الفاشية الشمولية والمعالم الرئيسية للمشروع العالمي الجديد


مشعل يسار
2021 / 7 / 24 - 20:19     

أقدم هذه المقابلة القيمة جداً للباحث والمنظّر في مجال الخيال العلمي والتاريخ البديل الروسي الداعية الاجتماعي سرغي بيريسليغين. وقد نشرتها جريدة "زافترا الروسية (أجرت المقابلة معه الصحافية ناتاليا لوكوفنيكوفا) عن خطط جماعة ما يسمى "الرأسمالية الشمولية" التائقة إلى إعادة تشكيل العالم ونمط عيشهز وقد بدأ سرغي بيريسليغين أجوبته مقارناً بين الماضي والحاضر. فرأى أن العالم اليوم يتعرض لتهديد بنفس الحجم الذي كان عليه في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، عشية الحرب العالمية الثانية. فقد انقسم العالم آنذاك إلى ثلاثة معسكرات كبيرة. معسكر الاشتراكية، الذي لم يكن فيه غير الاتحاد السوفيتي عمليًا، ومعسكر القوى الرأسمالية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، التي التزمت بالصورة القديمة للعالم - أزمنة الثورة الفرنسية الكبرى والثورة الأمريكية العظمى، أي مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية في الاقتصاد والتجارة. وشمل المعسكر الثالث دولًا توصف الآن بشكل عام بأنها فاشية، على الرغم من وجود أشكال مختلفة من الفاشية في ذلك الوقت: الاشتراكية القومية الألمانية، العسكرية اليابانية، الفاشية الإيطالية، رومانيا، المجر، بلغاريا... وكل هذه وأمثالها كانت لها نسخ خاصة بها.
زعمت الأيديولوجيات الفاشية أنها كانت مثابة الرد على أزمة الرأسمالية، التي أبرزتها الحرب العالمية الأولى بوضوح، والتي أدت إلى مقتل عدد كبير من الناس، وتدمير عدد كبير من المدن، وإلى تغييرات قوية في الموقف من الملكية.
على الرغم من جميع الاختلافات الاقتصادية والسياسية، كان للدول الفاشية خصائص مشتركة: أسبقية القومية والإضعاف الشديد لتأثير العامل الديني، وتعزيز دور الدولة في إدارة الاقتصاد، وإنشاء هياكل اقتصادية معقدة بين الدولة والشركات. والقضاء على الأشكال التقليدية للديمقراطية. علاوة على ذلك، كان جزء كبير نسبيًا من سكان هذه البلدان ينظر إلى ما رسمه هتلر وموسوليني وأتباع الفاشية الآخرون لهم من تنكر للديمقراطية البرجوازية الكلاسيكية على أنه أمر إيجابي.
ولكن، كما كتب ماركس، تؤدي الرأسمالية حتما إلى الحرب، لأن الحرب جزء من شكل وجودها. لذلك، عندما تطورت ثلاثة أنظمة في أوروبا: البروليتاري، ونظام الديمقراطية القديمة، ونظام الرأسمالية الجديدة للدول الفاشية، والتي نشأت فيها أنماط معينة من العيش والتفكير والنشاط، أصبح من الواضح أن "أوروبتين" اثنتين لا يمكن أن تتواجدا معاً في وقت واحد: فاقتصاداهما يخضعان لقوانين مختلفة، لكنهما في نفس الوقت يستندان إلى نفس الموارد الأساسية التي سيخاض غمار الصراع من أجلها. لقد أصبحت الحرب حتمية.
ما هي يا ترى أوجه الشبه التي تربط ما يجري الآن بذلك الوقت؟
يقول سرغي بيريسليغين إن مجموعة من الرأسماليين ذوي النفوذ (والتي تضم، من ضمن من تضم، لين فورستر دي روتشيلد، ومسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، جنبًا إلى جنب مع الفلاسفة "التقدميين"، معنية اليوم بإثارة مسألة نقل الإنسانية إلى سجن الرأسمالية الشمولية أو الاحتوائية أو التوتاليتارية inclusive capitalism. والقراءة المتعمقة لما يكتبون تُري بشكل غير متوقع تطابقات مع نفس "النظام الجديد" في الثلاثينيات من القرن الماضي، مع أن يؤخذ في الاعتبار طبعاً ما يقرب من مائة عام من التطور، خاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
من هذه التطابقات ما يقوله المعاصرون من أنه يجب القضاء على النزعة القومية / الوطنية، وأن من الضروري التخلص بشكل حاسم من "بقايا الظلامية الدينية الكالحة". وبدلاً من الدول القومية، يجب أن يدار كل شيء من قبل الشركات الكبيرة والكبيرة للغاية التي ستخضع جميع أشكال الأعمال الأخرى لمصالحها. علاوة على ذلك، فإن أي مقاومة لهذا سيتم كسرها بطريقة قاسية وسريعة.
