هل يجتمع الاصلاح مع الحقد ؟؟ (قراءة في المسارات الاصلاحية الشيعية في العراق) (ميثاق العسر انموذجا)


سلمان رشيد محمد الهلالي
2021 / 7 / 2 - 13:35     

لايختلف اثنان ان الجماعة الشيعية في العراق - وبصفتها احدى الجماعات العربية والاسلامية ومن دول العالم الثالث المتخلف - تحتاج الى مسار طويل من الاصلاح والتنوير والتحديث من اجل الخروج من الاختلالات الخطيرة والسلبيات المستحكمة التي تحيط في البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاقتصادية . وهذا الاصلاح ينحصر في مسارين :
المسار الاول : الاصلاح ضمن المباني الدينية والمذهبية والعقائدية والفقهية والطقوسية التي تؤسس العقل الشيعي الديني . وقد مثل هذا المسار سلسلة طويلة من المصلحين والمجددين ,ابتدأ مع السيد هبة الدين الشهرستاني صاحب اول فتوى بتحريم نقل الجنائز للدفن بالنجف ,ثم الشيخ النائيني صاحب اول وثيقة ليبرالية في تاريخ العراق بعامة والشيعة بخاصة , والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ومحمد رضا المظفر ومحمد باقر الصدر وكمال الحيدري ومحمد الصدر وعبد الجبار الرفاعي وماجد الغرباوي وعبد الرزاق الجبران والسيد القبانجي وغيرهم . ومن المؤكد ان هناك تفاوت كبير واختلاف في الطرح والرؤية للاصلاح بين الاسماء اعلاه فبعضهم مصلح ضمن حدود المذهب والنسق الديني كالسيد الصدر الاول وبعضهم خرج من المذهب والنسق الديني كالسيد القبانجي وبعضهم ركز على النزعة الانسانية كالرفاعي وبعضهم على اصلاح المناهج والحوزة مثل المظفر .... الخ
المسار الثاني : الاصلاح ضمن المنظومة الاجتماعية والاخلاقية والسياسية والسلوكية للجماعة الشيعية في العراق . وكنت سابقا اعتبرت الدكتور علي الوردي هو الرائد الاول في الدعوة للاصلاح بهذا المسار , الا انه ظهر ان الشيخ علي الشرقي هو الرائد الاول وسبقه باشواط عديدة في هذا المجال , وربما تاثر به الوردي شخصيا , لكن الاختلاف يبقى ان الاخير اكثر صراحة وشمولية وعلمية . وقد طرح الوردي افكاره الاصلاحية في كتبه ومؤلفاته الشهيرة ولاحاجة لاعادتها .
والاصلاح هو من اسمى الاعمال وافضلها واشرفها , لانها تطرح الاشكالات بعلمية والحلول التدريجية بحيادية وواقعية , وهو يختلف عن الثورة والتغيير الثوري الذي يعتمد حرق المراحل والتغيير الشامل وتدمير البنى السائدة وتقويض السلم الاهلي والاجتماعي . ويجب (او المفترض) ان يتوفر في الاصلاح او المشروع الاصلاحي عامل الحرص والتعاطف والموضوعية في الطرح , وليس التباهي والاضواء والكراهية ,وكما قال هيغل (لاشيىء عظيم انجز بدون عاطفة) , فلايمكن لك ان تكون اصلاحيا وانت تحقد على المجتمع - او مجتمعك - وهويته ورموزه وافكاره . كما ان لااحد يريد منك الاندماج والتماهي مع تلك الهويات التقليدية والرموز البدائية والطقوس القرو – وسطى عند الجماعة الشيعية في العراق, ولكن من جانب اخر لايفترض بك الحقد والغل على المجتمع او الجماعة التي تنتسب اليها حتى تثبت انك مصلحا تنويريا وعقلانيا .
وهذا المسار نجده للاسف عند الكثير من ينادي بالاصلاح والنقد للجماعة الشيعية في العراق , فسمة - الحقد بدعوى العلمانية - والكراهية بدعوى النقد - والغل بدعوى الاصلاح - هى احدى الخصائص الملفتة للنظر بتلك الدعاوى . وهذا براي يرجع الى اسباب عدة اهمها
1 – ادراج التوظيف السياسي والصراع الحزبي والايديولوجي في مسار الاصلاح , وكما قال الشيخ كاشف الغطاء ( ما دخلت السياسة بشىء الا افسدته) .
