السياسة الاقتصادية الاجتماعية المناسبة للعراق في رأي الحزب الشيوعي العراقي


عادل عبد الزهرة شبيب
2021 / 6 / 30 - 14:19     

بعد عام 2003 حصلت في العراق تطورات في التوجهات الاقتصادية والسياسية والتي أشرت إلى دخول العراق مرحلة جديدة من الصراعات والتي ما زالت قائمة إلى اليوم، وقد ولدت وقائع جديدة تفرض تحديد رؤى لهذه التطورات ووضع السياسة المناسبة لها، وهذا ما فعله الحزب الشيوعي العراقي من خلال برامجه والتي كان آخرها البرنامج المقر من قبل المؤتمر الوطني العاشر للحزب (1-3) كانون الأول 2016.
جرت صراعات نتيجة ما أدخلته القوات الأمريكية بعد 2003 حول مسألة من يقود النشاط الاقتصادي في العراق؟ القطاع العام، أم القطاع الخاص؟ وما هو الموقف من القطاع الخاص؟ فالأمريكان روجوا للقطاع الخاص وخصخصة مؤسسات الدولة وتصفية القطاع العام. فالقطاع العام ما زال ضعيفا ومترهلا ومن الضروري العمل على تأهيله واصلاحه، وكذلك القطاع الخاص العراقي ما زال ضعيفا ومهمشا ويعاني المشاكل التي تعيق تطوره ومساهمته في تنمية قدرات البلاد الانتاجية والارتقاء بالمستوى التنافسي لمنتجاته وذلك لأن الجهات المعنية قد اعتمدت سياسة اغراق السوق العراقية بالمنتجات الاجنبية الزراعية والصناعية على حساب المنتوج الوطني مما أضعف قدرة القطاع العام والخاص على المنافسة في ظل المشاكل والمعوقات التي يعانيان منها.
وبهذا الصدد يرى الحزب الشيوعي العراقي وحسب ما ورد في برنامجه بأن قطاع الدولة (العام) ينبغي أن يمثل القاعدة الرئيسة للاقتصاد الوطني، مؤكدا على ضرورة اصلاحه اقتصاديا وإداريا اعتمادا على معايير الشفافية والكفاءة والمساءلة، إلى جانب تأكيده على تشجيع القطاع الخاص ودعمه ماليا وضريبيا لصالح مشاريعه التي تساهم في تنمية قدرات البلاد الانتاجية. ومن جهة أخرى يرى ضرورة الوقوف بوجه الدعوة إلى اعتبار الخصخصة وصفة عامة شاملة لحل مشكلات الاقتصاد وتحقيق التنمية مؤكدا على أهمية تأهيل واصلاح ادارة الشركات المملوكة للدولة بدلا من خصخصتها. والحزب مع قيام مختلف أشكال الملكية العامة والخاصة والمختلطة والتعاونية في ظل نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي بعيدا عن نهج المحاصصة الطائفي المقيت. ويؤكد الحزب على ضرورة تبني استراتيجية تنمية مستدامة واعتماد خطط تنموية متوسطة وقصيرة الأجل بالاشتراك مع حكومة الإقليم والحكومات المحلية تهدف إلى تنويع وتحديث قاعدة الاقتصاد وتنمية القدرات البشرية والاستخدام العقلاني والكفوء لموارد البلاد بما يحقق مستوى ونوعية حياة أفضل لجميع المواطنين.
ومن ضمن المفردات الأخرى التي أكدت عليها وثيقة الحزب آنفة الذكر مسألة وضع سياسة اقتصادية فعالة والقيام بالإصلاحات الضرورية حيث ما زال اقتصادنا الوطني يعاني العديد من الازمات نتيجة السياسة العقيمة المعتمدة من قبل الدولة. وتتضمن سياسة الحزب الاقتصادية ضرورة مكافحة البطالة باعتبارها من الأهداف الرئيسة للسياسة الاقتصادية، إلى جانب تنمية الموارد البشرية ورفع كفاءة العاملين من خلال الارتقاء بالتعليم والتدريب المستمر واستخدام التقنيات الحديثة وتشجيع البحث العلمي والابتكار اضافة إلى تخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك. كما يتبنى الحزب في سياسته الاقتصادية-الاجتماعية موضوع توظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية وضرورة فرض الرقابة والإشراف عليها من قبل المؤسسات التمثيلية للشعب. ونحن اليوم ما زلنا بعيدين عن ممارسة هذا الدور من قبل الدولة. واهتم الحزب ايضا بوضع الخطط التنموية المتوسطة والقصيرة الاجل لتحقيق التنمية المستدامة وضمان حياة أفضل لجميع المواطنين، على أن يكون للطبقة العاملة العراقية وسائر الشغيلة ومنظماتهم النقابية دور في حياة المجتمع لينهضوا بدورهم في صياغة السياسات الاقتصادية – الاجتماعية وفي عملية اعادة البناء. ولم يهمل برنامج الحزب الشيوعي العراقي مسألة إعادة إعمار الريف وتطوير القوى المنتجة فيه والنهوض بالقطاع الزراعي وزيادة مساهمته في الاقتصاد العراقي وتحقيق الامن الغذائي، حيث أن العراق اليوم قد أهمل القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وأصبح يعتمد على تأمين سلة غذائه من دول الجوار معتمدا على سياسة اغراق السوق بالمنتجات الزراعية المختلفة على حساب منتوجنا الوطني. وتأكيده على النهوض بالقطاع الصناعي والاستخراجي والسياحي والعمل على تنويع مصادر الدخل القومي.
