المقاربة المستحيلة بين الدولة الدينية والدولة المدنية


حسن خليل غريب
2021 / 7 / 7 - 09:40     

لأن هناك مبادئ عامة، توصلنا إليها من خلال قراءة المفاهيم السياسية للفكر الديني الإسلامي؛ ولكنها إذا لم تكن جديدة، لأن الكثيرين ممن سبقنا في التفتيش عنها، فإنما جاءت في سياق مهمة كبرى تترتَّب على التيارات الفكرية القومية أن تقوم بها كلما حصلت متغيرات على المستوى العالمي والعربي. وتعلو على مستوى التجمعات الصغرى، وعلى التجمعات القطرية، لتصل إلى سقف المستوى القومي العربي.
ولذلك يكفينا أن نلخَّص النتائج التي تبرهن على تلك الاستحالة، ومن أهمها:
-خضعت آراء الفقهاء وفتاواهم، والعالمون بشؤون الدين، والقسيسين والكهنة، لتجارب تجاوزت عشرات القرون، سواءٌ أكانت تجربة مسيحية، أم كانت تجربة إسلامية، وكانت النتائج مخيِّبة للآمال. فلقد فشلت الدول الدينية فشلاً ذريعاً، ليس أقلها أنها بعد مئات السنين أم آلافها، أن الفكر الديني لا يزال متمترساً وراء حصونه المقدَّسة، والتي دفعت الشعوب، ولا تزال تدفع ملايين الضحايا على مذبح الصراعات المقدسة.
-وإن كانت الصراعات الدموية قد انتهت بين المذاهب المسيحية، واستكانت في هدنة طويلة، إلاَّ أن الهدنة لا تزال هشَّة إذا ما انفتحت أمامها مسالك التحريض والتعبئة. ولكن الهدنة التي اتفقت على الالتزام بها المذاهب المسيحية، عجزت المذاهب الإسلامية عن الوصول إليها، ولذلك لم تهدأ حتى الآن الصراعات الدموية بينها. لا بل لا تزال دماء المسلمين وغيرهم تسيل بغزارة ومن دون رحمة بين المذاهب التي لا تزال حية حتى الآن.
-وإذا كانت الصراعات قانوناً عاماً تجعل التقارب بين مذاهب الدين الواحد أمراً مستحيلاً، فإنها ستكون مستحيلة أيضاً بينها وبين المسيحية.
-وإذا كان الرباط الوطني والقومي قد حلَّ مكان الرابط الديني والمذهبي، وهو الذي قوَّض سلطة الكنيسة في الغرب، وبنى سلطات مدنية على أنقاض فشلها في الحكم. فإن هذا الرباط هو الأكثر غياباً في مشرقنا العربي والإسلامي. ففي هذا المشرق، ومنذ عشرات السنين تعتبر الحركات الإسلامية أن من واجبها الأول أن تُسقط الأنظمة القائمة، لأنها علمانية. ولأنها علمانية فهي كافرة. ووصلت حدود الجنون في تلك التيارات أنها نأت بنفسها عن معارك التحرر الوطني تحت حجة أنها بمشاركتها كأنها تمنع سقوط تلك الأنظمة.
ولأن الفكر الجديد نتيجة لقصور الفكر القديم عن إيجاد حلول لمشكلات المجتمعات؛
ولأن الدولة الدينية هي التي حكمت الوطن العربي مئات من السنين وأثبتت عجزها عن توفير العدالة والمساواة بين رعاياها.
ولقد تبيَّن لنا في نهاية الأمر استحالة المقاربة بين الفكرين الديني والقومي، ولم يبق من عوامل التلاقي سوى مسألة الإيمان بمرحلة ما بعد الموت، ولأن تلك المرحلة تلفُّها إيديولوجيا غيبية لم تبلغ مرحلة اليقين الحسي، تبقى عرضة للتفسير والتأويل وهي من مهمة الفكر الفلسفي، وليست من مهمات السلطات الزمنية، وفي المقدمة منها التيارات القومية.
ولأن الغرق في المسألة الإيمانية الغيبية يقود، كما أثبتت التجارب التاريخية، إلى صراعات دائمة لم تنته ولن تنتهي، على الفكر القومي أن ينأى بنفسه عن الخوض بها، لأنه وإن فعل، فكأنه يؤسس لصراعات جديدة. أصبح لزاماً عليه أن يعتنى بخلاص الإنسان في الحياة الدنيا، تاركاً شؤون خلاص الأنفس في الآخرة للاختيارات الفردية، وأن يحصر دوره فيها باحترام حرية الاعتقاد وحمايته على أن لا يكون فيه ما يؤدي إلى تفتيت أو صراع في المجتمع المدني.