إنهم يعتقدون الآن أن وباء الفيروس التاجي قد خلق الظروف المناسبة لإعادة الضبط والتشكيل، وأن الوباء سوف يستمر حتى اكتمال كل هذه التحولات.
ثم ستأتي أوبئة أخرى أشد فظاعة حسب ما يتنبأ به العديد من الناطقين باسم هذا المشروع ومن بينهم رئيس منظمة الصحة العالمية. ومثل جميع الفاشيين، يطالب أنصار النظام الجديد برقابة صارمة على السكان. والآن يتم ذلك من خلال الإلكترونيات، نظام العبودية الرقمي.
إن دعاة الانتقال إلى الرأسمالية الشمولية يريدون تغيير صناعة المواد الغذائية في المقام الأول. وهذا يتطلب التخلي عن استخدام الماشية، والتحول أولاً إلى فول الصويا، ثم لاحقاً الانتقال بالكامل إلى اللحوم الاصطناعية المزروعة في المفاعلات الحيوية. علاوة على ذلك، سيكون هناك بالنسبة للغالبية العظمى من الناس امتناع عن تناول الحليب ومشتقاته والبيض والقهوة وما إلى ذلك. في الواقع، إنهم يتحدثون عن إنشاء نظام يأكل فيه الناس ببساطة ما يشبه "الطعام".
ثمة نقطة مهمة هي أن مؤيدي النظام الجديد يعتبرون أن أسعار الطعام مخفضة بشكل كبير اليوم. لذلك يجب أن تصبح كلفة الطعام الطبيعي في المستقبل أضعافا مضاعفة وترتفع ارتفاعاً مجنونا، بل سيصبح حتى الطعام الاصطناعي متعة باهظة الثمن. فسوف ترتفع أسعار المواد الغذائية قياساً إلى الأجور بشكل كبير. أليس هذا يعني اعتزامهم على اغتيال البشرية تجويعاً أيضا من ضمن أساليبهم الأخرى التي نرى تباشيرها الآن من تقييد للحركة وفرض للتطعيم الذي لم تعرف حتى الآن له نتائج سوى تلك الممرضة والقاتلة.
لماذا مطلوب هذا من قبلهم؟ يقول سرغي بيريسليغين إن الجواب بسيط للغاية. هناك في كل أسرة مفهوم للنفقات الحتمية التي لا بد منها: تكلفة أن يكون لك سقف يحميك، ودفء يقيك من البرد، ومأكل وملبس- كل هذا لا يمكن للفرد الاستغناء عنه. الطبقة الوسطى تضم أولئك الأشخاص الذين لا ينفقون اليوم أكثر من ثلث دخلهم الحقيقي على الغذاء. لذلك، لديهم فرصة السفر بالمال المتبقي، وشراء الأجهزة المنزلية وما إلى ذلك. فيريد "الإصلاحيون" المزعومون إجبار الناس على إنفاق المزيد على الضروريات الحتمية، لأن مهمتهم هي تدمير الطبقة الوسطى ومواقعها السياسية، فالطبقة الوسطى هي الليبرالية بكل مشاربها والديمقراطية بكل أشكالها في العالم، وهي كل الفلسفة والعلوم. وعندما يتم تدمير الطبقة الوسطى، يتم محو الطبقة الوحيدة من السكان التي يمكن أن تشكك في خلود النظام العالمي الذي يكون قد تم إنشاؤه. وهذا بالإضافة إلى الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، هناك ضغط أيضًا على الطبقة الوسطى من خلال سوق العمل - بمساعدة الروبوتات.
اليوم، تركز كل الزراعة في العالم تقريبًا على تربية الماشية. فإنتاج الحبوب هو بالأحرى نشاط ثانوي مقارنة بتربية الحيوانات. وبناءً على ذلك، إذا بدأت في تدمير الماشية، التي، كما يقول الرأسماليون الشموليون، "تلوث البيئة بشدة وهي بشكل عام شديدة الخطورة"، فإن السلاسل التكنولوجية للزراعة ستصبح على الفور غير متوازنة بعد ذلك، وسترتفع الأسعار بحيث يمكن أن تبدأ مجاعة حقيقية، ليس محليًا، ولكن على نطاق أوروبا وآسيا.