2 – الشعور بالاستلاب والدونية والنفص امام الاخر عند الاغلبية من الكتاب والمثقفين الشيعة , جعلهم في موضع المزايدة وفقدان الحيادية والموضوعية في مسار الاصلاح . وهذا الامر لايقتصر على الكتاب والمثقفين الشيعة فحسب , بل عند اغلب الكتاب والمثقفين من اصحاب الاقليات في العالم العربي والاسلامي وشعورهم بالاستلاب والدونية امام المركزية السنية اولا ورغبتهم في اثبات علمانيتهم ووطنيتهم وعروبتهم ومدنيتهم امامها ثانيا , وقد صورت ذلك تفصيلا الكاتبة السورية وفاء سلطاني في دراساتها واسمتها (بعقدة كيس الحاجة) . وقد بينت ذلك شخصيا في مقالتي (عقدة كيس الحاجة عند المثقفين الشيعة والكورد والمسيحيين) و (ظاهرة الدونية عند الجماعة الشيعية في العراق) في موقع الحوار المتمدن ولاحاجة للاعادة .
3 - شيوع ظاهرة الحقد بين اتباع الجماعة الشيعية في العراق ولاسباب عشائرية وسياسية وايديولوجية وطبقية ومناطقية وتركيزها نحو الداخل وضمن محيط الجماعة , وليس ابعادها للخارج - او نحو الاخر المختلف - كما تفعل الهويات والمذاهب الاخرى , الامر الذي ادى الى فقدان الهوية الشيعية وخلخلة التضامن العضوي فيما بينها , حتى يمكن القول ان الجماعة الشيعية في العراق تعيش فيما بينها حربا اهلية غير معلنة . وهذه الظاهرة ترجع الى اسباب عديدة ايضا ذكرتها في دراستي (ظاهرة الحقد في المجتمع العراقي) في موقع الحوار المتمدن وهى مطولة بخمسة اقسام ولاحاجة للاعادة .
ويمكن اعتبار كتابات الشيخ ميثاق العسر التي تندرج ضمن القسم الاول من الاصلاح والمختص بالمباني الدينية والمذهبية والعقائدية والفقهية والطقوسية نموذج لهذا الاشكال وهو التلازم بين الحقد والاصلاح . فالشيخ طرح الكثير من الاراء والافكار الاصلاحية والنقدية في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) تميز الكثير منها بالجرأة والريادة والتامل , وقد ايدت الشيخ في الكثير من تلك الاراء التي كانت في بدايتها تتميز بالعلمية والموضوعية , فضلا عن اعتزازي الكبير وتقديري بكل دعوة اصلاحية وتنويرية وعقلانية , سواء عند الجماعة الشيعية في العراق او المجتمع العراقي بعامة . الا اني وجدت فيما بعد - للاسف – ان الشيخ يحمل حقدا اسطوريا على مجتمعه واهله , تجلى بصورة واضحة في الردود ليس على كل من يعارضه بالراي فحسب , بل وكل من يناقشه بعلمية واعتدال وهدوء , وحتى من يؤيده في اغلب اراءه . وقد طلبت منه التروي وكسب الاتباع للمشروع الاصلاحي وعدم استفزاز المتابعين والتجاوز عليهم , الا انه واجهني بالسب والسخرية والحذف من الصداقة . واعيد الامر مرارا وتكرارا كلما اعيد متابعته متجاوزا انتهاك كرامتي بالحذف , وهذا الامر حدث مع المئات من متابعيه من المثقفين , ولم يبقى من اصدقائه سوى العوام والمخصيين والمراهقين الذين فقط يؤيدونه باراءه دون نقاش . وعرفت ان ميثاق العسر هو بالاخير من الناصرية , ويقال ان اسمه (طالب الخاقاني) واصله من منطقة الاهوار التي ينتشر فيها المعدان والسومريين الاصليين . والناصرية كما انها محافظة المثقفين والادباء والشجعان والمتحررين , الا انها ايضا محافظة المخصيين والموتورين والمازومين والحقودين , والسبب هو التدجين الطويل والاستهداف الكبير الذي بدا من الحكم السعدوني ثم الحرس القومي واخيرا الاستهداف البعثي الطائفي . وشعرت بيقين تام ان الرجل يحمل حقدا اسطوريا على مجتمعه ومذهبه واهله , لانعرف سببه , فهل هو مناطقي او طبقي او ديني او شخصي او سياسي او ايديولوجي ؟؟ . فيما على النقيض من ذلك نجد الاصلاحي الاخر من الناصرية وهو الاستاذ ورائد النزعة الانسانية في العراق الدكتور عبد الجبار الرفاعي , وهو يحمل مشروعا اصلاحيا معتدلا ومتساميا وتنويريا , يرتكز على محبة المجتمع والرغبة باصلاح المرتكزات الدينية والعقائدية والفكرية التي يحملها , متساميا عن التوظيف السياسي والغرض الحزبي او التباهي الشخصي . وهذه الشهادة ليست لانه من محافظتنا , فالرجل اكبر من ان يحيط به مكان , ولكن شهادة واقعية للكتابات المؤلفات والمقالات القيمة التي طرحها خلال اكثر من ربع قرن من حياته الثقافية .
