آدم هو أبو الإنسان الاول


عباس علي العلي
2021 / 7 / 3 - 04:38     

القرآن الكريم في نصوصه العديدة يجزم أن آدم ومن بعده السلالة الإنسانية المتولدة مسبقا من البشر الطيني{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ}المؤمنون12,هما أول مخلوق آدمي وإنساني يسكن الأرض ,حيث فرق النص بين آدم الأول الذي خلقه من طين وبين الذي جاء من بعده كسلالة طبيعية وفق الناموس الطبيعي الذي هو من ماء مهين أي من النطفة المخلقة وغير المخلقة{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ}السجدة8,فلما أنتهى زمن آدم بالهلاك الطبيعي أصبحت الأرض للإنسان وصارت كل الإشارات التي يخاطب بها الله هذه السلالة أم بلفظ أبن أدم أو الإنسان ,وبالتالي فلا يمكن أن يكون لما خالف هذا الفهم أي تعلق بصفة الإنسانية ولا حتى الآدمية,
ولكن الله أيضا في النصوص لم يشير إلى من سكن قبله من مخلوقاته إلا في حالة واحدة تؤكد منهجنا بأن من كان في الأرض هم من المخلوقات الحيوانية التي تقترن دوما بوصف الفساد والقتل{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} الكهف94,وهذا يدل على أن الله لا ينفي أن تكون الأرض معمورة بأجناس من الخلائق الحية سبقت آدم والإنسان المتوالد عنه ومنه أو عاصرته{وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ}الحجر27,ولكن ما هو ثابت هو القطع بأن المخلوق كان إنسانا مخلوقا عاقلا مكلفا قادر على أنشاء حضارة أو بالمعنى القرآني قادر على التعارف والتألف *,لا يثبته لنا القرآن الكريم هذا, لا نص ولا تصريح ولا حتى بالإشارة ,وهذا نوع من أنواع النفي البلاغي الذي يعبر عنه بالامتناع السكوتي.
كل الإشارات التي بين أيدينا تشير إلى أن خلق الله المتنوع أما مما نعلم أو مما لا نعلم به, وحيث يسند النص هذا التفريق بين الخلق إلى العلم فإنما هو يسنده إلى المتحصل من ما يمكننا أن نعلم به بأحد الطرق المألوفة للعلم وهو أما النقل الإخباري أو المشاهدة الحسية أو الأثر الملموس أو التعليم من جهة أكثر علما واطلاعا ودراية{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} النحل 8.
الله هنا لم ينف أن يكون ما خلق محجوبا بعلم الغيب عنده ولكنه أشار إلى أمكانية أن نعلم به بطريق أو أخر أو أننا علمنا به من خلال طرق العلم التي ذكرناها, ومن هنا فأن إمكانية الأكتشاف عن مخلوقات جديدة هي أمكانية حقيقية وقائمة تعتمد على مستوى تحصيل العلم بها, دون أن ينفي النص أستحالة أو أمتناع أو تعليقها على محل أخر.
هل يكفي السكوت عن التصريح بوجود خلق عاقل مكلف قي الأرض قبل آدم لأثبات أن أدم هو الإنسان الأول الذي سكن الأرض؟ هناك من يعتقد بتأويله للنصوص أن الله خلق آدم أصلا في الأرض وما قصة نزوله وهبوطه إلا تعبير عن تخفيض للدرجة التكوينية له بأعتبار ما في نص الآية التالية{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}طه55,وهذه الإشارة تكفي لدحض فكرة أن الله خلق آدم في مكان خارج الأرض بأعتباره كلمة منها التي تكررت بالتوالي ثلاث مرات بالنص, وللإجابة على هذا القول لا بد لنا أن نناقش الفكرة بالدلالات ثم نحكم على جديتها من عدمها:
1. النص يشير إلى المنية التبعيضية وليس من المكانية بدليل أن الآيات الخلقية كلها تشير إلى أن بداية الخلق من طين ,ومعلوم أن الطين هو تراب الأرض الممزوج بالماء, وبالتالي فأن الأرض كما تحتوي الطين تحتوي على مواد أخرى لا يمكن أدخلها في مفهوم الطين منها الحجر ومعادن أخرى وكائنات كانت موجوده في الأرض فلو أن الإشارة هنا تعود للمكان لكان مادة الخلق الأولى لا بد أن تكون فيها كل المواد التي يمكن تصورها في وجودها الأرضي وهذا ما لم يأتي به النص ولا دليل لدينا لا علميا ولا نقليا أن من مكونات الخلق الأولى كل ما موجود في الأرض من مخلوقات مكونة ومتكونه فيها.