إن النظام العالمي الحالي يتألف من ثلاث طبقات: طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء، وبينهما طبقة وسطى كبيرة إلى حد ما تضم العلماء والمهندسين ونسبة كبيرة من العمال والمزارعين، وكثير غيرها. هؤلاء هم المنتجون المستقلون إياهم الذين كانوا العمود الفقري لأنظمة الدول الحالية على مدار الـ 150 عامًا الماضية. ويريد إيديولوجيو الرأسمالية الشمولية الانتقال إلى نظام من طبقتين: من ناحية، طبقة رقيقة للغاية من النخبة العليا، ومن ناحية أخرى، كتلة بشرية هائلة محرومة تمامًا من حقوقها، مما يضمن رفاهية الأولى التي سيكون لديها، بالطبع، لحم البقر والسمك الثمين والكافيار وكل ما لذ وطاب.
ويعتقد بيريسليغين أننا سنصل قريبًا إلى الاستعباد الكامل للإنسان: فلن يتمكن أحد، على سبيل المثال، من التحرك لأكثر من بضعة أميال بعيدا عن مكان إقامته. وسيُحرم الناس من سياراتهم لأن الرأسمالية الشمولية تعارض النقل الخاص. فسيتم حظر محرك الاحتراق الداخلي، وستكون السيارات الكهربائية باهظة الثمن بحيث لا يستطيع شراءها سوى قلة مختارة. سوف نحصل على نظام جديد - أكثر صرامة من نظام هتلر الذي كان يفتقر إلى أنظمة التتبع الرقمية ومراقبة السكان عبر الأقمار الصناعية.
سيتم إخبارنا أن رفض الطعام الحيواني ضروري فقط من أجل حل المشكلات البيئية.
بالإضافة إلى الطعام، سترتفع أسعار السكن والتدفئة أيضًا. ومن ثم، فإن الانتقال الواسع النطاق إلى الطاقة "الخضراء" سيعني ارتفاعاً في تكلفة التدفئة وفي بعض الأحيان. يكتبون مباشرة أنه ستكون هناك حصص من المياه والكهرباء والتدفئة. حصص، بالطبع، لأبناء الطبقة الدنيا.
هذا هو العالم الذي يعدّوننا له. السؤال الأساسي هو إلى أي مدى يمكن أن يكون مثل هذا "النظام الجديد" مستقرًا ودائمًا؟, ما هي أشكال المقاومة الممكنة؟
يرى سرغي بيريسليغين أن أيديولوجيي الرأسمالية الشمولية، على الرغم من امتلاكهم لتريليونات الدولارات تحت تصرفهم، أبحروا بأشرعة من ورق. فهم، أولاً، يتجاهلون ديانات العالم، وينظرون إليها على أنها ماض مظلم يجب التعامل معه بشكل أكثر صرامة. وليس المسيحيون الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وحدهم، ولكن يمكن للمسلمين أيضًا العمل كجبهة موحدة ضد هذا المستقبل.
النقطة الثانية: "الإصلاحيون" يتجاهلون وجود الصين. إنهم يعتقدون أن بإمكانهم تحويل جمهورية الصين الشعبية إلى قوة مارقة، مثل بيلاروسيا اليوم. لكن تحويل "ورشة العالم" إلى صعلوك منبوذ أمر صعب للغاية.
النقطة الثالثة: ما يفعله أنصار النظام العالمي الجديد يتعارض مع مصالح جميع النخب في العالم: قادة الدول، والسياسيين، والعسكريين، ورجال الأعمال. فيستغل الرأسماليون الشموليون تعظيم فيروس كورونا، والخوف العالمي الناجم عن هذا التعظيم، للاستيلاء على زمام المبادرة من خلال هذا الخوف ومن خلال التلميح للنخب بأن الطبقة الحاكمة ستكون ضيقة النطاق محصورة، ولكن يمكنك الدخول إليها إذا اتبعت كل تعليماتنا.
