خلاص العقل العربي من أزمته


عباس علي العلي
2021 / 7 / 9 - 01:00     

الكلمة السر التي تنقل الفكر العربي ومعطيات التفكير فيه ووسائل التعقل والإدراك المعرفي تتلخص في مفهوم العودة إلى معنى الخلاص أي خلاص العقل من ثوبه التأريخي المأزوم بأزمة الأنا الإعرابية التي تدور مرة بين الغزو والصولة والتجاوز على الأخر تحت عناوين البطولة والشجاعة والفروسية ومرة بين الخضوع والاستسلام والتمتع بالإستذلال وأيضا تحت عناوين الصبر والانتظار وخير المقال الرضا بالمقسوم والمكتوب.
هذا التناقض الرهيب بين الصورتين المتطرفتين الخارجتين عن الطبع الإنساني الأساسي وهو الحس بالحرية وحماية الحرية بمعنى العيش المشترك شرخ ذات الأنا العربية بين طرفي خصومة دائمة وأزلية هو أصلا خارج عنها ولكم السلطة التأريخية الفكرية هي التي أقحمته فيها ، يوقدها مرة الدين ومرة يقودها الأنتماء النسبي العصبي، مفهوم الجاهلية المتجددة برغم من جهد الإسلام الذي جنح بالإنسان نحو محدد أخر محدد يخرج من التاريخ والقومية ليدخلنا بالحاضر والإنسانية وهو مبدأ خير الناس من نفع الناس.
الدين فكر خارج عن الخصوصية الذاتية في أقل الفرضيات الآن ومن هنا مجرد أن نلصق الدين بالقومية أو بالمكان نخرجه من إطاره الإنساني لنجعله أداة بيد السياسة، هذا ليس أكتشافا جديدا ولا زعم نظري ، الدين الإسلامي يوم أخرجه البعض من كونيته الإنسانية ليكون دين قريش أولا وبالتالي دين العرب تقوقع وتكسرت قدماه من السير الصحيح ذلك أن الله لم يخاطب الناس من خلال الصورة التي تطرح الآن بل قال يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوب وقبائل ، هكذا جرد الإسلام الدين من الخصوصية الضيقة.
وحتى الديانة اليهودية الحقيقة لم تأت مدارة لبني إسرائيل ومعالجة لهموم وحاجات وإطار ملتصق بهم بل كان دينا إنسانيا أصابه ما أصاب الإسلام من أزمة التقوقع، هنا يمكن أن نسجل ملاحظة مهمة جدا تتعلق بالدين المسيحي وهو الأوسط وإن تم سرقة بعض من وجاهته الإنسانية إلا أن مبادئه الكونية حاضرة بقوة فيه من خلال روح المحبة التي هي عماد هذا الدين والتي صارت شعارا له دون أن يتقوقع داخل القومية والفكر المتشخصن لذا كان أحد أهم أسباب انتشاره اضافة لأسباب أخرى هو مخاطبته الإنسان خارج المسميات والحدود.
العامل الحسي المتعلق بالأنا الذاتية هو أول أعداء الإنسانية وأشد المدافعين عن الخصوصية الفردية لذا فإن عوامل انهيار الفكر هو لجوء القوى المحركة له من خارج ذات الفكر ودفعها نحو خصخصة الفكر كي ينزوي تحت لواء أيديولوجي وبالتالي تحويله من منظوره الجمعي إلى منفعة فردية تسخر لاحقا كسلطة استعبادية، هكذا ينتحر الدين وتنتحر مثل الله في الأرض، هذا حدث عندما قالت اليهود نحن أبناء الله وأحبائه وكررت نفس المشهد قريش حينما حصرت الإسلام فيها روح وقيادة وهدف فصار المسلم وحتى المؤمن الحقيقي يشعر بأنه مجرد عبد عند السيد قريش لذا تناوبه شعور أخر أنه ليس معنيا بالإسلام كفكر وإنما معني بالإسلام كخلاص من العذاب الموعود.
مشكلة الإنسان مع الأديان ليست مشكلة غيبيات أو واقع غير ملائم للتجسيد أو الأحكام التي يطلقها البعض أبدا حول فشل الدين في معالجة قضاياه ، الإشكالية أعمق بكثير وبعود سببها لعنصرين رئيسيين الأول أستلاب الدين من جوهره وإخراجه من المدار الكوني العام إلى أطار الخصوصية ، وهذا يقدم ويمهد للإشكالية الأخرى وهي أستلاب الإنسان حقه الوجودي من قبل قادة الانقلاب الديني ، هذه الإشكالية المزدوجة هي جوهر التعارض بين الإنسانية كمطلق فكري وبين صور الدين ومظاهر التدين، الإنسان الحر ليس خصما للرب ولا ساعيا للانتقاص من حدود سلطانه والرب ليس عدوا ولا ظالما لبني آدم، ولكن التزييف والتحريف المستند إلى الإستلاب الأول أفرغ الدين من جوهرة لغرض زرع الخندق المتعفن من رائحة الأنا الذاتية بين الأرض والسماء.
إن أعادة الروح للدين وأعادة الروحانية المتمثلة بالقيم المثالية الحميدة والتنميط الأخلاقي الذي يستهدف الفضيلة والخير والمحبة إلى المجتمع الإنساني وبعث روح الربط بين طرفي الوجود السماء والأرض لا يمكن أن يمر إلا من خلال تخليص الدين من الخصوصية وتجريده من الحدود وربط الإيمان به بالإقرار بالحق الإنساني المتمثل بلا إكراه في الدين، هنا يمكن أن يتحرك هذا الدين من جديد في الروح المجتمعية ويخلص الإنسان من أغلال العبودية للإنسان السوبر الإنسان الذي أستلب روح الدين وسخرها بضاعة مزجاة في سوق المنافع دون أن ينظر إلى الأثر المدمر لهذه السلوكيات المريضة.