السياسى بين الخصومة والعداء اصلاح مدنى أم تغيير سياسى, #حقوق_مدنية أم #حقوق_سياسية ؟


خالد فارس
2021 / 7 / 14 - 10:55     

نشأنا على ثقافة تعريف العدو الخارجي, أو العدو من الخارج. كان ومازال الغرب الامبريالى, والمشروع الصهيوني, لغة ومضمونا, عدونا الذي تسبب في مآسينا. ولكننا نظرنا الى السياسى من خلال العدو الخارجي, حصراً, على الأقل في حركة التحرر القومى العربية, وهذا أعطانا تعريفا لاحد أوجه الصراع أو التناقض, وليس كلها.

عندما نقول, نظام تبعى وظيفى, نستخدم تعريف, يتعلق مضمونه بعلاقة النظام, ككل, مع شيء خارجى. يتطلب التعريف السياسى, أن يكون التعريف مخصص أو يشمل الداخل والخارج, في تكاملهما, ضمن آليات مشتركة.
نظام تبعى وظيفى مع الخارج, هذا صحيح, ولكنه طَوَّرَ آلياته الداخلية, الخاصة به, فهو مثل شوكة الأكل, لها طرفان متوازيان (تستخدم بالتوازى لكى تأكل). هو مع الخارج الامبريالى, نظام تعبى وظيفى, أما في الداخل فهو يمارس سياسة تنبع من ظروف تكونه التاريخى وضروراتها الثقافية والسياسية.

لا بد من تطوير نظرى لتعريف النظام السياسى, من الداخل, ثم كشف آليات تربيط الخارج مع الداخل.

بُنْيِةْ #اقطاعْ_سِياسى عَربى:

لدينا في الداخل العربى, اقطاع سياسى: عائلة - سلالة: تحويل مشروع العائلة الى قضية سياسية, طائفة: تحويل مشروع الطائفة الى قضية سياسية, حركة -حزب: تتحول الى مهيمن على الدولة والمجتمع وباقى الأحزاب, عشائري: تصبح العشيرة وتاريخها مشروع مركزى سياسى, دينى: اسلام سياسى أو مسيحية سياسية أو يهودية سياسية, وهناك اقطاع فردى أي أن يكون الفرد الحاكم وتصوراته هي التي تتحول الى مشروع سياسى.
ثبت بالتجربة والبرهان أن كافة الأنظمة العربية هي نوع من أنواع الاقطاع السياسى.

الدول العربية مثل الأردن والمغرب والسعودية, هي دول اقطاع سياسى مركزى, وتبعية وظيفية للامبريالية الغربية. فى مصر دولة تعبر عن مركزية للحاكم الفرد (اقطاع الفرد) وتبعية للامبريالية.
تَجَسَّدَ في تونس تجربة حديثة, تقوم على الغاء الاقطاع السياسى و الفردى, ولكن هذه التجربة لم تترسخ بعد. الثابت فيها, أنها لم تتبنى مشروع فك التبعية, من الواضح أنها تتعايش معه, وتقبله, ولا يوجد نقاش جدى وحقيقى, حول قضايا التبعية. في المقابل, تواجه قضية مركزية الدولة الحُكْم, اشكالا, هل هي دولة برلمان أم دولة رئيس أم مشتركة.

تمر تونس في مرحلة تحديد نمط مركزية الدولة, في ظل ثابت التبعية. ومن المتوقع أن ينتج ذلك أزمات متعددة, لأن متطلبات التبعية تتناقض مع متطلبات الدولة الوطنية الحديثة المستقلة. ولا نتوقع أن يتناتج من تونس نموذج ديمقراطى حقيقى, اذا لم يتم بناء مشروع فك التبعية, وليس الانعزال, بل بناء مشروع سياسى يتجاوز التطلعات المدنية, المحصورة في الإنتخابات والبرلمان وحرية تشكيل الأحزاب وحرية الرأي.
تخلصت تونس من الاقطاع الفردى (حكم زين العابدين بن على), ولكنها لم تتخلص من التبعية. فهى ثورة ناقصة. ويعود السبب حسب ما نعتقد به, أنها ثورة ذات طبيعة ومضمون مدنى, وليس سياسى. بمعنى أنها ثورة حقوق مدنية وليست حقوق سياسية. أو أن السياسى فيها يتخذ مضامين مدنية, وليس سياسية حقيقية, تعالج القضايا السياسية التي نشات مع الاستعمار.

تتطلب القضايا السياسية التاريخية, مشروع سياسى يبنى كتلة عربية, لها مشروع سياسى كونى, يضع العرب على قدم المساواة مع القوى الكبرى, ويتعامل مع المشروع الصهيوني بجذرية, غير مواربة. يبدوا أنه ليس لدى تونس, "الثورة", أياًّ من هذه التوجهات, على الرغم من انها قضايا تتباناها أحزاب وأفراد, لكنها ليست مشروع سياسى يلتقى عليها القوى التي قادت "الثورة", فهى ليست جزء من البُنية التي تجمع بين هذه القِوى. فأصبحت الثورة التونسية مثل فاقد الشىء لا يعطيه, بمعنى أن بينتها تفتقد الى عناصر في مشروع سياسى, تكامل بين الخلاص من الاقطاع السياسى وفك التبعية.

