نحو قرار للجمعية العامة بوقف غير مشروط للنار على أساس آلية -الاتحاد من اجل السلام-


كميل داغر
2006 / 8 / 10 - 10:40     

يوم السبت الماضي ، 5/8/2006، نشرت جريدتا النهار والسفير "رسالة مفتوحة من محامين إلى مجلس وزراء لبنان" يدعونه فيها "إلى العمل فوراً لنقل مناقشة العدوان الاسرائيلي على لبنان من مجلس الأمن الى الجمعية العامة، لأجل اتخاذ قرار ملزم وفقاً لآلية "الاتحاد من اجل السلام" بإدانة المعتدي وحمله على التعويض الكامل من كل الخسائر البشرية والمادية اللبنانية، وبوجه اخص وفوق كل شيء بوقف النار فوراً، وذلك على أساس القرار 377 (...) الذي بات سابقة يتم اعتمادها حين يعجز مجلس الامن عن اتخاذ القرارات المناسبة لوقف الحروب الاجرامية الظالمة ضد اي من شعوب العالم، وثانياً عن حماية الامن والسلام الدوليين".
كما قدمت لجنة الحريات وحقوق الانسان في نقابة المحامين، في اجتماعها يوم الجمعة الماضي، الواقع فيه 4/8/2006، توصية بالمضمون عينه إلى مجلس النقابة، بناء على اقتراح كاتب هذا المقال، داعية المجلس إياه إلى تبني هذا الموقف ومطالبة مجلس الوزراء باعتماده.
وسوف نحاول، في هذه العجالة، توضيح اختصاص الجمعية العامة، بصدد حماية السلام والامن الدوليين، وذلك وفقاً لميثاق الامم المتحدة، في المقام الاول، وفي المقام الثاني، وفقاً للعرف الذي أسسه القرار 377/د-5، الصادر في تشرين الثاني / نوفمبر1950 عن الجمعية العامة للامم المتحدة.
1. اختصاص الجمعية العامة وفقاً للميثاق
لقد كان ميثاق الامم المتحدة واضحاً في هذا المجال ، وبوجه خاص في مادتيه العاشرة والحادية عشرة، حيث ورد في المادة العاشرة ما يلي:
"للجمعية العامة ان تناقش اي مسألة او أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق او يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه أو وظائفه، كما أن لها ، في ما عدا ما نص عليه في المادة 12، أن توصي أعضاء الهيئة أو مجلس الأمن ، او كليهما، بما تراه في تلك المسائل والأمور".
هذا في حين نصت الفقرة الثانية من المادة 11 من الميثاق على التالي:
"للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة تكون لها صلة بحفظ السلم والامن الدوليين يرفعها إليها اي عضو من اعضاء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، او دولة ليست من اعضائها، وفقاً لاحكام الفقرة 2 من المادة 35، ولها - في ما عدا ما تنص عليه المادة 12 – أن تقدم توصياتها بصدد هذه المسائل للدولة او الدول صاحبة الشأن او لمجلس الامن او لكليهما معاً(...)".
في كل حال ، إذا كانت النصوص القانونية تتسم إجمالاً بنوع من الجمود، وتبقى بسبب ذلك بحاجة إلى أن تدب فيها الحياة، عن طريق الاجتهادات الصادرة عن المحاكم المختصة، هذه الاجتهادات التي تخرجها من إطلاقيتها لتربطها بالزمن، فلقد لعبت محكمة لاهاي الدولية العليا هذا الدور بامتياز، ولا سيما في القرار الذي اصدرته في النصف الأول من تموز/يوليو2004 بخصوص الجدار العازل الذي تقيمه اسرائيل في الضفة الغربية. هكذا جاء في القرار الاستشاري المنوه به انه ليس من حق الجمعية العامة فقط أن تبحث "في القضايا التي تمس الامن والسلام الدوليين"، بل أن تتخذ القرارات بشأنها أيضاً، وذلك استناداً الى المادتين 10 و 11 المشار اليهما أعلاه. وعلى هذا الاساس اعتبرت ان من حق الجمعية العامة النظر بموضوع الجدار، لكونه يشكل تهديداً للسلم والامن الدوليين، وتالياً "أن تتخذ ما تراه من قرارات بهذا الشأن".
اكثر من ذلك ، رفضت المحكمة العليا في لاهاي دفع اسرائيل بأنه نظراً لكون مجلس الامن ينظر في الحالة في الشرق الاوسط، بما في ذلك قضية فلسطين، لا يجوز للجمعية ان تبحث في مسألة مطروحة على مجلس الامن. وقد عبرت عن هذا الرفض بعد أن استعرضت اختصاص مجلس الامن اولاً وفقاً لميثاق الامم المتحدة، ثم ثانياً وفقاً للممارسة الفعلية في هذا الخصوص من قبل كل من مجلس الامن والجمعية العامة (الفقرات 15،16،17 من قرار المحكمة).
والأهم من كل ذلك، أن المحكمة العليا توصلت إلى التأكيد - انطلاقاً من المادة 24 من الميثاق التي تخول المجلس ان يفرض على الدول التزامات بموجب الفصل السابع منه – بأن المادة المذكورة تشير الى اختصاص رئيسي لمجلس الامن وليس بالضرورة الى اختصاص قصري (الفقرة 26 من قرار المحكمة العليا)، اي أن الجمعية العامة تشارك مجلس الامن في هذا الحق. كما اعتبرت المحكمة ان من حق الجمعية أن تصدر توصيات في قضايا كانت مدرجة على جدول اعمال مجلس الامن، وأن ثمة ميلاً متزايداً لأن تتناول الجمعية العامة ومجلس الامن في الوقت عينه المسألة ذاتها في ما يتعلق بحفظ السلام والامن الدوليين. واوردت امثلة على ذلك بخصوص قبرص وجنوب افريقيا وانغولا وروديسيا الجنوبية، وصولاً الى البوسنة والصومال(الفقرات 25 – 26 – 27 – 28 من قرار المحكمة).
