تونس : حكومة سياسية


فريد العليبي
2021 / 7 / 10 - 23:49     

بينما كان الشعب يحصى أمواته جراء الوباء ، باحثا عن جرعة دواء ، كانت حركة النهضة الإسلامية تقول من خلال بيان صادر عن آخر اجتماع لمجلس شوراها إن من اللازم إحداث تغيير في الحكومة الحالية ، فهي تحتاج الى تعديل، مُذكرة أنها كانت دوما مع حكومة سياسية ، مُتنصلة من موافقتها على حكومة المشيشي التكنوقراطية ، يوم تقديمها لنيل الثقة في البرلمان ، مُؤكدة أنها فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا ، حتى لا يفتك الفراغ بالبلاد . ويبدو أن غايتها الأولى من وراء تلك التصريحات التبرؤ من المسؤولية عما اقترفته الحكومة من سوء تدبير، وهو ما تجلى في الكارثة الصحية وتردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وتفشي القمع في مواجهة الاحتجاجات الشعبية. أما الثانية فهي ابراز نفسها في ثوب الحزب الرصين ، الذى يُراعى مصلحة البلاد ويضعها فوق كل اعتبار . ومن المُرجح أنها مستعدة فضلا عن ذلك ، الى المضي قدما في التنكر لمواقفها السابقة، بما في فيها التضحية بالحكومة الحالية برمتها ، بعد ادراكها أنها لا مقبولية شعبية لها ،فقد عصف بها العجز والفشل وبلغت منتهاها واقترب الشعب من قراءة صلاة الجنازة عليها .
تُؤكد الحركة أنها تريد حكومة سياسية كما قلنا، وكأن هناك حكومات غير سياسية ، فحتى اذا سلمنا أن حكومة المشيشي تكنوقراطية ، بمعنى إدارية وتقنيه ، فإنها حكومة سياسية فالحكومة من الحكم والحكم سياسة كائنا ما كان شكله ، علما أن تلك الحكومة التي أرادها رئيس الجمهورية تكنوقراطية ومستقلة عن الأحزاب ، وضعت حركة النهضة يدها عليها منذ الساعات الأولى لولادتها فأتمرت بأوامرها فكانت منها واليها ، دون انتباه أنه في ذلك كانت ورطتها ، التي تحاول الآن الخروج منها .
يُفزع حركة النهضة حل البرلمان، والمضي نحو انتخابات رئاسية وتشريعية مُبكرة ، وهو ما لوح به رئيس الجمهورية ، ورغب فيه اتحاد الشغل وقوى سياسية كثيرة ، لذلك تقدم حلا وهميا ، لا معنى له من حيث جوهره غير بقاء الحال على ما هو عليه ، فهي تريد التمكين ولن تبلغه الا بالسيطرة شيئا فشيئا على مختلف مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الأخرى ، والوضع الحالي يُناسبها ، طالما تعتقد من خلال دستور كسيح ، فاقد للروح ، أنها الحزب الأول ، مُتجاهلة أن من صوتوا لها لا يزيدون عن سبعة في المائة من مجموع الناخبين المفترضين .
و الورطة أنها اذا تخلت عن المشيشي فإن ذلك سيعزز الفكرة الرائجة عنها باعتبارها حركة مُخاتلة ، تُغير أدواتها متى وجدت مصلحة في ذلك ، فهى حركة ميكيافلية دون حدود ، تهمها الغاية ، أما الوسيلة فتستبدلها عند الضرورة . ويبدو أن المشيشي سيذوق قريبا طعم ما ذاقه غيره على يديها ، ومن بينهم الباجي قائد السبسي، الذي اختطفت منه الحركة رئيس حكومة ، وشقت به حزبه ومزقته إربا ، وعندما أعادت الكرة مع رئيس الجمهورية الحالي ، مُسيطرة مُبكرا على حكومة المشيشي، مُستغلة غياب حزب للرئيس في البرلمان ، مُقيلة وزراءه ، مُعوضة إياهم بوزرائها ، كانت الخيبة في انتظارها ، فقد كان قيس سعيد من طينة أخرى ، مُدركا تناقضات الوضع المحلي كما قال رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ ، رافضا التصديق على تسمية هؤلاء باعتبارهم من ذوي شبهات الفساد ، فكان كبح جماحها ، مُتجرعة بذلك طعم الحنظل ، وهى التي اعتقدت أنه وليمة شهية سيسهل عليها التهامها غداة فوزه الانتخابي.
وتلك المخاتلة ترقى الى درجة النفاق ، وهى غير منفصلة عن تصريحات الغنوشي المتناقضة ، المحفوظة في تاريخ تونس القريب ، والتي يحتاج المرء كتابا لإحصائها وتحليلها ، من زين العابدين الذي شبه ثقته فيه بثقته في الله ، و القذافي الذي قال له إن الثورة التونسية مستوحاة من كتابه الأخضر، الى حزب قلب تونس الذي قال إنه لن يتحالف معه أبدا ، وصولا الى اتخاذه من الأمين العام للتجمع الدستوري مستشارا له . واذا حصل للمشيشي ما لا يتمناه ، ونعني اقالته بمباركة نهضوية ، في سبيل حكومة سياسية ، فلن يكون غير اسم آخر ينضاف الى بقية الأسماء المغدور بها ، ولن يتمنى له في وفاته السياسية وقتها الشعب التونسي أية رحمة .