فضيحة فضائح السلطة الفلسطينية


رضي السماك
2021 / 7 / 3 - 20:44     

منذ نكبة 1948 التي أسفرت عن تشريد جزء جزء كبير من الشعب العربي الفلسطيني وإقامة الكيان الصهيوني "إسرائيل" على مساحة واسعة من وطنه، مروراً بنكسة 1967 التي أنتهت باحتلال فلسطين كاملة؛ فضلا عن أراضي لدولتين عربيتين (سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية) لم تشهد القضية الفلسطينية تضامناً عالمياً قوياً واسع النطاق كما شهدته وتشهده منذ مرور عقدين ونيف على الإنتفاضة الثانية مطلع الألفية، ولعل آخر تجليات هذا التضامن والتأييد الدوليين ما جرى خلال العدوان الأخير الأسرائيلي البريري على غزة خلال مايو / أيار الماضي؛ حيث شهدت عواصم غربية عديدة تظاهرات وفعاليات متنوعة منددة بالعدوان الأسرائيلي ومتعاطفة مع الشعب الفلسطيني لكن من المؤسف حقاً أنه في الوقت الذي تنال قضية هذا الشعب تلك المكاسب السياسية المهمة يجري إهدارها على أيدي من يفترض أنهم ممثلوه والمدافعون عن قضيته المشروعة، إذ لم يكتفوا بصراعاتهم المزمنة على السلطة، وعلى وجه الخصوص بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح من جهة وحركة حماس من جهة اخرى، حتى بات للشعب الفلسطيني فصيلان حاكمان متناحران تحت سلطة الأحتلال الفعلية: الأول بزعامة الفتحاوي محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في الضفة، والثاني بزعامة الحمساوي إسماعيل هنية في القطاع، بل وتبع ذلك -كما تابعنا مؤخراً - فضيحة الفضائح المتمثلة في اغتيال الناشط المعارض للسلطة نزار بنات بعد سويعات فقط من أعتقاله تحت التعذيب ما أثار عاصفة من الذهول المتبوع بالإستنكار لدى مختلف الأوساط الحقوقية والسياسية والإعلامية العربية والدولية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، فكأنما السلطة الفلسطينية أرادت أن تبز الأنظمة العربية في سرعة الفتك بمعارضيها تحت التعذيب كي تعطي درسا بألا تسول لأحد نفسه معارضتها . ونحن نعلم و الإعلام العالمي برمته بما وصلت إليه السلطة الفلسطينية من مستنقع في الخيانة الوطنية إلى درجة التنسيق الأمني مع العدو الأسرائيلي بأعطائه قوائم المناضلين ضد الأحتلال أو الناشطين المعارضين لها.
وماذا تريد إسرائيل وأعداء القضية الفلسطينية عامة أفضل من ذلك للبرهنة بأن ممثلي شعبه ليسوا فقط غير جديرين بتمثيل حقوق شعبهم الوطنية والإنسانية، بل والأدعاء أيضاً بأن هذا الشعب غير جدير بتقرير مصيره بنفسه وغير مهيأ لبناء دولة ديمقراطية عصرية مستقلة فوق أراضي 1967 بعد الإنسحاب منها، مادام يفتقد لقيادة موحدة وجديرة بتمثيله والتعبير عن أمانيه بالنظر لقيادته الحالية المنقسمة و غير المؤتمنة على أبسط حقوقه في منحه حق التعبير عن الرأي الآخر، بل ولا تختلف عن أسوأ الدكتاتوريات في العالم. والمضحك المبكي أن تمارس السلطة ذلك البطش بحق جزء من شعبها وهو لايعيش إلا على قطعة صغيرة من الضفة المقسمة الأوصال بين مناطق ألف وباء وجيم تبعاً لاتفاق اُوسلو المخزي، بحيث لا يحق لها ممارسة سلطة حكمها الذاتي المحدود إلا على منطقة ألف، وهكذا فبدلاً من أن تقدم في حكمها الذاتي نموذجاً مصغراً ملهماً يثير إعجاب العالم في طريقة الحكم الديمقراطي يبز ديمقراطية إسرائيل المزعومة وبما يدفع العالم إلى المزيد من التعاطف مع قضية شعبها مقارنة بجرائم الأحتلال الفاشية تجاه أحتجاجاته السلمية وفي المعتقلات؛ وجدناها تمارس سياسة تكميم الأفواه والقمع الدموي التي درجت عليها داخل تنظيم "فتح" نفسه وبحق الفصائل الأخرى إبان حرب المخيمات والكفاح المسلح في لبنان. ومن المؤسف بأن السلطة الفلسطينية بزعامة عباس -المسؤول الأول عن مقتل الشهيد بنات تحت التعذيب- تتوهم بأنها صاحبة سلطة مطلقة في دولة حرة مستقلة؛ فيما سلطاتها مازالت سلطة حكم ذاتي محدودة ومقلصة، بل لا تكاد تقارن حتى بسلطات ولاية من الولايات الأميركية.