أما نموذج لبنان, الذى نِظامه السياسى, الدور المركزى فيه للدولة, ينشأ من تعدد وتنوع الاقطاع السياسى الطائفى. الدولة فيه, هي توافق على مصالح الاقطاع السياسى, على مستوى الطوائف. ويتخذ كل اقطاع طائفى, من مشروع الطائفة, منطلقا لتعريف المشروع السياسى, الذى تدافع عنه. دور الدولة هو الحفاظ, أو تجميع مشاريع سياسية للاقطاع السياسى, والتعامل معها على قدم وساق, بالتساوى, ما أمكن. الكيان السياسى اللبناني هو توائم بين التبعية والوظيفية للغرب الاستعمارى الامبريالى, والاقطاع السياسى المتعدد, وليس الأحادى.
في لبنان, يتخذ حزب الله, وهو حزب طائفة, من مشروع الطائفة منطلقا للخوض في قضايا التحرر من "الشيطان الأكبر" والمشروع الصهيوني. ويعتبر أن مشروع الطائفة, هو مشروع سياسى, مشروع تحرر وطنى, من المشروع الصهيوني. تشكل هذه الظاهرة حالة معاصرة في الحركات الدينية, المعاصرة. تحاكى تجربة حماس في غزة تجربة حزب الله. وهذه أول مرة يتم فيها تحويل مشاريع دينية, في صيغة طائفة أو مذهب السنة والجماعة (حماس) الى مشاريع سياسية. وهى تعبر على أن #الحقوق_الشرعية التي تكون منطلقا لسياسات الحركات الدينية, تداخلت مع الحقوق السياسية, بل تناغمت معها, وتحاول أن تلغى المتناقضات بين الحقوق الشرعية والحقوق السياسية. فهى أقرب وتتناغم مع حركات التحرر السياسى.

كيف سينعكس ذلك على نظام التبعية الذى تعبر عنه الدولة من خلال طوائف تسعى الى أن تكون التبعية تعبيرا عن وجودها؟

تتجاذب هذه التناقضات الدولة اللبنانية. وتصبح الدولة مركز صراع دولى واقليميى, السيطرة على الدولة هو الهدف السياسى لجميع القوى الداخلية والخارجية, على أن تقود الدولة التغيير وليس المجتمع لانه لا وجود لمجتمع لبنانى بالمفهوم الحديث, بسبب تقسيم المجتمع الى طوائف.
في سوريا, بدلاً من أن يتحول حزب البعث الى نمط مشروع جمال عبدالناصر, يُحَسّنْ عليه و يُطَوِّرُهُ, ويطرح منه صيغة جديدة معاصرة, تعالج أخطاء الماضى, وتتعاطى مع المتغيرات الكونية والعربية, تحول الى اقطاع حزبى, يسيطر على الدولة والمجتمع. فتحولت قضية الحزب بذاتها الى قضية سياسية سورية. ولكن القضية السياسية السورية, أكبر من حزب البعث, لهذا تطلب الأمر اقطاع فردى, أي حكم الفرد, لكى يتم توحيد التناقضات, بين سوريا السياسية وقضية الحزب السياسية, من منظور آحادى.

تعيش سوريا منذ ما قبل الانفجار الشعبى, في عام 2011, أزمة بنيوية, أدخلها في مأزق تاريخى, نظرا لعدم تحقيق أهداف مشروعها القومى, التحررى, أو أجزاء منه, الأمر الذى تسبب في انسداد آفاق التطور والتقدم والتحديث السياسى, عندها. فوضعت مشروعها السياسى التاريخى في ثلاجة, مُجَمَّدَاً لعقود. دفع ذلك الى اختزال المشروع السياسى في الحزب, الذى مارس دور اقطاع سياسى, للحفاظ على الدولة وعلى الماضى وعدم خسارته, ليس أكثر.

مشروع جمال عبدالناصر, ولا أقول شخص عبدالناصر, هو مشروع فك التبعية وتحويل المجتمع بأكمله الى قضية حقوق سياسية. فهو يقع خارج نطاق الاقطاع السياسى, لأنه يريد التحول من الاقطاع السياسى الذى كان يحكم مصر (المَلَكِيَّةَ), الى مشروع مجتمع مصري مستقل منتج ومجتمع مصري يقوم على المساوة السياسية. الحرية السياسية والمدنية تتحقق من خلال مجتمع الاستقلال والمساواة. المجتمع يحمل تعريف الشعب, ماهو الشعب ومن هو, و هل هناك #شعب_قومى و #شعب_وطنى, وهل هناك #مجتمع_عربى و #مجتمع_وطنى, وما السياسى في الامر وما المدنى في الامر؟