2. اختصاص الجمعية العامة وفقاً للقرار 377 (د-5)الوارد تحت عنوان "الاتحاد من اجل السلام"
إذا كان ما اوردناه اعلاه يشكّل السند القانوني المباشر لاختصاص الجمعية العامة، فلقد جاء القرار 377 (د-5) الصادر في نوفمبر 1950 ، خلال الحرب الكورية، والمعروف بـ "الاتحاد من أجل السلام"، ليحل إشكالية عجز المجلس الامن عن اتخاذ قرار لصون السلام والامن الدوليين، بسبب حق النقض الذي قد يمارسه احد الاعضاء الدائمين الخمسة في المجلس، وذلك بإعطاء الجمعية العامة، صراحةً، حق إصدار القرارات في هذا الشأن. حيث ورد في القرار المذكور أن الجمعية العامة
"تقرر أنه في حال فشل مجلس الامن، بسبب فقدان إجماع الأعضاء الدائمين، في ممارسة مسؤوليته الرئيسية عن الحفاظ على السلم والامن العالميين، في كل حالة يظهر فيها تهديد للسلم، او خرق له أو عمل عدواني، فإن الجمعية العامة تنظر في الموضوع فوراً بقصد اتخاذ التوصيات المناسبة الى الاعضاء من اجل اتخاذ تدابير جماعية، بما فيها استخدام القوة المسلحة اذا اقتضى الامر، في حال خرق السلم او القيام بعمل عدواني، وذلك من اجل صون السلم والامن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما. واذا لم تكن الجمعية العامة في دورة انعقاد في غضون ذلك، تنعقد جلسة طارئة خلال 24 ساعة من طلب انعقادها لهذه الغاية".
وهو ما حصل مراراً وتكراراً منذ ذلك التاريخ. وبين اهم الحالات ، في هذا المجال، حرب السويس في العام 1956، حين جرى تذليل العقبة المتمثلة في ممارسة بريطانيا وفرنسا حق النقض في مجلس الامن، بنقل القضية الى امام الجمعية العامة التي اصدرت قرارها العاجل بوقف النار والانسحاب الفوري للجيوش المعتدية، وهو ما حصل في مدة أسبوع لا اكثر.
كما اعتمدت صيغة "الاتحاد من اجل السلام" ايضاً في مواجهة الغزو السوفياتي للمجر، في خريف عام 1956، ومن ثم خلال احداث لبنان عام 1958، فأحداث الكونغو عام 1960، وصولاً إلى قضية الجدار العازل في فلسطين المحتلة في العام 2004، حين تجاوزت الجمعية العامة مجلس الامن، وكان قد امتنع عن تحويل قضية مشروعية الجدار المذكور او عدم مشروعيته إلى محكمة العدل الدولية، بسبب الفيتو الاميركي، وقررت هي بالذات تحويل تلك القضية إلى المحكمة المشار اليها لابداء رأيها في هذا الخصوص.
هذا ويكفي لاجل ممارسة التحويل المنوه به الحصول على موافقة سبعة أعضاء في مجلس الامن ( من دون تحديد) او نصف اعضاء الجمعية العامة زائد واحد.
يبقى أن نوضح أن هذه المسألة تفترض عملاً سريعاً وجاداً من جانب لبنان، واصدقائه عبر العالم، لأجل إفشال اي محاولة للضغط على الاعضاء المذكورين، بهدف إحباط هذا المسعى. فمن المعلوم ان الادارة الاميركية احبطت محاولة قامت بها أطراف عدة ، في نيسان /ابريل 2003، لاجل تحويل قضية العدوان الاميركي على العراق آنذاك الى الجمعية العامة، وذلك بتعميمها على شتى الدول الاعضاء "التحذير – التهديد" الذي بين ما ورد فيه:
"نظراً للجو المشحون جداً ، تعتبر الولايات المتحدة ان دورةً للجمعية العامة حول العراق غير مفيدة، وموجهة ضد الولايات المتحدة. اعلموا من فضلكم ان هذه المسألة، كما موقفكم بصددها، هامّان بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية".
وقد اضافت أن "انعقاد هكذا دورة انقسامية قد يلحق أذى إضافياً بالأمم المتحدة"!!
إن الأذى الحقيقي الناجم عن غياب قرار دولي ملزم بوقف النار فوراً وادانة المعتدي وفرض الانسحاب العاجل عليه من الاراضي اللبنانية التي احتلها، لا يتهدد اليوم لبنان وحسب. إنه يهدد أيضاً بتوسع الحرب على لبنان لتشمل المنطقة بمجملها، بحسب رأي وزير الخارجية الفرنسي، قبل عشرة ايام تقريباً، وتتجاوزَها "لتصبح حرباً بين الغرب والعالم الاسلامي بأسره"، وفقاً لعبارات الوزير نفسه، فيليب دوست – بلازي . ولا شك في ان ذلك سيلحق أيضاً أذىً لا مجال لاصلاحه، بالأمم المتحدة، وما بقي لها من الهيبة والاحترام لدى شعوب العالم.