صندوق النقد الدولي


فهد المضحكي
2021 / 7 / 3 - 11:04     

ثمة منظمات معنية بحقوق الإنسان طالبت صندوق النقد الدولي بإعادة النظر في الشروط التي يضعها على منح القروض في زمن الوباء الناتج عن فيروس «كورونا». ودعت إلى التوقف فورًا عن الترويج للتقشف في جميع أنحاء العالم؛ لأن البرامج القائمة على شروط تقشفية طويلة الأمد تهدد بمفاقمة الفقر وعدم المساواة وتقويض الحقوق الاجتماعية بالاقتصادية.

وأعربت عن قلقها البالغ إزاء نصيحته للبلدان بالعودة إلى التقشف بمجرد انحسار الأزمة الحالية. لقد كشف هذا الوباء عن التداعيات المميتة للاستثمارات الضعيفة بشكل منهجي في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والتي يشعر بها السكان المهمشون، بمن فيهم النساء وكبار السن والأقليات العرقية والأثنية والعمال والأسر ذات الدخل المنخفض، كما سلطت هذه الأزمة الضوء على الفجوة المروعة والمتفاقمة بين الأغنياء والفقراء.

وقالت المنظمات في بيان لها صدر في واشنطن قبل عدة أشهر –وفق ما ورد في موقع hrw-: لقد تحدث صندوق النقد الدولي مرارًا وتكرارًا عن الحاجة إلى انتعاش عادل وأخضر، وقال إن عدم المساواة الاقتصادية والجنسانية وتغير المناخ وسوء الإدارة يمكن أن يضعف النمو ويقوض الاستقرار. في السنوات الأخيرة، وافقت الحكومات على إطار الاقتصاد الكلي للإنفاق الاجتماعي.

كل هذا يشير إلى أن صندوق النقد الدولي مستعد لاستخدام نفوذه وسلطته لدعم البلدان في الحد من عدم المساواة.

مع ذلك على الرغم من هذا الخطاب وتحذيراته الخاصة من تعميق عدم المساواة، فقد بدأ صندوق النقد الدولي بالفعل في حصر البلدان في برامج قروض تقشفية طويلة الأجل مشروطة في العديد من البلدان في الأشهر القليلة الماضية، وبعيدًا عن الشروط في هذه البرامج نلاحظ أن عددًا كبيرًا من حزم تمويل الطوارئ الخاصة بفيروس كورونا التابع لصندوق النقد الدولي تحتوي على لغة تعزز الضبط المالي في مرحلة التعافي، وإذا كانت الحكومات ستدفع خدمة الديون المتزايدة ومن المتوقع استمرار حاجتها إلى مستويات غير عادية من التمويل الخارجي لسنوات قادمة، فان برامج صندوق النقد الدولي -والظروف المصاحبة لها- ستلعب دورًا مؤثرًا للغاية في تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي في أعقاب هذا الوباء.

لن يؤدي التقشف الذي يحركه الضبط المالي إلا الى تفاقم الفقر وعدم المساواة، وإن الضبط المالي الصارم والسريع المشروط في برامج صندوق النقد الدولي أدى إلى إجراء تخفيضات مدمرة في استثمارات الصحة والتعليم وخسائر في المعاشات التقاعدية التي تم الحصول عليها بشق الأنفس وإجراءات الحماية الاجتماعية الهامة، وتجميد الأجور العامة وتسريح العمال، وتفاقم أعباء أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر، وفي جميع الأحوال، فإن أكثر الناس ضعفًا في المجتمعات هم من يتحملون وطأة هذه الاصلاحات بينما تتمتع النخبة والشركات الكبرى والدائنون بالمزايا، بصرف النظر عن الآثار المباشرة، لا يضمن الضبط المالي الانتعاش الاقتصادي وخلق وظائف جديدة وقد يؤدي الاندماج السريع إلى تعميق الانكماش بدلاً من ذلك، كما إنها لن تؤدي إلى انتقال عادل نحو اقتصادات قادرة على التكيف مع المناخ.

