عندما تكون دولة المؤسسات فاعلة / في ثلاث دول سلطة القانون تؤكد حضورها


رشيد غويلب
2021 / 7 / 13 - 17:12     

عادة ما تهيمن الصراعات الجيوسياسية والحروب وأخبار الكوارث الطبيعة وتطورات انتشار كورونا على مؤسسات الإعلام المهيمنة. ولا تعطي هذه المؤسسات الاهتمام الكافي للكثير من أحداث السياسة العالمية، وخصوصا تلك الاحداث التي تصب في مجرى تعزيز التوجه الديمقراطي، التي تؤدي إلى محاسبة مستبدين وفاسدين، وجماعات اللوبي. أما إعلام الأنظمة المستبدة والفاسدة، فلا مصلحة له في التعريف بذلك، فالكثير من الحاكمين في بلدان الاستبداد والفساد، يرعبهم محاسبة أقرانهم في البلدان الأخرى. في هذا التقرير نشير إلى نماذج حدثت أخيرا في ثلاثة بلدان، أكدت حضور دولة المؤسسات، واحترام سلطة القانون، تمت بموجبها محاكمة رؤساء سابقين، وشخصيات أمنية وعسكرية مرموقة ارتكبت جرائم في ظل أنظمة دكتاتورية سابقة، وديمقراطية راهنة.
إدانة رئيس جمهورية جنوب افريقيا السابق
في 29 حزيران الفائت، أصدرت المحكمة الدستورية في جنوب افريقيا، حكما بالسجن لمدة 15 شهرا، غير قابلة للنقض بحق رئيس الجمهورية السابق جاكوب زوما (2009 – 2018)، وجاء قرار المحكمة لرفضه المثول أمام المحكمة، وتقديم تفاصيل تتعلق بتهم الفساد الموجهة اليه. وسبق له أن مثل أمام المحكمة مرتين آخرها عام 2019، وغادرها اثناء الاستراحة وخارج السياقات القانونية. ولم يعلق الرئيس السابق على القرار الصادر بحقه، وسبق له أن أرجع محاكماته إلى مؤامرة دولية تديرها أجهزة مخابرات عالمية، وأن القضاء في جنوب افريقيا لا زال يستخدم أساليب الفصل العنصري.
ويُتهم زوما بتعيين الموالين له في المفاصل المؤثرة في الدولة والشركات الحكومية، لمنح عقود الدولة لأصحاب المشاريع الذين يشير إليهم بصفة “أصدقائه”. وتقدر الأضرار المترتبة على ذلك رسميا بقرابة 30 مليار يورو. ويحاكم الرئيس السابق حاليًا في قضية فساد أخرى تتعلق بأكبر صفقة أسلحة في جنوب إفريقيا بعد القضاء على نظام الفصل العنصري.
الأرجنتين.. إدانة القتلة ولو بعد حين
في بداية حزيران الفائت أدانت محكمة في سان مارتن الأرجنتينية خمسة من كبار مسؤولي المخابرات العسكرية السابقين، بينهم الحكم بالسجن المؤبد بحق رئيس جهاز المخابرات خلال سنوات حكم الدكتاتورية (1976 – 1983) بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وشملت الجرائم المرتكبة الخطف المنهجي والاختفاء القسري والتعذيب والقتل المؤكد لـ 94 معارضا. وامتدت خارطة الجرائم من الأرجنتين إلى البرازيل وبيرو وبوليفيا وإسبانيا. واستمرت المحاكمات لمدة عامين، استمع خلالها إلى 250 شهادة للناجين من القمع وعوائل الضحايا. إن الجرائم التي ثبتت بعد 40 عاما من ارتكابها، والاحكام الصادرة بحق مرتكبيها تمثل مدخلا مهما لدراسة دور جهاز المخابرات في ممارسة القمع.

