حياة الأمريكيّين ليست أهمّ من حياة الناس الآخرين ! توزيع تلقيح كوفيد – عالم لامساواة فاحشة


شادي الشماوي
2021 / 7 / 25 - 22:23     

قارئ ، جريدة " الثورة " عدد 709 ، 19 جويلية 2021
https://revcom.us/a/709/covid-vaccine-distribution-a-world-of-obscene-inequality-en.html

تواجه الإنسانيّة أزمة عالميّة كبرى : عبر العالم ، أصيب 190 مليون شخص بكوفيد-19 و توفّي أكثر من أربعة ملايين إنسان ، و لا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ . و لا يعرف الفيروس حدودا وهو ينشر البؤس و العذابات حيثما حلّ . فعقب إصابات فتّاكة بأوروبا و الولايات المتّحدة سنة 2020 ، تصاعدت وتيرة العدوى بصة قاسية في الهند و البرازيل و غيرهما من البلدان .
تصرخ أزمة عالميّة بهذا الحجم من أجل ردّ فعل عالمي يساهم فيه الجميع . و بفضل جهد مذهل حصل إختراق علميّ حيث وقع تطوير تلاقيح عالية الفعاليّة و دخلت مرحلة التصنيع و الإنتاج الكبيرين – بما وفّر إمكانيّات حماية مليارات البشر على الكوكب من هذه المعاناة القاتلة و وضع حدّ دراماتيكيّا لقدرة الفيروس على الإنتشار على العالم ، و مع ذلك ...
يتواصل الكابوس و يتعمّق . فى ظلّ اللامساواة الوحشيّة للرأسماليّة - الإمبرياليّة ، النظام المهيمن على الكوكب ، إشترت اللايات المتّحدة و غيرها من البلدان الغنيّة و خزّنت مئات ملاين الجرعات التلقيح بينما يتصاعد عدد ضحايا الفيروس فى البلد تلو الآخر جنوب الكوكب - من تونس إلى ناميبيا إلى هايتى و أندونيسيا و هكذا . و لم يقع تلقيح عدا أقل بكثير من 10 بالمائة من السكّان فى عديد هذه البلدان. منذ البدايات الأولى ، و بذل الجهود العامة لتطوير التلاقيح ، إستخدمت الولايات المتّحدة و البلدان الأولروبيّة سلطتها السياسيّة التى كسبتها من خلال إستغلال مليارات البشر عبر العالم و عقدت صفقات مباشرة مع شركة صنع الأدوية الصيدليّة . و قبل عدّة أشهر من المصادقة حتّى على التلاقيح ، إشترت الولايات المتّحدة 800 مليون جرعة ، ما يكفى لتلقيح 140 بالمائة من سكّانها بينما إقتنت المملكة المتّحدة [ بريطانيا العظمى ] ما يكفى ل 225 بالمائة من سكّانها . و وُجّه نصف مجمل التلاقيح إلى البلدان الغنيّ’ التى تمثّل 19 بالمائة من سكّان العالم لا غير . (1)
و في الأثناء ، زُعم أنّ تركيز كوفاكس ، المنظّمة العالميّة ، جاء بالضبط للحيلولة دون هذا النوع من التخزين و ذلك مع بداية توفّر التلاقيح عبر العالم . لكن بالرغم من إعلانها عن " هدف ضمان توفير عادل لتلاقيح الكوفيد -19 " ، أمست كوفاكس ذاتها أداة بواسطتها زاد السير الفاضح للإمبريالية في فرض هذه اللامساواة العالميّة . كما أضحت كوفاكس مرتهنة للقوى الإمبريالية بإعتبارها مصدر تمويلها الأكبر فيما كان يُفترض حينها أن تُوفّر بالمجان التلاقيح للبلدان التي لا إمكانيّات لها لشرائها . لكن لأجل حتّى تأكيد أكيد لمصالحها ، أجبرت الولايات المتّحدة و البلدان الأوروبيّة كوفاكس بواسطة إتّفاقيّة على أن تخصّص خُمس الجرعات التي تتوفّر لهذه البلدان الغنيّة قبل أن تصبح متوفّرة للبلدان التي ليس بوسعها شراء التلاقيح . و كان ذلك إضافة إلى أعلى عدد من الجرعات التي إقتنتها هذه البلدان مباشرة بصفة مسبّقة من شركات الصيدلة.