وعوضًا عن التقشف من المهم جدًا خلق حيز مالي وإعطاء الحكومات الوقت، والمرونة، والدعم لتحقيق انتعاش مستدام، وشامل، وعادل، هناك حاجة إلى خطوات فورية وعاجلة لدعم الصحة المالية للبلدان من خلال المنح والتمويل الميسر للغاية ودعم الغاء الديون وإعادة الهيكلة، ومع ذلك ينبغي أن تستمر جهود التعافي على المدى المتوسط والطويل بتعزيز الحيز المالي والسياسي الذي يسمح بزيادة الإنفاق الاجتماعي وليس خفضه والسياسات الضريبية التصاعدية التي تجمع ايرادات كافية وتعيد توزيع الثروة بشكل عادل.

وهذا يعني إجراء تقييم منهجي لآثار إصلاحات السياسة المالية على عدم المساواة بين الجنسين وعدم المساواة الاقتصادية ورفض تلك التي لها تبعات اجتماعية سلبية، وهذا يعني التفاوض بشأن الاتفاقات بشفافية بمساهمة مجموعة من أصحاب المصلحة بما في ذلك المجتمع المدني من خلال حوار اجتماعي وطني، وهو يعني التوصية بالإصلاحات الضريبية التصاعدية وتعزيزها مثل الضرائب على الثروة والأرباح الزائدة للشركات الكبرى، ومكافحة التهرب والتجنب الضريبيين وتدفق الأموال غير المشروعة، وهذا يعني دعم الحكومات بشكل منهجي لإعادة هيكلة ديونها حتى تتمكن من إعطاء الأولوية للاستثمارات في الخدمات العامة عالية الجودة.

يقف الاقتصاد العالمي عند مفترق طرق بين عقود وأخرى من التقشف وأزمات الديون، واعتماد إطار اقتصادي كلي متوافق مع مكافحة عدم المساواة، والسعي لتحقيق العدالة وأعمال حقوق الإنسان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفي سياق متصل، أكد صندوق النقد الدولي أن تراكم الديون في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ستؤدي إلى تقييد الموارد المتاحة لمكافحة أزمة كورونا عالميًا، بما يشكل تحديًا إضافيًا، حيث يقدر حجم الديون السيادية الخارجية للمنطقة عام 2020 بـ35 مليار دولار وفقًا لموقع اليوم السابع.

وقال في توقعاته الاقتصادية التي نشرت قبل نحو عام، انه في ظل الانهيار الذي أصاب أسعار النفط، وتفاقم حالة الطوارئ الصحية فان الاقتصادات في جميع انحاء المنطقة التي تمتد من المغرب في الغرب إلى باكستان في الشرق ستنكمش بمتوسط يبلغ 3.1%.

وبما يتعلق بانخفاض معدل النمو لمعظم البلدان، توقع أن تؤدي الأزمة إلى انخفاض إجمالي الناتج في المنطقة بنحو 425 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا حجم الناتج المحلي الاجمالي للنرويج بالكامل.

وأوضح أنه من المتوقع أن تنخفض صادرات النفط بأكثر من 250 مليار دولار، ما يعني حدوث عجز بالميزانيات في جميع أنحاء المنطقة يتجاوز 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

ومع ذلك طرحت العديد من الدول حزم تحفيز مالية لدعم الجهود الاحتوائية للوباء ومساعدة الشركات وبلغ متوسط حجم هذه الحزم 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي.

في حوار أجراه موقع «الاقتصاد»، يقول الخبير الاقتصادي من الأردن د. مازن مرجي إن من واقع التجربة، فإن الدول العربية وغيرها من الدول التي ارتمت في أحضان صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات المالية والبنوك العالمية تحت حلم التخلص من المعضلات الاقتصادية التي تعاني منها من جانب، وطمعًا بتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب الذي يمكنه المساهمة في التنمية المستدامة ومن ثم الازدهار من جانب آخر، قد ثبت بأن هذا النهج قد فشل في تحقيق الإصلاحات المطلوبة، وإن يكن نجح في منع الانهيار في جوانب محددة، إلا أن الحقيقة أن النتيجة الأبرز التي تحققت لشعوب الدول المقترضة هي المديونية العالية، أي أصبحت سياسات الاقتراض عبئًا ثقيلاً جدًا، وايضًا تحقق نسبًا عالية من البطالة ومستويات الفقر، وكذلك أدت إلى تآكل المداخيل وانهيار أو تراجع القوة الشرائية للعملات الوطنية وتهاوي معدلات صرفها مقابل العملات الصعبة.