وفي مجال المصارف أكد الحزب على تحديث وتوسيع النظام المصرفي بشقيه الحكومي والخاص على أسس تقنية المعلومات والاتصالات ليسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني ويلعب دورا مؤثرا في تمويل النشاطات الاستثمارية الانتاجية وتفعيل ضوابط الاشراف على المصارف ومراقبتها من قبل البنك المركزي، مؤكدا على ضرورة مكافحة عمليات غسل الاموال وتفعيل الاجراءات القانونية بحق المخالفين. ولم تغب عن الحزب في سياسته الاقتصادية – الاجتماعية حماية المواطنين من الفقر والعوز بالاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية ومعالجة أزمة السكن وتأمين الحياة اللائقة للمتقاعدين وتشريع قانون موحد لجميع المتقاعدين. واهتم ايضا بإعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع مختلف دول العالم على اساس المصالح المشتركة، إلى جانب اهمية محاربة الفساد المستشري ووضع حد له ودعم الهيئات الرقابية المتخصصة واستقلاليتها وتفعيل وتطوير الاليات والقوانين التي تهدف إلى حماية المال العام ووضع خطط واجراءات عملية لاستعادة الاموال المنهوبة.
ومن جهة أخرى فقد تبنى الحزب ضمن وثيقته، المحافظة على البطاقة التموينية وتحسين مكوناتها اضافة إلى الارتقاء بالخدمات الاجتماعية كالخدمات الصحية والتعليمية... وتحديد حد أدنى للأجور وتوفير السلع الاستهلاكية الضرورية واصلاح النظام الضريبي العادل وتفعيله وكذلك العمل على توفير الشروط لإعادة تدوير العجلة الاقتصادية للبلاد وفي المقدمة منها إعادة استتباب الأمن وحماية المواطنين، إلى جانب اهتمامه بتحقيق الاستقرار في قيمة النقد ومكافحة التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي. وتنفيذ قانون الخدمة المدنية العامة وتشكيل وتفعيل مجلس الخدمة الاتحادي وايجاد الضوابط والآليات التي تضمن التوظيف على أسس التكافؤ والنزاهة والمهنية والكفاءة. اضافة إلى تأكيده على إعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع البلدان العربية والاقليمية ودول العالم الاخرى على أساس المصالح المشتركة ودعم وتشجيع أشكال التعاون في مختلف المجالات.
منذ 2003 عام سقوط النظام الدكتاتوري وإلى اليوم لم تتحقق انجازات اقتصادية مهمة لصالح أبناء شعبنا، بل بالعكس ازداد الوضع الاقتصادي تدهورا وتخلفا صاحب ذلك تفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري في معظم مرافق الدولة المدنية والعسكرية وتم تهميش قطاعات الصناعة والزراعة والتعدين ولم يكن قطاع السياحة فاعلا اضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية الاخرى وزيادة نسبة العجز في الموازنة الاتحادية في ظل انخفاض أسعار النفط الخام في الاسواق العالمية وارتفاع نسبة الفقراء في المجتمع مع تفاقم أزمة السكن وفوضى القوانين حيث ما زلنا إلى اليوم نعمل بقوانين (مجلس قيادة الثورة ) المنحل، اضافة إلى انخفاض مستوى التعليم في العراق اذ اعتبرته المنظمات الدولية من أسوأ البلدان في مستوى التعليم ومن أكثر البلدان فسادا واعتبرت عاصمته بغداد من أسوأ المدن في جودة المعيشة، وبيئة العمل فيه طاردة للاستثمار فهو الاسوأ في كل شيء. ولذلك فان اعتماد برنامج الحزب الشيوعي العراقي في مجال السياسة الاقتصادية- الاجتماعية هو العلاج الشافي لأمراض الاقتصاد العراقي الريعي المتخلف، الاستهلاكي الاستيرادي غير المنتج.