أغاليط التهوين من الجريمة التي تعرض لها نزار


ناجح شاهين
2021 / 7 / 5 - 20:36     

ناجح شاهين
استشهد الناشط نزار بنات على يد قوة أمن فلسطينية كبيرة دون أن يكون هناك أي تهديد لحياة أي من أفرادها. كان نزار نائماً، ناهيك عن واقعة أنه شخص مدني لم يتعاط العنف في حياته أبداً. لذلك يبدو جلياً أن عملية القتل كانت "هادئة" و"سلسة" و"طبيعية" وأنها لم تنجم عن توتر القوة أو أحد أفرادها أو عن اضطرابهم...الخ. بعبارة شائعة لقد نفذوا فعلهم بدم بارد وأعصاب مسترخية.
لكن هناك من يصر على أن يجد طريقة للتلطيف من بشاعة الجريمة التي وقعت. وقد تلسمنا على نحو سريع مجموعة من المغالطات المستخدمة في هذا النطاق يمكن أن نلخصها فيما يلي:
1. إن الأخطاء جزء من طبيعة البشر، ويجب أن "نتفهم" هذا الخطأ مثلما نتفهم أو تفهمنا غيره. هذا الرأي يقف عند هذا الحد، ولا يطالب أصحابه بأن تعترف الجهات المعنية ب "الخطأ" وتشرع في محاسبة شفافة ونزيهة ومعلنة لمن قام به وصولاً إلى إصدار الأحكام القضائية المستحقة بخصوصه. كأن أصحاب هذا الرأي يقولون شيئاً من قبيل الأخطاء تحصل وعفا الله عما حصل، ودعونا نكمل مسيرة حياتنا كأن شيئاً لم يكن. ترى أية دوافع أو مصالح يمكن أن تنحط بالإنسان إلى اللجوء إلى هذا النوع من المغالطة؟
2. استدعاء "أخطاء" الماضي أو الإخوة والجيران في سياق أغلوطة "الجميع يفعلون ذلك". كأن قيام "الجميع" بأي نشاط يجعله مشروعاً. مثلاً معظمنا يلقي النفايات من نافذة سيارته، لكن ذلك بالطبع يظل فعلاً خاطئاً يفترض أن يحاسب عليه القانون وتنبذه الأخلاق القومية مهما كانت نسبة الذين يقترفونه. في موضوع الجريمة التي تعرض لها نزار يذكرنا من يرغب في "تسويغ" ما لحق بنزار بأن حماس قد فعلت ذلك أحياناً في غزة، أو أن سورية قد قامت به في حماه، أو أن أمريكا تقتل السود بين الفينة والأخرى. وهكذا يسن هؤلاء سنة مبتكرة في القضاء فحواها أن يرد المتهم بجريمة القتل على سؤال القاضي: "لماذا قتلت الضحية يا فلان." بجواب من نوع: "لست أول من قتل يا سيدي، وقد قتل شخص آخر في شنغهاي جاراً له بالطريقة ذاتها." وهكذا يصبح وقوع الجريمة في مكان آخر مسوغاً لوقوعها هنا أو مسوغاً لإعفاء القتلة الملطخة أيديهم بالدم من مسؤوليته الجنائية من بين مسوؤليات أخرى. إن من يستدعي سوريا أو حماس أو أمريكا أو أي بلاد أخرى إنما يقوم بوعي أو بدون وعي بخيانة العدالة والتواطؤ الضمني مع المجرمين. بإمكاننا أن ننتقد أي جهة أخرى ولكن دون ربط ذلك بموضوع الجريمة الراهنة. هذه الجريمة يجب أن تظل تصرخ من خلال حناجرنا حتى تتحقق لها العدالة ومن يشوش على صوت صراخها يكون متواطئاً وإن حسنت النوايا.