الاقطاع السياسى و #برجوازية_الاقطاع_السياسى :

الاقطاع السياسى, بكافة أشكاله, يرعى ويستند على برجوازية عَقارِية, تتعامل مع الوطن على أنه مُلْكِيات عقارية. المُلْكِية العقارية, قاعدة جامعة بين التبعية للخارج وبقاء نظام الاقطاع السياسى. يخلق الرأسمال العقارى قِوى انتاج وظيفية خَدَمية, بمعنى أن قِوى الإنتاج تدخل في علاقات المُلْكِية العقارية, على أساس نظام أجور وحوافز, بحيث تقدم خدمات للرأسمال العقارى, من خلال انتماء قوى الإنتاج هذه للاقطاع السياسى, الطائفى أو الفردى أو الحزبى أو العائلة-السلالة أو الدينى....

يرغب مالكوا روؤس الأموال العقارية, أن تكون قوى الانتاج منتمية الى الاقطاع السياسى, حتى يكون دورها وممارستها وظيفية. وفى حالة عدم انتمائها الى الاقطاع السياسى, يفضل أن لا تنتمى لشىء, بمعنى أن تنتمى لنفسها كحالة فردية تبحث عن مصيرها بمعزل عن الكل. في كلتا الحالتين تصبح الأجور تعبيرا عن تعميق انتماء قوى الإنتاج الى الاقطاع السياسى أو انتمائها فقط لذاتها الفردية.

هكذا انتماء يعنى ان مفهوم الإنتاج مرهون للاجور وذيوله من عمولات وسمسرات مالية, وليس للعملية الإنتاجية كونها عملية تقدم وتنمية.
في الدول التي لا تعتبر تبعية, مثل سوريا وليبيا, ولكنها حالة اقطاع سياسى, ثبت بالتجربة تَطَوّرْ المُلكية العقارية فيها, التي تسببت في تآكل استقلالية الدولة والمجتمع. وآلت بقوى المجتمع الى التفكك, حيث لجأت عناصر اجتماعية الى البحث عن انتماءات بديلة.

هوية التغيير: ما هو التغيير المنشود؟

الخصومة المدنية, تركز على الإصلاح, على مطالبات في إدارة الدولة وشكل الحكم (الربيع العربى مثال), أما الخصومة السياسية, التي فيها مواجهة مع الآليات الداخلية والخارجية للخصومة, يكون التغيير ثوريا (معاديا للاقطاع السياسى والتبعية), في المجتمع والدولة (ترفض التبعية وترفض الاقطاع السياسى).

الصراع الطبقى الذى ينادى به اليسار, هو نضال سياسى, ضد التبعية وضد الاقطاع السياسى, في آن واحد. وهذا ما يجعله سياسى, وليس مدنى (اصلاحى).

التغيير المنشود هو التوافق على المجتمع قبل الدولة. يتم تعريف المجتمع الحديث من خلال مفاهيم سياسية تنبع منها مفاهيم مدنية, وليس العكس كما يطرح التيار الليبرالى. السياسى في المجتمع يعنى أن هناك حقوق سياسية, مساواة وطنية وقومية ومجتمع يضع أهدافاً سياسية تحقق له الاستقلال السياسى من الاستعمار والتبعية والمشروع الصهيوني.

القفز الى الدولة, قبل أن يتم التوافق على المجتمع الحديث, فيه مخاطرة تاريخية. لقد عاشت الانقلابات في الوطن ثقافة الاستحواذ على الدولة, أولاً, ثم المجتمع, مما قاد الى أفكار قولبة المجتمع, وهندسة المجتمع, وتفتيت المجتمع, لانه أصلا لم يكن له وجود, سياسى.
الثورات قد تعبر عن انقلاب, أيضا, ولكنه انقلاب يختلف عن العسكرى. انقلاب الثورات هو الذى يرى في الاستحواذ على الدولة, قبل التفاهم على المجتمع, نقطة انطلاقه. وهذا ما حدث في الربيع العربي, في تونس ومصر وليبيا وسوريا. هي ثورات, لكنها تحمل في داخلها نظرية انقلاب على الدولة. معتقدة أن الوصول الى الدولة, سوف يقدم مشروع للمجتمع.

الثورات في طبيعتها تطرح صيغة مجتمع أولا, وثم تعرف الدولة المناسبة لهذا المجتمع. ما يحدث عندنا هو العكس, لذلك تنتهى هذه الثورات في عقلية انقلابية, أو في عقلية وذهنية مدنية, تبتعد عن القضايا السياسية الجوهرية.
الثورة البلشفية, والفرنسية, والإيرانية, والأمريكية, وغيرها, شكّلَ المجتمع, جوهر و صُلب أولوياتها. ليست المسألة في فصل الدولة عن المجتمع في الثورات, انما في التعريف السياسى للمجتمع (حقوق المجتمع السياسية التي تبع منها الحقوق المدنية), ثم ما هي الدولة التي تلائم هذا المجتمع.

خ.ف.