لقد تمكنوا الآن من أخذ زمام المبادرة، ولكن يمكن إنشاء جبهة هائلة ضدهم، ستشمل الأشخاص الذين ليسوا لامبالين بالديمقراطية - وهناك عدد غير قليل منهم في العالم، بالإضافة إلى أولئك الذين هم حريصون على وجود دولهم القومية – وهؤلاء أكثر ايضا. وثمة أولئك الذين يدافعون عن إيمانهم الديني - ما لا يقل عن ملياري شخص ! وأخيرًا، سينضم إلى هذا التحالف أولئك الذين لا يريدون أن يتخلوا عن موقفهم الداخلي الشخصي. بالإضافة إلى ذلك، ليس كل قادة الشركات على استعداد لإنهاء وجودهم كقادة أعمال في سياق جائحة فيروس كورونا.
من ناحية أخرى، ليس لدى "الإصلاحيين" رأس مال ضخم فحسب، بل لديهم أيضًا قوات مسلحة قوية تحت سيطرتهم. هذا يعني أننا نعود إلى وضع الثلاثينيات: هناك مجموعة قوية من مؤيدي النظام العالمي الجديد، وهناك عدد كبير من أتباع النظام القديم، وهناك دولة اشتراكية - ليست في هذه الحالة، روسيا للأسف، بل الصين.
ونتيجة لذلك، ثمة احتمال كبير جدًا لنشوب حرب تشارك فيها الدول، ويكون مضمونها هو النضال ضد النظام الجديد.
في الوقت نفسه رأى الخبير سرغي بيريسليغين أن انتصارهم لن يكون بالسهولة التي ق يتصورها البعض كما لن يكون مستدامًا. فإذا تخيلنا أن النظام العالمي الجديد سينتصر، فإننا سنحصل على مجتمع توجد فيه نسبة عالية جدًا من البشر الضعفاء متوسط عمرهم المتوقع سيكون منخفضاً، وستكون بالمقابل طبقة ضيقة من ممثلي النخبة المعمرين. بالنسبة للغالبية العظمى من السكان، لن يكون هناك عمليا أي مصاعد اجتماعية، أي ترقٍّ في الوظيفة، وسيتم إنشاء نظام رقابة صارمة. هذا الهيكل المستقر يمكن أن يستمر لأكثر من عقد.
لكن يجب ألا يغيب عن الأذهان، أولاً، أن بداية وجوده ستتميز بكارثة غذائية هائلة، وأن سَوس الجياع، حتى بمساعدة الجيش، عمل ميؤوس منه. في نفس الوقت، إما أن يكون لديك جيش وتصنع منه طبقة وسطى لا ينبغي أن تكون موجودة، حسب الفكرة الأصلية، أو أن تعتمد على افتراض أنه ستكون لديك روبوتات قتالية لضرب التظاهرات الاحتجاجية، وهذا ليس من السهل القيام به. ثانيًا، إذا كان هناك الكثير من الروبوتات القتالية، فمن المؤكد أن مشاكل الحصول على الطاقة اللازمة لها ستنشأ حتما، علما أنه بحلول ذلك الوقت يفترض أن تكون الطاقة "خضراء" إلى حد بعيد، كما يعتقدون.
من المحتمل أن يكون النظام الجديد قادرًا على الوجود لمدة 60 عامًا، وهي، وفقًا للمعايير التاريخية، ليست بشيء على الإطلاق، وبعد ذلك سيقع في كارثة هائلة، مثل كارثة الأزمنة القديمة. علاوة على ذلك، فإن هذا النظام هو، من حيث المبدأ، غير قادر على التقدم العلمي والتكنولوجي. علاوة على ذلك، لن يكون قادرًا حتى على الحفاظ على مجموعة المعارف الحالية. لذلك، لا يسع المرء أن يؤمن في خلود نظام، يُداس فيه وجه الإنسان بالأقدام، ولا داعي لأن نخاف منه. فهذا لن يكون نظاما أبديا. لكن خطر قيامه خطر حقيقي.
الآن مثلما في ثلاثينيات القرن الماضي والنصف الأول من أربعينياته، يتعلق الأمر بالكفاح ضد الفاشية. واليوم، أصبحت كلمة "فاشية" من باب الاستحالة السياسية، ولهذا ظهر مكانها مصطلح "الرأسمالية الشمولية". تجدر الإشارة إلى أنه حتى في ذلك الحين لم يكن الجميع يطلقون على أنفسهم اسم فاشيين. الكلمات تختلف، لكن المحتوى هو نفسه.