الرأسمالية على المَذْهَب الصِّينِي


الطاهر المعز
2021 / 7 / 12 - 11:04     

خبر وتعليق
إفريقيا- الشركات الصينية وحقوق العُمّال

تستغل الشركات الصينية الكثير من المناجم في العديد من البلدان الإفريقية، منها منجم الذهب في شرق الكامرون، حيث قُتل أربعة عمال في حادث واحد سنة 2017 و ستة عُمال يوم 30/12/2018، قبل أن تُغادر الشركة الصينية الموقع، دون ردم ودون صيانة، ودون تسديد أي تعويضات لأُسَر العُمال، أو للمُزارعين ومربي الماشية المتضررين من استغلال المنجم، ولم يتمكن العُمّال من الحصول على رواتبهم، لعدة أشهر قبل مغادرة الشركة الصينية المنجم، وما حصل في الكامرون حصل في بلدان أخرى، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، مثل النيجر وإفريقيا الوسطى وساحل العاج والكونغو الديمقراطية وغيرها، وتعددت الإضرابات من أجل الرواتب وظروف العمل، واحترام كرامة العُمّال الإفريقيين، كما تعددت الحوادث بين العُمال الإفريقيين والإدارة الصينية لهذه المناجم، وحصل آخر حادث في في مقاطعة "لوابالا" جنوب الكونغو الديمقراطية، بسبب إنكار الشركة الصينية لحقوق العُمّال المَحَلِّيِّين، وسبق أن حصلت حوادث اعتداء عديدة بالعنف، كان ضحيتها العمال المحليون في مناجم الذهب والنحاس والكوبالت التي تستغلها الشركات الصينية.
في كانون الثاني/يناير 2021، أدانت محكمة منطقة "كولويزي" (الكونغو الديمقراطية) ستة صينيين عَذّبُوا عاملاً كونغوليا حتى الموت، ونشرت وسائل الإعلام بالمناسبة تحقيقات تشير إلى عدم احترام الشركات الصينية حقوق العمال، وحَظْر العمل النّقابي، وتشغيل العاملين برواتب متدنية، وبدون تأمين اجتماعي وصحي، مع غياب الوقاية من المواد الكيماوية ومن مجمل المخاطر، بدعم من الدّولة الصينية ومن دولة الكونغو...
في شهر آذار/مارس 2021، نشرت مواقع التواصل "الإجتماعي" صورًا تظهر شجارًا عنيفًا بين العُمال الكونغوليين والموظفين الصينيين في منطقة "كولويزي"، حيث نفّذ عُمال منجم الذهب في "لوابالا" إضرابًا يومَيْ 25 و 26 حزيران/يونيو 2021، بعد إقدام الشركة على خَفْضِ المُكافآت من 250 دولارًا إلى خمسة وخمسين دولارا، ويبدو أن مُدِيري الشركة سرقوا جزءًا من المكافأة...
في الثلاثين من حزيران/يونيو 2021، نشرت مواقع التواصل "الإجتماعي" المَحَلِّيّة، مقطعًا من شريط فيديو، يظهر اعتداء المُدير الصيني للمنجم على عامل كونغولي، ليتطوّرَ الحادث بسرعة إلى معركة بين الموظفين الصينيين لشركة "ماجنغو" والعُمّال الكونغوليين، بسبب سوء المعاملة التي تغض الحكومة الكونغولية عنها الطّرف، وبسبب العبارات البذيئة التي أطلقها المسؤول الصيني، مثل "افعل كذا ياعَبْد" أو "تعالي ياقرد"، وبالإضافة إلى هذه الإهانات المُتَكَرِّرَة، رفض العُمال العمل المجاني الإضافي، وترفض الشركة حصول العمال المحليين على إجازة مدفوعة الأجر...
قدّر تقرير لوكالة "رويترز" (30 كانون الأول/ديسمبر 2019) أن 80% من الصادرات الكونغولية من قطاع التعدين كانت موجهة إلى الصين، التي تمثل شركاتها 70% إلى 80% من سوق النحاس والكوبالت، وبدأت سيطرة الشركات الصينية على قطاع التعدين في إفريقيا منذ حوالي عقدَيْن، لما بدأت شركات التّعدين الأوروبية والأسترالية والكندية تبيع بعض المناجم في الكونغو الديمقراطية التي لم يستقر بها الوضع منذ أكثر من أربعة عُقُود، واشترت الشركات الصينية أُصُول الشركات "الغربية"، وجاءت بموظفيها الصينيين للإشراف على العمال المحلِّيِّين الذين يشتكون من ظروف العمل السيئة ومن الرواتب الضعيفة ومن الإهانات وما إلى ذلك، بينما تُخالف الشركات الصينية قانون العمل الكونغولي الذي يشترط على الشركات الأجنبية "أن لا يشغل المغتربون سوى الوظائف التي لا تتوفر مهاراتها محليًا"، ويتقاضى العمال الكونغوليون أجوراً أقل من العُمال الصينيين، ويُجْبَرُون على العمل أكثر بكثير من زملائهم الصينيين، وأدّى التّمييز بين العمال الصينيين والكونغوليين إلى تفاقم التوترات، لأن السلطات تتواطؤ مع الشركات الأجنبية، بدل إجبارها على احترام قانون العمل والحماية الإجتماعية والصحية، وتأسيس النقابات...
تُواجه الصين، كدولة، استفزازات أمريكية عديدة، وهي في حالة دفاع عن حدودها وعن استقلال قرارها، في مواجهة الإمبريالية الأمريكية، وعندما ندعم حق الصين في الدّفاع عن أراضيها وحُدُودها، لا يعني أننا ندعم الشركات الرأسمالية الصينية التي تُعيد إنتاج أشكال الإستغلال الرأسمالي للشركات العابرة للقارات، ذات المَنْشَأ الأوروبي أو الأمريكي، وما الأمثلة التي وَرَدَتْ في الفقرات السابقة سوى عَيّنات قليلة من بشاعة الإستغلال والإضطهاد والعُنصُرية، بدعم من الحكومة الصينية ومن حُكُومات الدّول الإفريقية، الفاسدة والمُرْتَشِية، وهي عينات تُظْهِرُ أنْ لا استقلال حقيقي، بدون استقلال اقتصادي، وبدون السيطرة على الموارد وعدم استنزافها، بل استغلالها بعقلانية لصالح السّكّان المحليين...
إن الشركات الصينية شركات رأسمالية، سواء امتلكتها الدّولة أو رأس المال الخاص، ويشتكي العاملون بها في آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا من إعادة إنتاج أشكال الإستغلال والإضطهاد الإستعماريَّيْن، ومن بشاعة استغلال العُمال (والموارد) الذي يجمع بين الشكل العسكري والشكل الإقطاعي، ولا بد من أخذ هذه الجوانب بعين الإعتبار عند تحليل طبيعة النظام الصيني أو طبيعة الرأسمالية الصينية، ودراسة مَسَارِ تَطَوُّرِها وتَوَسُّعِها داخل الصّين وخارجها...