في الاشهر الاخيرة , وبعد ان استنزف ميثاق العسر افكاره واراءه الاصلاحية التي كان الكثير منها قد استلهمها من الاصلاحيين الايرانيين ابان وجوده ولجوئه هناك , اخذ يعتمد منهجا غريبا سبق ان اعتمده الشيعة والسنة في مجادلاتهما وصراعاتهما الطائفية وهو النبش في الكتب القديمة - او حتى الحديثة - من الروايات الدينية والاحكام المذهبية والفتاوى الغريبة والمعيبة وعرضها للناس كنقطة سلبية ضد الاخر , وخاصة في المسار الجنسي والروايات التي تتعلق بالمرأة والجواري والسبي والزواج والجنس وغيرها , وهى روايات – كما نعلم – خرجت من رحم العصور الوسطى البدائية والمتخلفة والفحولية , تتميز بمخالفتها ليس للمنطق والعقل فحسب بل والاخلاق والفطرة والتحضر . الا ان الاختلاف في الامر ان ميثاق العسر الشيعي استخدم هذا المنهج - او النبش - ضد الشيعة , وفاته ان الطائفيين السنة قد سبقوه بهذا المنهج قبل قرون طويلة . والملاحظ في هذا المنهج انه يطرح السلبيات والروايات المعيبة فقط للتشهير والفضيحة , دون حلول عقلانية او معالجات تنويرية , وهذا المنهج ينفع من يريد تدمير مذهب الاخر وتسقيطه – كما يفعل الشيعة والسنة فيما بينهم - لانه لايهتم بالحلول والمعالجات والاصلاح عند الطرف الاخر - ان لم يكن العكس – فهو يرفضها بالاساس ولايعترف بها , ولانعرف هل ان الشيخ العسر قد خرج من المذهب الشيعي او من الاسلام كليا ؟؟ واذا كان كذلك , فلماذا لايعلن ذلك وهو يعيش في لندن ولايخشى الاتهام او الاستهداف شانه شان الكثيرين ممن خرج من الاسلام والمذهب من قبيل احمد القبانجي وغيره ؟؟ ان هذا المنهج الذي اعتمده الشيخ العسر هو نموذجا لكسب الاتباع والشهرة والاضواء , لانه يستغل نقمة المراهقين والشباب الرائجة في العراق في السنوات الاخيرة ضد المذهب الشيعي بخاصة والدين الاسلامي بعامة , بسبب القصور السياسي والفساد والهجمة الاعلامية الكبيرة والشرسة التي شنت على البلاد من قبل الاعلام العربي والطائفي , وقد نجح في ذلك نجاحا كبيرا , فقد زادت شعبيته عند الناقمين والمخصيين والشيوعيين والمراهقين , الا انه فقد سمعته في التاريخ كاصلاحي حقيقي على غرار هبة الدين الشهرستاني وعلي الشرقي ومحد رضا المظفر ومحسن الامين وغيره .
وختاما نقول : اننا في الوقت الذي لانريد من الاصلاحي والمثقف والكاتب والمنظر والاديب ان يكون متماهيا مع المجتمع وطقوسه ورموزه وسلوكياته البدائية والتقليدية , وان يبقى انسانا متفردا وحرا ولامنتميا وكونيا , الا انه من جانب اخر لانريد منه الغل والحقد والكراهية ضد مجتمعه واهله وهويته , لان هذا يعد اختلالا خطيرا وكبيرا في المشروع الثقافي او الاصلاحي الذي ينادي به . فالاصلاح والحقد لايجتمعان .