بين الحلم والشعار


حسن مدن
2021 / 7 / 16 - 16:52     

الفكرة هي دائماً أعمق وأكبر وأوسع من الشعار، لكن الشعار يختزل هذه الفكرة/ الحلم في كلمات . والمسافة بين الشعار والواقع تظل شاسعة، لأن الشعار قرين الحلم والمؤمل، أما الواقع فاسمه يشي بمحتواه، إنه واقع فحسب .
في الشعار دائماً شيء من المستحيل، لذلك لا غرابة في أن كثيراً من الشعارات التي وضعتها البشرية نصب عينيها في مراحل زمنية مختلفة ما زالت ماثلة، حتى وإن تجلت في صيغ وصور جديدة .
عندما نقول الشعار فإننا غالباً ما نعني السياسي . أما حين نقول الحلم، فإننا نكاد ننسبه إلى المخيلة، كأننا نقول إن رفع الشعارات مهمة المشتغلين بالسياسة، أما صياغة الأحلام والآمال الكبرى فهي مهمة الشعراء والفلاسفة والفنانين .
وإذا ظلت فكرة الحلم مصانة أو صلبة أو موضع تقدير، حتى من قبل غير الحالمين، فإن فكرة الشعارات تدنست بأدران السياسة . وما أكثر ما جلبت السياسة خيبات كبيرة للحالمين، وفي المراحل التي التبست فيها السياسة بالحلم، كاد أن يُساء إلى الحلم نفسه، وأن يماهى بالسياسة، رغم الفارق الجوهري بين الأمرين . وغالباً ما ينظر بازدراء إلى شعارات السياسيين ووعودهم، لأن ما يمارسونه، كثيراً ما يأتي مناقضاً لما يعدون به أو يبشرون .
أحد الكتاب ميّز بين ما وصفه خطاب الرأي وخطاب الفكر، فإذ يعتبر الثاني "هو خطاب السؤال وخطاب الحركة والترحال"، فإن خطاب الرأي برأيه هو "خطاب الشعارات والعبارات المكرورة، خطاب التدوين والذاكرة" .
ولو بسّطنا هذه الفكرة بعض الشيء لوجدنا أن أساس هذا الهجاء لخطاب الرأي هو ما لحق بالشعار نفسه من ابتذال وتسطيح وتفريغ من المحتوى، حين أضحت الشعارية بديلاً للدراسة والتحليل والتمحيص والاستخلاص، فكان يكفي إطلاق الشعار الناري ليصبح صاحبه مطمئناً إلى سلامة ما يظنه سليماً، لأن الشعار الذي يمكن أن يكون حاشداً للرأي العام حول قضية عادلة كبرى في منعطفات تاريخية، يمكن أن يتحول في فترات تاريخية مختلفة جذرياً إلى أداة جمود، ويحول الجمهرة الواسعة من المؤيدين من أذهان متقدة إلى مجرد "إمعات" .
وفي ذاكرة البشرية ستبقى خالدة تلك الشعارات والأحلام النبيلة التي عبرت عن توق الإنسان إلى الانعتاق والحرية . الفرنسيون مثلاً ما زالوا يتذكرون شعارات: "ممنوع المنع"، و"كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل" . أما العرب فسيظلون يتذكرون شعار جمال عبدالناصر الشهير: "ارفع رأسك يا أخي" . . يوم كانت رؤوسنا مرفوعة .