و ظلّ إنتاج التلاقيح إلى درجة كبيرة بين يدي البلدان المصنّعة . و يُعزى هذا إلى واقع أنّ " حقوق الملكيّة الفكريّة " لمصانع التلاقيح التي أرستها الإمبريالية قد تمّ الحفاظ عليها كشرط للتطوّر السريع كالنار في الهشيم اللازم لإنتاج التلاقيح . و هذا الشكل من الإحتكار إلى جانب الهيمنة الإمبرياليّة و إعطاء براءات الإختراع اللازمة لإنتاج التلاقيح ، يترك أقساما هائلة من سكّان الكوكب تحت رحمة البلدان الإمبرياليّة توزّع التلاقيح كصدقات عقب تلبية حاجياتها الخاصة .
و النتيجة هي فروقات بارزة في أنساق عمليّة التلقيح عبر العالم . فعلى سبيل المثال ، بينما تلقّى أكثر من 48 بالمائة من الكهول في الولايات المتّحدة تلقيحا تاما ؛ حسب جريدة " النيوورك تايمز " ، فقط 1 بالمائة من الناس في أفريقيا وقع تلقيحهم تلقيحا تاما . و تتوقّع كوفاكس أن تسليم جرعات كافية لفقط 7 بالمائة من سكّان أفريقيا سيستغرق فترة زمنيّة تمتدّ إلى أكتوبر. و عديد العاملين في مقدّمة جبهة الرعاية الصحّية لم تتوفّر لهم حتّى فرصة الحصول على التلقيح . و أخذت نسب الموتى تحلّق عاليا في عديد البلدان بأفريقيا .
و في حين أقام بيدن إستعراضا بمنحه 500 مليون جرعة لكوفاكس ، ليس ذلك سوى قطرة في بحر الحاجة الملحّة العالميّة. فقد قدّرت منظّمة الصحّة العالميّة أنّ هناك حاجة إلى 11 مليار جرعة عبر العالم للإجتثاث الجائحة .
و هذا ليس أقلّ من إصدار حكم بالموت على مئات آلاف البشر في البلدان المضطَهَدة – أناس لا أهمّية لهم في حسابات الإمبرياليّين . و مع تواصل إنتشار الفيروس دون مراقبة في عشرات البلدان ، ينمو خطر ظهور حتّى أنواع أكثر عدوى يمكن أن تتسبّب في المزيد من الدمار عبر العالم .
إنّ هذه اللامساواة الفاحشة تسلّط الضوء على الطبيعة المقيتة لعالم تهيمن عليه الإمبرياليّة الأمريكيّة . و إنّه لشيء عظيم أن يوجد فهم علميّ يخوّل للإنسانيّة أن تواجه منتهى التهديد العالمي الذى تمثّله هذه الجائحة ، و مع ذلك ، قبضة الموت التي يمسك بواسطتها الإمبرياليّون العالم تحول دون المقاربة العقلانيّة للإستعمال العمليّ للمعرفة العلميّة في مواجهة هذا الخطر على نحو يفيد فعلا الإنسانيّة .
بالنسبة إلى الجماهير الشعبيّة ، و بالنسبة على الإنسانيّة ككلّ ، لا يوجد حقّا مستقبل يستحقّ العيش فيه في ظلّ هذا النظام .
---------------------
1- في الأثناء ، فائض ضخم من جرعات التلاقيح موجود في الولايات المتّحدة وهو غير مستخدم لأنّ مئات الآلاف من الأمريكيّين واقعين في أحايبل التفكير المناهض للعلم بفجاجة و في نظريّات المؤامرة و يرفضون تلقيح أنفسهم . و لهذا ، يواصل الفيروس إنتشاره معرّضا حياة الآلاف و الآلاف إلى الخطر و بشكل طاغي حياة عمّال الرعاية الصحّية . و هذا تعبير من التعبيرات القصوى للأنانيّة التي شخّصها بوب أفاكيان على انّها نتاج للطفيليّة – واقع أنّ كامل إقتصاد الولايات المتّحدة و نمط الحياة فيها مبنيّان على منتهى إستغلال الجماهير الشعبيّة و منها الأطفال في البلدان المضطهَدَة . ( من أجل المزيد حول هذا أنظروا : " أمل من أجل الإنسانيّة على أساس علميّ والقطيعة مع الفرديّة والطفيليّة والشوفينيّة الأمريكيّة" لبوب أفاكيان ).