نقد للاعتراضات الأكثر عمومية وشيوعاً للماركسية


عبدالله محمد ابو شحاتة
2021 / 7 / 15 - 01:54     

حكومات الدول الإشتراكية مارست القمع والقتل والتنكيل وغابت عنها مبادئ حقوق الإنسان.

من أوائل الاعتراضات التي تطرح في هذا الصدد، وهو اعتراض بالرغم من أنه مبني على وقائع حقيقية إلا أنه لا يخلوا من التضخيم والتحيز بشكل واضح، فهو يحاكم وقائع تاريخية مجردة من واقعها الزماني والاجتماعي والسياسي. فيغفل حقيقة الضغوط الخارجية والداخلية التي تعرضت لها تلك الدول في هذه الحقبة، كما يغفل حقيقة كون الدول الرأسمالية في ذات الفترة مارست تقريباً ذات الممارسات أو لربما ما هو أكثر منها، وما القضية إلا مجرد مغالطة انتقاء الكرز؛ فستالين هو مجرم وقاتل ومستبد ولكن شارل ديجول والذي قتل الملايين خلال حركات التحرر من الاحتلال الفرنسي هو بطل ورمز للحرية وأسمه يطلق على الشوارع والميادين. الدول الاشتراكية صادرت حقوق مواطنيها ومارست القمع، ولكن عندما تحكم الولايات المتحدة على بوبي فيشر بالسجن خمس سنوات لأنه لعب مباراة شطرنج في يوغسلافيا فهذا تحت أي بند يندرج !؟ وتحت أي بند تندرج الحملات الماكرثية في الولايات المتحدة و التي تتبعت اليسار وكل من تعاطف معه وكان من نتاجها إقالة الآلاف من الموظفين بشكل تعسفي ومحاكمة آخرين بتهم ملفقة ومطاطة كمحاولة قلب نظام الحكم !؟
وإن كانت سياسات الدول الإشتراكية في تلك الحقبة قد شكلت انتهاكاً لحقوق الإنسان فماذا يا ترى تشكل مذبحة ماي لاي عندما قتل جنود الجيش الأمريكي سكان قرية كاملة معظمهم من النساء والأطفال !؟ وما معنى أن يصدر عفو رئاسي عن الضابط ويليام كالي منفذ المذبحة بعد ٢٤ ساعة فقط من الحكم علية بالسجن مدى الحياة !؟
أن مغالطة انتقاء الكرز طافحة في هذا الاعتراض، فهو يغفل التاريخ الاستعماري والإجرامي المتخم بالانتهاكات لدول الليبرالية ثم هو لا يتذكر إلا بشكل انتقائي ما أرادوا له أن يتذكره. وليست هذا محاولة للتبرير بقدر ما هو تسليط للضوء على ما يعانيه هذا الطرح المهترأ من ازدواجية غريبة.

الدول الاشتراكية تعدت على حرية المواطن الفردية.

من الاعتراضات التي تثار دائماً أن الاشتراكية تقضي على الفردانية وتقيد مساحة الحرية الفردية لصالح الجماعة، وهذا الاعتراض صحيح في شأن الطبقة البرجوازية، فلا شك أن الاشتراكية ستسلب من البرجوازية حريتها التي أقامتها على حساب حريات الآخرين واستغلال احتياجهم . أما البروليتارية فإن الاشتراكية تحررها من قيود الرأسمالية التي سلبتها أبسط أشكال الحرية، فمن لا يملك إلا قوة عمله لن يملك حتى حرية التحكم في مظهره الشخصي إلا بما يرضي البرجوازي الذي يوظفه، كما لن يملك حرية التثقف والتعلم مادام لا يملك ثمنها، وحتى عقائدك وأفكارك إن لم تعجب البرجوازية في مجتمعك فأنت معرض دائماً لفقدان سبل عيشك. فالنظام الليبرالي يفترض حرية متساوية للجميع، ولكنه يعود فيجبر من لا يملك على أن يبيع حريته لمن يملك إذا أراد أن يكسب قوت يومه.

الدول الاشتراكية فشلت في تحقيق نظام ديمقراطي.

بالرغم من أنه لا يوجد في الفلسفة الماركسية من يمنع من وجود نظام ديمقراطي، وعدم وجود لزومية بين النظام الاشتراكي وغياب الديمقراطية، إلا أن هذا التلازم من صفات النظام الرأسمالي الصرف. ففي النظام الرأسمالي من يملك الإعلام والبروبجاندا يكون في مقدوره قولبة وتوجيه الرأي العام، وما الديمقراطية الرأسمالية إلا مهزلة ترتدي فيها البرجوازية قناع الإرادة السياسية الشعبية بفاعلية قوتها الاقتصادية والدعائية، فأنت تختار من أرادوا لك أن تختاره، وتصنع رأياً ولكنه موافق لآرائهم.