2. وما يعزز أن أشارة المن هنا تبعيضيه أن منهج النص القدسي عندما يشير إلى التبعيض يتركه مطلقا عكس منهجه في الإشارة المكانية حينما يلحق المفرد منها بوصف{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ}المائدة21,أو مثلا في نص أخر {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء71 .
3. ثم النص أصلا لا يشير إلى الأرض وإنما يشير إلى التراب أو التربة وهي مكون من مكونات الأرض وليس كل الأرض, ومن المعلوم أن الإنسان عندما يدفن وعلى حسب القاعدة القرآنية يدفن في التراب, ويخرج من التراب ولم تكن أي أشارة إلى مكون أخر من مكونات الأرض تصلح كقاعدة عامة لهذ الأمر فهو مثلا لا يدفن في الصخور أو في البحار إلا ما ندر وأستثناءا وحسب الظرف ولكن كقاعدة عامة التراب هو المكان المأمور به أصلا, فتكون الإشارة هنا للتراب وليس للأرض.
4. فيها نعيدكم والمعرف أن خرف الجر في يفيد الدخول من الخارج للداخل أو يشير لحالة الوجود الداخلي, فلو كانت الإشارة للأرض, يكون الإنسان من الطبيعي ساكن في الأرض وليس هنام مبرر من تكرار ما لا يلزم من أشارة إلى العودة إلا إذا كان المقتضى العودة إلى الدخول في جزئية التراب وليس في كونية ومكان الأرض.
5. إذا كانت الجنة الأولى التي نزل منها أو هبط آدم منها للأرض هي بمكان موجود عليها, النص يتناقض مع هذا الطرح بقوله{وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى},فهل من المعقول أخراج شيء من شيء هو واحد مع عدم وجود أثر حقيقي للمكان المزعوم وجوده على الأرض, فلا بد أن تكون الإشارة إلى بعضيه من الأرض هي التراب والدليل قوله تعالى{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} يس51 , والأجداث هي القبور التي تودع فيها أجساد الموتى وليست الأرض كلها.
6. القول بأن أشارة الهبوط في الآيات التي تذكرها لا تعدو أشارة إلى تنزيل مرتبة كقول الله تعالى{اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ}البقرة61,هذا الهبوط ليس عقابا ولا تنزيل درجة ولكن كان أستجابة من الله لأماني قوم موسى لتكون عليهم حجة فيما سألوا, مع فارق أن نص الهبوط من الجنة كانت فيه أشارة أنتقالية من مكان إلى أخر والدليل واضح ومفهوم ومؤجل في نص الآية{قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}الأعراف24,الدليل قول الله أنه لكم في الأرض مستقر أي في كل الأرض لأن اللفظ هنا مطلق, هذا المستقر مؤجل وليس دائمي أي أن العودة من الأرض محتمة ولا يمكن أن تكون العودة من الأرض للأرض لأن هذا ينافي روحية وجوهر القصد في النص.
7. وأخيرا فأن الجنة عندما تطلق كمصطلح مجرد يراد بها جنة الله التي وعد بها المتقون والتي من صفاتها الخلود المطلق أي عدمية الفناء لا فرضا ولا حقيقية {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} الأعراف 42,وحيث أن الأرض كمخلوق من مخلوقات الله التي كتب عليها الفناء والهلاك{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}القصص88,فلو كانت الأرض هالكة والجنة التي فيها مخلدة أو خالد من فيها فيكون هناك تعرض بين فكرة الهلاك والخلود ,ثم أن وصف الله للجنة أكبر من أن تحتويها الأرض أو تكون محلا لها والله تعالى يقول{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}آل عمران133.
من كل ما تقدم فأن فرضية كون الجنة كانت في الأرض وأن الهبوط منها كان معنويا وليس فعلا من فوق إلى تحت أو من التحول بين مكانين مختلفين يتناقض مع فكرة الله وصورته التي سطرتها النصوص عن الأرض وعن الجنة وبالتالي فيكون هذا التأويل فاسد ولا محل له من قبول عقلي ولا حتى منطقي يمكن التسليم به.