واستمرار محاكمة رئيس الجمهورية السابق
رفعت وكالة مكافحة الفساد الأرجنتينية تهماً ضد الرئيس اليميني السابق ماوريسيو ماكري (2015 – 2019) بسبب اخفائه معلومات عن ثروته خلال فترة ولايته واحتمال قيامه بعمليات غسيل أموال. وكشف التحقيق الذي أجراه المدعي العام السابق والرئيس الحالي لـمكافحة الفساد، فيليكس كروز، أخيرًا شبكة من ممتلكات شركة غير مبلغ عنها من قبل ماكري وزوجته جوليانا عواضة. وتلقى ماكري أرباحا من هذه الشركة على مدار السنوات العشر الأخيرة، بغض النظر عن تحقيقها أرباح من عدمه. ويشتبه المحققون في أن الشركاء الآخرين هم شخصيات فضائية وأن الشركة استخدمت في التهرب الضريبي وغسيل الأموال. ولماكري ووالده سوابق في التهرب الضريبي، وقد صدرت بحقهما أحكام قضائية لم تأخذ طريقها للتنفيذ، بسبب الحماية التي وفرها قاضيان في المحكمة العليا، و تم عزلهما لاحقا من مجلس الشيوخ.
وكانت ملفات “أوراق بنما” قد كشفت العديد من الشركات الخارجية وحسابات غير معلنة له ولمقربين منه. وفي جانب آخر بدأت النيابة العامة في كانون الثاني الفائت تحقيقا مع الرئيس السابق بتهمة التجسس على رؤساء شركات وموظفين وفنانين وشخصيات من المعارضة، وشخصيات من إدارة الرئيس ذاته.

سابقة قضائية في البرازيل
لأول مرة، أدانت محكمة في ساو باولو بالبرازيل ضابط شرطة سابق لارتكاب جرائم في سنوات الدكتاتورية العسكرية (1964 - 1985). وصدر الحكم على ضابط الشرطة السابق كارلوس ألبرتو أوغوستو بالسجن لمدة عامين وأحد عشر شهرًا بتهمة اختطاف أحد جنود مشاة البحرية المعارضين. وطالب المدعي العام بعقوبة اشد وينوي استئناف قرار الحكم الصادر.
ووصف المدعي العام أندريه ميندونسا الحكم بأنه مهم لأنه يظهر “الطبيعة المنهجية للممارسات. وأن هذه الجرائم لم تكن أفعالا فردية”. ولا يزال النظر في القضية يعتبر استثناءً، ففي السنوات القليلة الماضية، فتح الادعاء العام ملفات أكثر من 50 دعوى جنائية، رفضتها المحاكم أو أوقفت النظر فيها.
وقال، رئيس لجنة حقوق الإنسان في نقابة المحامين في ساو باولو لياندرو سارسيدو: “هذا قرار مهم ويمكن أن يساعد في إعادة وضع جرائم العسكر على جدول الأعمال”. لكن سيكون من الصعب تأييد الحكم. لأن 50 سنة فترة طويلة بالنسبة لجريمة اختطاف” و “للأسف، ومن الناحية القانونية، لا أثر للضحية”.
والمعروف أن العسكر كانوا قد شرعوا قانونا يعفو ويحمي كل المسؤولين عن مخالفات قانونية، قبل العودة إلى الديمقراطية مجددا، واشترطوا عدم الغائه. وقامت حكومة الرئيس اليميني المتطرف الحالي بتفعيل القانون الذي لا يزال نافذ المفعول.
وفقًا لتقرير لجنة الكشف عن الحقائق، قُتل ما لا يقل عن 434 شخصًا وتعرض الآلاف للتعذيب خلال سنوات الديكتاتورية. وهاجر العديد من أعضاء المعارضة إلى المنفى أو اختفوا. ويعرب الرئيس الحالي بولسونارو باستمرار عن تعاطفه مع سنوات حكم الديكتاتورية العسكرية.
إن ما تقدم يشير إلى أن المستبدين والفاسدين وامتداداتهم ليسوا بمنأى عن الحساب وإن طال أمده، والعراق المبتلى بمنظومة المحاصصة والفساد، التي تتصارع على المغانم، ولكنها تتفق حين تتعرض منظومة سلطتها المشتركة للخطر، لذا يقف هؤلاء بشراسة في وجه رياح التغيير، لكيلا يواجهوا مصير نظرائهم في البلدان التي أشرنا اليها. لقد انحدروا إلى درك غير معقول، عندما جعلوا الماء والكهرباء الضروريين للحياة في صيف العراق اللاهب وسيلة للضغط والابتزاز. تجارب الشعوب تقول في النهاية لا يصح إلا الصحيح، ولا أحد مهما طغى وتجبر يمكن ان يكون فوق القانون.