الرأسمالية الحديثة راعت حقوق العمال.

قد يقول البعض أن الرأسمالية أعطت العمال الكثير من الحقوق، كالحد الأدنى للأجور وتحديد عدد ساعات العمل وتقييد الفصل التعسفي...إلخ. وبالرغم من أن القطاع غير الرسمي وغير المراقب والذي لا يستفيد من تلك القوانين يشكل نسبة كبيرة للغاية من حجم قطاع العمل ككل، إلا أن تلك الامتيازات التي تخص القطاع الرسمي لم تنتزع إلا بقوة النضال اليساري والنقابي، وهي في صلب مبادئها مخالفة للنظام الرأسمالي بمفهومه الصرف؛ فالعمل في الرأسمالية هو سلعة من السلع تخضع لمبادئ السوق الحر ويحدد سعرها العرض والطلب، والدولة ليس من شأنها أن تتدخل في تحديد الأجور وعدد ساعات العمل بل تترك تلك الأمور اللبرجوازية والعمال وعلاقات السوق، فأنت كبروليتاري في النظام الرأسمالي لست إلا ورقة في مهب الريح، سبل عيشك تتطايرها تقلبات السوق والتي في الغالب لن تكون في صالحك لأن العرض غالباً ما يكون أكثر من الطلب والبطالة ملازمة لبنية المجتمع الرأسمالي.
الرأسمالية ساهمت في تحسين الظروف المعيشية للطبقات الفقيرة.
قد تكون الرأسمالية في السنوات الأخيرة ساهمت في تحسين ظروف الفقراء وتجاوزت الكثير من مظاهر الجوع والفقر المدقع في بعض بقاع العالم إذا ما قارنها بحقب سابقة، ولكن وكما شدد ماركس فإن الفقر يظل مسألة نسبية؛ أي أنه مرتبط بالفارق المعيشي بين الطبقات. فلو تحسن وضع الفقراء بمقدار الضعف بينما تحسن وضع الأغنياء بمقدار الضعفين فإن نسبة الإجحاف التي يتعرض لها الفقراء قد زادت في الواقع ولم تقل، فالفقير دائماً يعاني بمقدار ما يفتقر لسبل الرفاة التي يملكها الأغنياء. ولذلك فإن شدة الفقر لا يجب أن تقاس بمقدار التحسن الذي يطرأ على حالة الفقراء، بل بمقدار ما يتسع الفارق الطبقي أو يضيق. ولو نظرنا للسنوات الأخيرة سنجد أنه برغم تحسن وضع الفقراء مقارنة مع وضعهم السابق إلا أن الفجوة الطبقية قد اتسعت بشكل غير مسبوق.

الرأسمالية تشجع التنافس لا الصراع.

يُقال أن الرأسمالية تحفز التنافس لا الصراع، والحق أن التنافس قد يُفهم في مضمار الرياضة أو الفنون أو العلوم، وحتى تلك الميادين كثيراً ما يفضي التنافس فيها إلى صراع، فما بالك عندما نتحدث عن سبل العيش والبقاء !؟ أليس من المحتم أن يقودنا التنافس فيها إلى صراع !؟
لقد كرروها مراراً وتكراراً، إننا فقط نتنافس بشكل هادئ، ولكنهم لا يلبثوا أن يرفعوا الأسلحة ويعلنون الحروب. ولهذا فشلت الرأسمالية في تحقيق الأممية وتفشل وستفشل، وما عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة إلا خير شاهد ودليل.

الماركسية ذات طابع طوباوي.

من أكثر الاعتراضات النابعة عن سوء فيهم وعدم دراية كافية بالماركسية، إن الماركسية هي أكثر النظريات الاقتصادية والاجتماعية علمية موضوعية، وهي النظرية الوحيدة شبه المكتملة في الاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع، فهي نظرية بعيدة المدى؛ أي أن لها طابع تاريخي وتفسيري وتنبؤي، على عكس النظريات المحافظة كالبنائية الوظيفية التي لا تحوي أي طابع تنبؤي بل تكتفي بالجانب التفسيري، فتلك النظريات بحكم بنائها المحافظ لا تتصور تغيراً يطرأ على المجتمع ولا تتصور تجاوزاً للنظام الحالي. ولذلك فإن الماركسية واحدة من أكثر النظريات اكتمالاً وواحدة من أقوى النظريات في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي أكثرها واقعية وثباتاً.