3. تعليق إصدار الحكم أو تأجيله حتى تأخذ العدالة مجراها وتقول رأيها. من البدهي أن العدالة تحتاج إلى حشد الأدلة وتحليلها وتقييم الدوافع والظروف من أجل إصدار حكمها النهائي. لكن مطالبة الرأي العام بأن يتبنى طرق العدالة قبل إصدار حكمه هو مغالطة تهدف إلى تمييع القضية والالتفاف عليها. بالنسبة للمواطن العادي ليس هناك من أسرار تحتاج إلى بحث. إننا في مواجهة جريمة واضحة كالشمس، حتى أن أحداً لم يحاول أصلاً أن يدافع عن نفسه من فئة من ارتكبوها. وذلك ممتنع أصلاً من حيث المبدأ بالنظر إلى ضخامة القوة المهاجمة للشهيد وهو نائم وعدم تعرضها لأي تحد في تنفيذ المهمة التي جاءت من أجلها. وهكذا فإن حكم الشارع لا يحتاج إلى انتظار العدالة الرسمية بل إن عليه أن يطلق حكمه الأخلاقي/السياسي على ما حصل بوصفه جريمة مكتملة الأركان يجب أن يحاسب عليها أي مستوى شارك فيها عن طريق التنفيذ أو التخطيط أو إعطاء الأومر والتعليمات.
4. أغلوطة تجاهل المطلوب وإزاحة النقاش باتجاه مواضيع لا صلة لها بالجريمة. على سبيل المثال تبدأ حملة ضجيج وصراخ تتحدث عن عظمة الحزب أو قيادته أو تاريخها النضالي أو أن هناك أجندات خارجية تعمل في الساحة...الخ. غني عن البيان أن هذه أغلوطة تحاول أن تصور أن هناك صلة ما بين الأجندات وبين من يطالب "بدم" نزار. وللرد على هذه الأغلوطة نقول: إن بطولات العالم كلها، وتهم الارتباط بالخارج عن بكرة أبيها، لا صلة لها بجريمة قتل نزار أو من كان في مثل وضعه، ولا تسوغها ولا تخفف من بشاعتها إنسانياً وأخلاقياً وقضائياً.
5. أغلوطة الهجوم على الشخص: يتم التشكيك في أخلاق أو انتماءات الذين يطالبون بالعدالة لنزار، وذلك عن طريق ربطهم بالقوة المنافسة "حماس" أو ربطهم بالمنحلين والمثليين والخارجين على تقاليد المجتمع. وكأن إقامة الدليل على ارتباط المرء بحماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية أو حتى إقامة الدليل على أن صبية ما لا تلتزم بمعايير المجتمع الاجتماعية أو الجنسية...الخ يشكل أسباباً لبراءة قتلة نزار. إن قتلة نزار يجب أن يذهبوا للعدالة ولا فائدة من مماحكة المنتقدين عن طريق ربطهم بالمعارضة أو الرذائل.
6. اللجوء إلى الخوف: وهذه ممارسة أغلوطية شائعة في العالم الثالث، وتمارس هنا في سياق تخويف المعارضة لتكف عن المطالبة بالعدالة عن طريق التلويح بسياقات الشرف للبنات أو لقمة العيش للرجال والنساء على السواء...الخ.
7. أغلوطة غياب الإجماع أو الشارع مقابل الشارع: كأن قدرة الفريق المرتكب للجريمة على تحريك عدد من الناس ليهتفوا له يشكل مدخلا للبراءة من دم الشهيد. أو كأن الجريمة موضوع للتصويت أو لصندوق الانتخابات: هلموا نصوت هل كان قتل نزار جريمة أم لا؟ وهذا بالطبع ينم عن تدمير مقصود لفكرة العدالة وبدهياتها الأساس.
8. ارتكاب أغلوطة التناقض: وتتمثل في التذرع المستمر بأهمية أجهزة الأمن وضرورتها لحماية ممتلكات الناس وأعراضهم...الخ مع تجاهل واقعة أن هذه الأجهزة أو أحدها قد قامت بسلب مواطن فلسطيني أعزل حياته ذاتها بدون حق قانوني أو أخلاقي.

نستنتج مما سبق وبشكل مختصر تماماً أن السلوك القويم في مواجهة جريمة قتل الراحل نزار بنات على يد قوات إنفاذ القانون (يا للمفارقة!) هو المطالبة الحاسمة باعتقال الضالعين والمشتبه بهم وتقديمهم إلى محاكمة عادلة. أما أي كلام يدور حول الموضوع أو يذهب به شمالاً أو يميناً شرقاً أو غرباً، فإنه في خدمة التهرب من تحميل المسؤولية الجرمية لمستحقيها وإهدار لدماء المواطنين الأبرياء بغض النظر عن كون النوايا طيبة أو خبيثة.