نرجع إلى أصل العنوان البحثي وهو هل أنه كان حقيقيا أن آدم وسلالته كانوا أو الناس وأول من سكن الأرض وأعلن خلافته فيها. أظن أن التسليم بهذا هو النتيجة المنطقية التي فرق النص القدسي بين المفهومين الآدمية والإنسانية, فكل إنسان هو من سلالة آدم وسكن الأرض وعمرها وأصلح فيها إلا من كان عاصيا لله فهو إنسان مفسد, ولكن ليس لنا أن نطلق على آدم المخلوق من طين لوحده ولم يأتي بالناموس الطبيعي بصيغة إنسان, حتى عيسى عليه السلام الذي خلق بشكل أستثنائي لم يحق لنا أنه نطلق عليه لفظ آدم لأنه من سلالة جاء وليس من طين لوحده برغم القراءة الغير صحيحة للنص الخاص به.
النص يصف المثلية فقط في الخلق الأستثنائي ولم يقارن بالمشاكلة التامة بينه وبين آدم فيقول{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}آل عمران59,المثل يسوق الكيفية ولا يشير للكونية فهو يشير للحالة التي خلق بها عيسى ولم يشير إلى نوعية الخلق بدليل قوله تعالى{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ .....ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ },فهنا الإشارة للمثال فقط.
إذا عيسى كان من بني آدم وهو إنسان وعليه لا يمكن قياس آدم عليه كونه إنسان بل كان بشرا من طين, والبشرية مصطلح قرآنية له وجهين في الاستخدام اللفظي في القرآن فهو تارة يشير به النص إلى المثل العليا من كمالية المخلوق الإنساني الذي يطابق سلوكيات آدم النبي آدم الذي علمه الله الأسماء كلها وعلمه ما لم يعلم تهيئة منه للوظيفة الرسالية وبالتالي لا يمكن أن يكون كل إنسان بشر ولكن من المحتم أن يكون كل البشر هو آدم أو الذين اصطفهم الله من سلالة آدم برغم من كونهم جميعا إلا آدم هم إنسان{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}آل عمران33,
التفريق مهم جدا بين المصطلحات الثلاثة التي وردت في النصوص(آدم, البشر, الإنسان) وذلك لتعلق كل مصطلح بدلالة في النص ولا يمكن أن نحل أحدهما محل أخرى فمثلا لا يمكننا أبدا أن نجيز أستخدام كلمة إنسان في سياق نص الأستخلاف فيكون مثلا {إني جاعل إنسان من طين) لأن فهم الإنسان بالقرآن هو المخلوق من سلالة أصلها من طين ولكنها جاءت وفق الناموس الطبيعي بالنكاح المعروف حصرا من الماء المهين, لذا لو يتعذر علينا أن نجد أشارة لكلمة إنسان مخلوق من طين فقط{خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ }النحل4.
في نص واحد فقط يشير إلى خلق الإنسان من طين وهو{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}الحجر26,هذا النص قد يشير أشكالية قد تضعف ما قدمنا من تقسيم للألفاظ التي جاء بها القرآن, ولكن لو نظرنا لقضية الخلق أبتدأ وما نتج منها وعنها وبدليل النص التالي{أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}مريم67,يظهر لنا أن هذا النص إنما هو تذكير لخلق الإنسان من قبل حينما لم يك شيئا ثم خلقه من طين كآدم ليخرجه سلاله منه عرفت لاحقا بأنه إنسان ,فيكون ما أشار إليه النص تذكير بالخلق الأول لأن كل النصوص أجمعت على هذه الحالية{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} السجدة7 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
وفي اللغة العربية هي كلمة مشتقة من الفعل حضر، ويقال الحضارة هي تشيد القرى والأرياف والمنازل المسكونة، فهي خلاف البدو والبداوة والبادية، وتستخدم اللفظة في الدلالة على المجتمع المعقد الذي يعيش أكثر أفراده في المدن ويمارسون الزراعة على خلاف المجتمعات البدوية ذات البنية القبلية التي تتنقل بطبيعتها وتعتاش بأساليب لا تربطها ببقعة جغرافية محددة، كالصيد مثلاً، ويعتبر المجتمع الصناعي الحديث شكلاً من اشكال الحضارة.