأعداد أكبر فأكبر»، (المرجع نفسه، ص 79، رقم 174).
(40) إن صغار المزارعين لا يستخدمون عمل الزمر البتة. إن هذا العمل لا يستخدم على الأرض الفقيرة، بل على الأرض التي تدر ريعاً يتراوح بين 40 إلى 50 شلنا من الإيكر الواحد، (المرجع نفسه، ص 17، رقم 14).
(41) وبالنسبة إلى أحد هؤلاء السادة كان مذاق الريع مستحباً إلى حد كبير، بحيث أنه زعق في غضبه أمام لجنة التحقيق قائلا إن الضجيج كله مثار بسبب اسم النظام ليس إلا. فلو جرت تسمية النظام، بدل «الزمرة» (Gang)، باسم الرابطة الصناعية الزراعية للشباب من أجل الكسب المستقل، لبانت الأمور على ما يرام.
(42) «إن عمل الزمرة أرخص من أي عمل آخر، ولهذا السبب بالذات يجري استخدامها. هذا ما يقوله أحد عرفاء زمر العمل السابقين (المرجع نفسه، ص 17، رقم 14). ويقول أحد المزراعين إن نظام زمر العمل هو النظام الأرخص للمزارع حتما، وبالقدر نفسه النظام الأسوأ للأطفال حتما» (المرجع نفسه، ص 16، رقم 3).

(43) «لا ريب في أن أعمالا كثيرة يؤديها أطفال في زمر العمل الآن، إنما كان يؤديها الرجال والنساء من قبل. وحيثما يستخدم عمل النساء والأطفال فإن عدد الرجال العاطلين عن العمل يصبح أكثر من السابق (more men are out of work)، (المرجع نفسه، ص 43، رقم 202). من جهة أخرى فإن مسألة العمال (The labour question) في بعض المناطق الزراعية، وبخاصة في الأراضي الصالحة للزراعة، تزداد خطورة في أعقاب الهجرة، والسهولة التي توفرها سكك الحديد في الانتقال إلى المدن الكبرى بحيث أعتقد أنا، (هذا «الأنا» هو وكيل مالك أرض كبير) «أن عمل الأطفال أمر لا غنى عنه إطلاقا» (المرجع نفسه، ص 80، رقم 180). إن مسألة العمال (the Labour question) في المناطق الزراعية الإنكليزية، بخلاف بقية ارجاء العالم المتمدن، هي مسالة ملاك الأرض الكبار والمزارعين، نعني بها كيف يمكن، رغم تزاید هجرة السكان الزراعيين المتعاظمة باطراد، الاحتفاظ بفيض سكان نسبي، كان في الريف، وإبقاء اجور العامل الزراعي، من خلال ذلك، «عند الحد الأدني»؟
(44) إن تقرير الصحة العامة الذي استشهدت به مراراً والذي يعالج مسألة وفيات الأطفال، ويمر مرورا عابراً بنظام زمر العمل، لا يزال مجهولا للصحافة وبالتالي مجهولا للجمهور الإنكليزي. بالمقابل نجد أن التقرير الأخير للجنة استقصاء شروط استخدام الأطفال زود الصحافة بمادة «مثيرة» (sensational)، تحظى بالترحيب دوماً. وبينما كانت الصحافة الليبرالية تتساءل كيف يسمح السادة النبلاء والنبيلات، وكهنة الكنيسة الرسمية، الذين تعج بهم لنكولن شایر، بنشوء نظام كهذا على أرضهم وتحت أبصارهم، وهم الذين يرسلون البعثات التبشيرية إلى أنأی بقاع المعمورة لتقويم أخلاق ساکني جزر بحر الجنوب المتوحشين – كانت الصحافة الراقية تقتصر على إبداء تأملات عن الانحطاط الفظ للسكان الزراعيين الذين لا يتورعون عن بيع أطفالهم لعبودية كهذه. وفي ظل هذه الشروط اللعينة التي يفرضها هؤلاء الرقيقون على العامل الزراعي، لن نعجب منه لو رأيناه يأكل أطفاله. فما يثير العجب حقا هو عافية الاستقامة الأخلاقية التي احتفظ بها هذا العامل، إلى حد كبير. ويشير واضعو التقارير الرسمية إلى أن الآباء يبغضون نظام زمر العمل، حتى في المناطق التي يستخدم فيها هذا النظام. وهناك الكثير في الشهادات التي تبين أن آباء الأطفال يتمنون شاكرين، في حالات كثيرة، أن يستمدوا العون من قانون إلزامي لمقاومة ما يتعرضون له في أحيان كثيرة من ضغط واغراءات. فموظفو الأبرشية تارة، وأرباب العمل تارة أخرى، يجبرونهم، تحت طائلة التهديد بالطرد، على تشغيل أطفالهم بدلا من إرسالهم إلى المدرسة … إن كل هذا الوقت والجهد الضائع، وكل عذابات الجهد الشاق وغير المربح الذي يتعرض له العامل الزراعي وأطفاله، وكل الحالات التي يعزو فيها الأبوان السقوط الأخلاقي لطفلهما إلى دمار رهافة الحس والرقة من جراء ازدحام الأكواخ، أو إلى المؤثرات المفسدة لنظام زمر العمل، إن كل ذلك يستثير في قلوب العمال الفقراء عواطف وأحاسيس يمكن فهمها بسهولة، ولا تحتاج إلى أي شرح وتفصيل. فهم يدركون أن الكثير من العذاب الجسدي والنفسي يقع عليهم بفعل أوضاع لا بد لهم فيها، ولو كان في مقدورهم لما ارتضوها بأي حال، فهم عاجزون عن مقارعتها، (المرجع نفسه، ص xx، رقم 82، وص XXIII، رقم 96).