تقييم لسياسة الحزب الشيوعي العراقي بعد ثورة 14 تموز/١


فاضل عباس البدراوي
2021 / 7 / 13 - 23:31     

الجزء ألاول
الحدث الكبير الذي جرى في العراق صبيحة يوم 14 تموز من عام 1958، أحدث زلزالا مدويا في المنطقة، عندما أقدم عدد من الضباط الوطنيين ألاحرار الذين كانوا يرتبطون بعلاقة خيطية مع جبهة ألاتحاد الوطني المعارضة للنظام الملكي السعيدي ألاستبدادي الرجعي شبه ألاقطاعي الذي ربط العراق بعجلة ألاحلاف العسكرية التي انتقصت من سيادته الوطنية، ذلك بتنفيذهم انقلابا عسكريا أطاح بالنظام الملكي وحكومة نوري السعيد، واعلنوا النظام الجمهوري على انقاضه. بعد اذاعة البيان ألاول للانقلاب واعلان تشكيلة الحكومة الجديدة من شخصيات وطنية معروفة، خرج ملايين العراقيين يهتفون للتغيير وغطت جموعهم شوارع بغداد والمدن العراقية ألاخرى معلنين تأييدهم ومساندتهم له ووقوفهم ضد أية محاولة لوأده من قبل أعوان النظام البائد. بذلك تحول ألانقلاب الى ثورة شعبية، فلولا تلك الوقفة الجماهيرية القوية ربما لم يكن يحالف الانقلاب النجاح.
بعد نجاح الثورة بأيام قليلة، طفت على الساحة السياسية، صراعات ومماحكات بين أطراف جبهة ألاتحاد الوطني، ألقت بظلالها على مسيرة الثورة، مما أدت ألى انتكاسها والتراجع عن أهدافها في اقامة نظام ديمقراطي مدني وقيام المؤسسات الدستورية.
ان جميع أطراف جبهة ألاتحاد الوطني والزعيم عبد الكريم قاسم، يتحملون ألاخطاء التي أدت الى انتكاس الثورة واغتيالها بعد اربعة أعوام ونصف على يد قوى الردة في 8 شباط 1963.
سأتناول تقييما لسياسة الحزب الشيوعي العراقي بعد الثورة بشكل خاص، لأنني كنت أحد أفراد الحزب قبل الثورة كعضو وبعدها ككادر وسطي، حيث رافقت مسيرة الحزب طيلة تلك الاعوام، ما زالت ذاكرتي تختزن ألاحداث التي جرت على الساحة السياسية العراقية حتى اليوم المشؤوم الذي اطيح بالثورة ومنجزاتها.
وايمانا مني بضرورة تسليط الضوء على سياسة الحزب الشيوعي العراقي خلال تلك الحقبة الزمنية، خدمة للارشيف الوطني العراقي، اضافة لاطلاع الاجيال الجديدة عليها، سواء من الجيل الحالي للشيوعيين او للباحثين عن الحقيقة. سيكون تقييمي للاحداث وسياسة الحزب تقييما نقديا موضوعيا حياديا، سأمر على الأحداث ودور الحزب فيها مثلما حدثت. لا أدعي ان ما سأسرده هو صحيح من وجهة نظر ألاخرين ولا ادعي انني أمتلك الحقيقة كاملة لوحدي. لكن الذي دفعني لتناول هذا الموضوع بشكل مفصل هو قراءتي لمعظم مذكرات قادة الحزب في تلك الفترة، مع ألاسف لم أجد فيها أي تناول لأخطاء الحزب بشكل جدي الا النزر القليل منها، أعزو سبب ابتعادهم عن ذكرها كونهم كانوا من ضمن القيادة التي ارتكبت تلك ألاخطاء، يعدّون تناولها بشكل مفصل هو جلد للذات أكثر مما هو نقد ذاتي، بينما ينص النظام الداخلي للحزب منذ المؤتمر ألاول له الذي انعقد عام 1945 والذي كُتب على يد أحد أبرز مؤسسي الحزب (يوسف سلمان، فهد) على مبدأ النقد والنقد الذاتي، الذي يجب ان يمارس من قبل كل هيئات وأعضاء الحزب، لكن مع الاسف لم يطبق هذا المبدأ في أحيان كثيرة وتم التجاوز عليه.
ان ألاخطاء التي ارتكبها الحزب، تعود لأسباب موضوعية. فالحزب طيلة حياته السياسية كان يمارس العمل السري لمدة ربع قرن تقريبا، الثورة فتحت أبوابها له ولبقية القوى السياسية على مصراعيها لممارسة العمل العلني، وهناك بون شاسع بين ممارسة العمل العلني والعمل السري، كما ان الضربات المتتالية التي وجهتها حكومات العهد البائد للحزب وقياداته أثرت بشكل كبير على مسيرة الحزب، اذ فقد الحزب من خلالها لعدد كبير من قيادييه من ذوي الخبرة والتجربة وحل محلهم أخرون أقل منهم خبرة وتجربة، اضافة لأفتقاد القادة والكوادر وأعضاء الحزب للثقافة النظرية والاطلاع على تجارب الاحزاب الشيوعية والحركات الثورية في العالم. من أين تاتيهم الثقافة والبلد كان محاطا بسور حديدي يمنع تدفق أي مطبوع يشم منه رائحة الماركسية بل حتى المطبوعات ذات التوجهات التقدمية والليبرالية؟. فمن الطبيعي اذن حدوث أخطاء حتى انحرافات في مسيرة الحزب النضالية. بالرغم من ذلك فهناك بصمات تاريخية لنضال وتضحيات الحزب الشيوعي العراقي لا يستطيع أي باحث سياسي أو مؤرخ منصف أن يتجاوزها.
يتبع