الإيديولوجيا السوقية


فؤاد النمري
2021 / 7 / 20 - 19:08     

عامة المحللين السياسيين سواء كانوا من أدعياء الشيوعية المفلسين بعد انهيار الإتحاد السوفياتي أم من اليساريين الذين انتشروا كالفطر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أم حتى الليبراليون الذين غدوا يستمرئون ليبراليتهم بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، عامتهم بل جميعهم يتسوقون إيديولوجياتهم من سوق انهيار الإتحاد السوفياتي .

كنا تحدينا مراراِ وتكراراً أن يعلن أحد هؤلاء المحللين المزعومين الذين يتسوقون إيديولوجياتهم من سوق انهيار الإتحاد السوفياتي أية أسباب مزعومة للإنهيار . وعبثاً إنتظرنا أحدهم يعلن قبوله هذا التحدي ويسمي أية أسباب مزعومة للإنهيار، وهو الدليل القطعي على أن الإنهيار بمعناه القاموسي لم يحدث على الإطلاق .

حصيلة هؤلاء المتسوقين من سوق انهيار الإتحاد السوفياتي هي ذات الحصيلة التي استحصلها الإخوان المسلمون من سوق محمد دون أن يعرفوا سرّ السوق . استخدم محمد طقوس عبادة الآلهة من أجل إقامة دولة العدالة الإجتماعبة، لكن الإخوان المسلمين تسوقوا العبادات ولم يتسوقوا جوهر الرسالة المحمدية بإرشاد من المخابرات الإنجليزية (MI5) .
على ذات النسق تأدلج المحللون السياسيون من مختلف التوجهات الذين ملآوا فضاء عالم السياسة المعاصر بترهاتهم المستقاة من سوق انهيار ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى المفترض . دلالتهم الوحيدة على مثل هذا الإفتراض الموهوم هي أن مشروع الإشتراكية السوفياتي قد طواه التاريخ وحكم بفشله حكماً أبدياً وليس أدل على ذلك من ان النظام الرأسمالي يسود عالم اليوم بعد أن كان قد انتصر على النظام الإشتراكي خلال المواجهة معه التي استمرت 75 عاماً .
ما عسى هؤلاء المحللون الهذّارون أن يقولوا بعد أن يكتشفوا أن النظام العالمي الماثل اليوم لبس نظاماً رأسماليا ولو بقدر محدود، بل هو نظام منافٍ لأول مبادئ الرأسمالية وهو مراكمة النقد . لكن نقود اليوم مغطاة جميعها بالدولار الأميركي الفارغ تماماً من كل قيمة منذ العام 1971 حين أعلن الرئيس نكسون الإنسحاب من معاهدة بريتنوود التي تستوجب غطاء النقد بالذهب، وباتت أميركا تطبع دولارات بغير حساب .
أميركا تنفق سنوياً 15 ترليون دولاراً على إنتاج الخدمات التي لا تعود على المالية الوطنية بأية عوائد، وهو ما يرتب على المالية الأمريكية أن تطبع ما يزيد على 10 ترليون دولاراً من أجل إعادة إنتاج نفس الخدمات . القيمة السوقية لهذا الكم الهائل من الدولارات هي أكثر من 150000 طناً من الذهب سرعان ما تبيعها للعالم الملهوف على المبادلة بالدولار !!

من السخف بمكان الإدعاء بنظام رأسمالي في العالم ومختلف المبادلات فيه تتم بالدولار الأمريكي الفارغ من كل قيمة .
قبل الزعم بانهيار الثورة الإشتراكية يتحتم التعرف على "النظام" القائم اليوم في العالم .
إكتشاف سداة النظام العالمي القائم اليوم من شأنه وحده أن ينير طريق تطور العالم في المستقبل .